المقدمة
نبذة تاريخية
الحمد لله والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم وعلى صحبه أجمعين وبعد..
يرى بعض الكتاب أن أوروبا هي أول من عرف أدب المقاومة وذلك حين وقعت في قبضة النازية، فكان الأدب أحد العناصر القتالية التي قاومتها ، وشنت عليها حرب بلا هوادة ، فقد بدأ الأدب يكشف مخازيها وإهدارها لكرامة الإنسان، فعبأ النفوس وأشعل جذوة الحماس ودعا للقتال ، ونادى لمقاومتها، حتى يتقلص ظلها وتذهب ريحها ، فتسلم البشرية من بالغ ضررها وعظيم خطرها.
هذه النظرة إن خلت من التعصب فهي قطعا لا تخلو من القصور، ذلك أن الأدب العربي قد سبق الأوروبي إلى ميدان المقاومة ، فهو حتى في جاهليته لم يكن بمعزل عن وجدان الأمة منصرفا عن احتياجاتها مقصراً في الذود عن قيمها. بل كان فكرها المدبر ولسانها المعبر يحدو مسيرتهــا، ويعبئ قواها، ويثر حماسها خاصة في الأوقات التي تتعرض فيها للهزائم العسكرية والهزات النفسية.
ونحن نعرف أن القبيلة في الجاهلية كانت تقيم الحفلات وتدق الطبول ابتهاجا بنبوغ شاعر، لأنه سيكون الناشر لأمجادها الذائد عن حياضها. وكان الشاعر إذا مدح قبيلة رفعها مكاناً عالياً رغم دنو منزلتها وقلة شأنها، وإذا هجا أخرى حط من قدرها وإن كان ذاهباً في أجواء السماء. ومرجع هذا طبيعة الكلمة العربية ذات الخاصية المتفردة ، فهي إذا ما صيغ منها شعر موزون أو نثر مسجوع فعلت في النفوس فعل السيف في
ولما جاء الإسلام بما خالف عليه العرب في حياتهم الدينية والاجتماعية وجد الشعر نفسه أمام معركة لم يلبث أن حدد فيها دوره وأخذ مكانه، وأعلن التزامه، فكان أحد الأدوات الحربية والوسائل النضالية، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحض حسان بن ثابت على قول الشعر رداً على المشركين، وكان يخبره أن شعره أشد عليهم من وقع النبال، ويدعو له: "اللهم أيده بروح القدس"[1]
وظل الشعر يواكب مسيرة الأمة في عصورها المختلفة، يتغنى بنصرها ويستعرض مواقف المجد والبطولة في تاريخها، ويستنهض هممها، ويحرك مشاعرها وينعى عليها تخاذلها وقعودها عن جهاد العدو المتربص بها الطامع في أرضها.. وهكذا مضى هذا التيار الهادر حتى وصل مداه في الأندلس.
ونعني به هنا الشعر الذي أنشئ أيام الحرب الإسلامية المسيحية التي دارت رحاها في جزيرة الأندلس ، وكما عرفنا آنفا بأن الأدب العربي حتى في جاهليته لم يخل من شعر المقاومة إلاً أنه لم يكن بالتوسع والعمق اللذين نجدهما في الأدب الأندلسي، ولعله مما أكسبه ذلك طبيعة الأحداث التي جرت في منطقته ، إذ أن الأمة الإسلامية لم تعرف في تاريخها الطويل نكبة كتلك التي وقعت في أندلسها ، ورغم ما وقع في مشرقها من حروب التتر والمغول والصليبيين إلاً أنها استطاعت أن تنتصر على هؤلاء جميعا ، وأن تخرج من تلك النكبات وهي أقوى عوداً وأمضى عزما وأشد مراساً بينما لم تستطع ذلك في الأندلس ، فقد تقلص هناك ظلها ، وطويت رايتها، وأفلت شمس وجودها، فلا عجب إن كان الشعر الأندلسي أكثر بكاء وأحر ندبا وأشد حرقة وأعلى صوتا وأعمق أثرا في استنهاض الهمم وتحريك المشاعر حتى شعرهم الرثائي لم يكن خلواً من المضامين النضالية والصرخات الإنذارية والإشراقات الوطنية فقد كانوا طوال فترة الحرب يعبئون الجهود ، ويشحذون العزائم ، وهم يرْثون المدن الضائعة ويبكون جمالها الذاهب ، وقد فطن بعض الكتاب لهذا : ((.. ولم تسقط مدينة في يد مسيحي الشمال إلا بكوها، وتفجعوا عليها تفجعا حاراً، وهو تفجع كانوا يضمنونه استصراخاً للمسلمين في مغارب الأرض ومشارقها لعلهم يستنقذون تلك المدن من براثن الأسبان، ويستعيدونها إلى حضيرة الإسلام قبل أن تدك هناك كل صروحه، وتسقط
كل رايته وأعلامه))2
وقد توسع مدلول المقاومة عندهم فشمل الدعوة إلى الثورة على الملوك الذين خضعوا لملوك النصارى، واستعانوا بهم على إخوانهم في العقيدة والوطن، كما شمل محاربة المنكرات الفاشية والمفاسد البادية بحسبانها سبب الضعف والهلاك ، وشمل كذلك الدعوة إلى الجهاد في سبيل الله ومقاومة العدو المغير ، كما شمل أيضاً البحث عن قيادة رشيدة تجمع شمل الأمة ، وتمضي بها في عزم وثبات ، ولا ننسى القصيدة المادحة التي مجدت الأبطال ، وتغنت بانتصاراتهم وقد استعانت في نقل التجربة وتكثيف العاطفة بالمعنى الحي والكلمة المؤثرة والصورة المعبرة التي تستلفت النظر ، وقد ارتفع صوت هذا الشعر حتى جاوز حدود الأندلس الجغرافية فشّرق وغرّب مستنجدا مستنهضاً.
ــــــــــــــــــــــــــ
(2) الفن ومذاهبه في الشعر العربي، شوقي ضيف، ط 6 القاهرة ، 1965م.
وقد أحببنا في هذا البحث أن تقف عند بعض ضروب المقاومة التي ألمحنا إليها آنفاً، وذلك على سبيل المثال لا الحصر، إذ أن تتبع جزئياتها والإلمام بها يحتاج إلى جهد متصل وبحث طويل.
نماذج من الشعر الاندلسي في شعر المقاومة
أولاً: نموذج من قصيدة للشاعر الأندلسي خلف بن فرج الألبيري في حكام غرناطة.
يقول الألبيري في حكام غرناطة:
ناد الملوك وقل لهم ماذا الذي أحدثتموه
أسلمتم الإسلام في أسر العدا وقعدتمو
وجب القيام عليكمو إذ بالنصارى قمتمو
لا تنكروا شق العصا فعصا النبي شققتمو3
فالشاعر هنا يعلنها ثورة على هؤلاء الحكام الذين فرطوا في الدفاع عن الإسلام وخذلوه حين أسلموه للأعداء برضوخهم لهم، فتخلوا عن قيمه، وقعدوا عن حمايته، وقد مضوا في هذا الطريق الخطر إلى غاية ما بعدها إلا العثور وذلك حين استعانوا بالنصارى بعضهم على بعض في عراكهم الذي هو غير معترك، ومن أجل ذلك وجب مقاومتهم وشق العصا عليهم، لأن طاعتهم والتسليم لهم سيقود حتما إلى نهاية أليمة وعاقبة مخزية وخيمة. والشاعر هنا يبرر الخروج على الملوك بأنهم أحدثوا في الإسلام حدثاً، وأنهم سلموه للأعداء، وقعدوا عن نصرته وأنهم عصوا رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهذه كلها براهين يسوقها لتأييد قضيته وتدعيم دعوته ووجاهة فكرته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(3) انظر، تاريخ الفكر الأندلسي، ترجمة حسين مؤنس ، القاهرة 1955م ، ص113.
وقد تناول الألبيري المنكرات، فشدد النكير على مرتكبيها مبيناً مضارها وخطورة انتشارها.
ثانياً: نموذج من شعر المقاومة عند سقوط طليطلة في يد الإسبان:
قال أحد الشعراء عند سقوط طليطلة، في يد الإسبان عام 478هـ:
فإن قلنا العقوبة أدركتهم وجاءهم مـــن الله النكير
فإنا مثلهم وأشد منهــم نجور وكيف يسلم من يجور
أنأمن أن يحـل بنا انتقام وفينـا الفسق أجمع والفجور
وأكل للحرام ولا اضطرار إليه فيسهل الأمــر العسير
يزول الستر عن قوم إذا ما على العصيان أرخيت الستور4
إن نكبة طليطلة لم تأت صدفة، بل تقدمتها أسباب مهدت لها، وساقت إليها، من تلك الأسباب ما ذكره الشاعر في أبياته المتقدمة، وكما هو واضح فإنا ما ذكره لم يكن قاصراً على طليطلة منتشرا بين أهلها وحدهم وإنما هو عام في كثير من الأقاليم والمدن، ولو أن المسلمين هناك وعوا الدرس لعادت نكبة طليطلة ربحاً لبقية مدن الأندلس ، ولكنهم استمرأوا ارتكاب المنكرات من فسق وفجور وأكل للحرام من غير اضطرار، ومن تجرؤ على حدود الله وارتكاب للمعاصي في السر والعلن، فلا عجب إن عمت مصيبتهم ونزلت من سماء الأندلس رايتهم.
ولا شك أن مقاومة هذه الأمراض الاجتماعية التي تفتك بالأمة أمر تحتمه المحافظة على جسم الأمة صحيحاً وروحها قويا وعزمها صلبا حديداً فذلك أدعى لصمودها أمام من عاداها وردٍ سهام من رماها. وكان الشعر يدعو إلى الجهاد، ويرغب فيه ذاكراً ما أعد للمجاهدين من أجر عظيم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(4) نفح الطيب، أحمد المقري، القاهرة 1302هـ، 2/592.
ثالثاً: الشاعر إبراهيم بن خلف المتوفى سنة 649هـ، والامر بورود المنايا.
يقول:
ورداً فمضمون نجاح المصدر عزة الدنيـا وفوز المـحشر
يا معشر العرب الذين تواراثوا شيم الحمية كابراً عـن كابر
إن الإله قد اشترى أرواحكـتم بيعوا ويهنيكم وفاء المشترى
أنتم أق بنصر ديـــن نبيكم وبكم تمهد في قديم الأعصـر
أنتم بنيتم ركنه فلتدعمـــوا ذاك البناء بكل لدن أسمـتـر
ولكم عزائم لو ركبتم بعضهـا ولكم عزائم لو ركبتم بعضـه
الكفر ممتد المطامع والــهدى مستمسك بذناب عيش أغبـر
والخيل تضمر في المرابط غيرة ألاً تجوس حريم رهـط أصفر
كم نكروا من معلم كـم دمروا من معشر كم غيروا من معشر
أين الحفائظ مالها لــم تنبعث أيـــن العزائم مالها لا تنبري
أيهزٌ منكم فارس في كفـــه سيفاً ودين محمد لـــم ينصر5
فالشاعر هنا يأمرهم بورود حوض المنايا جهاداً في سبيل الله ضامنا لهم نجاح المصدر فهو: إما نصر وسيادة وإما قتل وشهادة ، ثم يذكرهم بأنهم أهل الحمية الإسلامية والنخوة العربية التي هي إرث موروث لهم أبا عن جد مستنهضا بذلك ما همد من عزائمهم ومشعلاً ما خمد من رجولتهم، مذكراً لهم بأنهم قد باعوا أنفسهم وأموالهم لله تعالى مشيراً بذلك إلى قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ والإنجيل وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ..} 6
ــــــــــــــــــــــــــ
(5) انظر، تاريخ الفكر الأندلسي، مرجع سابق، ص153.
(6) سورة التوبة، 111 .
وهو هنا يعتصر رحيق الآيات ، ليأخذ من جماله زينة لأسلوبه ومن قوته دعماً لمعانيه ، فما دام الأمر كذلك فليس هناك أحد أحق بدعم هذا الدين منكم أنتم الذين بعتم أنفسكم وأموالكم في سبيله لقاء الجنة ، ثم أنتم الذين شيدتم أركانه، وأعليتم بنيانه، ومهدتم طريق نشره بين العالمين، ومما يعينكم على ذلك عزائمكم الماضية التي لو ركبتم بعضها لأغنتكم عن الخيول الضامرة، فلم هذا التقاعس والكفر مرفوع الراية ممتد الرواق مسنود الجانب طمعاً في القضاء على الإسلام بينما ((الهدى مستمسك بذناب عيش أغبر)) وهذا التعبير كناية عما يعانيه الإسلام الذي هو دين الهدى من اضطهاد وخذلان وانكسار جناح ، ثم يبالغ في استثارتهم فيقول إن هذا الأمر قد استفز حتى العجماوات ، فها هي الخيل تتحرق شوقا وتتحرك ضجراً في مرابطها ألا تجد سبيلا إلى ميدان الوغى لمقاتلة الرهط الكفار الذين أبطلوا سنن النبي محمد صلى الله عليه وسلم وعطلوا المنابر من دعوة التوحيد ونكروا المعالم وغيروا المشاعر، وقتلوا المسلمين، لعله بذلك يبعث عزائمهم، ويثير حفائظهم، ويدفع إلى الجهاد كتائبهم، ثم يخاطبهم في لهجة استنكارية ونغمة توبيخية فيقول:
أيهزٌ منكم فارس في كفه سيفاً ودين محمد لم ينصر
وقد سلكت هذه الكلمة مسلك الشدة في الخطاب والعنف في العتاب.
رابعاً: قصيدة الشاعر لسان الدين بن الخطيب إلى أهل المغرب:
تميزت قصيدة لسان الدين بن الخطيب التالية المتوفى سنة 776هـ إلى أهل المغرب حيث تعد أنموذجاً متميزا بالهدوء والرقة وقد قالها استنفاراً للجهاد وإغاثة الأندلس حيث يقول فيها:
إخواننا لا تنسوا الفضل والعطفا فقد كاد نور الله بالكفر أن يطفأ
وإذا بلغ الماء الزبا فتداركوا فقد بسط الدين الحنيف لكـم كفا
تحكم في سكان أندلس العدا فلهفا على الإسلام ما بينهم لهفا
ثغور غدت مثل الثغور ضواحكا أقام عليها الكفر يرشفها رشفا7
فهو يبدأ قصيدته بكلمة ((إخواننا)) لإثارة الحمية والعطف في نفوس المخاطبين إدراكا للإسلام الذي كاد الكفر يطفئ نوره وقد بلغ الأمر مبلغه من الشدة والحرج ولم يعد ممكن الاحتمال، وها هو الدين يبسط لكم كفه مستنجدا بعد أن مد الأعداء أياديهم إلى راياته، وبسطوا سطوته على أهله، وعاثوا في الأندلس فسادا، وأذاقوا أهلها ذلا واضطهادا، فمن ظمئ منهم لا يجد إلاً كأس المنية مشربا، فلم النوم والإغفاء وبلاد الإسلام لم ينم لها طرف ولا غفا لها جفن وها هم الأعداء قد أحاطوا من كل جانب.
وفي البيت الأخير يشير إلى ما عليه ثغور الإسلام من رونق وجمال، وكأنها بذلك تطمع الأعداء فيها، وتغريهم بالهجوم عليها.
ثم بين الصلة التي تجمعهم والحبل الذي يربطهم والعروة التي يعتصمون بها فقال:
وسيلتنا الإسلام وهو أخوة من الملأ الأعلى تقربنا زلفى
أخوفاً وقد لذنا بجاه من ارتضى وذلاً وقد عذنا بعز من استعفى
فهل ناصر مستبصر في يقينه يجير من استعدى ويكفي من استكفى
فقوموا برسم الحق فينا فقد عفى وهبوا لنصر الدين فينا فقد أشفى8
فالإسلام هو الدين الذي يجمع بين المسلمين على اختلاف أجناسهم وتباعد
ــــــــــــــــــــــــــ
(7) نهاية الأندلس، محمد عبد الله عنانر، القاهرة 1966م ، 190.
(8) المصدر السابق، ص199.
أقطارهم ويجعل منهم إخوة يأسى يعضهم لجراح بعض، ويسمو بأرواحهم إلى الملأ الأعلى، وبهم قوة تهوي على رأس العدو وتحطمه فهم على الله متوكلون وبنصره واثقون، فلم الخوف وهو أقوياء، ولم الذل وهم أعزاء، ولم التهيب وركنهم شديد.
ثم يلتفت فيسأل في لهفة وشوق عن رجل قوي اليقين واثق من نصر ربه ليكون غياثاً لهؤلاء الضعفاء، فيرد الطمأنينة إلى قلوبهم وسهام الأعداء إلى نحورهم ثم يعتب عليهم بأنهم قبائل لا يحصيها العدد، ولا يعوزها المدد، فليهبوا للجهاد بأموالهم فهم غيوث هاطلة...
خامساً: شعر المديح وعلاقته بالمقاومة:
ومما يدخل في شعر المقاومة المديح الذي مجد البطولة، وأثنى على الأبطال، وألهب المشاعر الوطنية، وأضرم القلوب والصدور غيرة وحماسا، ونظر بعين الأمل والرجاء لعله يرى تباشير النصر تلوح من قريب. من ذلك ما قاله أبو جعفر المرقشي من قصيدة يمدح بها أمير المؤمنين يوسف بن عبد الله المؤمن بن علي صاحب مراكش عندما دخل الأندلس، وأخذ يسترجع كثيرا مما أخذه النصارى من المدن مطلعها:
أبت غير ماء للنخيل ورودا وهامت به عذب الحمام ورودا
ويقول أيضاً:
يغادرهم جرحى وقتلى مبرحا ركوعا على وجه الفلا وسجودا9
فهو هنا يتطلع مستشرقا إلى اليوم الذي يرى فيه شمل الكفار مبدداً، وقد انتصر عليهم المسلمون بعد أن ألحموهم سيوف الحق، وجرعوهم كؤوس الموت.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(9) تاريخ الأندلس، يوسف أشباخ ترجمة محمد عبد الله عنان ، القاهرة 1958م ، ص 433.
المصادر والمراجع
تاريخ الأندلس، يوسف أشباخ، ترجمة محمد عبد الله عنان، القاهرة 1958م.
تاريخ الفكر الأندلسي، ترجمة حسين مؤنس، القاهرة 1955م.
الفن ومذاهبه في الشعر العربي، شوقي ضيف، ط 6، القاهرة، .1965.
عمدة القارئ شرح صحيح البخاري للبدر العيني ط 1، بيروت.
نفح الطيب، أحمد المقري، القاهرة 1302هـ.
نهاية الأندلس، محمد عبد الله عنانر، القاهرة 1966م.
نبذة تاريخية
الحمد لله والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم وعلى صحبه أجمعين وبعد..
يرى بعض الكتاب أن أوروبا هي أول من عرف أدب المقاومة وذلك حين وقعت في قبضة النازية، فكان الأدب أحد العناصر القتالية التي قاومتها ، وشنت عليها حرب بلا هوادة ، فقد بدأ الأدب يكشف مخازيها وإهدارها لكرامة الإنسان، فعبأ النفوس وأشعل جذوة الحماس ودعا للقتال ، ونادى لمقاومتها، حتى يتقلص ظلها وتذهب ريحها ، فتسلم البشرية من بالغ ضررها وعظيم خطرها.
هذه النظرة إن خلت من التعصب فهي قطعا لا تخلو من القصور، ذلك أن الأدب العربي قد سبق الأوروبي إلى ميدان المقاومة ، فهو حتى في جاهليته لم يكن بمعزل عن وجدان الأمة منصرفا عن احتياجاتها مقصراً في الذود عن قيمها. بل كان فكرها المدبر ولسانها المعبر يحدو مسيرتهــا، ويعبئ قواها، ويثر حماسها خاصة في الأوقات التي تتعرض فيها للهزائم العسكرية والهزات النفسية.
ونحن نعرف أن القبيلة في الجاهلية كانت تقيم الحفلات وتدق الطبول ابتهاجا بنبوغ شاعر، لأنه سيكون الناشر لأمجادها الذائد عن حياضها. وكان الشاعر إذا مدح قبيلة رفعها مكاناً عالياً رغم دنو منزلتها وقلة شأنها، وإذا هجا أخرى حط من قدرها وإن كان ذاهباً في أجواء السماء. ومرجع هذا طبيعة الكلمة العربية ذات الخاصية المتفردة ، فهي إذا ما صيغ منها شعر موزون أو نثر مسجوع فعلت في النفوس فعل السيف في
ولما جاء الإسلام بما خالف عليه العرب في حياتهم الدينية والاجتماعية وجد الشعر نفسه أمام معركة لم يلبث أن حدد فيها دوره وأخذ مكانه، وأعلن التزامه، فكان أحد الأدوات الحربية والوسائل النضالية، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحض حسان بن ثابت على قول الشعر رداً على المشركين، وكان يخبره أن شعره أشد عليهم من وقع النبال، ويدعو له: "اللهم أيده بروح القدس"[1]
وظل الشعر يواكب مسيرة الأمة في عصورها المختلفة، يتغنى بنصرها ويستعرض مواقف المجد والبطولة في تاريخها، ويستنهض هممها، ويحرك مشاعرها وينعى عليها تخاذلها وقعودها عن جهاد العدو المتربص بها الطامع في أرضها.. وهكذا مضى هذا التيار الهادر حتى وصل مداه في الأندلس.
ونعني به هنا الشعر الذي أنشئ أيام الحرب الإسلامية المسيحية التي دارت رحاها في جزيرة الأندلس ، وكما عرفنا آنفا بأن الأدب العربي حتى في جاهليته لم يخل من شعر المقاومة إلاً أنه لم يكن بالتوسع والعمق اللذين نجدهما في الأدب الأندلسي، ولعله مما أكسبه ذلك طبيعة الأحداث التي جرت في منطقته ، إذ أن الأمة الإسلامية لم تعرف في تاريخها الطويل نكبة كتلك التي وقعت في أندلسها ، ورغم ما وقع في مشرقها من حروب التتر والمغول والصليبيين إلاً أنها استطاعت أن تنتصر على هؤلاء جميعا ، وأن تخرج من تلك النكبات وهي أقوى عوداً وأمضى عزما وأشد مراساً بينما لم تستطع ذلك في الأندلس ، فقد تقلص هناك ظلها ، وطويت رايتها، وأفلت شمس وجودها، فلا عجب إن كان الشعر الأندلسي أكثر بكاء وأحر ندبا وأشد حرقة وأعلى صوتا وأعمق أثرا في استنهاض الهمم وتحريك المشاعر حتى شعرهم الرثائي لم يكن خلواً من المضامين النضالية والصرخات الإنذارية والإشراقات الوطنية فقد كانوا طوال فترة الحرب يعبئون الجهود ، ويشحذون العزائم ، وهم يرْثون المدن الضائعة ويبكون جمالها الذاهب ، وقد فطن بعض الكتاب لهذا : ((.. ولم تسقط مدينة في يد مسيحي الشمال إلا بكوها، وتفجعوا عليها تفجعا حاراً، وهو تفجع كانوا يضمنونه استصراخاً للمسلمين في مغارب الأرض ومشارقها لعلهم يستنقذون تلك المدن من براثن الأسبان، ويستعيدونها إلى حضيرة الإسلام قبل أن تدك هناك كل صروحه، وتسقط
كل رايته وأعلامه))2
وقد توسع مدلول المقاومة عندهم فشمل الدعوة إلى الثورة على الملوك الذين خضعوا لملوك النصارى، واستعانوا بهم على إخوانهم في العقيدة والوطن، كما شمل محاربة المنكرات الفاشية والمفاسد البادية بحسبانها سبب الضعف والهلاك ، وشمل كذلك الدعوة إلى الجهاد في سبيل الله ومقاومة العدو المغير ، كما شمل أيضاً البحث عن قيادة رشيدة تجمع شمل الأمة ، وتمضي بها في عزم وثبات ، ولا ننسى القصيدة المادحة التي مجدت الأبطال ، وتغنت بانتصاراتهم وقد استعانت في نقل التجربة وتكثيف العاطفة بالمعنى الحي والكلمة المؤثرة والصورة المعبرة التي تستلفت النظر ، وقد ارتفع صوت هذا الشعر حتى جاوز حدود الأندلس الجغرافية فشّرق وغرّب مستنجدا مستنهضاً.
ــــــــــــــــــــــــــ
(2) الفن ومذاهبه في الشعر العربي، شوقي ضيف، ط 6 القاهرة ، 1965م.
وقد أحببنا في هذا البحث أن تقف عند بعض ضروب المقاومة التي ألمحنا إليها آنفاً، وذلك على سبيل المثال لا الحصر، إذ أن تتبع جزئياتها والإلمام بها يحتاج إلى جهد متصل وبحث طويل.
نماذج من الشعر الاندلسي في شعر المقاومة
أولاً: نموذج من قصيدة للشاعر الأندلسي خلف بن فرج الألبيري في حكام غرناطة.
يقول الألبيري في حكام غرناطة:
ناد الملوك وقل لهم ماذا الذي أحدثتموه
أسلمتم الإسلام في أسر العدا وقعدتمو
وجب القيام عليكمو إذ بالنصارى قمتمو
لا تنكروا شق العصا فعصا النبي شققتمو3
فالشاعر هنا يعلنها ثورة على هؤلاء الحكام الذين فرطوا في الدفاع عن الإسلام وخذلوه حين أسلموه للأعداء برضوخهم لهم، فتخلوا عن قيمه، وقعدوا عن حمايته، وقد مضوا في هذا الطريق الخطر إلى غاية ما بعدها إلا العثور وذلك حين استعانوا بالنصارى بعضهم على بعض في عراكهم الذي هو غير معترك، ومن أجل ذلك وجب مقاومتهم وشق العصا عليهم، لأن طاعتهم والتسليم لهم سيقود حتما إلى نهاية أليمة وعاقبة مخزية وخيمة. والشاعر هنا يبرر الخروج على الملوك بأنهم أحدثوا في الإسلام حدثاً، وأنهم سلموه للأعداء، وقعدوا عن نصرته وأنهم عصوا رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهذه كلها براهين يسوقها لتأييد قضيته وتدعيم دعوته ووجاهة فكرته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(3) انظر، تاريخ الفكر الأندلسي، ترجمة حسين مؤنس ، القاهرة 1955م ، ص113.
وقد تناول الألبيري المنكرات، فشدد النكير على مرتكبيها مبيناً مضارها وخطورة انتشارها.
ثانياً: نموذج من شعر المقاومة عند سقوط طليطلة في يد الإسبان:
قال أحد الشعراء عند سقوط طليطلة، في يد الإسبان عام 478هـ:
فإن قلنا العقوبة أدركتهم وجاءهم مـــن الله النكير
فإنا مثلهم وأشد منهــم نجور وكيف يسلم من يجور
أنأمن أن يحـل بنا انتقام وفينـا الفسق أجمع والفجور
وأكل للحرام ولا اضطرار إليه فيسهل الأمــر العسير
يزول الستر عن قوم إذا ما على العصيان أرخيت الستور4
إن نكبة طليطلة لم تأت صدفة، بل تقدمتها أسباب مهدت لها، وساقت إليها، من تلك الأسباب ما ذكره الشاعر في أبياته المتقدمة، وكما هو واضح فإنا ما ذكره لم يكن قاصراً على طليطلة منتشرا بين أهلها وحدهم وإنما هو عام في كثير من الأقاليم والمدن، ولو أن المسلمين هناك وعوا الدرس لعادت نكبة طليطلة ربحاً لبقية مدن الأندلس ، ولكنهم استمرأوا ارتكاب المنكرات من فسق وفجور وأكل للحرام من غير اضطرار، ومن تجرؤ على حدود الله وارتكاب للمعاصي في السر والعلن، فلا عجب إن عمت مصيبتهم ونزلت من سماء الأندلس رايتهم.
ولا شك أن مقاومة هذه الأمراض الاجتماعية التي تفتك بالأمة أمر تحتمه المحافظة على جسم الأمة صحيحاً وروحها قويا وعزمها صلبا حديداً فذلك أدعى لصمودها أمام من عاداها وردٍ سهام من رماها. وكان الشعر يدعو إلى الجهاد، ويرغب فيه ذاكراً ما أعد للمجاهدين من أجر عظيم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(4) نفح الطيب، أحمد المقري، القاهرة 1302هـ، 2/592.
ثالثاً: الشاعر إبراهيم بن خلف المتوفى سنة 649هـ، والامر بورود المنايا.
يقول:
ورداً فمضمون نجاح المصدر عزة الدنيـا وفوز المـحشر
يا معشر العرب الذين تواراثوا شيم الحمية كابراً عـن كابر
إن الإله قد اشترى أرواحكـتم بيعوا ويهنيكم وفاء المشترى
أنتم أق بنصر ديـــن نبيكم وبكم تمهد في قديم الأعصـر
أنتم بنيتم ركنه فلتدعمـــوا ذاك البناء بكل لدن أسمـتـر
ولكم عزائم لو ركبتم بعضهـا ولكم عزائم لو ركبتم بعضـه
الكفر ممتد المطامع والــهدى مستمسك بذناب عيش أغبـر
والخيل تضمر في المرابط غيرة ألاً تجوس حريم رهـط أصفر
كم نكروا من معلم كـم دمروا من معشر كم غيروا من معشر
أين الحفائظ مالها لــم تنبعث أيـــن العزائم مالها لا تنبري
أيهزٌ منكم فارس في كفـــه سيفاً ودين محمد لـــم ينصر5
فالشاعر هنا يأمرهم بورود حوض المنايا جهاداً في سبيل الله ضامنا لهم نجاح المصدر فهو: إما نصر وسيادة وإما قتل وشهادة ، ثم يذكرهم بأنهم أهل الحمية الإسلامية والنخوة العربية التي هي إرث موروث لهم أبا عن جد مستنهضا بذلك ما همد من عزائمهم ومشعلاً ما خمد من رجولتهم، مذكراً لهم بأنهم قد باعوا أنفسهم وأموالهم لله تعالى مشيراً بذلك إلى قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ والإنجيل وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ..} 6
ــــــــــــــــــــــــــ
(5) انظر، تاريخ الفكر الأندلسي، مرجع سابق، ص153.
(6) سورة التوبة، 111 .
وهو هنا يعتصر رحيق الآيات ، ليأخذ من جماله زينة لأسلوبه ومن قوته دعماً لمعانيه ، فما دام الأمر كذلك فليس هناك أحد أحق بدعم هذا الدين منكم أنتم الذين بعتم أنفسكم وأموالكم في سبيله لقاء الجنة ، ثم أنتم الذين شيدتم أركانه، وأعليتم بنيانه، ومهدتم طريق نشره بين العالمين، ومما يعينكم على ذلك عزائمكم الماضية التي لو ركبتم بعضها لأغنتكم عن الخيول الضامرة، فلم هذا التقاعس والكفر مرفوع الراية ممتد الرواق مسنود الجانب طمعاً في القضاء على الإسلام بينما ((الهدى مستمسك بذناب عيش أغبر)) وهذا التعبير كناية عما يعانيه الإسلام الذي هو دين الهدى من اضطهاد وخذلان وانكسار جناح ، ثم يبالغ في استثارتهم فيقول إن هذا الأمر قد استفز حتى العجماوات ، فها هي الخيل تتحرق شوقا وتتحرك ضجراً في مرابطها ألا تجد سبيلا إلى ميدان الوغى لمقاتلة الرهط الكفار الذين أبطلوا سنن النبي محمد صلى الله عليه وسلم وعطلوا المنابر من دعوة التوحيد ونكروا المعالم وغيروا المشاعر، وقتلوا المسلمين، لعله بذلك يبعث عزائمهم، ويثير حفائظهم، ويدفع إلى الجهاد كتائبهم، ثم يخاطبهم في لهجة استنكارية ونغمة توبيخية فيقول:
أيهزٌ منكم فارس في كفه سيفاً ودين محمد لم ينصر
وقد سلكت هذه الكلمة مسلك الشدة في الخطاب والعنف في العتاب.
رابعاً: قصيدة الشاعر لسان الدين بن الخطيب إلى أهل المغرب:
تميزت قصيدة لسان الدين بن الخطيب التالية المتوفى سنة 776هـ إلى أهل المغرب حيث تعد أنموذجاً متميزا بالهدوء والرقة وقد قالها استنفاراً للجهاد وإغاثة الأندلس حيث يقول فيها:
إخواننا لا تنسوا الفضل والعطفا فقد كاد نور الله بالكفر أن يطفأ
وإذا بلغ الماء الزبا فتداركوا فقد بسط الدين الحنيف لكـم كفا
تحكم في سكان أندلس العدا فلهفا على الإسلام ما بينهم لهفا
ثغور غدت مثل الثغور ضواحكا أقام عليها الكفر يرشفها رشفا7
فهو يبدأ قصيدته بكلمة ((إخواننا)) لإثارة الحمية والعطف في نفوس المخاطبين إدراكا للإسلام الذي كاد الكفر يطفئ نوره وقد بلغ الأمر مبلغه من الشدة والحرج ولم يعد ممكن الاحتمال، وها هو الدين يبسط لكم كفه مستنجدا بعد أن مد الأعداء أياديهم إلى راياته، وبسطوا سطوته على أهله، وعاثوا في الأندلس فسادا، وأذاقوا أهلها ذلا واضطهادا، فمن ظمئ منهم لا يجد إلاً كأس المنية مشربا، فلم النوم والإغفاء وبلاد الإسلام لم ينم لها طرف ولا غفا لها جفن وها هم الأعداء قد أحاطوا من كل جانب.
وفي البيت الأخير يشير إلى ما عليه ثغور الإسلام من رونق وجمال، وكأنها بذلك تطمع الأعداء فيها، وتغريهم بالهجوم عليها.
ثم بين الصلة التي تجمعهم والحبل الذي يربطهم والعروة التي يعتصمون بها فقال:
وسيلتنا الإسلام وهو أخوة من الملأ الأعلى تقربنا زلفى
أخوفاً وقد لذنا بجاه من ارتضى وذلاً وقد عذنا بعز من استعفى
فهل ناصر مستبصر في يقينه يجير من استعدى ويكفي من استكفى
فقوموا برسم الحق فينا فقد عفى وهبوا لنصر الدين فينا فقد أشفى8
فالإسلام هو الدين الذي يجمع بين المسلمين على اختلاف أجناسهم وتباعد
ــــــــــــــــــــــــــ
(7) نهاية الأندلس، محمد عبد الله عنانر، القاهرة 1966م ، 190.
(8) المصدر السابق، ص199.
أقطارهم ويجعل منهم إخوة يأسى يعضهم لجراح بعض، ويسمو بأرواحهم إلى الملأ الأعلى، وبهم قوة تهوي على رأس العدو وتحطمه فهم على الله متوكلون وبنصره واثقون، فلم الخوف وهو أقوياء، ولم الذل وهم أعزاء، ولم التهيب وركنهم شديد.
ثم يلتفت فيسأل في لهفة وشوق عن رجل قوي اليقين واثق من نصر ربه ليكون غياثاً لهؤلاء الضعفاء، فيرد الطمأنينة إلى قلوبهم وسهام الأعداء إلى نحورهم ثم يعتب عليهم بأنهم قبائل لا يحصيها العدد، ولا يعوزها المدد، فليهبوا للجهاد بأموالهم فهم غيوث هاطلة...
خامساً: شعر المديح وعلاقته بالمقاومة:
ومما يدخل في شعر المقاومة المديح الذي مجد البطولة، وأثنى على الأبطال، وألهب المشاعر الوطنية، وأضرم القلوب والصدور غيرة وحماسا، ونظر بعين الأمل والرجاء لعله يرى تباشير النصر تلوح من قريب. من ذلك ما قاله أبو جعفر المرقشي من قصيدة يمدح بها أمير المؤمنين يوسف بن عبد الله المؤمن بن علي صاحب مراكش عندما دخل الأندلس، وأخذ يسترجع كثيرا مما أخذه النصارى من المدن مطلعها:
أبت غير ماء للنخيل ورودا وهامت به عذب الحمام ورودا
ويقول أيضاً:
يغادرهم جرحى وقتلى مبرحا ركوعا على وجه الفلا وسجودا9
فهو هنا يتطلع مستشرقا إلى اليوم الذي يرى فيه شمل الكفار مبدداً، وقد انتصر عليهم المسلمون بعد أن ألحموهم سيوف الحق، وجرعوهم كؤوس الموت.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(9) تاريخ الأندلس، يوسف أشباخ ترجمة محمد عبد الله عنان ، القاهرة 1958م ، ص 433.
المصادر والمراجع
تاريخ الأندلس، يوسف أشباخ، ترجمة محمد عبد الله عنان، القاهرة 1958م.
تاريخ الفكر الأندلسي، ترجمة حسين مؤنس، القاهرة 1955م.
الفن ومذاهبه في الشعر العربي، شوقي ضيف، ط 6، القاهرة، .1965.
عمدة القارئ شرح صحيح البخاري للبدر العيني ط 1، بيروت.
نفح الطيب، أحمد المقري، القاهرة 1302هـ.
نهاية الأندلس، محمد عبد الله عنانر، القاهرة 1966م.