العام الماضي قرأت رواية عيسى لوباني، ابن الشمال الفلسطيني، "شمس وقمر" (زمن الكتابة 1995، زمن النشر 2007)، وربما ما شجعني على قراءتها ما ورد في الإهداء الذي خصّ به د. أسعد خير الله أستاذ الأدب العربي في جامعة فرايبورغ الألمانية، وفي الجامعة الأميركية في بيروت لاحقاً، وكنت التقيت به وتعرّفت إليه، يوم درست اللغة الألمانية في معهد غوتة في فرايبورغ.
في ألمانيا تعرفت إلى الألمان، وكتبت عنهم في رواياتي وقصصي القصيرة ومقالاتي في "الأيام"، ومنذ بدأت أعد رسالة الدكتوراه "صورة اليهود في الأدب الفلسطيني" بدأت أتابع ما يكتب عنهم حتى تجمع لدي مادة لا بأس بها.
وكانت أول رواية فلسطينية لفتت نظري إلى صورة الألمان في أدبنا هي رواية الشاعر محمد العدناني "في السرير" (1946) التي أتيت، وأنا أدرس اليهود فيها، على مرايا الذات والآخر فيها بشكل عام: فلسطيني مزاجي، هو العدناني نفسه، يشتم هذا وذاك، وقد يهجو نفسه، يكره الإنجليز لتعاليهم، واليهود لحقدهم ومكرهم وغشهم وعدائهم لشعبه، والمصريين لرشوتهم وثرثرتهم، ولكنه يمجّد الألمان لنظافتهم وحذقهم العلوم، على الرغم من صعود النازية، فالفترة التي أنفقها في بلادهم يتعالج، هي فترة صعود نجم هتلر.
لا أريد أن أتحدث عن صورة الألمان كما أبرزتها في نصوصي، وهي كثيرة ومتنوعة، وسأتوقف أمام صورتهم في رواية عيسى لوباني المذكورة.
تبدو الرواية أشبه برواية سيرة لمؤلفها، وهي تأتي على حياته في مدينة فرايبورغ لفترة قصيرة، تعرف فيها إلى د. أسعد خير الله، هكذا يضرب عصفورين بحجر، فنتعرف، أيضاً، إلى وجه أكاديمي تطفّل الكاتب على حياته الخاصة، كما كتب في الإهداء: "كان الشرارة الأولى في هشيم الذكريات، فأشعلها، ولما تنطفئ بعد .. إليه هذه الثمرة.. وليعذرني إذا تطفلت على خصوصياته".
شمس وقمر أختان يتنافس عليهما السارد وابن عمه، يفوز الثاني بالأولى ويخسر الأول في حبه، يخسر "شمس"، وفي فرايبورغ يلتقي بشابتين تركيتين أختين يقيم علاقة معهما، فيتذكر "شمس وقمر"، وتكون الشرارة الأولى في هشيم الذكريات.
ولا يعنيني هنا صورة الأتراك في الرواية، وقد أعود إلى هذه الصورة إن واصلت الكتابة عن صورة الأتراك في الأدب الفلسطيني أو صورتهم في الأدب العربي، فما يعنيني هو صورة الألمان فيها بالدرجة الأولى.
ولكن قبل تبيان صورتهم لا بد من تذكر أن من يتحدث عنهم في الرواية هما كاتب فلسطيني زار ألمانيا لمدة وجيزة هي بضعة أسابيع او بضعة أشهر على أكثر تقدير، وأستاذ جامعي لبناني يدرس الأدب العربي هناك، حيث قضى في فرايبورغ ما يربو على العشرين عاما، إذ الحديث عن الألمان يدور بينهما بالدرجة الأولى، وما تنطق به الشخصيات الألمانية يرد على لسان السارد وصديقه، حيث يعيد هذان ما قالته المرأتان الألمانيتان لهما.
تبدو صورة الألمان في الرواية من خلال ما يراه الشخوص العرب في الألمان، بشكل عام، ومن خلال نماذج فردية ألمانية تعرف السارد وصديقه إليهما. "ـ هذه بلاد .. الجنس فيها مباح إلى حد الفوضى.. والعودة إلى عهد الأمومة.. الجنس هنا مباح كالماء والهواء.. أحياناً هو الذي يبحث عنك.. ولا تبحث عنه.." (ص17) يقول أسعد للسارد، فيشفق الأخير على الأول وأسرته، والألمانيات "غضاريف تؤكل شرعاً". وأسعد يبدو مثل بطل الطيب صالح "موسم الهجرة إلى الشمال" ويذكره في موضعين: ص16، وص28. يخاطب أسعد السارد:
"أعرف، لكن لماذا لا تتمتع.. يبدو أنك عثرت على مائدة من السماء.. فاصنع ما صنع بطل الطيب صالح.. في لندن.. فقد انتقم للعرب.. شر انتقام" و"لقد قمت بالواجب.. يا أخي.. وانتقمت للعرب.. منذ بغداد الرشيد وحتى صبرا وشاتيلا.. لا تخف علي.." و"إنهم يحاربوننا بتقنيات حضارتهم.. الراقية.. ونحن نحاربهم بأجسادنا!! إنهم يقتلوننا بالنابالم، والصواريخ الحارقة، ونقتلهم بأ...". هكذا يصبح أسعد جزءاً من الشرق، وألمانيا جزءاً من الغرب، ليغدو الصراع، في النهاية، بين شرق ذكوري وغرب أنثوي، ولكنه قاتل بأسلحته.
وهكذا نلحظ "مصطفى سعيد" آخر، يمثله أكاديمي آخر، بل وأكاديمي مسيحي جاء من لبنان، لكنه عروبي بالدرجة الأولى.
الألمان متقدمون صناعياً، والصناعة تدر عليهم ذهباً، وهم مغرمون بالموسيقى وقراء من الدرجة الأولى، ويعشقون الفن التشكيلي، ولا تخلو بيوتهم من المكتبات و.. و.. وعيونهم زرق، وأجسادهم بيض و.. وما يهمنا هو النماذج الألمانية التي برزت لهم. وهم جمّلوا القبيح وجعلوا منه حدائق، خلافاً لنا.
الأستاذ الأكاديمي المتزوج ملّ من زوجته التي خدمها 20 سنة، ويريد أن يستنشق الهواء الطلق ويفسح نظره ولو قليلاً ".. بين فخذي" (ص17)، وهو مثل يوسف الخال الذي عرفه، ويوسف الشاعر يترك زوجته الصبية ويفضل الحديث مع المثقفين حتى الفجر. يتعرف أسعد/ الشخصية الروائية طبعاً، إلى الدكتورة روكسان، إنها طيبة ومطلقة ولا تريد أطفالاً، فالألمان يكرهون الأطفال إلى حد الانفصال، لأنهم معقدون منهم، إذ يخشون الفقدان الذي مارسوه وعاشوه يوماً. (ص43).
روكسان تقيم علاقة عابرة مع أسعد. تريد منه أن يلبي لها حاجتها، وما إن يفعل حتى تتركه وتعود إلى عملها وحياتها. "إنها لا تعرف العاطفة.. وترفضها" (ص44) وقد حاول إقامة علاقة عاطفية معها، مبنية على شعور صادق بالحب، فأبت. حاول جاهداً وفشل. إنها جسد جميل ومعطر، والألمانيات كوجبة طعام وزجاجة كوكا كولا ولا يرون سوى ذلك، مثل الهامبورغر إذا جعت والكولا إذا ظمئت.
وهذه حضارة دمرت الإنسان وقتلت فيه إنسانيته واغتالتها بذكاء وحنكة منقطعة النظير.
هكذا ترى روكسان في أسعد حيواناً ينزو عليها فقط (ص45). تدعوه إلى عيادتها حين تخلو من الزوار، فتخلع معطفها الأبيض وتتعرى ليضاجعها، وسيشعر هو بالإهانة، ذلك أنه إنسان ومثقف ويحترم كل شيء، فكيف إذا كانت امرأة وطبيبة.
سيضاجعها على عجل، وستشعر هي أنها حصلت على وجبة غذاء وشبعت، وما إن انتهيا من المضاجعة حتى عادت إلى عملها. يتركها ويغادر، وحين يتصل بها من مكتبه تسأله: ماذا تريد؟.
وسيرى فيها أسعد صيادة رجال، وهو يرفض أن يكون طريدة.
وهنا سيتحدث أسعد عن الفرق بين الشرق والغرب، فنحن ما زلنا نملك من مخزون العواطف والمشاعر ما يكفي، وما يحمي إنسانيتنا (ص47). [هنا يتذكر المرء قصيدة محمود درويش "بيروت": والشرق عكس الغرب أحياناً، وصورته وسلعته].
وإذا كان أسعد تعرف إلى روكسان، فإن السارد يقيم علاقة مع التركيتين الأختين ومع (باتريشيا)، وهذه أيضاً تعرض نفسها عليه. "الرجل أفضل ونيس للمرأة" تقول له في ليلة باردة في إحدى الحانات، وتنشأ العلاقة بينهما، ويزور منزلها وتعطيه مفتاحه. كانت (باتريشيا) متزوجة من رسام، عشق عليها امرأة أخرى، وقضى في حادث سير، فيم أصبحت معشوقته معاقة، ولا يمنع هذا (باتريشيا) من زيارة عشيقة زوجها الراحل. هل كرهت زوجها؟ "لقد أحبته.. بالرغم من خطاياه.. إنه فنان" (ص50).
ما تفعله يثير العجب والدهشة عند السارد، وحين يخبرها أنه كاتب تطلب منه أن يكتب عنها وعن زوجها. يتذكر السارد زكية ونساء بلده اللاتي يقمن علاقة بالحلال فقط، خلافاً للألمانيات.
كيف ينظر أسعد إلى (روكسان)؟ "طلعت قحبة.. لا تعرف سوى لغة الجسد.." ص67 فلسفة (باتريشيا)/ مونيكا (ص48/ص68) هي: "إنه عمرنا.. فإذا ضيعناه.. فقدناه إلى الأبد.. وأنا وأنت وزوجي المتوفى.. لم نعش، ولن نعيش سوى مرة واحدة" (ص73) ولقد دمرها حبها وأقسمت بعد ذلك ألاّ تحب. أقسمت أنها ستتمتع (ص81) وحين يسألها السارد: مع كل رجل؟ تجيبه، ولم لا، إذا كنا نتمتع". والسارد يرى ثمة فارقاً بين شمس وقمر وبين (مونيكا) فالأخيرة قارورة عطر فاسد. ص87.
وسيدرك أسعد الأمر فيقرر معترفاً: "وهنا المأساة.. إننا نعيش أتعس حالات الفصام.. والبارانويا.. هل تعرف البارانويا؟" (ص91).
أ. د. عادل الأسطة
2014-01-12
في ألمانيا تعرفت إلى الألمان، وكتبت عنهم في رواياتي وقصصي القصيرة ومقالاتي في "الأيام"، ومنذ بدأت أعد رسالة الدكتوراه "صورة اليهود في الأدب الفلسطيني" بدأت أتابع ما يكتب عنهم حتى تجمع لدي مادة لا بأس بها.
وكانت أول رواية فلسطينية لفتت نظري إلى صورة الألمان في أدبنا هي رواية الشاعر محمد العدناني "في السرير" (1946) التي أتيت، وأنا أدرس اليهود فيها، على مرايا الذات والآخر فيها بشكل عام: فلسطيني مزاجي، هو العدناني نفسه، يشتم هذا وذاك، وقد يهجو نفسه، يكره الإنجليز لتعاليهم، واليهود لحقدهم ومكرهم وغشهم وعدائهم لشعبه، والمصريين لرشوتهم وثرثرتهم، ولكنه يمجّد الألمان لنظافتهم وحذقهم العلوم، على الرغم من صعود النازية، فالفترة التي أنفقها في بلادهم يتعالج، هي فترة صعود نجم هتلر.
لا أريد أن أتحدث عن صورة الألمان كما أبرزتها في نصوصي، وهي كثيرة ومتنوعة، وسأتوقف أمام صورتهم في رواية عيسى لوباني المذكورة.
تبدو الرواية أشبه برواية سيرة لمؤلفها، وهي تأتي على حياته في مدينة فرايبورغ لفترة قصيرة، تعرف فيها إلى د. أسعد خير الله، هكذا يضرب عصفورين بحجر، فنتعرف، أيضاً، إلى وجه أكاديمي تطفّل الكاتب على حياته الخاصة، كما كتب في الإهداء: "كان الشرارة الأولى في هشيم الذكريات، فأشعلها، ولما تنطفئ بعد .. إليه هذه الثمرة.. وليعذرني إذا تطفلت على خصوصياته".
شمس وقمر أختان يتنافس عليهما السارد وابن عمه، يفوز الثاني بالأولى ويخسر الأول في حبه، يخسر "شمس"، وفي فرايبورغ يلتقي بشابتين تركيتين أختين يقيم علاقة معهما، فيتذكر "شمس وقمر"، وتكون الشرارة الأولى في هشيم الذكريات.
ولا يعنيني هنا صورة الأتراك في الرواية، وقد أعود إلى هذه الصورة إن واصلت الكتابة عن صورة الأتراك في الأدب الفلسطيني أو صورتهم في الأدب العربي، فما يعنيني هو صورة الألمان فيها بالدرجة الأولى.
ولكن قبل تبيان صورتهم لا بد من تذكر أن من يتحدث عنهم في الرواية هما كاتب فلسطيني زار ألمانيا لمدة وجيزة هي بضعة أسابيع او بضعة أشهر على أكثر تقدير، وأستاذ جامعي لبناني يدرس الأدب العربي هناك، حيث قضى في فرايبورغ ما يربو على العشرين عاما، إذ الحديث عن الألمان يدور بينهما بالدرجة الأولى، وما تنطق به الشخصيات الألمانية يرد على لسان السارد وصديقه، حيث يعيد هذان ما قالته المرأتان الألمانيتان لهما.
تبدو صورة الألمان في الرواية من خلال ما يراه الشخوص العرب في الألمان، بشكل عام، ومن خلال نماذج فردية ألمانية تعرف السارد وصديقه إليهما. "ـ هذه بلاد .. الجنس فيها مباح إلى حد الفوضى.. والعودة إلى عهد الأمومة.. الجنس هنا مباح كالماء والهواء.. أحياناً هو الذي يبحث عنك.. ولا تبحث عنه.." (ص17) يقول أسعد للسارد، فيشفق الأخير على الأول وأسرته، والألمانيات "غضاريف تؤكل شرعاً". وأسعد يبدو مثل بطل الطيب صالح "موسم الهجرة إلى الشمال" ويذكره في موضعين: ص16، وص28. يخاطب أسعد السارد:
"أعرف، لكن لماذا لا تتمتع.. يبدو أنك عثرت على مائدة من السماء.. فاصنع ما صنع بطل الطيب صالح.. في لندن.. فقد انتقم للعرب.. شر انتقام" و"لقد قمت بالواجب.. يا أخي.. وانتقمت للعرب.. منذ بغداد الرشيد وحتى صبرا وشاتيلا.. لا تخف علي.." و"إنهم يحاربوننا بتقنيات حضارتهم.. الراقية.. ونحن نحاربهم بأجسادنا!! إنهم يقتلوننا بالنابالم، والصواريخ الحارقة، ونقتلهم بأ...". هكذا يصبح أسعد جزءاً من الشرق، وألمانيا جزءاً من الغرب، ليغدو الصراع، في النهاية، بين شرق ذكوري وغرب أنثوي، ولكنه قاتل بأسلحته.
وهكذا نلحظ "مصطفى سعيد" آخر، يمثله أكاديمي آخر، بل وأكاديمي مسيحي جاء من لبنان، لكنه عروبي بالدرجة الأولى.
الألمان متقدمون صناعياً، والصناعة تدر عليهم ذهباً، وهم مغرمون بالموسيقى وقراء من الدرجة الأولى، ويعشقون الفن التشكيلي، ولا تخلو بيوتهم من المكتبات و.. و.. وعيونهم زرق، وأجسادهم بيض و.. وما يهمنا هو النماذج الألمانية التي برزت لهم. وهم جمّلوا القبيح وجعلوا منه حدائق، خلافاً لنا.
الأستاذ الأكاديمي المتزوج ملّ من زوجته التي خدمها 20 سنة، ويريد أن يستنشق الهواء الطلق ويفسح نظره ولو قليلاً ".. بين فخذي" (ص17)، وهو مثل يوسف الخال الذي عرفه، ويوسف الشاعر يترك زوجته الصبية ويفضل الحديث مع المثقفين حتى الفجر. يتعرف أسعد/ الشخصية الروائية طبعاً، إلى الدكتورة روكسان، إنها طيبة ومطلقة ولا تريد أطفالاً، فالألمان يكرهون الأطفال إلى حد الانفصال، لأنهم معقدون منهم، إذ يخشون الفقدان الذي مارسوه وعاشوه يوماً. (ص43).
روكسان تقيم علاقة عابرة مع أسعد. تريد منه أن يلبي لها حاجتها، وما إن يفعل حتى تتركه وتعود إلى عملها وحياتها. "إنها لا تعرف العاطفة.. وترفضها" (ص44) وقد حاول إقامة علاقة عاطفية معها، مبنية على شعور صادق بالحب، فأبت. حاول جاهداً وفشل. إنها جسد جميل ومعطر، والألمانيات كوجبة طعام وزجاجة كوكا كولا ولا يرون سوى ذلك، مثل الهامبورغر إذا جعت والكولا إذا ظمئت.
وهذه حضارة دمرت الإنسان وقتلت فيه إنسانيته واغتالتها بذكاء وحنكة منقطعة النظير.
هكذا ترى روكسان في أسعد حيواناً ينزو عليها فقط (ص45). تدعوه إلى عيادتها حين تخلو من الزوار، فتخلع معطفها الأبيض وتتعرى ليضاجعها، وسيشعر هو بالإهانة، ذلك أنه إنسان ومثقف ويحترم كل شيء، فكيف إذا كانت امرأة وطبيبة.
سيضاجعها على عجل، وستشعر هي أنها حصلت على وجبة غذاء وشبعت، وما إن انتهيا من المضاجعة حتى عادت إلى عملها. يتركها ويغادر، وحين يتصل بها من مكتبه تسأله: ماذا تريد؟.
وسيرى فيها أسعد صيادة رجال، وهو يرفض أن يكون طريدة.
وهنا سيتحدث أسعد عن الفرق بين الشرق والغرب، فنحن ما زلنا نملك من مخزون العواطف والمشاعر ما يكفي، وما يحمي إنسانيتنا (ص47). [هنا يتذكر المرء قصيدة محمود درويش "بيروت": والشرق عكس الغرب أحياناً، وصورته وسلعته].
وإذا كان أسعد تعرف إلى روكسان، فإن السارد يقيم علاقة مع التركيتين الأختين ومع (باتريشيا)، وهذه أيضاً تعرض نفسها عليه. "الرجل أفضل ونيس للمرأة" تقول له في ليلة باردة في إحدى الحانات، وتنشأ العلاقة بينهما، ويزور منزلها وتعطيه مفتاحه. كانت (باتريشيا) متزوجة من رسام، عشق عليها امرأة أخرى، وقضى في حادث سير، فيم أصبحت معشوقته معاقة، ولا يمنع هذا (باتريشيا) من زيارة عشيقة زوجها الراحل. هل كرهت زوجها؟ "لقد أحبته.. بالرغم من خطاياه.. إنه فنان" (ص50).
ما تفعله يثير العجب والدهشة عند السارد، وحين يخبرها أنه كاتب تطلب منه أن يكتب عنها وعن زوجها. يتذكر السارد زكية ونساء بلده اللاتي يقمن علاقة بالحلال فقط، خلافاً للألمانيات.
كيف ينظر أسعد إلى (روكسان)؟ "طلعت قحبة.. لا تعرف سوى لغة الجسد.." ص67 فلسفة (باتريشيا)/ مونيكا (ص48/ص68) هي: "إنه عمرنا.. فإذا ضيعناه.. فقدناه إلى الأبد.. وأنا وأنت وزوجي المتوفى.. لم نعش، ولن نعيش سوى مرة واحدة" (ص73) ولقد دمرها حبها وأقسمت بعد ذلك ألاّ تحب. أقسمت أنها ستتمتع (ص81) وحين يسألها السارد: مع كل رجل؟ تجيبه، ولم لا، إذا كنا نتمتع". والسارد يرى ثمة فارقاً بين شمس وقمر وبين (مونيكا) فالأخيرة قارورة عطر فاسد. ص87.
وسيدرك أسعد الأمر فيقرر معترفاً: "وهنا المأساة.. إننا نعيش أتعس حالات الفصام.. والبارانويا.. هل تعرف البارانويا؟" (ص91).
أ. د. عادل الأسطة
2014-01-12