أتذكر أنني فكرت في هذا الموضوع بل وشرعت في كتابته وأنا ربما لم أتجاوز الخامسة عشر من عمري. في ذلك الوقت كنت أُكثر من قراءة الأعمال الكاملة لمحمود درويش إلى جانب سميح القاسم وأحمد عبد المعطي حجازي. ورغم أنني لست لغوياً، غير أنني كنت منتبهاً لأهم شيء لم ينتبه له الكثيرون، وهو اللا شيء. أي ذلك الصمت الذي يقف بين الكلمات. فبحر الطويل مثلاً:
فعولن مفاعيل فعولن مفاعل..
مؤسس في الأصل على الوقفات (فعولومفاعيل (وقفة) فعولمفاعل).
أما في الشعر الحر فللوقفات معنى أكثر أهمية من تلك الموسيقى، إذ يكون للوقفة معنى مغموراً بين المنطوق به. لذلك بدأت في تقسيم تلك الوقفات والتأمل في معانيها وهي التي لا تبدو اكثر من فراغ صوتي..وكنت في ذلك الزمان خصب التأمل، إذ قسمت الوقفات إلى ميمنة وميسرة ومتوسطة..وأعلى وأسفل؛ وتأملت في معنى كل وقفة؛ فعلى سبيل المثال: يقول درويش:
(نلتقي
بعد قليل
بعد عامٍ
بعد عامين و جيلْ..)
نلتقي (وقفة خفيفة) بعد قليل
(وقفة متوسطة)
بعد عامٍ (وقفة طويلة)
بعد عامين و جيلْ..(وقفة ممتدة)
إن هذه الوقفات لا تتعلق بالوزن، بل تتعلق بتركيز المعنى وانعكاسه النفسي..لذلك فإن هذه الوقفات أقرب لفن الخطابة..
فالوقفة الأولى بعد نلتقي، وقفة قصيرة، إنها تهيؤ القارئ لحدث ما، حدث سيكون مستقطعاً من تمدد الزمن، وملله.. وهو اللقاء، فالوقفة القصيرة أرجعتنا لنتأمل كلمة نلتقي، وننتظر ما ستسفر عنه.. تعزز الوقفة الأولى قيمة اللقيا، وتحيطها بقداسة لا مرئية..وتعطها رومانسية ذات خطر. أما الوقفة بعد (بعد قليل)، فهي تشد انتباهنا لما بعدها، وتتراجع بنا إلى اللقاء، وتحيط اللقاء بظرف زماني، وتذكرنا بحالة التوتر العاطفي للشاعر؛ لأن اللقاء قريب (بعد قليل)..فلنتخيل أن القصيدة خلت من الوقفات؛ التي قد يراها الكثيرون اعتباطية:
(نلتقي بعد قليل..)..
تبدو جملة لا قيمة لها، سوى الإخبار بموعد اللقاء، فهي جافة وتفتقد إلى الرومانسية..لا تحشد الجمل بلا وقفات أي عاطفة ولا تثير اي مخيال، بقدر ما تحدثنا عن جملة يكثر تداولها بين الأصدقاء أو العامل ورب العمل أو مدين يتهرب من دائنه.. أما الوقفة بعد نلتقي فتحيلنا إلى عيني درويش حين تبرقان بلمعان الحب، وشوقه وحضور القلق المنفعل في القلب.
(نلتقي)..
بعد قليل..
الوقفة بعد (بعد قليل)، تمهد للصدمة؛ فاللقاء (بعد عام)..بعد عامين وجيل.
والوقفة بين (بعد عام)-(بعد عامين وجيل)..تؤكد أن الحب يلغي الزمن، أو معنى آخر في حشا الشاعر..
وهكذا شرعتُ في تقسيم تلك الفراغات أو الوقفات أو اللاشيء الذي هو شيء، ورأيت ذلك حسن. غير أننا في ذلك الزمان لم نكن نملك انترنت ولا وسائل تواصل يمكنها أن تطور مفاهيمي تجاه تلك التأملات، أو تعطني بعض المفاتيح لمزيد من العمق، وهكذا رميت بتلك التقسيمات وراء ظهري...ولا أظن بأنني أملك اليوم المعرفة أو الخيال الكافي لتطوير تلك الرؤى، لذلك أتمنى أن يتفهمها من هو أكثر حماساً مني ويبني عليها معرفة جديدة.
فعولن مفاعيل فعولن مفاعل..
مؤسس في الأصل على الوقفات (فعولومفاعيل (وقفة) فعولمفاعل).
أما في الشعر الحر فللوقفات معنى أكثر أهمية من تلك الموسيقى، إذ يكون للوقفة معنى مغموراً بين المنطوق به. لذلك بدأت في تقسيم تلك الوقفات والتأمل في معانيها وهي التي لا تبدو اكثر من فراغ صوتي..وكنت في ذلك الزمان خصب التأمل، إذ قسمت الوقفات إلى ميمنة وميسرة ومتوسطة..وأعلى وأسفل؛ وتأملت في معنى كل وقفة؛ فعلى سبيل المثال: يقول درويش:
(نلتقي
بعد قليل
بعد عامٍ
بعد عامين و جيلْ..)
نلتقي (وقفة خفيفة) بعد قليل
(وقفة متوسطة)
بعد عامٍ (وقفة طويلة)
بعد عامين و جيلْ..(وقفة ممتدة)
إن هذه الوقفات لا تتعلق بالوزن، بل تتعلق بتركيز المعنى وانعكاسه النفسي..لذلك فإن هذه الوقفات أقرب لفن الخطابة..
فالوقفة الأولى بعد نلتقي، وقفة قصيرة، إنها تهيؤ القارئ لحدث ما، حدث سيكون مستقطعاً من تمدد الزمن، وملله.. وهو اللقاء، فالوقفة القصيرة أرجعتنا لنتأمل كلمة نلتقي، وننتظر ما ستسفر عنه.. تعزز الوقفة الأولى قيمة اللقيا، وتحيطها بقداسة لا مرئية..وتعطها رومانسية ذات خطر. أما الوقفة بعد (بعد قليل)، فهي تشد انتباهنا لما بعدها، وتتراجع بنا إلى اللقاء، وتحيط اللقاء بظرف زماني، وتذكرنا بحالة التوتر العاطفي للشاعر؛ لأن اللقاء قريب (بعد قليل)..فلنتخيل أن القصيدة خلت من الوقفات؛ التي قد يراها الكثيرون اعتباطية:
(نلتقي بعد قليل..)..
تبدو جملة لا قيمة لها، سوى الإخبار بموعد اللقاء، فهي جافة وتفتقد إلى الرومانسية..لا تحشد الجمل بلا وقفات أي عاطفة ولا تثير اي مخيال، بقدر ما تحدثنا عن جملة يكثر تداولها بين الأصدقاء أو العامل ورب العمل أو مدين يتهرب من دائنه.. أما الوقفة بعد نلتقي فتحيلنا إلى عيني درويش حين تبرقان بلمعان الحب، وشوقه وحضور القلق المنفعل في القلب.
(نلتقي)..
بعد قليل..
الوقفة بعد (بعد قليل)، تمهد للصدمة؛ فاللقاء (بعد عام)..بعد عامين وجيل.
والوقفة بين (بعد عام)-(بعد عامين وجيل)..تؤكد أن الحب يلغي الزمن، أو معنى آخر في حشا الشاعر..
وهكذا شرعتُ في تقسيم تلك الفراغات أو الوقفات أو اللاشيء الذي هو شيء، ورأيت ذلك حسن. غير أننا في ذلك الزمان لم نكن نملك انترنت ولا وسائل تواصل يمكنها أن تطور مفاهيمي تجاه تلك التأملات، أو تعطني بعض المفاتيح لمزيد من العمق، وهكذا رميت بتلك التقسيمات وراء ظهري...ولا أظن بأنني أملك اليوم المعرفة أو الخيال الكافي لتطوير تلك الرؤى، لذلك أتمنى أن يتفهمها من هو أكثر حماساً مني ويبني عليها معرفة جديدة.