«يا إسكندرية / بحرك عجايب
يا ريت ينوبنى/ م الحب نايب
تحدفنى موجه/ على صدر موجة
والبحر هوجة / والصيد مطايب»
( روما 1943)
فى الأول من سبتمبر/ أيلول- من ذلك العام، استقبلت جزيرة صقلية جيوش بريطانيا وأمريكا المتمركزة فى قارة أفريقيا، واستسلمت إيطاليا، واندحرت الجيوش الألمانية، وتم أسر الآلاف منها فى تونس والجزائر ومراكش! لتنتهى فى اليوم التالى –2 سبتمبر– الحرب العالمية الثانية بهزيمة المحور وانتصار الحلفاء! وفى يوم 3 سبتمبر/ أيلول - من ذلك العام ولد فى القاهرة طفل باسم الوجه، هادئ الطبع، نحيل الجسد، قصير القامة، يبكى ولا يصرخ، يلهو ولا يشكو، اسمه مخلص مصطفى البحيرى (اسم الشهرة مخلص البحيرى) لأسرة ريفية متوسطة الحال فى مدينة البدرشين التابعة لمحافظة الجيزة (جنوب القاهرة) والتى تبعد عن العاصمة 17كم وتضم هذه المدينة التاريخية قرية اسمها ميت رهينة منف القديمة التى تُعد أقدم عاصمة فى تاريخ مصر وربما فى تاريخ البشرية جمعاء. وبعد مرور ما يقرب من 58 عامًا من ميلاده أى فى عام 2002 لقى حتفه غرقا هو وأسرته (الزوجة عائشة لبيب محمد 42 سنة والابن مروان 10 سنوات والابنة مى 13 سنة) فيما نجا من الحادث بأعجوبة شقيقة زوجته السيدة عندليب (هذا اسمها وليس لقبها) لبيب محمد، ليموت الفنان مخلص البحيرى وأسرته داخل سيارته التى تحمل أرقام (206528) ملاكى جيزة، وهو فى طريقه إلى شط الإسكندرية ظهيرة يوم حار هو الثلاثاء 27 أغسطس/ آب - من ذلك العام عندما قطعت الطريق عليه سيارة أجرة طائشة، كان يقودها سائق مجهول حسب وصف محاضر التحقيقات وقتها مما تسبب فى الإطاحة به وبأسرته، لتستقر أجسادهم البريئة فى قاع الملاحات بالقرب من مدخل الإسكندرية. وبعد ساعات من وقوع الحادث المأساوى بدأت الأجهزة الأمنية طبقا لقرار النيابة العامة الذى أصدره المستشار محمد سيد على المحامى العام لنيابات الإسكندرية حينذاك رحلة البحث الأمنية لضبط السيارة الهاربة والقبض على السائق المجهول!
***
«إذا خسرنا الحرب
لا غرابة
لأننا ندخلها
بكل ما يملك الشرقى
من مواهب الخطابة
بالعنتريات التى ما قتلت ذبابة
لأننا ندخلها
بمنطق الطبلة والربابة»
(البدرشين 1967)
فى الشارع الرئيسى لهذه المدينة التاريخية وقف الطالب مخلص البحيرى أمام أحد المحلات العامة، وهو عائد من كلية الطب البيطرى/ جامعة القاهرة التى كان قد أوشك على إنهاء دراسته الجامعية فيها بعدما لفت انتباهه زحام شديد أمام مدخل المحل. بعد لحظات من الحذر والترقب والصمت تقدم واقترب حتى اصطدم بضجيج، وهتافات وأمنيات، ودعوات، وشعارات تطالب بسحق العدو الذى بدأت تنهمر عليه قذائف طائراتنا وصواريخنا (القاهر – الظافر) من سمائنا العربية طبقا لبيانات إذاعة صوت العرب بواسطة الإذاعى الشهير أحمد سعيد. بعد دقائق تحرك نحو مقهى قريب بجوار السكة الحديد وجلس يتابع مع أهل المدينة كحال المدن والقرى المصرية والعربية بيانات وتطورات الحرب التى بدأت منذ قليل واشتعلت على كافة الجبهات فى دول المواجهة كما كان يطلق عليهم وقتها!
***
«يا سيدى السلطان
لقد خسرت الحرب مرتين
لأن نصف شعبنا.. ليس له لسان
ما قيمة الشعب الذى ليس له لسان»
(المقهى بعد مرور 30 دقيقة)
ـ «5 طائرات لحد دلوقتى يا دكتور مخلص.. همه لسه شافوا حاجة ولاد اللى مايتسموش دول!» هكذا قال القهوجى صابر وهو يضع أمامه فنجان قهوة سادة كان قد طلبه منه قبل قليل. بعد ساعة عاد صابر قائلًا: «بيقولوا بقوا 15 طائرة وقعناها يا دكتور مخلص» وبعد مرور ساعة ونصف أو أكثر: «بيقولوا وقعنا 20 طائرة يا دكتور مخلص.. قالوا كده فى الراديو.. ربنا ينصرك يا ريس (يقصد الرئيس جمال عبدالناصر).. أجيبلك قهوة تانى يا دكتور»؟! هز رأسه مجيبًا: «هات.. يا صابر..!» فى نهاية النهار غادر المقهى وعاد إلى بيته ودخل إلى حجرته، وبدأ يبحث عن أخبار الحرب من خلال الإذاعات الأجنبية التى اكتشف من خلالها الهزيمة الساحقة التى طالت جيوشنا العربية فى صباح ذلك اليوم الحزين 5 يونيو/ حزيران 1967 ليقضى ليلته مأزومًا، مسجونًا خلف الحلم الذى تحول إلى كابوس.
***
«عدّى النهار والمغربية جايّة
تتخفّى ورا ضل الشجر
وعشان نتوه فى السكة
شالِت من ليالينا القمر»
(القاهرة 2002)
كانت الساعة قد اقتربت من السابعة صباح يوم 27 أغسطس/ آب من ذلك العام عندما استمع مخلص البحيرى لصوت عبدالحليم حافظ وهو يغنى على إذاعة صوت العرب «عدى النهار» من خلال راديو سيارته التى جهزها لرحلة سفره الطويل إلى الإسكندرية ورحلته الأخيرة فى الحياة. السيارة الآن تتجه نحو الطريق الصحراوى بعدما تخطت الطريق الدائرى من ناحية مدينة 6 أكتوبر. وبجواره تجلس زوجته عائشة وفى المقعد الخلفى ابنه وابنته وشقيقة الزوجة. السيارة تخرج من نقطة المرور قبل الكيلو 32 حيث تسير بسرعتها العادية. الزوجة بدأت حديث عائلى مع شقيقتها. الطفلان ألقيا برأسيهما لمسند السيارة وراحا فى نوم عميق، أما هو فمأزال يتذكر مع صوت حليم تلك الأيام التى مرت وراحت، والأحلام التى هربت وضاعت. عبدالحليم مأزال يغنى:» وبلدنا ع الترعة بتغسل شعرها/ جانا نهار مقدرش يدفع مهرها»! وهو مازال يستمع ويهز رأسه قائلًا: «عدى النهار»!!
***
(القاهرة 1967)
فى الجامعة بدأ الطالب مخلص البحيرى بصفته رئيس اتحاد طلاب كلية الطب البيطرى يتواصل مع باقى رؤساء اتحادات الجامعة لإقامة فعاليات ثقافية وفنية وسياسية بالتزامن مع بدء حرب الاستنزاف التى انطلقت بعد أيام من الهزيمة. فى هذا الإطار شارك مع طلاب الجامعات المصرية (خاصة جامعة القاهرة وعين شمس والإسكندرية) الذين قادوا الرأى العام المصرى والعربى للضغط على القيادة السياسية بعد رحيل عبدالناصر المفاجئ ووصول السادات للحكم لانطلاق شرارة الحرب وتحرير الأرض. أحداث ووقائع هذه الأيام مرت أمام عينيه وهو يقود السيارة ويسترجع ذلك الزمن الذى عاشه وهو طالب يشارك فى كافة الفاعليات الثقافية والمسرحية على مسرح الجامعة مع الزملاء المنتصر بالله ومحمد متولى وفيصل عزب بتقديم العديد من الأعمال المسرحية قبل التحاقه بالعمل فى هيئة الطب البيطرى التابعة لوزارة الزراعة، والتى عمل بها لمدة 6 سنوات (ابتعد فيها عن التمثيل نهائيًا) قبل عودته مرة أخرى للمسرح والدراسة بالمعهد العالى للفنون المسرحية الذى تخرج منه عام 1983 ليستقيل من وزارة الزراعة، ويعين فى فرقة المسرح القومى. من هنا بدأت مرحلة الشهرة رغم تأخرها بعض الشىء فى عالم الدراما التليفزيونية والسينما مع استمرار حبه وعشقه للمسرح. ولقد قدم إلى المشاهد العديد من الأعمال المتميزة والتى لفتت الانظار إليه من خلال 25 مسلسلاَ أشهرها دور سيد كشرى فى مسلسل (لن أعيش فى جلباب أبى) و19 مسرحية أشهرها مسرحية (أهلا يا بكوات) و10 أفلام سينمائية أشهرها فيلم (ناصر 56) الذى قدم فيه شخصية الكاتب الراحل محمد حسنين هيكل.
***
«قدم إليهن البطاقة!
ما من بطاقة
قدم إليهن الجواز!
ما من جواز
لا وشم حتى فوق زند أو ذراع
يا للضياع!»
(الطريق الصحراوى بعد مرور 120 دقيقة)
وهذا هو الضياع الذى لا بعده ولا قبله ضياع.. وهو أن تموت أنت وأسرتك فى حادث سير على طريق عام ووسط النهار ثم يهرب القاتل بسيارته المجهولة ويختفى بجريمته المجنونة، ويُغلق المحضر فى حينه، وساعته، وتاريخه.. دون انتظار!
الدقائق تمر وهو يسترق النظر إلى صحراء الطريق حوله، وسط نسمات وذكريات حاره، جافة، تهاجمه بين لحظة وأخرى، وسط أصوات، وكلمات، وضحكات زوجته مع اختها وهن يتباحثن ويتشاورن فى ترتيبات قضاء أيام الإجازة على شط الإسكندرية. وسط هذا الجو الأسرى الحميم مازال ذهنه مشغولًا بتلك الأيام التى عاشها مع طلاب الحركة الثقافية والفنية فى مسرح الجامعة وفى القلب من هذه الذكريات يأتيه صوت الشاعر الكبير الراحل نجيب سرور صديقه الذى كان كثيرًا ما يذهب إليه ويجلس معه فى وسط القاهرة ويستمع إلى شعره وأعماله المسرحية الرائعة.
***
(السيارة – قبل مدخل الإسكندرية)
ـ «وصلنا فين دلوقت يا بابا»؟ هكذا سأله ابنه مروان وهو يفتح عينيه من نومه الذى استغرق فيه منذ تحرك السيارة من القاهرة!
ـ «هانت.. يا مروان.. هانت يا حبيبي»!
بجواره تضحك الزوجة وهى تنظر إلى أختها عندليب التى انتهت منذ قليل من وضع ملامح برنامج أيامهم فى المصيف، فيما قطعت حديثهما الطفلة مى معلنة عن رغبتها فى أن تذهب إلى البحر فى نفس هذا اليوم بعد الوصول. يضحك الأب لها وهو يقول: «مش لازم نروح البحر النهاردة يا مى؟» ترد ضاحكة: «لازم طبعًا يا سى بابا»! يبتسم ثم يسكت! فى هذه اللحظة يرى فى المرايا الأمامية والجانبية للسيارة عربة خلفه قادمة بسرعة رهيبة وكأنها تطارده! هنا الضحكة غابت، والأفكار تاهت، والأعصاب انهارت، وهو يحاول قدر المستطاع إحكام يده على عجلة القيادة. فعل ذلك وهو خائف، وهو صامت، وهو تائه، وهو يشعر بالموت يقترب. الدقائق تمر وكأنها أزمنة. على يمينه الملاحات، الملاحات تقع بشكل رئيسى فى مصبات الأنهار وبالقرب من المدن ومنها يتم استخراج ملح الطعام من المياه المالحة، من خلال الحجر عليها فى بحيرات أو برك ضحلة وعلى شماله الجزيرة الواسطى والطريق المقابل. السيارة الطامحة، الطائشة، مازالت خلفه تقترب بسرعة جنونية وفجأة انحرفت لتصطدم بسيارته حسب شهادة أخت الزوجة فى التحقيقات مما جعل عجلة القيادة تختل فى يده فيفقد السيطرة على السيارة التى قفزت إلى المجهول والمصير المحتوم وطارت فى الهواء عدة أمتار قبل سقوطها المفاجئ والمباغت والمدوى فى قاع الملاحات!
***
«الدنيا ملاحه يابا/ تكوى شقوق الجرح
البحر يملاها ميه/ تصبح تلقيها ملح»
(محافظة الإسكندرية مديرية الأمن)
عند الساعة الثانية ظهرًا تلقى اللواء فاروق عباس مدير الأمن وقتها إخطارًا بانقلاب سيارة تحمل لوحات ملاكى جيزة بعدما قفزت واستقرت فى قاع الماء. انتقل العميد طارق زمزم رئيس المباحث إلى موقع الحادث الذى تبين له فيه بعد المعاينة الأولى وفاة الفنان مخلص البحيرى وزوجته وابنه قبل خروجهم من مياه الملاحات، فيما ظلت الابنة وخالتها تصارعان الموت بضراوة رغم قسوته وشراسته. بعد دقائق حضرت سيارة الإسعاف والمعدات اللازمة لانتشال السيارة التى تهشمت تمامًا، وتم نقل الجثامين إلى المستشفى الجامعى، ونقل المصابين إلى المستشفى الأميرى، فى محاولة سريعة لإنقاذ من تبقى منهم على قيد الحياة. بعد لحظات طار الخبر إلى القاهرة فانتقل الدكتور أشرف زكى عضو مجلس إدارة نقابة الفنانين (الآن النقيب) ومعه الزملاء من الفنانين زين نصار وأشرف طلبة للتعرف على جثة الفنان مخلص البحيرى فى مشرحة الإسعاف. وهذا ما حدث بالفعل.. الآن مخلص البحيرى فى رحاب ربه!
•••
«يا دنيا مالك ومالى/ ومين اللى وزك عليه
دانا كنت ماشى فى حالى/ ولقتنى فى القصة دى»
(المشرحة بعد مرور ساعة)
بعدما تأكد وفد الفنانين من وفاة زميلهم وتعرفوا على جثته، انتقلوا إلى قسم محرم بك لاستخراج تصاريح الدفن كما أمرت النيابة. فى الطريق ما بين قسم الشرطة والنيابة جاء الخبر الصادم ليزداد الألم والحزن بعدما أعلنت المستشفى الأميرى فى وقت متأخر من الليل عن وفاة الابنة فى ظل تحسن تدرجى بدأ يظهر على حالة خالتها (هى الوحيدة التى نجت من الحادث) مما جعل وفد الفنانين يعود مرة أخرى إلى النيابة لاستخراج تصريح بالدفن للابنة مع باقى أفراد أسرتها.
•••
وفى الطريق السلامة/ وأنا مش شايف علامة»
علشان ما صبرت ياما/ الصبر طمعته فىّ»
(المستشفى الأميرى بعد منتصف الليل)
إلى المستشفى الأميرى عاد وفد الفنانين ومعهم تصريح الدفن للابنة حتى تعود الجثامين معًا إلى مسقط رأس الفنان مخلص البحيرى فى مدينة البدرشين التى ظل أهلها من الريف والحضر يفترشون الشوارع الرئيسية والجانبية حتى مدافن المدينة منذ علمهم بخبر الحادث فى انتظار الرجل وأسرته المنكوبة الذى عاش معهم حتى موته ورفضه الانتقال للعيش فى العاصمة حتى بعدما بدأت شهرته تتسع فى سنوات عمره الأخيرة.
•••
«نامت عيونهم وأنا صاحى
بالملح أداوى جراحى
انا اللى شايل سلاحى
الآه.. ودمعة عينيه»
(المستشفى الساعة الثالثة صباحًا)
فى المستشفى اختفى مديرها الدكتور عصمت عمران ورفض رئيس الإدارة المركزية للمستشفى الدكتور يسرى الخرادلى تسليم جثة الابنة إلا فى الصباح - ( أحالهما للتحقيق بعد ذلك الدكتور نصر الدين دمير رئيس جامعة الإسكندرية ) - وفى نفس الوقت أصر أشرف زكى ومن معه على استلام جثة الابنة لتنضم إلى أسرتها، لأنه من غير المنطقى ولا المقبول أن تسافر جثث الأب والأم والابن للقاهرة ثم تلحق بهم بعد ذلك جثة الابنة، فالأسرة سافرت معًا. وغرقت معًا.. وماتت معًا.. ويجب أن تدفن معًا وهذا هو منطق العقل الذى لم تتجاوب معه إدارة المستشفى ورفضته العقول البيروقراطية التى تدير المستشفى، وهى بذلك تمثل نموذجًا صارخًا لأغلب إداراتنا الحكومية من الصحة إلى الثقافة، ومن الثقافة إلى السياسة، ومن السياسة إلى التعليم، ومن التعليم إلى شتى مناحى الحياة. بعد مرور ساعة من رفض المستشفى تسليم جثة الابنة تفاقم الموقف داخل أروقة المستشفى وزادت حدة التوتر عندما أعلنت إدارة المستشفى تحرير محضر ضد أشرف زكى ومن معه وهو بدوره اتصل بالفنان يوسف شعبان نقيب الفنانين وقتها الذى دعم موقف الزملاء وأصر على استلام جثة الابنة لتدفن مع باقى أفراد الأسرة. بعد عدة ساعات تسرب الخبر إلى أغلب الفنانين بالقاهرة الذين اتفقوا مع الوفد فى الإسكندرية قرروا السفر فى الحال للاعتصام داخل المستشفى. عند الساعة الرابعة صباحًا تدخل اللواء فاروق عباس مدير أمن الإسكندرية وقام بإرسال المقدم أحمد صالح ليساهم فى نزع فتيل الأزمة وتهدئة الموقف. وبالفعل نجحت المساعى والاتصالات ما بين القاهرة والإسكندرية وتم استلام الجثة الرابعة لتنضم إلى باقى الجثامين.
•••
«اغسل همومى/ وانشر همومى
على شمس طالعه/ وأنا فيها دايب»
(القاهرة الساعة الثامنة صباحًا)
إلى الإسكندرية سافر الرجل ( وأسرته ) قبل 12 ساعة ليغسل همومه وينشر همومه على بحرها لكن القدر شاء له أن يعود جثة هامدة إلى مقابر مدينة البدرشين ليدفن فيها منذ ما يقرب من 20 عامًا دون أن يعرف (ولا نحن بالطبع)، هل تم القبض على العربة الطائشة والسائق المجهول أم لا ؟!
وفى النهاية... مات مخلص البحيري بسبب رعونة وإهمال واستهتار ذلك السائق الذى جعله يذوق طعم مرار الملح وهو يودع الدنيا بعدما ذاق مرارها عشرات المرات وهو يخوض غمارها مخلصًا (اسمًا وفعلًا) وطبيبًا وفنانًا.. وإنساناً بالمعنى الحقيقى للإنسانية.
خيرى حسن
* الأحداث حقيقية وسيناريو المقال من خيال الكاتب.
•••
* ينشر غداً الخميس 4 نوفمبر2021 فى صحيفة الوفد.
* الشعر وكلمات الأغانى المصاحبة للكتابة للشعراء:
نجيب سرور
نزار قبانى
أحمد فؤاد نجم
عبدالرحمن الأبنودي
•••
الصور:
مخلص البحيري
•••
المصادر:
الصحف:
الأخبار / الأهرام / الوفد.
المجلات:
المصور/ صباح الخير / آخر ساعة.
Facebook
يا ريت ينوبنى/ م الحب نايب
تحدفنى موجه/ على صدر موجة
والبحر هوجة / والصيد مطايب»
( روما 1943)
فى الأول من سبتمبر/ أيلول- من ذلك العام، استقبلت جزيرة صقلية جيوش بريطانيا وأمريكا المتمركزة فى قارة أفريقيا، واستسلمت إيطاليا، واندحرت الجيوش الألمانية، وتم أسر الآلاف منها فى تونس والجزائر ومراكش! لتنتهى فى اليوم التالى –2 سبتمبر– الحرب العالمية الثانية بهزيمة المحور وانتصار الحلفاء! وفى يوم 3 سبتمبر/ أيلول - من ذلك العام ولد فى القاهرة طفل باسم الوجه، هادئ الطبع، نحيل الجسد، قصير القامة، يبكى ولا يصرخ، يلهو ولا يشكو، اسمه مخلص مصطفى البحيرى (اسم الشهرة مخلص البحيرى) لأسرة ريفية متوسطة الحال فى مدينة البدرشين التابعة لمحافظة الجيزة (جنوب القاهرة) والتى تبعد عن العاصمة 17كم وتضم هذه المدينة التاريخية قرية اسمها ميت رهينة منف القديمة التى تُعد أقدم عاصمة فى تاريخ مصر وربما فى تاريخ البشرية جمعاء. وبعد مرور ما يقرب من 58 عامًا من ميلاده أى فى عام 2002 لقى حتفه غرقا هو وأسرته (الزوجة عائشة لبيب محمد 42 سنة والابن مروان 10 سنوات والابنة مى 13 سنة) فيما نجا من الحادث بأعجوبة شقيقة زوجته السيدة عندليب (هذا اسمها وليس لقبها) لبيب محمد، ليموت الفنان مخلص البحيرى وأسرته داخل سيارته التى تحمل أرقام (206528) ملاكى جيزة، وهو فى طريقه إلى شط الإسكندرية ظهيرة يوم حار هو الثلاثاء 27 أغسطس/ آب - من ذلك العام عندما قطعت الطريق عليه سيارة أجرة طائشة، كان يقودها سائق مجهول حسب وصف محاضر التحقيقات وقتها مما تسبب فى الإطاحة به وبأسرته، لتستقر أجسادهم البريئة فى قاع الملاحات بالقرب من مدخل الإسكندرية. وبعد ساعات من وقوع الحادث المأساوى بدأت الأجهزة الأمنية طبقا لقرار النيابة العامة الذى أصدره المستشار محمد سيد على المحامى العام لنيابات الإسكندرية حينذاك رحلة البحث الأمنية لضبط السيارة الهاربة والقبض على السائق المجهول!
***
«إذا خسرنا الحرب
لا غرابة
لأننا ندخلها
بكل ما يملك الشرقى
من مواهب الخطابة
بالعنتريات التى ما قتلت ذبابة
لأننا ندخلها
بمنطق الطبلة والربابة»
(البدرشين 1967)
فى الشارع الرئيسى لهذه المدينة التاريخية وقف الطالب مخلص البحيرى أمام أحد المحلات العامة، وهو عائد من كلية الطب البيطرى/ جامعة القاهرة التى كان قد أوشك على إنهاء دراسته الجامعية فيها بعدما لفت انتباهه زحام شديد أمام مدخل المحل. بعد لحظات من الحذر والترقب والصمت تقدم واقترب حتى اصطدم بضجيج، وهتافات وأمنيات، ودعوات، وشعارات تطالب بسحق العدو الذى بدأت تنهمر عليه قذائف طائراتنا وصواريخنا (القاهر – الظافر) من سمائنا العربية طبقا لبيانات إذاعة صوت العرب بواسطة الإذاعى الشهير أحمد سعيد. بعد دقائق تحرك نحو مقهى قريب بجوار السكة الحديد وجلس يتابع مع أهل المدينة كحال المدن والقرى المصرية والعربية بيانات وتطورات الحرب التى بدأت منذ قليل واشتعلت على كافة الجبهات فى دول المواجهة كما كان يطلق عليهم وقتها!
***
«يا سيدى السلطان
لقد خسرت الحرب مرتين
لأن نصف شعبنا.. ليس له لسان
ما قيمة الشعب الذى ليس له لسان»
(المقهى بعد مرور 30 دقيقة)
ـ «5 طائرات لحد دلوقتى يا دكتور مخلص.. همه لسه شافوا حاجة ولاد اللى مايتسموش دول!» هكذا قال القهوجى صابر وهو يضع أمامه فنجان قهوة سادة كان قد طلبه منه قبل قليل. بعد ساعة عاد صابر قائلًا: «بيقولوا بقوا 15 طائرة وقعناها يا دكتور مخلص» وبعد مرور ساعة ونصف أو أكثر: «بيقولوا وقعنا 20 طائرة يا دكتور مخلص.. قالوا كده فى الراديو.. ربنا ينصرك يا ريس (يقصد الرئيس جمال عبدالناصر).. أجيبلك قهوة تانى يا دكتور»؟! هز رأسه مجيبًا: «هات.. يا صابر..!» فى نهاية النهار غادر المقهى وعاد إلى بيته ودخل إلى حجرته، وبدأ يبحث عن أخبار الحرب من خلال الإذاعات الأجنبية التى اكتشف من خلالها الهزيمة الساحقة التى طالت جيوشنا العربية فى صباح ذلك اليوم الحزين 5 يونيو/ حزيران 1967 ليقضى ليلته مأزومًا، مسجونًا خلف الحلم الذى تحول إلى كابوس.
***
«عدّى النهار والمغربية جايّة
تتخفّى ورا ضل الشجر
وعشان نتوه فى السكة
شالِت من ليالينا القمر»
(القاهرة 2002)
كانت الساعة قد اقتربت من السابعة صباح يوم 27 أغسطس/ آب من ذلك العام عندما استمع مخلص البحيرى لصوت عبدالحليم حافظ وهو يغنى على إذاعة صوت العرب «عدى النهار» من خلال راديو سيارته التى جهزها لرحلة سفره الطويل إلى الإسكندرية ورحلته الأخيرة فى الحياة. السيارة الآن تتجه نحو الطريق الصحراوى بعدما تخطت الطريق الدائرى من ناحية مدينة 6 أكتوبر. وبجواره تجلس زوجته عائشة وفى المقعد الخلفى ابنه وابنته وشقيقة الزوجة. السيارة تخرج من نقطة المرور قبل الكيلو 32 حيث تسير بسرعتها العادية. الزوجة بدأت حديث عائلى مع شقيقتها. الطفلان ألقيا برأسيهما لمسند السيارة وراحا فى نوم عميق، أما هو فمأزال يتذكر مع صوت حليم تلك الأيام التى مرت وراحت، والأحلام التى هربت وضاعت. عبدالحليم مأزال يغنى:» وبلدنا ع الترعة بتغسل شعرها/ جانا نهار مقدرش يدفع مهرها»! وهو مازال يستمع ويهز رأسه قائلًا: «عدى النهار»!!
***
(القاهرة 1967)
فى الجامعة بدأ الطالب مخلص البحيرى بصفته رئيس اتحاد طلاب كلية الطب البيطرى يتواصل مع باقى رؤساء اتحادات الجامعة لإقامة فعاليات ثقافية وفنية وسياسية بالتزامن مع بدء حرب الاستنزاف التى انطلقت بعد أيام من الهزيمة. فى هذا الإطار شارك مع طلاب الجامعات المصرية (خاصة جامعة القاهرة وعين شمس والإسكندرية) الذين قادوا الرأى العام المصرى والعربى للضغط على القيادة السياسية بعد رحيل عبدالناصر المفاجئ ووصول السادات للحكم لانطلاق شرارة الحرب وتحرير الأرض. أحداث ووقائع هذه الأيام مرت أمام عينيه وهو يقود السيارة ويسترجع ذلك الزمن الذى عاشه وهو طالب يشارك فى كافة الفاعليات الثقافية والمسرحية على مسرح الجامعة مع الزملاء المنتصر بالله ومحمد متولى وفيصل عزب بتقديم العديد من الأعمال المسرحية قبل التحاقه بالعمل فى هيئة الطب البيطرى التابعة لوزارة الزراعة، والتى عمل بها لمدة 6 سنوات (ابتعد فيها عن التمثيل نهائيًا) قبل عودته مرة أخرى للمسرح والدراسة بالمعهد العالى للفنون المسرحية الذى تخرج منه عام 1983 ليستقيل من وزارة الزراعة، ويعين فى فرقة المسرح القومى. من هنا بدأت مرحلة الشهرة رغم تأخرها بعض الشىء فى عالم الدراما التليفزيونية والسينما مع استمرار حبه وعشقه للمسرح. ولقد قدم إلى المشاهد العديد من الأعمال المتميزة والتى لفتت الانظار إليه من خلال 25 مسلسلاَ أشهرها دور سيد كشرى فى مسلسل (لن أعيش فى جلباب أبى) و19 مسرحية أشهرها مسرحية (أهلا يا بكوات) و10 أفلام سينمائية أشهرها فيلم (ناصر 56) الذى قدم فيه شخصية الكاتب الراحل محمد حسنين هيكل.
***
«قدم إليهن البطاقة!
ما من بطاقة
قدم إليهن الجواز!
ما من جواز
لا وشم حتى فوق زند أو ذراع
يا للضياع!»
(الطريق الصحراوى بعد مرور 120 دقيقة)
وهذا هو الضياع الذى لا بعده ولا قبله ضياع.. وهو أن تموت أنت وأسرتك فى حادث سير على طريق عام ووسط النهار ثم يهرب القاتل بسيارته المجهولة ويختفى بجريمته المجنونة، ويُغلق المحضر فى حينه، وساعته، وتاريخه.. دون انتظار!
الدقائق تمر وهو يسترق النظر إلى صحراء الطريق حوله، وسط نسمات وذكريات حاره، جافة، تهاجمه بين لحظة وأخرى، وسط أصوات، وكلمات، وضحكات زوجته مع اختها وهن يتباحثن ويتشاورن فى ترتيبات قضاء أيام الإجازة على شط الإسكندرية. وسط هذا الجو الأسرى الحميم مازال ذهنه مشغولًا بتلك الأيام التى عاشها مع طلاب الحركة الثقافية والفنية فى مسرح الجامعة وفى القلب من هذه الذكريات يأتيه صوت الشاعر الكبير الراحل نجيب سرور صديقه الذى كان كثيرًا ما يذهب إليه ويجلس معه فى وسط القاهرة ويستمع إلى شعره وأعماله المسرحية الرائعة.
***
(السيارة – قبل مدخل الإسكندرية)
ـ «وصلنا فين دلوقت يا بابا»؟ هكذا سأله ابنه مروان وهو يفتح عينيه من نومه الذى استغرق فيه منذ تحرك السيارة من القاهرة!
ـ «هانت.. يا مروان.. هانت يا حبيبي»!
بجواره تضحك الزوجة وهى تنظر إلى أختها عندليب التى انتهت منذ قليل من وضع ملامح برنامج أيامهم فى المصيف، فيما قطعت حديثهما الطفلة مى معلنة عن رغبتها فى أن تذهب إلى البحر فى نفس هذا اليوم بعد الوصول. يضحك الأب لها وهو يقول: «مش لازم نروح البحر النهاردة يا مى؟» ترد ضاحكة: «لازم طبعًا يا سى بابا»! يبتسم ثم يسكت! فى هذه اللحظة يرى فى المرايا الأمامية والجانبية للسيارة عربة خلفه قادمة بسرعة رهيبة وكأنها تطارده! هنا الضحكة غابت، والأفكار تاهت، والأعصاب انهارت، وهو يحاول قدر المستطاع إحكام يده على عجلة القيادة. فعل ذلك وهو خائف، وهو صامت، وهو تائه، وهو يشعر بالموت يقترب. الدقائق تمر وكأنها أزمنة. على يمينه الملاحات، الملاحات تقع بشكل رئيسى فى مصبات الأنهار وبالقرب من المدن ومنها يتم استخراج ملح الطعام من المياه المالحة، من خلال الحجر عليها فى بحيرات أو برك ضحلة وعلى شماله الجزيرة الواسطى والطريق المقابل. السيارة الطامحة، الطائشة، مازالت خلفه تقترب بسرعة جنونية وفجأة انحرفت لتصطدم بسيارته حسب شهادة أخت الزوجة فى التحقيقات مما جعل عجلة القيادة تختل فى يده فيفقد السيطرة على السيارة التى قفزت إلى المجهول والمصير المحتوم وطارت فى الهواء عدة أمتار قبل سقوطها المفاجئ والمباغت والمدوى فى قاع الملاحات!
***
«الدنيا ملاحه يابا/ تكوى شقوق الجرح
البحر يملاها ميه/ تصبح تلقيها ملح»
(محافظة الإسكندرية مديرية الأمن)
عند الساعة الثانية ظهرًا تلقى اللواء فاروق عباس مدير الأمن وقتها إخطارًا بانقلاب سيارة تحمل لوحات ملاكى جيزة بعدما قفزت واستقرت فى قاع الماء. انتقل العميد طارق زمزم رئيس المباحث إلى موقع الحادث الذى تبين له فيه بعد المعاينة الأولى وفاة الفنان مخلص البحيرى وزوجته وابنه قبل خروجهم من مياه الملاحات، فيما ظلت الابنة وخالتها تصارعان الموت بضراوة رغم قسوته وشراسته. بعد دقائق حضرت سيارة الإسعاف والمعدات اللازمة لانتشال السيارة التى تهشمت تمامًا، وتم نقل الجثامين إلى المستشفى الجامعى، ونقل المصابين إلى المستشفى الأميرى، فى محاولة سريعة لإنقاذ من تبقى منهم على قيد الحياة. بعد لحظات طار الخبر إلى القاهرة فانتقل الدكتور أشرف زكى عضو مجلس إدارة نقابة الفنانين (الآن النقيب) ومعه الزملاء من الفنانين زين نصار وأشرف طلبة للتعرف على جثة الفنان مخلص البحيرى فى مشرحة الإسعاف. وهذا ما حدث بالفعل.. الآن مخلص البحيرى فى رحاب ربه!
•••
«يا دنيا مالك ومالى/ ومين اللى وزك عليه
دانا كنت ماشى فى حالى/ ولقتنى فى القصة دى»
(المشرحة بعد مرور ساعة)
بعدما تأكد وفد الفنانين من وفاة زميلهم وتعرفوا على جثته، انتقلوا إلى قسم محرم بك لاستخراج تصاريح الدفن كما أمرت النيابة. فى الطريق ما بين قسم الشرطة والنيابة جاء الخبر الصادم ليزداد الألم والحزن بعدما أعلنت المستشفى الأميرى فى وقت متأخر من الليل عن وفاة الابنة فى ظل تحسن تدرجى بدأ يظهر على حالة خالتها (هى الوحيدة التى نجت من الحادث) مما جعل وفد الفنانين يعود مرة أخرى إلى النيابة لاستخراج تصريح بالدفن للابنة مع باقى أفراد أسرتها.
•••
وفى الطريق السلامة/ وأنا مش شايف علامة»
علشان ما صبرت ياما/ الصبر طمعته فىّ»
(المستشفى الأميرى بعد منتصف الليل)
إلى المستشفى الأميرى عاد وفد الفنانين ومعهم تصريح الدفن للابنة حتى تعود الجثامين معًا إلى مسقط رأس الفنان مخلص البحيرى فى مدينة البدرشين التى ظل أهلها من الريف والحضر يفترشون الشوارع الرئيسية والجانبية حتى مدافن المدينة منذ علمهم بخبر الحادث فى انتظار الرجل وأسرته المنكوبة الذى عاش معهم حتى موته ورفضه الانتقال للعيش فى العاصمة حتى بعدما بدأت شهرته تتسع فى سنوات عمره الأخيرة.
•••
«نامت عيونهم وأنا صاحى
بالملح أداوى جراحى
انا اللى شايل سلاحى
الآه.. ودمعة عينيه»
(المستشفى الساعة الثالثة صباحًا)
فى المستشفى اختفى مديرها الدكتور عصمت عمران ورفض رئيس الإدارة المركزية للمستشفى الدكتور يسرى الخرادلى تسليم جثة الابنة إلا فى الصباح - ( أحالهما للتحقيق بعد ذلك الدكتور نصر الدين دمير رئيس جامعة الإسكندرية ) - وفى نفس الوقت أصر أشرف زكى ومن معه على استلام جثة الابنة لتنضم إلى أسرتها، لأنه من غير المنطقى ولا المقبول أن تسافر جثث الأب والأم والابن للقاهرة ثم تلحق بهم بعد ذلك جثة الابنة، فالأسرة سافرت معًا. وغرقت معًا.. وماتت معًا.. ويجب أن تدفن معًا وهذا هو منطق العقل الذى لم تتجاوب معه إدارة المستشفى ورفضته العقول البيروقراطية التى تدير المستشفى، وهى بذلك تمثل نموذجًا صارخًا لأغلب إداراتنا الحكومية من الصحة إلى الثقافة، ومن الثقافة إلى السياسة، ومن السياسة إلى التعليم، ومن التعليم إلى شتى مناحى الحياة. بعد مرور ساعة من رفض المستشفى تسليم جثة الابنة تفاقم الموقف داخل أروقة المستشفى وزادت حدة التوتر عندما أعلنت إدارة المستشفى تحرير محضر ضد أشرف زكى ومن معه وهو بدوره اتصل بالفنان يوسف شعبان نقيب الفنانين وقتها الذى دعم موقف الزملاء وأصر على استلام جثة الابنة لتدفن مع باقى أفراد الأسرة. بعد عدة ساعات تسرب الخبر إلى أغلب الفنانين بالقاهرة الذين اتفقوا مع الوفد فى الإسكندرية قرروا السفر فى الحال للاعتصام داخل المستشفى. عند الساعة الرابعة صباحًا تدخل اللواء فاروق عباس مدير أمن الإسكندرية وقام بإرسال المقدم أحمد صالح ليساهم فى نزع فتيل الأزمة وتهدئة الموقف. وبالفعل نجحت المساعى والاتصالات ما بين القاهرة والإسكندرية وتم استلام الجثة الرابعة لتنضم إلى باقى الجثامين.
•••
«اغسل همومى/ وانشر همومى
على شمس طالعه/ وأنا فيها دايب»
(القاهرة الساعة الثامنة صباحًا)
إلى الإسكندرية سافر الرجل ( وأسرته ) قبل 12 ساعة ليغسل همومه وينشر همومه على بحرها لكن القدر شاء له أن يعود جثة هامدة إلى مقابر مدينة البدرشين ليدفن فيها منذ ما يقرب من 20 عامًا دون أن يعرف (ولا نحن بالطبع)، هل تم القبض على العربة الطائشة والسائق المجهول أم لا ؟!
وفى النهاية... مات مخلص البحيري بسبب رعونة وإهمال واستهتار ذلك السائق الذى جعله يذوق طعم مرار الملح وهو يودع الدنيا بعدما ذاق مرارها عشرات المرات وهو يخوض غمارها مخلصًا (اسمًا وفعلًا) وطبيبًا وفنانًا.. وإنساناً بالمعنى الحقيقى للإنسانية.
خيرى حسن
* الأحداث حقيقية وسيناريو المقال من خيال الكاتب.
•••
* ينشر غداً الخميس 4 نوفمبر2021 فى صحيفة الوفد.
* الشعر وكلمات الأغانى المصاحبة للكتابة للشعراء:
نجيب سرور
نزار قبانى
أحمد فؤاد نجم
عبدالرحمن الأبنودي
•••
الصور:
مخلص البحيري
•••
المصادر:
الصحف:
الأخبار / الأهرام / الوفد.
المجلات:
المصور/ صباح الخير / آخر ساعة.
www.facebook.com