" الباشق الذهبي ، نوافذ على سماء محمود درويش " عنوان الكتاب الصادر حديثا ( ٢٠٢٠ ) عن منشورات خطوط في الأردن للشاعر الدكتور راشد عيسى ابن مخيم عسكر القديم المستقر حاليا في الأردن بعد رحلة عمل مدرسا وكاتبا في السعودية وأستاذا جامعيا في الأردن .
يبحث الفصل الأول من فصلي ° الكتاب في أسباب شهرة محمود درويش الغني عن التعريف ، ويكتب المؤلف في الموضوع بلغة تمتزج فيها لغة الشاعر والباحث معا ، وبقدر من التعاطف الكبير اللافت ، بل وبأسلوب كتابة المتيم حد الوله ، فتحار وأنت تقرأ إن كنت تقرأ حقا بحثا عن أسرار شهرة محمود درويش أم كتابة شعرية تحفل بالاستعارات والمجازات والتشابيه لشاعر ، وقد جمع الدكتور راشد في حياته بين البحث وكتابة الشعر ، وكتب شعرا غنائيا يتوحد لحظة إنشاده مع ما تقوله القصيدة ذات الطابع الغنائي الذي ميز شعر درويش لدرجة أنه قال في " الجدارية " :
" .... يشبهني كثيرا
كل ما حولي ، ولم أشبه هنا
شيئا . كأن الأرض ضيقة على
المرضى الغنائيين ، أحفاد الشياطين
المساكين المجانين الذين إذا رأوا
حلما جميلا لقنوا الببغاء شعر
الحب ، وانفتحت أمامهم الحدود ... " .
ولغة راشد في كتابه تذكر بلغة درويش ، ودفقه في الكتابة يذكر عموما بدفق درويش في جداريته ، وقد تخرج بعد قراءة " الباسق الذهبي " بأن درويش هو أعظم شاعر عربي بعد المتنبي ، وكما شغل الأخير الناس وملأ شعره عالمهم وتردد على ألسنتهم ، فإن درويش كما يراه المؤلف لا يختلف عن المتنبي في هذا الجانب ، وكثيرا ما وازن المؤلف ، وهو يكتب عن أسباب شهرة درويش ويعددها ويشرحها ، بين الشاعرين .
الكتابة عن أسباب شهرة محمود درويش عموما تعود إلى العقد الأول من القرن الحادي والعشرين ، فقد خاض فيها المرحوم الشاعر فاروق مواسي في كتابه " محمود درويش : قراءات في شعره " ( ٢٠٠٩ وعلى صفحة الكتاب الداخلي ٢٠٠١ ولكن المؤلف صحح التاريخ في النسخة المهداة إلي) وكتب خمس صفحات تحت عنوان " الماليء الجديد للدنيا والشاغل للناس ، محمود درويش - المتنبي الآخر "( ص ٥ إلى ٩ ) وكتب تحت عناوين هي " تحرر محمود من المواقف السياسية / عدم تقيد محمود بالتيارات الشعرية/ الكاريزما أو الجاذبية/ الغربة وتأثيرها/ الخلق والخلق ( بفتح و بضم ) / الأداء الشعري / اهتمام السياسيين بشعره " وهي عناوين كتب الدكتور راشد عيسى تحت قسم منها مثل كاريزما محمود درويش واستقلاليته وجماليات الإلقاء والبيئة الحاضنة ولكنه أضاف أسبابا أخرى تخص غنائية قصيدة درويش وبنية معمارها وسعيه نحو التفرد . ثمة تقاطعات في العناوين ، ولكن هناك اختلافا في أسلوب الكتابة وحجمها ، فما كتبه مواسي في خمس صفحات كتبه عيسى وأضاف إليه وتوسع فيه في ٤٩ صفحة أخرى ، وهنا يتذكر المرء رأي الشاعر الألماني غوتة في اختلاف اللاحق عن السابق المتمثل في أن كبار الأدباء ليسوا كبارا لأنهم أتوا بأشياء جديدة ، وإنما هم أدباء كبار لأنهم أظهروا الأشياء كما لو أنها تكتب لأول مرة .
في كتابه يتوقف عيسى أمام قلة دارسي شعر الشاعر الذين تناولوه تناولا سلبيا ، فمن ضمن ما لا يقل عن مائتي كتاب ورسالة جامعية وآلاف الأبحاث ، وليس في هذا مبالغة ، يذكر عيسى أسماء أربعة باحثين ودارسين فقط تناولوا شعر درويش مبرزين ظواهر سلبية فيه . طبعا هناك غير الأسماء الأربعة التي ذكرها وأخص هنا دراسة يوسف الكحلوت التي حاكمت شعر الشاعر من منظور إسلامي متزمت جدا كان القاضي الجرجاني في كتابه " الوساطة بين المتنبي وخصومه " رفضه - أي المنظور ، وهو الربط الآلي بين الدين والشعر وقراءة الثاني في ضوء الأول . ولسوء حظي أن عيسى ذكر اسمي بين الأربعة ، غير مشير إلى عشرات الدراسات والمقالات ذات الطابع الإيجابي التي دفعت أحد شعرائنا لكثرة ما كتبت عن أشعار الشاعر ولكثرة اقتباسي في مقالاتي وخربشاتي منها إلى اتهامي بتصحير الشعر الفلسطيني ، كأنه لا شعراء غير درويش .
كتابة عيسى عموما هي كتابة مشروعة في النقد الأدبي تعرف باسم " النقد المتعاطف " أو " النقد المنحاز " وينطبق عليها قول الشاعر العربي :
" وعين الرضا عن كل عيب كليلة
ولكن عين السخط تبدي المساوئا " .
مثلا حين يناقش عيسى فكرة خروج محمود درويش من فلسطين في العام ١٩٧٠ وعدم التزامه بما قاله قبل الخروج ، وتوقف النقاد أمام هذا الموضوع ناقدين الشاعر ، نقرأ لعيسى الرأي الآتي :
" وأحسب أن الشعر لا يحتمل تقييمه على أساس الحقائقية التي لا يمكن أن تكون معيارا لنقد الشعر تحديدا ؛ لأن الشعر يستحضر الحقيقة بالوهم " ، وينسى الكاتب أن هناك نقدا أخلاقيا وايديولوجيا أيضا للشعر .
الكتاب الذي يعد بالدرجة الأولى دفاعا مستميتا عن درويش لا يخلو أحيانا من آراء قابلة للنقاش ومن هفوات قليلة ، من ذلك مثلا وضوح أشعار الشاعر وغموضها وكتابته شعرا واضحا في بداية حياته وسبب ذلك وهل درويش شاعر صفوة أم شاعر جماهير ؟
إن اندفاع الكاتب في الكتابة جعله أحيانا يقع في هفوات كما في الأسطر الأربعة الأخيرة من الصفحة ٣٠ " تمسك اللاجيء بأرضه " و " سجل أنا عربي ورقم بطاقتي عشرون الف " لا خمسون الف .
الجمعة والسبت
١٥و١٦ / ١٠ / ٢٠٢١
يبحث الفصل الأول من فصلي ° الكتاب في أسباب شهرة محمود درويش الغني عن التعريف ، ويكتب المؤلف في الموضوع بلغة تمتزج فيها لغة الشاعر والباحث معا ، وبقدر من التعاطف الكبير اللافت ، بل وبأسلوب كتابة المتيم حد الوله ، فتحار وأنت تقرأ إن كنت تقرأ حقا بحثا عن أسرار شهرة محمود درويش أم كتابة شعرية تحفل بالاستعارات والمجازات والتشابيه لشاعر ، وقد جمع الدكتور راشد في حياته بين البحث وكتابة الشعر ، وكتب شعرا غنائيا يتوحد لحظة إنشاده مع ما تقوله القصيدة ذات الطابع الغنائي الذي ميز شعر درويش لدرجة أنه قال في " الجدارية " :
" .... يشبهني كثيرا
كل ما حولي ، ولم أشبه هنا
شيئا . كأن الأرض ضيقة على
المرضى الغنائيين ، أحفاد الشياطين
المساكين المجانين الذين إذا رأوا
حلما جميلا لقنوا الببغاء شعر
الحب ، وانفتحت أمامهم الحدود ... " .
ولغة راشد في كتابه تذكر بلغة درويش ، ودفقه في الكتابة يذكر عموما بدفق درويش في جداريته ، وقد تخرج بعد قراءة " الباسق الذهبي " بأن درويش هو أعظم شاعر عربي بعد المتنبي ، وكما شغل الأخير الناس وملأ شعره عالمهم وتردد على ألسنتهم ، فإن درويش كما يراه المؤلف لا يختلف عن المتنبي في هذا الجانب ، وكثيرا ما وازن المؤلف ، وهو يكتب عن أسباب شهرة درويش ويعددها ويشرحها ، بين الشاعرين .
الكتابة عن أسباب شهرة محمود درويش عموما تعود إلى العقد الأول من القرن الحادي والعشرين ، فقد خاض فيها المرحوم الشاعر فاروق مواسي في كتابه " محمود درويش : قراءات في شعره " ( ٢٠٠٩ وعلى صفحة الكتاب الداخلي ٢٠٠١ ولكن المؤلف صحح التاريخ في النسخة المهداة إلي) وكتب خمس صفحات تحت عنوان " الماليء الجديد للدنيا والشاغل للناس ، محمود درويش - المتنبي الآخر "( ص ٥ إلى ٩ ) وكتب تحت عناوين هي " تحرر محمود من المواقف السياسية / عدم تقيد محمود بالتيارات الشعرية/ الكاريزما أو الجاذبية/ الغربة وتأثيرها/ الخلق والخلق ( بفتح و بضم ) / الأداء الشعري / اهتمام السياسيين بشعره " وهي عناوين كتب الدكتور راشد عيسى تحت قسم منها مثل كاريزما محمود درويش واستقلاليته وجماليات الإلقاء والبيئة الحاضنة ولكنه أضاف أسبابا أخرى تخص غنائية قصيدة درويش وبنية معمارها وسعيه نحو التفرد . ثمة تقاطعات في العناوين ، ولكن هناك اختلافا في أسلوب الكتابة وحجمها ، فما كتبه مواسي في خمس صفحات كتبه عيسى وأضاف إليه وتوسع فيه في ٤٩ صفحة أخرى ، وهنا يتذكر المرء رأي الشاعر الألماني غوتة في اختلاف اللاحق عن السابق المتمثل في أن كبار الأدباء ليسوا كبارا لأنهم أتوا بأشياء جديدة ، وإنما هم أدباء كبار لأنهم أظهروا الأشياء كما لو أنها تكتب لأول مرة .
في كتابه يتوقف عيسى أمام قلة دارسي شعر الشاعر الذين تناولوه تناولا سلبيا ، فمن ضمن ما لا يقل عن مائتي كتاب ورسالة جامعية وآلاف الأبحاث ، وليس في هذا مبالغة ، يذكر عيسى أسماء أربعة باحثين ودارسين فقط تناولوا شعر درويش مبرزين ظواهر سلبية فيه . طبعا هناك غير الأسماء الأربعة التي ذكرها وأخص هنا دراسة يوسف الكحلوت التي حاكمت شعر الشاعر من منظور إسلامي متزمت جدا كان القاضي الجرجاني في كتابه " الوساطة بين المتنبي وخصومه " رفضه - أي المنظور ، وهو الربط الآلي بين الدين والشعر وقراءة الثاني في ضوء الأول . ولسوء حظي أن عيسى ذكر اسمي بين الأربعة ، غير مشير إلى عشرات الدراسات والمقالات ذات الطابع الإيجابي التي دفعت أحد شعرائنا لكثرة ما كتبت عن أشعار الشاعر ولكثرة اقتباسي في مقالاتي وخربشاتي منها إلى اتهامي بتصحير الشعر الفلسطيني ، كأنه لا شعراء غير درويش .
كتابة عيسى عموما هي كتابة مشروعة في النقد الأدبي تعرف باسم " النقد المتعاطف " أو " النقد المنحاز " وينطبق عليها قول الشاعر العربي :
" وعين الرضا عن كل عيب كليلة
ولكن عين السخط تبدي المساوئا " .
مثلا حين يناقش عيسى فكرة خروج محمود درويش من فلسطين في العام ١٩٧٠ وعدم التزامه بما قاله قبل الخروج ، وتوقف النقاد أمام هذا الموضوع ناقدين الشاعر ، نقرأ لعيسى الرأي الآتي :
" وأحسب أن الشعر لا يحتمل تقييمه على أساس الحقائقية التي لا يمكن أن تكون معيارا لنقد الشعر تحديدا ؛ لأن الشعر يستحضر الحقيقة بالوهم " ، وينسى الكاتب أن هناك نقدا أخلاقيا وايديولوجيا أيضا للشعر .
الكتاب الذي يعد بالدرجة الأولى دفاعا مستميتا عن درويش لا يخلو أحيانا من آراء قابلة للنقاش ومن هفوات قليلة ، من ذلك مثلا وضوح أشعار الشاعر وغموضها وكتابته شعرا واضحا في بداية حياته وسبب ذلك وهل درويش شاعر صفوة أم شاعر جماهير ؟
إن اندفاع الكاتب في الكتابة جعله أحيانا يقع في هفوات كما في الأسطر الأربعة الأخيرة من الصفحة ٣٠ " تمسك اللاجيء بأرضه " و " سجل أنا عربي ورقم بطاقتي عشرون الف " لا خمسون الف .
الجمعة والسبت
١٥و١٦ / ١٠ / ٢٠٢١