رسائل الأدباء رسالة من كريم مروة الى حبيب فارس

تحية اعتزاز وتقدير
إلى رفيقي وصديقي حبيب فارس
أعرف حبيب فارس جيداً. أعرفه منذ زمن طويل، عندما كان شاباً يافعاً. كان ذلك قبل أن يغادر حبيب بلده لبنان إلى أوستراليا، ويغادر مع بلده جنوبه وجنوبي، هذا الجنوب المعذب الذي لم يعرف الإستقرار والحرية منذ أكثر من نصف قرن، أي قبل أن يكون حبيب قد جاء إلى الحياة الدنيا. والجنوب هذا، مكان ولادتنا ونشأتنا، حبيب وأنا، يستمر، مع الوطن اللبناني، شعباً ودولة ومؤسسات وحياة عامة، في الحالة ذاتها من عدم الإستقرار ومن انعدام شروط الحياة الطبيعية، حتى بعد تحرير أرضه من الإحتلال الإسرائيلي في عام 2000. ولهذا الوضع المأساوي أسباب لا يتسع المجال للدخول فيها، في هذه التحية التي أوجهها لهذا اللبناني الجنوبي، الذي يصر على البقاء أميناً لجنوبيته ولوطنيته اللبنانية، برغم المسافات في المكان والزمان التي تبعده عن هذين الوطنين، الصغير منهما والكبير في آن.
كانت معرفتي الأولى بحبيب، إذن، عندما كان في مطلع شبابه. لكن معرفتي الحقيقية به إنما جاءت خلال زيارتي إلى أوستراليا في عام 1978. وكان لتلك الزيارة هدفان. كان الهدف المباشر حضور مؤتمر الحزب الإشتراكي الأوسترالي. وكان حبيب فارس يومها، مع عدد من الشيوعيين اللبنانيين، عضواً نشيطاً في الحزب الإشتراكي الأوسترالي، من دون أن يتخلى، هو ورفاقه، عن انتمائهم إلى الحزب الشيوعي اللبناني.
أما الهدف الثاني من زيارتي إلى أوستراليا، وهو الهدف الأهم بالنسبة إليّ، فكان اللقاء مع الشيوعيين والديمقراطيين اللبنانيين، ومع كثرة ممن هاجروا من لبنان، بسبب الحرب الأهلية، أو بحثاً عن وسيلة للعيش أفضل مما كان عليه الحال في لبنان، في ستينات وسبعينات القرن الماضي، وربما قبل ذلك أيضاً.
كانت زيارتي إلى أوستراليا، التي دامت أسبوعين، فرصة للتعرف إلى أمور كثيرة. وخلال تلك الزيارة بالذات، التي رافقني فيها حبيب فارس وجوزيف طعمة وجليل بيضون وكثيرون غيرهم، ازدادت معرفتي بحبيب. وظهرت أمامي شخصيته المختلفة عن شخصيته السابقة. إذ أن وجوده في أوستراليا قد أنضج العناصر الكامنة في عقله وفي وجدانه، وعمق ووسع معارفه، وفجر بعض مواهبه التي كانت تنتظر اللحظة المناسبة لخروجها إلى العلن. وكانت تلك المواهب في بداياتها متفرقة. إذ كان يومها يكتب في الصحافة. وكان يقرأ باللغتين العربية والإنجليزية ما كان يعتبره ضرورياً وأساسياً في تكوين معارفه ومداركه، التي كانت تساهم في إغناء وإنضاج شخصيته. لكن موهبته الأدبية لم تفاخر في الظهور إلى العلن. فبدأ يكتب القصة القصيرة والنثر الأدبي. ثم صار يكتب الشعر، ثم الشعر، إلى أن أصبح حبيب شاعراً. وتلك كانت المفاجأة السارة، بالنسبة إليّ.
لقد كانت زيارتي إلى أوستراليا، التي لحبيب شخصياً ولرفاقه ولأصدقائه دور كبير فيها، مناسبة عرفتني بأمور كثيرة تتعلق بهذا البلد. بعض تلك الأمور يتصل بواقع الإغتراب اللبناني، في حقبته الحديثة، وبالقضايا التي تشغل المغتربين اللبنانيين. وقد أتيحت لي فرصة اللقاء بأعداد كبيرة منهم، ومن ممثلي الإتجاهات السياسية التي كانت سائدة بينهم. أما البعض الآخر من تلك الأمور فيتصل بأوستراليا بالذات، تاريخها القديم والحديث، وجغرافيتها، والإتجاهات السياسية التي كانت سائدة فيها. لكن ما أدهشني في تلك الزيارة هو جمال الطبيعة في هذا البلد القارة. ذلك أنني زرت، إلى جانب سيدني، كلاً من العاصمة كانبيرا ومدن ملبورن وولنغونغ وأدلايد.
يستنفر حبيب فارس ذاكرتي، وأنا أوجه إليه هذه التحية، بمناسبة صدور ديوانه. إذ يعود بي إلى ثلاثين عاماً مضت. والذكريات هي، كما يقال، صدى السنين الباقي، الذي يستمر يتغذى ويتجدد، ويعيش مع أصحابه حتى النهايات.
غير أن لديوان حبيب نكهته التي تعبر عنها لغته الجميلة، وعناوين قصائده التي اختارها حبيب بعناية، فتحولت، بتنوع مواضيعها وتنوع طرائفها، هي ذاتها إلى قصيدة. غير أنني أعترف لحبيب بأنني لا أفهم الشعر الحديث، أعني قصيدة النثر، لا أفهمه بالقدر الضروري. لذلك فإنني لا أستطيع أن أتحدث عن شعر حبيب فارس إلا بتلك الإشارات. غير أنني أشد على يديه وأحييه وأهنئه على اختياره هذا الجنس الجميل من الأدب، اختياره إياه كواحدة من اهتماماته الأدبية الواعدة.
فإليك يا صديقي ورفيقي العزيز حبيب فارس كل الحب وكل التقدير وكل التمنيات الطيبة.
كريم مروة
بيروت

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى