قرأت لليلى الأطرش قبل أن ألتقي بها . كنت بين الأعوام ١٩٨٨و١٩٩١ أعد رسالة الدكتوراه عن صورة اليهود في الأدب الفلسطيني ، وعرفت أن لها رواية عنوانها " وتشرق غربا " واحترت في قراءة الكلمة الأولى : أهو " وتشرق " براء مشددة أم غير مشددة ؟ فالشدة تعطي الفعل معنى مختلفا ويغدو المعنى قائما على مفارقة إذ كيف يشرق المرء باتجاه الغرب .
لاحقا وأنا أقرأ المقابلات التي أجريت مع الكاتبة وأتت فيها على روايتها ، وقالت إنها فيها تنبأت بالانتفاضة الأولى ، حذفت الشدة ؛ فالفعل هو تشرق في الغرب ، والغرب لشرق المكان الذي كانت ليلى تقيم فيه - أي عمان ، هو الضفة الغربية التي تجري فيها أحداث الرواية ، فمن غرب الأردن يأتي الإشراق .
كانت " وتشرق غربا " أول رواية للكاتبة وأول رواية قرأتها لها ، وحتى العام ٢٠٠٤ لم أقرأ لها ، أي رواية أخرى ، علما بأنها أصدرت بعدها ثلاث روايات .
في العام ٢٠٠٥ صدرت في فلسطين روايتها الخامسة " مرافيء الوهم " وطلبت مني الشاعرة روز شوملي أن أقدم قراءة للرواية ، فمدينة بيت لحم تريد الاحتفال بالروائية وتكريمها ، وفي حينه التقيت بليلى لأول مرة . قدمت دراسة عن روايتها وقدم الكاتب محمود شقير ، وكانا من الجيل الأدبي نفسه ؛ الجيل الذي بدأ ينشر في ٦٠ القرن ٢٠ ، قدم شهادة أدبية عن صلته بالروائية .
في مكان عقد الندوة تم عرض الروايات " ليلتان وظل امرأة " و " صهيل المسافات " و " امرأة للفصول الخمسة " فاقتنيتها كلها ، لأكتب عن " صهيل المسافات " وصلتها بروايات ليلى السابقة واللاحقة .
بعد الندوة توطد الاتصال بالروائية فصارت كلما أصدرت رواية جديدة تعلمني ، وكلما زارت فلسطين تتصل بي فنلتقي إن أمكن ، ومرة استضفتها في محاضرة في جامعة النجاح لتتحدث عن تجربتها الأدبية ، وإن لم تخني الذاكرة فقد تجولنا ؛ أنا وهي وروز في البلدة القديمة في نابلس ، وحين استضافتها التربوية اسمهان عزوني في صالونها الأدبي الثقافي في طولكرم عرجت ليلى على نابلس ، فالتقينا من جديد ، وكلما التقينا سألتني عن رأيي في روايتها الجديدة .
أصدرت الكاتبة بعد " مرافيء الوهم " روايات عديدة هي " رغبات ذلك الخريف " و" ترانيم الغواية " و" أبناء الريح " و" لا تشبه ذاتها " وكتابا ضمت فيه مقالات متفرقة عنوانه " نساء على المفارق " ، وقد حظيت كلها بمراجعتي لها وكتابتي عنها .
وأنا أقرأ أعمالها غالبا ما كنت أشير إلى تأثرها بأسلوب بعض روايات نجيب محفوظ ، بخاصة روايات المرحلة الفلسفية وأولها " اللص والكلاب " ، وأيضا بتأثرها بروايات عبد الرحمن منيف وجبرا إبراهيم جبرا ، بخاصة فيما يتعلق بالمكان الافتراضي في قسم من روايات منيف ، وفي الرواية المشتركة لكليهما - أي منيف وجبرا " عالم بلاخرائط "، فمدينة غابرة في رواية ليلى شبيهة بمدينتي موران وعمورية في بعض روايات الكاتبين .
وحين كنت أربط بين رواياتها كنت ألاحظ أنها روايات صادرة عن بنية عقلية واحدة ، على الرغم من اختلاف ثقافات شخوصها وبيئتهم ، وبدا لي أن سبب ذلك يعود إلى أن الكاتبة حين تكتب تؤسلب لغة شخصياتها ، بل وتنطقهم أحيانا بما يدور في عقلها هي ، كأن لا فصل بين المؤلفة وشخصياتها الروائية ، كما لو أن الروائية شاعرة غنائية يتوحد في نصها أنا المتكلم مع أنا الشاعر . إن بنية الجملة في كثير من رواياتها تكاد تتشابه .
الروائية التي ولدت في بيت ساحور ونشأت فيها وفي القدس ، حيث بدأت النشر ، ظلت القدس مبتغاها . تماما مثل جبرا ابراهيم جبرا ، ولذلك ظلت تحلم بكتابة رواية عنها - أي القدس ، علما بأن رواياتها أكثرها تدور أحداثها في مدن عربية وعالمية ومدن افتراضية ، ولأنها عملت في تلفزيون قطر وقدمت برنامجا عن المدن ، فقد حلمت بأن تخص القدس بحلقة من حلقات برنامجها ، وهذا ما نلحظه في روايتها " ترانيم الغواية " (٢٠١٤ ) التي فازت عليها بجائزة القدس .
في روايتها الأخيرة " لا تشبه ذاتها " ثار بعض القراء عليها وذلك لصورة الفلسطيني السلبية جدا فيها ، ما دفعني لأن أكتب عن الرواية وأدرج الكاتبة ضمن الروائيين العرب ، متوقفا أمام سؤال الهوية :
- كيف نتعامل مع ليلى ورواياتها ؟ أهي روائية فلسطينية أم أردنية ؟
تزوجت ليلى من الأردني فايز الصياغ وأقامت في عمان ولكن أكثر رواياتها لم تخل من الموضوع الفلسطيني ومن شخصيات فلسطينية ، وعندما قرأت ردها على من اتهموها بأن على المرء أن يقرأ الرواية الأخيرة وصورة الفلسطيتي فيها في ضوء أعمالها كلها عدت إلى ما كتبته عنها ، لاحظت غلبة النماذج الفلسطينية السلبية بشكل عام ، وربما سبب ذلك يكمن في حس النقد الذاتي العالي الذي رأت أنه وظيفة الكاتب . وعموما فقد كتبت ليلى نصوصها في مراحل ما بعد زمن الوهج الفلسطيني في عقدي الثمانينيات والتسعينيات .
الجمعة والسبت
٢٢ و ٢٣ تشرين الأول ٢٠٢١
( مقالي اليوم في جريدة الأيام الفلسطينية / الأحد ٢٤ تشرين الأول ٢٠٢١ )
لاحقا وأنا أقرأ المقابلات التي أجريت مع الكاتبة وأتت فيها على روايتها ، وقالت إنها فيها تنبأت بالانتفاضة الأولى ، حذفت الشدة ؛ فالفعل هو تشرق في الغرب ، والغرب لشرق المكان الذي كانت ليلى تقيم فيه - أي عمان ، هو الضفة الغربية التي تجري فيها أحداث الرواية ، فمن غرب الأردن يأتي الإشراق .
كانت " وتشرق غربا " أول رواية للكاتبة وأول رواية قرأتها لها ، وحتى العام ٢٠٠٤ لم أقرأ لها ، أي رواية أخرى ، علما بأنها أصدرت بعدها ثلاث روايات .
في العام ٢٠٠٥ صدرت في فلسطين روايتها الخامسة " مرافيء الوهم " وطلبت مني الشاعرة روز شوملي أن أقدم قراءة للرواية ، فمدينة بيت لحم تريد الاحتفال بالروائية وتكريمها ، وفي حينه التقيت بليلى لأول مرة . قدمت دراسة عن روايتها وقدم الكاتب محمود شقير ، وكانا من الجيل الأدبي نفسه ؛ الجيل الذي بدأ ينشر في ٦٠ القرن ٢٠ ، قدم شهادة أدبية عن صلته بالروائية .
في مكان عقد الندوة تم عرض الروايات " ليلتان وظل امرأة " و " صهيل المسافات " و " امرأة للفصول الخمسة " فاقتنيتها كلها ، لأكتب عن " صهيل المسافات " وصلتها بروايات ليلى السابقة واللاحقة .
بعد الندوة توطد الاتصال بالروائية فصارت كلما أصدرت رواية جديدة تعلمني ، وكلما زارت فلسطين تتصل بي فنلتقي إن أمكن ، ومرة استضفتها في محاضرة في جامعة النجاح لتتحدث عن تجربتها الأدبية ، وإن لم تخني الذاكرة فقد تجولنا ؛ أنا وهي وروز في البلدة القديمة في نابلس ، وحين استضافتها التربوية اسمهان عزوني في صالونها الأدبي الثقافي في طولكرم عرجت ليلى على نابلس ، فالتقينا من جديد ، وكلما التقينا سألتني عن رأيي في روايتها الجديدة .
أصدرت الكاتبة بعد " مرافيء الوهم " روايات عديدة هي " رغبات ذلك الخريف " و" ترانيم الغواية " و" أبناء الريح " و" لا تشبه ذاتها " وكتابا ضمت فيه مقالات متفرقة عنوانه " نساء على المفارق " ، وقد حظيت كلها بمراجعتي لها وكتابتي عنها .
وأنا أقرأ أعمالها غالبا ما كنت أشير إلى تأثرها بأسلوب بعض روايات نجيب محفوظ ، بخاصة روايات المرحلة الفلسفية وأولها " اللص والكلاب " ، وأيضا بتأثرها بروايات عبد الرحمن منيف وجبرا إبراهيم جبرا ، بخاصة فيما يتعلق بالمكان الافتراضي في قسم من روايات منيف ، وفي الرواية المشتركة لكليهما - أي منيف وجبرا " عالم بلاخرائط "، فمدينة غابرة في رواية ليلى شبيهة بمدينتي موران وعمورية في بعض روايات الكاتبين .
وحين كنت أربط بين رواياتها كنت ألاحظ أنها روايات صادرة عن بنية عقلية واحدة ، على الرغم من اختلاف ثقافات شخوصها وبيئتهم ، وبدا لي أن سبب ذلك يعود إلى أن الكاتبة حين تكتب تؤسلب لغة شخصياتها ، بل وتنطقهم أحيانا بما يدور في عقلها هي ، كأن لا فصل بين المؤلفة وشخصياتها الروائية ، كما لو أن الروائية شاعرة غنائية يتوحد في نصها أنا المتكلم مع أنا الشاعر . إن بنية الجملة في كثير من رواياتها تكاد تتشابه .
الروائية التي ولدت في بيت ساحور ونشأت فيها وفي القدس ، حيث بدأت النشر ، ظلت القدس مبتغاها . تماما مثل جبرا ابراهيم جبرا ، ولذلك ظلت تحلم بكتابة رواية عنها - أي القدس ، علما بأن رواياتها أكثرها تدور أحداثها في مدن عربية وعالمية ومدن افتراضية ، ولأنها عملت في تلفزيون قطر وقدمت برنامجا عن المدن ، فقد حلمت بأن تخص القدس بحلقة من حلقات برنامجها ، وهذا ما نلحظه في روايتها " ترانيم الغواية " (٢٠١٤ ) التي فازت عليها بجائزة القدس .
في روايتها الأخيرة " لا تشبه ذاتها " ثار بعض القراء عليها وذلك لصورة الفلسطيني السلبية جدا فيها ، ما دفعني لأن أكتب عن الرواية وأدرج الكاتبة ضمن الروائيين العرب ، متوقفا أمام سؤال الهوية :
- كيف نتعامل مع ليلى ورواياتها ؟ أهي روائية فلسطينية أم أردنية ؟
تزوجت ليلى من الأردني فايز الصياغ وأقامت في عمان ولكن أكثر رواياتها لم تخل من الموضوع الفلسطيني ومن شخصيات فلسطينية ، وعندما قرأت ردها على من اتهموها بأن على المرء أن يقرأ الرواية الأخيرة وصورة الفلسطيتي فيها في ضوء أعمالها كلها عدت إلى ما كتبته عنها ، لاحظت غلبة النماذج الفلسطينية السلبية بشكل عام ، وربما سبب ذلك يكمن في حس النقد الذاتي العالي الذي رأت أنه وظيفة الكاتب . وعموما فقد كتبت ليلى نصوصها في مراحل ما بعد زمن الوهج الفلسطيني في عقدي الثمانينيات والتسعينيات .
الجمعة والسبت
٢٢ و ٢٣ تشرين الأول ٢٠٢١
( مقالي اليوم في جريدة الأيام الفلسطينية / الأحد ٢٤ تشرين الأول ٢٠٢١ )