لا أذكر على الإطلاق أن أمي حدثتني عن يافا ، ولا أذكر أيضا أن أية خالة من خالاتي العديدات حدثتني عنها أيضا . قبل ثلاثة أسابيع استدرجت إحداهن ، ممن ولدن هناك ، فتكلمت بإيجاز عن طفولتها ومدرستها وعلاقتها بعمها .
حين أبحث عن السبب أعزوه إلى واقع الفتاة المدينية التي كان البيت فضاءها وعالمها ، وهو ما عبرت عنه فدوى طوقان في سيرتها " رحلة جبلية ... رحلة صعبة " .
كانت أمي ، ومثلها أخواتها ، ربات بيوت عالمهن كله هو البيت والأبناء ، وكان خروجهن منه نادرا ، وحين كن في يافا لم يكن يخرجن منه إلا إلى المدرسة ، إن تعلمن ، وكان التعليم من حظ الصغيرات لا الكبيرات اللاتي كان عليهن مساعدة أمهن في شؤون المنزل . لهذا لم تذهب أمي إلى المدرسة ، فلم تقرأ ولم تكتب .
والكتابة حول الموضوع تطول .
تذكرت ما سبق وأنا أمعن النظر في كتاب المرحوم الكاتب الفلسطيني محمد الأسعد " أطفال الندى " الذي ذكرني بتجربة كل من رشاد أبو شاور ومحمد القيسي وأحمد دحبور وعلاقة كل منهم بأمه وأبيه وما قصه أحد الطرفين على مسمع الأبناء عن البلاد ، وكان هذا موضوع مقالي ليوم أمس في جريدة الأيام .
أبي حدثني عن يافا كثيرا ومثله عمي عبد القادر " أبو زكي " . لقد حدثاني عن شبابهما وعملهما وصداقاتهما وعن عمي محمد " بلبل فلسطين " الذي غنى ، في يافا ، مع محمد عبد الوهاب ( تزوج عمي الفلسطيني من مصرية ، أما عبد الوهاب المصري فقد تزوج من فلسطينية مقدسية ) .
من المؤكد أن حديث أبي وعمي عن المدينة كان لأنهما عاركا الحياة في البحر وفي عالم السيارات الذي غدا ، بعد الهجرة ، عالمهما كله ، فقد عملا سائقين حتى بلغا من العمر عتيا .
عرف أبي العبرية وعرف اليهود ونشأت بينه وبين بعضهم / وبعضهن صداقات وكثيرا ما روى لي مقولة صديقه اليهودي صموئيل عن الحرب العالمية الثانية :
- شوف يا مصطفى . إن انتصرت ألمانيا في الحرب صرنا حميركم وركبتمونا ، وإن انتصرت بريطانيا صرتم حميرنا وركبناكم .
وانتصرت بريطانيا ولم يرض بنا اليهود حميرا لهم في بلادنا ، فقد هجرونا إلى البلدان العربية وما لم يحتلوه من فلسطين في حرب ١٩٤٨ .
يبدو أنني استطردت .
في كتاب محمد الأسعد " أطفال الندى " تروي الأم لابنها عن البلاد فيم يخفت صوت الأب ، ومثل والدة محمد والدة الشاعر أحمد دحبور ووالدة الشاعر محمد القيسي ، ويختلف الأمر في حال رشاد أبو شاور فأمه توفيت وهو طفل وعاش حياة اللجوء مع أبيه ، فحضر صوت الأب في روايتيه " وداعا يا زكرين " و" ليالي الحب والبوم " ( القيسي تيتم من جهة الأب قبل النكبة ، فعاش في المنفى في مخيم الجلزون مع أمه التي خصها بكتاب حمدة ) .
لو استقبلت من عمري ما استدبرت لأنجزت رسالة دكتوراه أو ماجستير عن الرواة في نثر الأسعد وأبو شاور ويخلف والقيسي ، أما والد أحمد دحبور ووالدته وأسرته فقد كتبت عنهم في كتابي " أحمد دحبور ... مجنون حيفا " الصادر عن وزارة الثقافة الفلسطينية في العام ٢٠١٨ .
في سيرتها تأتي فدوى طوقان على الفرق بين المرأة الريفية والمرأة المدينية وترى أن الأولى كانت أكثر حرية في التنقل في الفضاء الخارجي إذ كانت تشارك الرجل في الزراعة في الحقل وفي جني الثمار وفي الحصاد ، وفي ثورة ١٩٣٦ كانت تنقل الطعام إلى المقاومين في الجبال ، وهو ما شاهدناه في التغريبة الفلسطينية لوليد سيف .
في الرواية الفلسطينية التي قاربت زمن ما قبل النكبة لامست كل من سحر خليفة في " أصل وفصل " ونوال حلاوة في " الست زبيدة " الموضوع ، أما الرواية الفلسطينية التي كتبت قبل العام ١٩٤٨ فلم تقارب الموضوع إلا مقاربة عابرة كما في رواية جمال الحسيني " على سكة الحجاز " .
لا ضير من التفكير في الموضوع .
تصبحون على خير
خربشات
٤ أيلول ٢٠٢١ .
حين أبحث عن السبب أعزوه إلى واقع الفتاة المدينية التي كان البيت فضاءها وعالمها ، وهو ما عبرت عنه فدوى طوقان في سيرتها " رحلة جبلية ... رحلة صعبة " .
كانت أمي ، ومثلها أخواتها ، ربات بيوت عالمهن كله هو البيت والأبناء ، وكان خروجهن منه نادرا ، وحين كن في يافا لم يكن يخرجن منه إلا إلى المدرسة ، إن تعلمن ، وكان التعليم من حظ الصغيرات لا الكبيرات اللاتي كان عليهن مساعدة أمهن في شؤون المنزل . لهذا لم تذهب أمي إلى المدرسة ، فلم تقرأ ولم تكتب .
والكتابة حول الموضوع تطول .
تذكرت ما سبق وأنا أمعن النظر في كتاب المرحوم الكاتب الفلسطيني محمد الأسعد " أطفال الندى " الذي ذكرني بتجربة كل من رشاد أبو شاور ومحمد القيسي وأحمد دحبور وعلاقة كل منهم بأمه وأبيه وما قصه أحد الطرفين على مسمع الأبناء عن البلاد ، وكان هذا موضوع مقالي ليوم أمس في جريدة الأيام .
أبي حدثني عن يافا كثيرا ومثله عمي عبد القادر " أبو زكي " . لقد حدثاني عن شبابهما وعملهما وصداقاتهما وعن عمي محمد " بلبل فلسطين " الذي غنى ، في يافا ، مع محمد عبد الوهاب ( تزوج عمي الفلسطيني من مصرية ، أما عبد الوهاب المصري فقد تزوج من فلسطينية مقدسية ) .
من المؤكد أن حديث أبي وعمي عن المدينة كان لأنهما عاركا الحياة في البحر وفي عالم السيارات الذي غدا ، بعد الهجرة ، عالمهما كله ، فقد عملا سائقين حتى بلغا من العمر عتيا .
عرف أبي العبرية وعرف اليهود ونشأت بينه وبين بعضهم / وبعضهن صداقات وكثيرا ما روى لي مقولة صديقه اليهودي صموئيل عن الحرب العالمية الثانية :
- شوف يا مصطفى . إن انتصرت ألمانيا في الحرب صرنا حميركم وركبتمونا ، وإن انتصرت بريطانيا صرتم حميرنا وركبناكم .
وانتصرت بريطانيا ولم يرض بنا اليهود حميرا لهم في بلادنا ، فقد هجرونا إلى البلدان العربية وما لم يحتلوه من فلسطين في حرب ١٩٤٨ .
يبدو أنني استطردت .
في كتاب محمد الأسعد " أطفال الندى " تروي الأم لابنها عن البلاد فيم يخفت صوت الأب ، ومثل والدة محمد والدة الشاعر أحمد دحبور ووالدة الشاعر محمد القيسي ، ويختلف الأمر في حال رشاد أبو شاور فأمه توفيت وهو طفل وعاش حياة اللجوء مع أبيه ، فحضر صوت الأب في روايتيه " وداعا يا زكرين " و" ليالي الحب والبوم " ( القيسي تيتم من جهة الأب قبل النكبة ، فعاش في المنفى في مخيم الجلزون مع أمه التي خصها بكتاب حمدة ) .
لو استقبلت من عمري ما استدبرت لأنجزت رسالة دكتوراه أو ماجستير عن الرواة في نثر الأسعد وأبو شاور ويخلف والقيسي ، أما والد أحمد دحبور ووالدته وأسرته فقد كتبت عنهم في كتابي " أحمد دحبور ... مجنون حيفا " الصادر عن وزارة الثقافة الفلسطينية في العام ٢٠١٨ .
في سيرتها تأتي فدوى طوقان على الفرق بين المرأة الريفية والمرأة المدينية وترى أن الأولى كانت أكثر حرية في التنقل في الفضاء الخارجي إذ كانت تشارك الرجل في الزراعة في الحقل وفي جني الثمار وفي الحصاد ، وفي ثورة ١٩٣٦ كانت تنقل الطعام إلى المقاومين في الجبال ، وهو ما شاهدناه في التغريبة الفلسطينية لوليد سيف .
في الرواية الفلسطينية التي قاربت زمن ما قبل النكبة لامست كل من سحر خليفة في " أصل وفصل " ونوال حلاوة في " الست زبيدة " الموضوع ، أما الرواية الفلسطينية التي كتبت قبل العام ١٩٤٨ فلم تقارب الموضوع إلا مقاربة عابرة كما في رواية جمال الحسيني " على سكة الحجاز " .
لا ضير من التفكير في الموضوع .
تصبحون على خير
خربشات
٤ أيلول ٢٠٢١ .