سعيد العليمى - كافكا وقضايا القانون.. مشكلة قوانينا فرانز كافكا

ليست قوانيننا بصفة عامة معروفة ، حيث تتكتم عليها مجموعة صغيرة من النبلاء الذين يحكموننا . وإننا لمقتنعون بأن هذه القوانين القديمة تطبق بغير يقين ، مع ذلك فإنه لمما يثير الألم حتى درجة بعيدة أن يحكم المرء بقوانين لايعلم عنها شيئا . ولايتطرق لذهنى هنا التناقضات المحتملة التى قد تنشأ عند تفسير القوانين أو عن المضار الناشئة عن إحتكار قلة دون كامل الشعب القول الفصل فى تفسيرها . وربما إعتبر البعض هذه المضار أمرا هينا . لأن القوانين عتيقة ، وتفسيراتها هى جهد قرون ، وقد حازت فى ذاتها بلاريب وضع القانون ، ومع ذلك مايزال هناك قدرممكن من حرية التفسير ، غير أنها أصبحت الآن مقيدة للغاية . أضف إلى ذلك فليس لدى النبلاء سبب واضح ليتأثروا فى تفسيراتهم بالمصالح الشخصية الضارة بنا لأن القوانين قد سنت لصالح النبلاء منذ البداية ، وهم أنفسهم يقفون فوق القانون ، ويبدو أن ذلك هو سبب العهد لهم بالقانون على وجه الحصر . وهناك حكمة فى ذلك بالطبع – إذ من يشك فى حكمة القوانين القديمة ؟ غير أن ذلك ايضا جور علينا ، وربما كان أمرا لايمكننا تجنبه .
إن جوهر وجود هذه القوانين ، على أية حال ، هو فى حده الأقصى مسألة إستدلال . هناك تراث بأنها توجد ، وأنها سر عهد به إلى طبقة النبلاء ، لكنها ليست ولايمكن أن تكون أكثر من تراث صادق علية الزمن ، لأن جوهر التشريع الخفى هو أن يبقى غامضا . دقق بعض منا وسط الناس فى أفعال طبقة النبلاء منذ أقدم الأزمنة وإمتلكوا سجلات صنعها أجدادنا – سجلات واصلناها بضمير حى – وندعى بأننا نتعرف وسط العدد الهائل الذى لايحصى من الوقائع على إتجاهات رئيسية معينة تسمح بهذه الصياغة التاريخية او تلك ، ولكن عندما نسعى بالإتفاق مع هذه الاستنتاجات المرتبة منطقيا ، والمختبرة بغير يقين ، إلى أن نكيف أنفسنا إلى حد ما تجاه الحاضر أو المستقبل ، يصبح كل شئ غير مؤكد ، ويبدو عملنا وكأنه لعبة ذهنية ، لأنه ربما كانت هذه القوانين التى نحاول أن نميط عنها اللثام غير موجودة على الإطلاق . هناك قلة ممن يتبنون هذا الرأى بالفعل ، ويحاولون أن يبينوا لنا ذلك ، اذا كان هناك قانون موجود ، فيمكن أن يكون هذا فقط : القانون هو أى فعل تقوم به طبقة النبلاء . يرى هؤلاء التصرفات التحكمية لطبقة النبلاء ، ويرفضون التراث الشعبى ، الذى يمتلك وفقا لهم سمات تافهة وميزات عرضية لاتوازن عوائقه الثقيلة ، لأنه يمنح الناس أمانا زائفا وخادعا مفرط الثقة فى مواجهة الأحداث المقبلة .لايمكن إنكار ذلك ، ولكن الأغلبية الساحقة من شعبنا يفسرون ذلك بحقيقة أن التراث أبعد من أن يكون كاملا ولابد أن يجرى إستقصاؤه والبحث فيه ، وأن المادة الإستثنائية المتاحة لنا ، مازالت ضئيلة للغاية ، ولابد أن تمضى عدة قرون قبل أن تصبح بالفعل ملائمة . وجهة النظر هذه إستثنائية للغاية بقدر مايتعلق الأمر بالوقت الحاضر ، يلهمها فقط الإعتقاد بأن الوقت سوف يأتى فى آخر الأمر حين يبلغ التراث والبحث فيه إلى غايته ، آخذا مساحة للتنفس إن جاز القول ، حين يصبح كل شئ واضحا ، سوف ينتمى القانون للشعب ، وسوف تتلاشى طبقة النبلاء . وهذا لايدلل على أى روح كراهية ضد طبقة النبلاء ، على الإطلاق ، فهذا لايراود أحدا . إننا نميل أكثر لكره أنفسنا ، لأننا لم نظهر أنفسنا جديرين بأن يعهد لنا بسن القوانين . وهذا هو السبب الحقيقى فى أن البعض الذى يعتقد أنه ليس هناك قانون قد بقى ضئيلا للغاية – رغم أن عقيدته جذابة جدا بمعنى ما ، لأنهم يعترفون بجلاء بطبقة النبلاء وبحقها فى أن تواصل الحياة .
يمكن لنا أن نعبر بالفعل عن المشكلة فى نوع من المفارقة : أى جماعة قد تجحد ، ليس فقط الإعتقاد فى القانون ، وكذلك فى طبقة النبلاء ، سوف تجذب كل الشعب خلفها ، مع ذلك لايمكن لجماعة كهذه أن تظهر للوجود ، لأنه مامن أحد سوف يجرؤ على أن يجحد طبقة النبلاء . نحن نحيا على حد الموسى . وقد لخص أحد الكتاب هذه المسألة على هذا النحو : القانون الوحيد الظاهر المفروض علينا هو طبقة النبلاء ، فهل علينا أن نجرد أنفسنا بأنفسنا من هذا القانون الواحد ؟




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى