دعوات كثيرة لإصلاح الأمم المتحدة (انظر بعض تلك المقترحات: لامية رقان؛ إصلاح منظمة الأمم المتحدة بين الواقع والرهانات، مجلة كلية السياسة والاقتصاد، العدد السادس أبريل ٢٠٢٠). حيث تشعر الدول الفقيرة والضعيفة بالتهميش في ظل هيمنة القوى الكبرى، والقوة العظيمة (امريكا) على توجيه القرار الدولي.
يعتبر مجلس الأمن حكومة استعمارية كبيرة، توزع فيه السلطات والنفوذ على الدول الأكثر قوة، ويستخدم الفيتو لتقويض القانون الدولي لتحقيق مصالح الدول الكبرى والدولة العظمى، وهذا معروف.
إشكالية القانون الدولي:
انقسم فقهاء القانون الدولي إلى قسمين، جزء يرى أنه لا يوجد قانون دولي مثل القوانين الداخلية للدول، مستنداً على الانتهاكات المستمرة لهذا القانون وهيمنة الدول الكبرى والعظمى على القرار الدولي، في حين يرى جزء آخر، بأن معرفتنا بانتهاك تلك الدول للقانون الدولي يؤكد وجود هذا القانون، بل ويؤكد أنه يلعب دوراً كبيراً في عملية تقييم مشروعية أو عدم مشروعية أي قرار تتخذه الدول المهيمنة على مجلس الأمن. فلولا وجود القانون الدولي لما عرفنا أن التدخلات الامريكية العسكرية في بعض الدول قانونية أم غير قانونية.
رؤية الإصلاح:
لكن بغض النظر عن ذلك النقاش الذي لا أراه مجدياً علينا أن نسأل عن حقيقة الرؤية التي يراد بها إصلاح الأمم المتحدة..
في الواقع لا توجد رؤية منهجية ومقبولة وواضحة لهذا الإصلاح، فحتى على مستوى الإصلاح الفرعي لدور وأنشطة ووكالات الأمم المتحدة، كإصلاح منظومة الأمم المتحدة الإنمائية باءت بالفشل، ومقترحات غوتيرش التي قدمها عام ٢٠١٧ لم يتم تحويلها إلى أفعال على الأرض، رغم أنها اقتصرت على الإدارة والتنمية والسلام والأمن، ولم تمس إصلاحات هيكلية جوهرية داخل الأمم المتحدة، كما ارتد الفشل حتى إلى قرارات الإصلاح الاقدم مثل القرار رقم ستة لسنة ألفين وخمسة..الخ. ففي الحقيقة: أنه لا يمكن إصلاح الأمم المتحدة، وذلك لأن تطبيق وتنفيذ القواعد الدولية يحتاح لضامن. ففي الواقع يعاني القانون الدولي من أنه يتعارض مع السيادات الوطنية للدول المكونة للأمم المتحدة. وبالتالي، يعتبر الأصل في عمل الأمم المتحدة هو احترام تلك السيادات وعدم التدخل فيها، وهذا يتناقض مع شرط أن يكون القانون قابلاً لفرضه عبر سلطة عليا، تمتلك حق الإكراه المادي.
فحتى القانون العادي داخل الدولة لا يمكن أن يتم سنه بدون خلق آلية لتنفيذه، اي حكومة بقضاء وشرطة ونيابة لها سيادة على باقي عناصر الدولة (إقليم وشعب) بحيث تمتلك سلطة الإكراه على طاعة القانون. أما القانون الدولي فلا مجال فيه لانتهاك سيادات الدول القضائية إلا إذا تنازلت تلك الدول أو بعضها عن بعض من سيادتها، كما فعلوا في اتفاقية روما المتعلقة بإنشاء المحكمة الجنائية الدولية. والتنازل نفسه يجوز للدول التراجع عنه في أغلب الاتفاقيات أو التحفظ على بعض بنوده وهذا هو الغالب.
لذلك يكون السؤال الأكثر منطقية؛ من هو الضامن لتطبيق وتنفيذ القانون الدولي؟
بدون إستخدام المجازات أو الخطابات العاطفية، فإن تطبيق وتنفيذ القانون الدولي لا يمكن أن تمتلكه سوى الدول القوية، اي الدول العظمى والكبرى، الدول العظمى هي الدول التي تتمتع بنفوذ سياسي وعسكري واقتصادي دولي مثل أمريكا، أما الدول الكبرى فنفوذها إقليمي رئيسي مثل الصين وروسيا. في الواقع؛ حتى الصين وروسيا تعانيان من قوة النفوذ الأمريكي حيث تتعرضان لعقوبات قاسية باستمرار، وتمتلك أمريكا القدرة على توجيه مزيد من الضغوط عليهما دولياً، فبقرار واحد يمكن لأمريكا أن تجعل الصين تخسر مليارات الدولارات، عندما تخشى باقي الدول عدم الامتثال للقرار الأمريكي. يمكن لأمريكا أن توقع عقوبات على الدول والبنوك والشركات بل والأشخاص الذين يتعاملون مع دول أو تنظيمات موضوعة في لائحة الحظر الأمريكي، وستعاني اي جهة حينئذ من تلك العقوبات أيما معاناة، لأن الاقتصادات الكبرى (أوروبا وكندا واستراليا) ستلتزم بالعقوبات الأمريكية.
إذاً فأمريكا وحدها القادرة على تحمل مسؤولية تطبيق وتنفيذ القانون الدولي، كضامن قوي سواء بوجود أو عدم وجود الأمم المتحدة. وهنا سيجوز لها (باعتبار مركزها هذا) أن تكسر القانون لمصلحتها في بعض الأحيان ويكون ذلك مقبولاً من الدول الأضعف.
لذلك ليس من المستحسن الحديث عن إصلاح الأمم المتحدة، لأن ذلك سيفضي إلى سيولة سياسية بانعدام الضامن الأقوى، وقد تخسر الدول الضعيفة أكثر مما تكسب حين يكون بإمكان اي دولة أخرى انتهاك سيادتها او تهديدها أو حتى إخضاعها عسكريا. فما لا يؤخذ كله لا يترك جله.
كل ما في الأمر هو ضرورة أن تسعى الدول، لمخاطبة الولايات المتحدة الأمريكية بترشيد سلوكها الدولي، ليكون أكثر أخلاقية، أو على الأقل أن يكون انتهاكها للقانون الدولي في اضيق الحدود ولاسباب استراتيجية.
يعتبر مجلس الأمن حكومة استعمارية كبيرة، توزع فيه السلطات والنفوذ على الدول الأكثر قوة، ويستخدم الفيتو لتقويض القانون الدولي لتحقيق مصالح الدول الكبرى والدولة العظمى، وهذا معروف.
إشكالية القانون الدولي:
انقسم فقهاء القانون الدولي إلى قسمين، جزء يرى أنه لا يوجد قانون دولي مثل القوانين الداخلية للدول، مستنداً على الانتهاكات المستمرة لهذا القانون وهيمنة الدول الكبرى والعظمى على القرار الدولي، في حين يرى جزء آخر، بأن معرفتنا بانتهاك تلك الدول للقانون الدولي يؤكد وجود هذا القانون، بل ويؤكد أنه يلعب دوراً كبيراً في عملية تقييم مشروعية أو عدم مشروعية أي قرار تتخذه الدول المهيمنة على مجلس الأمن. فلولا وجود القانون الدولي لما عرفنا أن التدخلات الامريكية العسكرية في بعض الدول قانونية أم غير قانونية.
رؤية الإصلاح:
لكن بغض النظر عن ذلك النقاش الذي لا أراه مجدياً علينا أن نسأل عن حقيقة الرؤية التي يراد بها إصلاح الأمم المتحدة..
في الواقع لا توجد رؤية منهجية ومقبولة وواضحة لهذا الإصلاح، فحتى على مستوى الإصلاح الفرعي لدور وأنشطة ووكالات الأمم المتحدة، كإصلاح منظومة الأمم المتحدة الإنمائية باءت بالفشل، ومقترحات غوتيرش التي قدمها عام ٢٠١٧ لم يتم تحويلها إلى أفعال على الأرض، رغم أنها اقتصرت على الإدارة والتنمية والسلام والأمن، ولم تمس إصلاحات هيكلية جوهرية داخل الأمم المتحدة، كما ارتد الفشل حتى إلى قرارات الإصلاح الاقدم مثل القرار رقم ستة لسنة ألفين وخمسة..الخ. ففي الحقيقة: أنه لا يمكن إصلاح الأمم المتحدة، وذلك لأن تطبيق وتنفيذ القواعد الدولية يحتاح لضامن. ففي الواقع يعاني القانون الدولي من أنه يتعارض مع السيادات الوطنية للدول المكونة للأمم المتحدة. وبالتالي، يعتبر الأصل في عمل الأمم المتحدة هو احترام تلك السيادات وعدم التدخل فيها، وهذا يتناقض مع شرط أن يكون القانون قابلاً لفرضه عبر سلطة عليا، تمتلك حق الإكراه المادي.
فحتى القانون العادي داخل الدولة لا يمكن أن يتم سنه بدون خلق آلية لتنفيذه، اي حكومة بقضاء وشرطة ونيابة لها سيادة على باقي عناصر الدولة (إقليم وشعب) بحيث تمتلك سلطة الإكراه على طاعة القانون. أما القانون الدولي فلا مجال فيه لانتهاك سيادات الدول القضائية إلا إذا تنازلت تلك الدول أو بعضها عن بعض من سيادتها، كما فعلوا في اتفاقية روما المتعلقة بإنشاء المحكمة الجنائية الدولية. والتنازل نفسه يجوز للدول التراجع عنه في أغلب الاتفاقيات أو التحفظ على بعض بنوده وهذا هو الغالب.
لذلك يكون السؤال الأكثر منطقية؛ من هو الضامن لتطبيق وتنفيذ القانون الدولي؟
بدون إستخدام المجازات أو الخطابات العاطفية، فإن تطبيق وتنفيذ القانون الدولي لا يمكن أن تمتلكه سوى الدول القوية، اي الدول العظمى والكبرى، الدول العظمى هي الدول التي تتمتع بنفوذ سياسي وعسكري واقتصادي دولي مثل أمريكا، أما الدول الكبرى فنفوذها إقليمي رئيسي مثل الصين وروسيا. في الواقع؛ حتى الصين وروسيا تعانيان من قوة النفوذ الأمريكي حيث تتعرضان لعقوبات قاسية باستمرار، وتمتلك أمريكا القدرة على توجيه مزيد من الضغوط عليهما دولياً، فبقرار واحد يمكن لأمريكا أن تجعل الصين تخسر مليارات الدولارات، عندما تخشى باقي الدول عدم الامتثال للقرار الأمريكي. يمكن لأمريكا أن توقع عقوبات على الدول والبنوك والشركات بل والأشخاص الذين يتعاملون مع دول أو تنظيمات موضوعة في لائحة الحظر الأمريكي، وستعاني اي جهة حينئذ من تلك العقوبات أيما معاناة، لأن الاقتصادات الكبرى (أوروبا وكندا واستراليا) ستلتزم بالعقوبات الأمريكية.
إذاً فأمريكا وحدها القادرة على تحمل مسؤولية تطبيق وتنفيذ القانون الدولي، كضامن قوي سواء بوجود أو عدم وجود الأمم المتحدة. وهنا سيجوز لها (باعتبار مركزها هذا) أن تكسر القانون لمصلحتها في بعض الأحيان ويكون ذلك مقبولاً من الدول الأضعف.
لذلك ليس من المستحسن الحديث عن إصلاح الأمم المتحدة، لأن ذلك سيفضي إلى سيولة سياسية بانعدام الضامن الأقوى، وقد تخسر الدول الضعيفة أكثر مما تكسب حين يكون بإمكان اي دولة أخرى انتهاك سيادتها او تهديدها أو حتى إخضاعها عسكريا. فما لا يؤخذ كله لا يترك جله.
كل ما في الأمر هو ضرورة أن تسعى الدول، لمخاطبة الولايات المتحدة الأمريكية بترشيد سلوكها الدولي، ليكون أكثر أخلاقية، أو على الأقل أن يكون انتهاكها للقانون الدولي في اضيق الحدود ولاسباب استراتيجية.