حضرة الأخ الصديق العلامة الأستاذ عبد الله كنون حفظه الله وأبقاه:السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وصلتني رسالتكم البرة الكريمة في التهنئة بأعجوبة الزمن ومعجزة الدهر: استقلال الجزائر، وما أدراكم ما استقلال الجزائر، الحدث الذي هز العالم كله فابتهج له أقوام وامتعض آخرون، وما امتعض له إلّا الشيطان وحزبه، والاستعمار وأولياؤه، ولا سروا ولا فرحوا.
إن استقلال الجزائر- أيها الأخ الأستاذ- قدر مشترك بين جميع العرب وجميع المسلمين، فليس واحد منا بأحق في باب التهنئة من صاحبه، ولكنكم سبقتم فلكم فضل السبق ومزية البدار إلى الواجب، ولقد كانت تهنئتكم كبيرة في معناها مضاعفة في مغزاها، فهي كبيرة إذ كانت منكم، ولحضرتكم عندي المكانة التي لا تطاول، والمنزلة التي لا تسامى، والقيمة التي لا تكاثر، وهي مضاعفة بكونها باسم رابطة العلماء، وما أعز هذا الإسم عليّ وما أكثر غرامي به وافتتاني، ولقد كنت سعيت للعهد الأول من نشأة جمعية العلماء في أن تنشأ لها أخت برة في تلك القطعة العزيزة من الوطن حتى تشد أزرها وتقوي أمرها، ولكن لكل شيء أوان، وستعود جمعية العلماء سيرتها الأولى وتخب مع الرابطة في الميدانين الإسلامي والعربي عنقًا فسيحًا إن شاء الله.
أيها الأخ: أنا مريض منذ فارقتموني، ولولا أن استقلال الجزائر أنعشني ومست روحي منه ما يشبه الكهرباء لما كانت فيّ قوّة على إملاء كلمة وكتابة حرف، ولقد كنت إلى عهد قريب أخشى أن تخترمني الموت قبل أن أملأ أذنيّ بأخبار استقلال الجزائر، ولكن الله منّ عليّ - تفضلًا منه ورحمة- بالحياة حتى تمت الفرحة الكبرى فقلت: الآن ألقى الله مطمئنًا، واذهب إلى الآخرة بزاد لنفسي وببشرى لإخواني الماضين في دار الخلود، الذين ماتوا بحسرة في النفس وحزّة في الصدر، إذ لم ينعموا ولو في حشرجة الموت بخبر منعش مثل هذا.
أخي: إني راجع إلى الجزائر بعد أيام قليلة لِأُطفئ الشوق إلى بقية الموت من إخواني الأخيار، وأبنائي الأطهار، ونتنادم على بساط الصفاء والأنس حتى نتذوق النعمة كاملة، وسأرجع إن شاء الله في الشهر الثاني من الخريف ونبقى حتى نجتمع بكم في مجمع اللغة العربية.
وتقبلوا فائق التحيات من أخيكم: محمد البشير الإبراهيمي
* أُرسلت من القاهرة يوم 9 أغسطس 1962.
وصلتني رسالتكم البرة الكريمة في التهنئة بأعجوبة الزمن ومعجزة الدهر: استقلال الجزائر، وما أدراكم ما استقلال الجزائر، الحدث الذي هز العالم كله فابتهج له أقوام وامتعض آخرون، وما امتعض له إلّا الشيطان وحزبه، والاستعمار وأولياؤه، ولا سروا ولا فرحوا.
إن استقلال الجزائر- أيها الأخ الأستاذ- قدر مشترك بين جميع العرب وجميع المسلمين، فليس واحد منا بأحق في باب التهنئة من صاحبه، ولكنكم سبقتم فلكم فضل السبق ومزية البدار إلى الواجب، ولقد كانت تهنئتكم كبيرة في معناها مضاعفة في مغزاها، فهي كبيرة إذ كانت منكم، ولحضرتكم عندي المكانة التي لا تطاول، والمنزلة التي لا تسامى، والقيمة التي لا تكاثر، وهي مضاعفة بكونها باسم رابطة العلماء، وما أعز هذا الإسم عليّ وما أكثر غرامي به وافتتاني، ولقد كنت سعيت للعهد الأول من نشأة جمعية العلماء في أن تنشأ لها أخت برة في تلك القطعة العزيزة من الوطن حتى تشد أزرها وتقوي أمرها، ولكن لكل شيء أوان، وستعود جمعية العلماء سيرتها الأولى وتخب مع الرابطة في الميدانين الإسلامي والعربي عنقًا فسيحًا إن شاء الله.
أيها الأخ: أنا مريض منذ فارقتموني، ولولا أن استقلال الجزائر أنعشني ومست روحي منه ما يشبه الكهرباء لما كانت فيّ قوّة على إملاء كلمة وكتابة حرف، ولقد كنت إلى عهد قريب أخشى أن تخترمني الموت قبل أن أملأ أذنيّ بأخبار استقلال الجزائر، ولكن الله منّ عليّ - تفضلًا منه ورحمة- بالحياة حتى تمت الفرحة الكبرى فقلت: الآن ألقى الله مطمئنًا، واذهب إلى الآخرة بزاد لنفسي وببشرى لإخواني الماضين في دار الخلود، الذين ماتوا بحسرة في النفس وحزّة في الصدر، إذ لم ينعموا ولو في حشرجة الموت بخبر منعش مثل هذا.
أخي: إني راجع إلى الجزائر بعد أيام قليلة لِأُطفئ الشوق إلى بقية الموت من إخواني الأخيار، وأبنائي الأطهار، ونتنادم على بساط الصفاء والأنس حتى نتذوق النعمة كاملة، وسأرجع إن شاء الله في الشهر الثاني من الخريف ونبقى حتى نجتمع بكم في مجمع اللغة العربية.
وتقبلوا فائق التحيات من أخيكم: محمد البشير الإبراهيمي
* أُرسلت من القاهرة يوم 9 أغسطس 1962.