- رسالتان من حسب الشيخ جعفر الى نصيف الناصري
أخي العزيز نصيف ..
تحية ومحبة ..
وصلتني رسالتك وأنا أشكرك .. سافر هادي الى النروج وانتقل البياتي الى دمشق ليقطن هناك .. سعدي دائم السفر . لم يبق من الأصدقاء إلاّ الدكتور خالد السلطاني وهو يحييك ويسأل عن أخبارك . أنا أكتب باستمرار طرداً للوحشة . نشرتُ في مجلة عمّان قصيدة عنّا وعن { الغرفة } قرب القلعة ونشرتُ قصيدة أخرى في الدستور عنّا أيضاً وعن بيت الصفيح ولحية النحات الغليظ كما تدعوه أنت أيها اللعين . أتذكر صيحتي مخاطباً إياك : نصيف . وجوابك : نعم استاذ . ما أطيبك يا نصيف ، وما أطيب حديثك الفصيح مع انك خريج محو الأمية . الآن . الليل يهبط على عمّان الطيبة ، الدافئة كقلب طيب وأنا أكتب تحت ضوء مصباح المنضدة . بعد قليل سأقيم حفلي الصغير الساهر مع نفسي والتلفاز . قرأت قصائدك في { الزمان } وقد أعجبتني . مزيداً من الشعر أيها الصعلوك الرائع . أحياناً أستريحُ الى زجاجة جعة في بار هلتون منفرداً ، فقد ارتحل أبو لوز . السماء غائمة . والأصدقاء يرحلون الواحد بعد الآخر كما قال اراكَون . من أين لي بكأس جعة في هذه الأمسية وأنا أكتب اليك ؟ أنا أكسل من أن أركب الى الدوّار الثامن فأعود ببغيتي . لا ضير ، فلم تبرح القنينة مترعة بموّالها وسأفتضها بعد أن أنتهي من رسالتك ، أما المزّة فهي الكلمنتينا كما نصحتني بها مرّة . كنّا في وداع هادي . لم أشأ الحضور إلاّ أن الدكتور خالد أصرّ ، فلبثنا معه ساعة . ترك هادي كآبة في النفس مثلما تركتها أنت ، غير أني سعيد برحيلكما الى أوربا الحسناء . ما الذي يصنعه الشاعر متسكعاً تحت أشجار الأرصفة دونما حديقة ؟ حبذا الرحيل في مركب أبيض الى أيما ساحل يضيء حاناته . حبذا الجلوس مع الصبايا في البارات . قُتل لوركا وارتحل الغجر تحت الزوابع الممطرة . الوقت يتحرك كمياه ساقية راكدة ، غير أن القدح سيرّن وتقدح المجرّات باشاراتها الضوئية . هل تتجمع الثقوب الكونية السوداء على حياة قادمة ؟ تحياتي الى أمل الجميلة . عسى أن تلتقيها يا عاشقاً في معطف مستهلك . ليكن شعارك : أمل أو الموت . بدلاً من : الحرية أو الموت .
أخوك
أبو نؤاس
16 / 12 / 1998
********
الأردن – عمّان
16 / 10
ألم تتصل بأمل ؟ هل هجرت شفيعها ؟
أخي وصديقي الطيّب نصيف بن ثجيل ..
أصافحك بحرارة وأسأل الله أن يشملك بظل من رعايته ولطفه . واضح انك لم تزل رهين المحابس الثلاثة : الفقر والسكر والصعلكة . متى تراجع نفسك ؟ متى تقرأ ؟ متى تكتب ؟ لستُ واعظاً ولا أحبّ من يعظ وينصح ، انما هي كلمات طالما قلناها لك . تشكو الافلاس الأبدي وكأنك في بيت الصفيح .. لماذا توزع جسمك في جسوم كثيرة ؟ تأخذ راتبك الى أقرب مخزن أو مطعم وتنفقه على رفاق ليلة سرعان ما يتفرقون عنك ، تاركين إياك لجيبك الفارغ وفوضاك ووحشتك . حبذا لو صرفت نصف الراتب على صديقة لك . حبذا لو تذكرت أهلك بشيء منه . لا جدوى من الحديث مع مجنون أو مخبول مثلك . لقد انقضى زمن الطيبة والكرم . يأكلون زادك وينفضّون عنك دون أن يتذكرك أحد منهم بكلمة خير . لا فائدة من الكلام معك . أنا الآن وحيد وحدة مطلقة . لا أرى أحداً . لا افكر بلقاء أحد . لا أتذكر أحداً . الأفق مظلم بهيم . لا مستقبل لي . لا عمل ، إلاّ ما أبعث به الى الجرائد . الى جرائد قد توصد أبوابها في وجهي بين ساعة وأخرى . وبعدئذ ما العمل ؟ والى أين ؟ لا أفكر بالانتحار . ولا بالعودة الى هناك .. ألم تكن تحلم بأوربا ؟ فلماذا الخيبة ولماذا القنوط ؟ حاول أن تصاحب فتاة سويدية تتعلم منها اللغة وتعيش أوقاتاً ممتعة . الشتاء رائع في الشمال الأوربي . البرد القارس والليل الذي { يطبق } على المدينة منذ الساعة الرابعة مساء . ربما الساعة الثالثة . وأيّ ضير ؟ يمكنك الجلوس مع امرأة الى مائدة حانة ، أو في غرفتك . يمكنك الانصراف الى قراءة { الحرب والسلام } أو { البحث عن الزمن المفقود } . أنا أهذي . عشتُ قبلك شتاء روسيا . شتاء لينا الروسية الرائعة . كنّا نتجول في قلب الزوابع الثلجية . في حدائق الصيف والضواحي . أعرف أن الزمن قد تغيّر وقد أمست الحياة متكدرة . غالية الأسعار في كل مكان ، غير انك بلمسة يد امرأة . قراءة كتاب . بقنينة نبيذ مع صديقة حلوة . بلقاء معها تحت الثلوج المتهاطلة . تجد شيئاً من الراحة . تجد قطرة من الحياة . ابحث عن هذه القطرة يا نصيف بن ثجيل . الشرب مع امرأة واحدة خير من الشرب مع الف رجل . ألم تهززك ابتسامة شقراء في المترو ؟ كان بار هلتون عزاء وملاذاً لي إلاّ انه أغلق ولا أدري متى يفتح بابه لأبناء السبيل . بار الشرق لا يلائم مزاجاً مثل مزاجي . ذهب أبو لوز الى الامارات منذ شهور ، فلا جليس لي غير الذكرى الباهتة . أنا أشرب يومياً كما تعرف وأكتب وأنشر وأقبض بعض المال لأهلي ولي . أنا الآن أعيش وحيداً في شقة . في بيت ام نضال . أكتب اليك والساعة تدنو من السادسة صباحاً . منذ شهرين وأنا أصحو مع صياح أول ديك . في الرابعة أو الثالثة صباحاً . انتهى الورق . انتهى الكلام .
والسلام
أخوك
أبو نؤاس
.
أخي العزيز نصيف ..
تحية ومحبة ..
وصلتني رسالتك وأنا أشكرك .. سافر هادي الى النروج وانتقل البياتي الى دمشق ليقطن هناك .. سعدي دائم السفر . لم يبق من الأصدقاء إلاّ الدكتور خالد السلطاني وهو يحييك ويسأل عن أخبارك . أنا أكتب باستمرار طرداً للوحشة . نشرتُ في مجلة عمّان قصيدة عنّا وعن { الغرفة } قرب القلعة ونشرتُ قصيدة أخرى في الدستور عنّا أيضاً وعن بيت الصفيح ولحية النحات الغليظ كما تدعوه أنت أيها اللعين . أتذكر صيحتي مخاطباً إياك : نصيف . وجوابك : نعم استاذ . ما أطيبك يا نصيف ، وما أطيب حديثك الفصيح مع انك خريج محو الأمية . الآن . الليل يهبط على عمّان الطيبة ، الدافئة كقلب طيب وأنا أكتب تحت ضوء مصباح المنضدة . بعد قليل سأقيم حفلي الصغير الساهر مع نفسي والتلفاز . قرأت قصائدك في { الزمان } وقد أعجبتني . مزيداً من الشعر أيها الصعلوك الرائع . أحياناً أستريحُ الى زجاجة جعة في بار هلتون منفرداً ، فقد ارتحل أبو لوز . السماء غائمة . والأصدقاء يرحلون الواحد بعد الآخر كما قال اراكَون . من أين لي بكأس جعة في هذه الأمسية وأنا أكتب اليك ؟ أنا أكسل من أن أركب الى الدوّار الثامن فأعود ببغيتي . لا ضير ، فلم تبرح القنينة مترعة بموّالها وسأفتضها بعد أن أنتهي من رسالتك ، أما المزّة فهي الكلمنتينا كما نصحتني بها مرّة . كنّا في وداع هادي . لم أشأ الحضور إلاّ أن الدكتور خالد أصرّ ، فلبثنا معه ساعة . ترك هادي كآبة في النفس مثلما تركتها أنت ، غير أني سعيد برحيلكما الى أوربا الحسناء . ما الذي يصنعه الشاعر متسكعاً تحت أشجار الأرصفة دونما حديقة ؟ حبذا الرحيل في مركب أبيض الى أيما ساحل يضيء حاناته . حبذا الجلوس مع الصبايا في البارات . قُتل لوركا وارتحل الغجر تحت الزوابع الممطرة . الوقت يتحرك كمياه ساقية راكدة ، غير أن القدح سيرّن وتقدح المجرّات باشاراتها الضوئية . هل تتجمع الثقوب الكونية السوداء على حياة قادمة ؟ تحياتي الى أمل الجميلة . عسى أن تلتقيها يا عاشقاً في معطف مستهلك . ليكن شعارك : أمل أو الموت . بدلاً من : الحرية أو الموت .
أخوك
أبو نؤاس
16 / 12 / 1998
********
الأردن – عمّان
16 / 10
ألم تتصل بأمل ؟ هل هجرت شفيعها ؟
أخي وصديقي الطيّب نصيف بن ثجيل ..
أصافحك بحرارة وأسأل الله أن يشملك بظل من رعايته ولطفه . واضح انك لم تزل رهين المحابس الثلاثة : الفقر والسكر والصعلكة . متى تراجع نفسك ؟ متى تقرأ ؟ متى تكتب ؟ لستُ واعظاً ولا أحبّ من يعظ وينصح ، انما هي كلمات طالما قلناها لك . تشكو الافلاس الأبدي وكأنك في بيت الصفيح .. لماذا توزع جسمك في جسوم كثيرة ؟ تأخذ راتبك الى أقرب مخزن أو مطعم وتنفقه على رفاق ليلة سرعان ما يتفرقون عنك ، تاركين إياك لجيبك الفارغ وفوضاك ووحشتك . حبذا لو صرفت نصف الراتب على صديقة لك . حبذا لو تذكرت أهلك بشيء منه . لا جدوى من الحديث مع مجنون أو مخبول مثلك . لقد انقضى زمن الطيبة والكرم . يأكلون زادك وينفضّون عنك دون أن يتذكرك أحد منهم بكلمة خير . لا فائدة من الكلام معك . أنا الآن وحيد وحدة مطلقة . لا أرى أحداً . لا افكر بلقاء أحد . لا أتذكر أحداً . الأفق مظلم بهيم . لا مستقبل لي . لا عمل ، إلاّ ما أبعث به الى الجرائد . الى جرائد قد توصد أبوابها في وجهي بين ساعة وأخرى . وبعدئذ ما العمل ؟ والى أين ؟ لا أفكر بالانتحار . ولا بالعودة الى هناك .. ألم تكن تحلم بأوربا ؟ فلماذا الخيبة ولماذا القنوط ؟ حاول أن تصاحب فتاة سويدية تتعلم منها اللغة وتعيش أوقاتاً ممتعة . الشتاء رائع في الشمال الأوربي . البرد القارس والليل الذي { يطبق } على المدينة منذ الساعة الرابعة مساء . ربما الساعة الثالثة . وأيّ ضير ؟ يمكنك الجلوس مع امرأة الى مائدة حانة ، أو في غرفتك . يمكنك الانصراف الى قراءة { الحرب والسلام } أو { البحث عن الزمن المفقود } . أنا أهذي . عشتُ قبلك شتاء روسيا . شتاء لينا الروسية الرائعة . كنّا نتجول في قلب الزوابع الثلجية . في حدائق الصيف والضواحي . أعرف أن الزمن قد تغيّر وقد أمست الحياة متكدرة . غالية الأسعار في كل مكان ، غير انك بلمسة يد امرأة . قراءة كتاب . بقنينة نبيذ مع صديقة حلوة . بلقاء معها تحت الثلوج المتهاطلة . تجد شيئاً من الراحة . تجد قطرة من الحياة . ابحث عن هذه القطرة يا نصيف بن ثجيل . الشرب مع امرأة واحدة خير من الشرب مع الف رجل . ألم تهززك ابتسامة شقراء في المترو ؟ كان بار هلتون عزاء وملاذاً لي إلاّ انه أغلق ولا أدري متى يفتح بابه لأبناء السبيل . بار الشرق لا يلائم مزاجاً مثل مزاجي . ذهب أبو لوز الى الامارات منذ شهور ، فلا جليس لي غير الذكرى الباهتة . أنا أشرب يومياً كما تعرف وأكتب وأنشر وأقبض بعض المال لأهلي ولي . أنا الآن أعيش وحيداً في شقة . في بيت ام نضال . أكتب اليك والساعة تدنو من السادسة صباحاً . منذ شهرين وأنا أصحو مع صياح أول ديك . في الرابعة أو الثالثة صباحاً . انتهى الورق . انتهى الكلام .
والسلام
أخوك
أبو نؤاس
.