أ. د. عادل الأسطة - العلم في الصغر كالنقش في الحجر

في هذه الأيام أقرأ روايات وسيرا ذاتية جديدة لكتاب فلسطينيين يرتد زمنها الروائي إلى زمن النكبة أو إلى زمن النكسة وما تلاهما .
وأنا أقرأ فيها أعود بذاكرتي إلى تجاربي الشخصية في ٦٠ القرن ٢٠ أو إلى قراءاتي في ٧٠ القرن ٢٠ ، فأجدني أربط بين ما أقرأ وما عشت ، أو بين ما أقرأ وما قرأت . كأنني أقرأ معادا مكرورا أو كأن الكاتب يكتب عن تجربتي .
في " طعم الفراق " لربعي المدهون وهو يكتب عن طفولته وشبابه في مخيم خان يونس وجدتني أتذكر طفولة أبناء مخيم عسكر القديم وشبابهم ، ووجدتني أربط بين ما أقرأ وما قرأت في العام ١٩٧٧ ( ما كتبته أمس عن قصة محمد أيوب " زوجة بالبريد ") .
وأنا أكتب عن زكريا الزبيدي وإخوانه وحفرهم النفق في سجن جلبوع وجدتني أتذكر روايات غسان كنفاني " رجال في الشمس " و" ما تبقى لكم " و" العاشق " وقصة غريب عسقلاني " زائر الفجر " ، وهذه كلها أعمال قرأتها في ٧٠ القرن ٢٠ .
ما قرأته في تلك الأيام علق بالذاكرة أكثر مما يعلق بها ما أقرأه في هذه الأيام .
في هذه الأيام أدون على النسخة الورقية ملاحظات وغالبا ما أعود إليها حين أكتب في موضوع . لقد شاخت الذاكرة وهرمت لدرجة أنني ما عدت قادرا على تذكر أرقام هواتف غالبا ما أستخدمها ، بل إنني غالبا ما أنسى الأرقام السرية لحساباتي وأعاني معاناة كبيرة في الدخول إليها ، ولهذا لا أثبت على حساب أو على بريد إلكتروني واحد .
في صغرنا ، في المدارس ، قالوا لنا :
" العلم في الصغر كالنقش في الحجر " ،
وأشهد على ما قالوا .
كل شيء فينا ذبل وتلاشى . كل شيء ، ومرة أهداني الشاعر المتوكل طه ديوانه " الرمح على حاله " وسألني إن كان الرمح ما زال على حاله ، فابتسمت وقلت :
لا يبقى على ما هو إلا هو .
كل شيء فان وزائل ، ولا يبقى إلا جلال ربك ووجهه ذو الجلال والإكرام .
هل بقيت الثورة الفلسطينية على حالها ؟
هل بقيت حركة فتح على حالها ؟
هل بقي كتابنا وشعراؤنا على حالهم ؟
أمس أبرقت وأرعدت وفي مناطق من فلسطين أمطرت مطرا غزيرا كما سمعت وأما في نابلس فكان المطر نزرا يسيرا ، ما جعلني أحور في المثل الشعبي " يا طالب الرزق القليل عليك بنابلس والخليل " مستبدلا المطر بالرزق ، وهذا مثل عرفته من أيام الطفولة .
صباح الخير
خربشات
١٣ تشرين الأول ٢٠٢١

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى