ياسر جمعة
(تلويحة)
يوقظني الشجار
اليومي
للجارة وطفلها
من حلمٍ
رأيتُ فيه المصابين بالفَيروس
وقد انتشروا في شوارع العالم
الخالية تمامًا
إلا منهم
حيث كانوا يتقافزون
سعداء
بنجاتهم من هذا الخوف المميت
الذي سجن باقي الناس
هؤلاء
الذين كانوا يراقبونهم من وراء نوافذهم
دون أن يعلموا
أنَّ سُعداء الشوارع
يرونَهم كأشباحٍ فقدتْ قدرتها
القديمة
على التحرِّك السلس
لذا فتحتُ عينَي وهناك طيفُ ابتسامةٍ
اتَّسعتْ
ما إن سمعتُ الجارة
التي كان صوتها حادًا ومستفزًا
وهي تُخبِرُ طفلها
أنها تعلم أنه هو من ألقى بكرته
كي ينزل
وهذا لن تسمحَ به أبدًا
ولتذهب الكرة إلى الجحيم
فأنكر الطفل
بصوتٍ أقلُّ حِدَّةٍ من الشجارات السابقة
بل وراح يُقسِمُ لها
أنها وقعتْ دون قصدٍ منه
فقالت صارخةً: "مافيش نزول"
وحلَّ صمتٌ
أطفأَ ابتسامتي
وجعلني أتخيَّل الصغير
الذي لا أعرف شكله ولا في أيّ طابقٍ يسكن
وقد خرج إلى شرفته
وراح ينظر إلى كرته
التي كان يلاعبها الهواء
وهو يفكِّر
أنها
قد نجتْ من هذا الحصار الخانق
وتخيَّلتُهُ وهو يبتسم
ثم رفع كفَّه
الصغيرة
وأخذ يُلوِّح لها.
----------------- -------------
قراءتي النقدية
تتجلّى في هذا النص معاني الحرية بكلّ أشكالها وقد استثمر الكاتب (الوضع العالمي) الراهن لنسج حكايته بتكتيكٍ رهيبٍ ابتدأ بالاستيقاظ على صوت شجارٍ بات مألوفًا في أيامنا هذه نتيجة الحجر المنزليّ المفروض على جميع أهل الأرض قاطبةً فنلمس كيف أنّ القاص وِفِّق في توصيف العلاقات الراهنة نتيجة هذا الحجر وما يعتريها من إرهاصاتٍ شعوريّةٍ تتعارض مع ما هو مفروض وقد أخذ منها مشهدية طفلٍ تتوق روحه لممارسة بعضٍ من حقوقه وأهمها "حق اللعب" في ظلّ الحجِر المفروض والذي قد لا يفهمه الأطفال ولا يقدرونه كما (قد) يفعل الكبار؛فيتسجيب الحدث للحبكة بشكل تشابكي مع عقدة النص في أبعاده المختلفة وظلالها كالخوف على أطفالنا من هذا الأختبوط الذي ظهر فجأةً ليخيف العالم (أجمع) الذي نجح نجاحًا منقطع النظير في مدّ أذرعه المخيفة حول العالم ليقتلنا الخوف منه قبل أن يصل إلينا، وقد تمظهر ذلك جليّا في قول القاص :
(حيث كانوا يتقافزون سعداء بنجاتهم من هذا الخوف المميت)
ثم يأخذنا القاص ببراعة للجدل الدائر بين الطفل وأمّه حول سقوط الكرة أو بالأصح هروبها إلى الشارع بعد أن ضاقت ذرعًا بحبسها داخل أربعة جدران، وكأنه بذلك أي "القاص" يخبرنا أن للكرة روح تكره الحجر وتتوق إلى الحرية لكنها لا تفقه لغة الحجر ولا اللهجة الصارمة التي حدّثت بها الأم طفلها مانعةً إياه من النزول إلى الشارع بحجة إحضار الكرة صارخةً زاجرةً :
(ما فيش نزول) ولتذهب الكرة إلى الجحيم ..
ليسافر بنا القاص عبر خياله الإنسانيّ الذي رقَّ لحال الصغير فمحا ابتسامته متخيَّلًا هيئة الطفل وهو ينظر من شرفته إلى كرته التي كان "يلاعبها الهواء" جملة تفوق الجمال لشدة بلاغتها وتُضمر الكثير من التضمين والترميز وتُدلّل على كثير من المعاني أقلها أن النفس تميل إلى ما تحب وهل أحب إلى النفس من هوى الحرية، وأكثرها أن الشارع خاوٍ من كل شيء حتى من ضحكات الأطفال ولعبهم،، تصفر فيه ريح الوحشة والحنين، ورغم ذلك تبقى الكرة ليست البطل الوحيد في هذا النص بل الناجية الوحيدة من هذا الحصار الخانق
ولتلويحة القاص المبدع ياسر جمعة
الكثير الكثير الذي لم أقلْهُ بعد والذي لا يتسع له المقال هنا!
تحيّة تليق بهذا الفكر الإنسانيّ الخلّاق
(تلويحة)
يوقظني الشجار
اليومي
للجارة وطفلها
من حلمٍ
رأيتُ فيه المصابين بالفَيروس
وقد انتشروا في شوارع العالم
الخالية تمامًا
إلا منهم
حيث كانوا يتقافزون
سعداء
بنجاتهم من هذا الخوف المميت
الذي سجن باقي الناس
هؤلاء
الذين كانوا يراقبونهم من وراء نوافذهم
دون أن يعلموا
أنَّ سُعداء الشوارع
يرونَهم كأشباحٍ فقدتْ قدرتها
القديمة
على التحرِّك السلس
لذا فتحتُ عينَي وهناك طيفُ ابتسامةٍ
اتَّسعتْ
ما إن سمعتُ الجارة
التي كان صوتها حادًا ومستفزًا
وهي تُخبِرُ طفلها
أنها تعلم أنه هو من ألقى بكرته
كي ينزل
وهذا لن تسمحَ به أبدًا
ولتذهب الكرة إلى الجحيم
فأنكر الطفل
بصوتٍ أقلُّ حِدَّةٍ من الشجارات السابقة
بل وراح يُقسِمُ لها
أنها وقعتْ دون قصدٍ منه
فقالت صارخةً: "مافيش نزول"
وحلَّ صمتٌ
أطفأَ ابتسامتي
وجعلني أتخيَّل الصغير
الذي لا أعرف شكله ولا في أيّ طابقٍ يسكن
وقد خرج إلى شرفته
وراح ينظر إلى كرته
التي كان يلاعبها الهواء
وهو يفكِّر
أنها
قد نجتْ من هذا الحصار الخانق
وتخيَّلتُهُ وهو يبتسم
ثم رفع كفَّه
الصغيرة
وأخذ يُلوِّح لها.
----------------- -------------
قراءتي النقدية
تتجلّى في هذا النص معاني الحرية بكلّ أشكالها وقد استثمر الكاتب (الوضع العالمي) الراهن لنسج حكايته بتكتيكٍ رهيبٍ ابتدأ بالاستيقاظ على صوت شجارٍ بات مألوفًا في أيامنا هذه نتيجة الحجر المنزليّ المفروض على جميع أهل الأرض قاطبةً فنلمس كيف أنّ القاص وِفِّق في توصيف العلاقات الراهنة نتيجة هذا الحجر وما يعتريها من إرهاصاتٍ شعوريّةٍ تتعارض مع ما هو مفروض وقد أخذ منها مشهدية طفلٍ تتوق روحه لممارسة بعضٍ من حقوقه وأهمها "حق اللعب" في ظلّ الحجِر المفروض والذي قد لا يفهمه الأطفال ولا يقدرونه كما (قد) يفعل الكبار؛فيتسجيب الحدث للحبكة بشكل تشابكي مع عقدة النص في أبعاده المختلفة وظلالها كالخوف على أطفالنا من هذا الأختبوط الذي ظهر فجأةً ليخيف العالم (أجمع) الذي نجح نجاحًا منقطع النظير في مدّ أذرعه المخيفة حول العالم ليقتلنا الخوف منه قبل أن يصل إلينا، وقد تمظهر ذلك جليّا في قول القاص :
(حيث كانوا يتقافزون سعداء بنجاتهم من هذا الخوف المميت)
ثم يأخذنا القاص ببراعة للجدل الدائر بين الطفل وأمّه حول سقوط الكرة أو بالأصح هروبها إلى الشارع بعد أن ضاقت ذرعًا بحبسها داخل أربعة جدران، وكأنه بذلك أي "القاص" يخبرنا أن للكرة روح تكره الحجر وتتوق إلى الحرية لكنها لا تفقه لغة الحجر ولا اللهجة الصارمة التي حدّثت بها الأم طفلها مانعةً إياه من النزول إلى الشارع بحجة إحضار الكرة صارخةً زاجرةً :
(ما فيش نزول) ولتذهب الكرة إلى الجحيم ..
ليسافر بنا القاص عبر خياله الإنسانيّ الذي رقَّ لحال الصغير فمحا ابتسامته متخيَّلًا هيئة الطفل وهو ينظر من شرفته إلى كرته التي كان "يلاعبها الهواء" جملة تفوق الجمال لشدة بلاغتها وتُضمر الكثير من التضمين والترميز وتُدلّل على كثير من المعاني أقلها أن النفس تميل إلى ما تحب وهل أحب إلى النفس من هوى الحرية، وأكثرها أن الشارع خاوٍ من كل شيء حتى من ضحكات الأطفال ولعبهم،، تصفر فيه ريح الوحشة والحنين، ورغم ذلك تبقى الكرة ليست البطل الوحيد في هذا النص بل الناجية الوحيدة من هذا الحصار الخانق
ولتلويحة القاص المبدع ياسر جمعة
الكثير الكثير الذي لم أقلْهُ بعد والذي لا يتسع له المقال هنا!
تحيّة تليق بهذا الفكر الإنسانيّ الخلّاق