عادل الأسطه - وليد الشرفا "القادم من القيامة"

"القادم من القيامة" عنوان رواية للدكتور وليد الشرفا المدرس في جامعة بير زيت ، خريج جامعة النجاح الوطنية في مرحلتي البكالوريوس والماجستير والجامعة الأردنية في مرحلة الدكتوراه ، وقد أنجز رسالة الماجستير عن جبران خليل جبران والدكتوراه عن ادوارد سعيد ، ولقد عرفته منذ العام ١٩٩١ شابا متذمرا باستمرار ، يرتدي دائما قميصا وبنطالا أسودين ، لعله مؤخرا تخلص من اللون الواحد ، وإن جاء غلاف روايته باللون الأسود ، عدا اللوح واسمه وعنوان الرواية وشعار دار النشر ، ولون النص الأدبي رواية .
هل وليد هو الذي اختار هذا اللون للغلاف ؟
إن مضمون الرواية لا يقول لنا إن الحياة بيضاء وإن واقعنا أبيض ، إنه - أي مضمون الرواية - يقول لنا ما يقوله الغلاف ، وكذلك تبدو صورة الواقع فيها ، وليس ثمة أبيض إلا الراوي وصديقه الذي يروي بعض فصول الرواية التي يرويها راويان . كأنما هما المؤلف والقادم من القيامة ، وكأن كل ما حولهما أسود ، فصديق الراوي الرئيس فبها في نظر الراوي الرئيس هو آخر الأنبياء . إنه الثوري الذي ظل أبيض ناصع البياض ، ثوريا خالصا طاهرا نقيا في واقع كل ما فيه غدا مشوها .
هل تأثر وليد الشرفا في ثورته بمن كتب عنهما - أي بجبران خليل جبران وادوارد سعيد المثقف ذي العقل الناقد ؟ هل تأثر بهما أم أن بذور التمرد كائنة فيه حتى قبل أن يكتب عنهما ؟
ذكرت أنني أعرفه طالبا في جامعة النجاح في مرحلة البكالورروس قبل أن يكتب عنهما ، وذكرت أنه كان طالبا متذمرا لا يعجبه الكثير من مظاهر حياتنا ، ما يعني أن اختياره لجبران وسعيد يعود إلى هوى في النفس وجده أيضا لدى الاثنين . هل أراد أن يكتب عنهما ذاهبا إلى تذكيرنا بالمقولة : قل لي ماذا تقرأ أقل لك من أنت ؟ ربما !
راوي الرواية مناضل فلسطيني يغادر وطنه ليدرس في الغرب الهندسة الإلكترونية ، وهو بالأساس ريفي فلسطيني كان له في القرية صديقان استشهد أحدهما ، وكان متزوجا وله طفلة ، فيما ظل الثاني على قيد الحياة حين كان الراوي الأول في الغرب ، وظلا على اتصال معا . يعرف الأول من الثاني أخبار الوطن وما آل إليه بعد أوسلو ويظل مخلصا لوطنه فيرسل الأموال لصديقه حتى يوزعها على الطلاب ، ولا يخذله الصديق ، فلا يسرق ولا يخون ، ويظل مثل صديقه وفيا لصديقهما الشهيد ، وكلما مرت ذكرى ذلك الصديق تحدثا معا وسأل البعيد المغترب المقيم في الوطن عن زوجة الشهيد وطفلته وما آلت إليه ، وكم يحزن البعيد حين يعرف أن الشاعر الانتهازي ، غدا بعد أوسلو ، مسؤولا مهما ينتظر الناس زيارته القرية حتى ينالوا هباته من طحين واموال وأدوية . وكم يحزن البعيد حين يعرف أن الشاعر تزوج من أرملة الشهيد والصديق الذي كان مناضلا . هل ثمة دلالات رمزية في الرواية يقوله زواج الشاعر من أرملة المناضل ؟
قد يستطيع المرء تأويل ذلك ، وقد يرى فيه نقدا ذاتيا لما آلت إليه الأمور .
الراوي الأول الذي بلغ الأربعين من العمر ، وأفنى سنواته مهموما بهموم الوطن يعود إليه ولا يفرح إذ يكتمل حزنه حين يستشهد صديقه الثاني على الحاجز ، وهكذا يفقد صديقي الطفولة المناضلين المخلصين ؛ من كان يحمل السلاح ويهربه ومن عاش مرحلة أوسلو وشاهد فيها ما آلت إليه الأمور .
إن التذمر من أوضاعنا وما آلت إليه وارتفاع نبرة النقد خصيصة رئيسة من خصائص هذه الرواية ، وسرعان ما يتذكر المرء روايات أخرى لآخرين مثل أحمد حرب وأحمد رفيق عوض . الأول في " بقايا " ( ١٩٩٦ ) والثاني في " مقامات العشاق والتجار "(١٩٩٧) ، إذ أتيا على ما بعد أوسلو وصورا انقلاب الأحوال وتغيرات الواقع ، وإذا كانا لامسا الواقع ذاك في حينه وكان الزمن الكتابي مطابقا للزمن الروائي فإن وليد الشرفا يكتب في العام ٢٠٠٧ وينشر في العام ٢٠٠٨ ، ويلامس فيها مرحلة زمنية انتهت ، وإن كانت آثارها وما ترتب عليها ماثلا . هنا ثمة مسافة بين زمني الكتابة والنشر وبين الزمن الروائي .
الثوري في نظر الناس يصبح لصا ؛ لأنهم لا يعرفونه ، إذ جاء من بعيد ، واللصوص يدفنون الأنبياء ، إذ شارك الشاعر في دفن صديقه آخر الأنبياء . هكذا تنتهي الرواية :
" لعنكم الله ، لو كنتم كما تقولون لما تركتم اللصوص يدفنون الأنبياء " .
وهنا يتساءل الراوي الأول القادم من بعيد :
" من أين سنبدأ لهم بالحكاية والحبل يلتف حول أعناقهم ؟" .






تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى