من المآتى إلى الخلاصة والاستنتاج لتوصيات *
...تابع - تتمة
محتويات الحلقة
ـ من حيث المجنة لمأتى..
ـ اما من حيث المحنة كمسـتقرأ للاستبـراء
ـ إلى من يحسن النكبة و يجيد الإستخراج بها
من حيث المحنة لمأتى
هو الأكتشاف المشترك لحساسية المحنة٬ والذات المفكرة المتعالية٬ أي بمعنى٬ السمة المميزة للشاعرة٬ والمواقف المبكرة تميزها الإبداعي الصعب. بمعنى٬ إن المفكر المتعالي ممن حساسية المحنةك بمثابة الفطن الأول والوحيد الذي تكلمت به عن التفكير الحسي كحالة مؤثرة٬ كمحنة تنقض على الشخص بتجربته الإبداعية؛ الذي يدفع بها الاضطر إلى تحملها٬ كم كان هو (الإنسان العربي) في محاولة (التحرر والتجديد)٬ حيث أعتبرت الفكرة المدهشة بداية التأمل الهادف٬ نحو فلسفة الحرية والإبداع التجديد الفاطن. أي٬ ثبوت المشقة الهادفة؛ تعني من وراء ذلك نتائج ميزها بالضرورة مخرجاتها طبعا٬ لأن الدهشة المجردة٬ تجتاز المفاجأة التي تنتابها٬ حينما تلتقي برؤية ومهام متألقة٬ إمساكها شيئا غريبا٬ أي معالم الدهشة المفكرة. ذلك أن الدهشة المتعالية٬ مكابدتها٬ تصميم إطارها الإبداعي الفعال؛ـ التي هي بداية محنة الإبداع الشعري ـ مثلما أن الفكرة المدهشة٬ تتخذ من تجربتها رسم معايير المفاجأة تغطيتها بـظهور أنشطة الحركة٬ كما هي بداية العلوم المدعومة بالنمو والرسوخ للنماذج الحيوية لها ـ تهم النظر والمراقبة لمعظم توجهات وتغيرها اليومي٬ و بيان الهوة من عناصر التميز الخارجي٬ والتمييزالبديهي الداخلي٬ والمعروف بالتمام في الأدب٬ والمعترف به إبداعيا في الرسوخ والأنفصال عن المكابدة بالتأسيس والمرح٬ ولهذا السبب لا يمكن إيجاز تجربة الشاعرة العراقية المبدعة في الأنهيار الداعم للجدل دون التمعن بالمحنة والغرض الذي يغطي تجربتها٬ والذي لا يمكن النظر إليها وأختزالها ضمن أية معرفة عابرة.
ومن حقنا أن نتوقع بأن العديد من الناس يعرفون على ما يبدو٬ التفكير والعزلة المرتبطة بها٬ ولكنهم لا يتوفرون بكل تأكيد على مقام لهم هناك. وإذا ما كانت الدهشة أمام ما هو بسيط تنتابهم٬ وكان خضوعهم لها يجعلهم منساقين في في عملية التفكير٬ فإنهم يعملون بأن المقام المستحق سينتزع منهم٬ لانخراطهم في ديمومة الشؤون والأنشطة التي تتحقق في إطارها الإنشغالات الإنسانية٬ وأنهم سيعودون إليها بعد فترة وجيزة.
إن المقام الذي تتحدث عنه نازك الملائكة٬ يوجد إذن وبالمعنى المجازي للكلمة٬ بمعزل عن مساكن الناس. وكيفما كانت العاصفة التي يمكنها أن تهب في هذا المكان٬ فإنها ستكون دائما على درجة أكبر من الناحية المجازية٬ وذلك أثناء حديثنا عن عواصف العصر. ويعتبر مقام المفكر به٬ إذا ما قيس بأمكنة الثقافات الأخرى وبأمكنة الشؤون الإنسانية٬ نصابا هادئا ورزينا٬ فالفكرة المدهشة نفسها٬ هي التي تولد المحنة٬ وتشع الهدوء في الفعل. ولأنه الإبداع٬ يعتمد البلوغ بتواضع وهدوء٬ فإن الاحتماء بالمنجز الإبداعي٬ بالضرورة يتطلب الوقاية من كل أنواع الضجيج٬ بما في ذلك ضجيج الصحبة٬ وتوهمات الذات بضجيج نفسها٬ ولكي يكون ذلك ممكنا ٬ لابد أن يصبح شرطا فاعلا٬ وملهما أساسيا لنمو التفكير٬ انطلاقا من أدبيات ثقافة تعريف مهام الفكرة المدهشة وخطواتها الاستراتيجية في البناء والتمثل.
وهذا يعني ضمنا٬ أن كل من دخل دائرة هذا المحنة المتعالية في التفكير٬ يصطحبه خضوعا لتحول ما. لقد كان التفكير الإبداعي على الدوام٬ بالإنسان٬ شغفها الشاغل٬ ضمن محاولات "الأوربي عن بعد"٬ وتزعيم التغيير بقيادات بديلة عربية موالية للنظم الغربية٬ جعل محاولات إدارتهم للإنسان العربي٬ تشييد٬ انفصاله الأساسي عن العالم تجهيلة وتأخيره٬ والبقاء على أتصال فقط بسرعة ما هو كثير ظاهر٬ وبإشكالية أو بأفاهيم تتوارى٬ وتعجز عن الإدراك المباشر تدبيرها. وعلى سبيل المثال٬ مصيبة "القضية الفلسطينية" ١٩٤٨٬ إذا ما واجهنا إنسانا٬ فإننا ندركه في الحقيقة على مستوى جساميتها عليه من أثر٬ لكننا لا نفكر فيه. وإذا ما حصل فعل التمرد٬ وصراع التفكير٬ فإن الوعي لديه يرسم حاجزا جداريا٬ بل يتولد ما سينتصب آنذاك أزمة بين المثقف والواقع لتعريف ما بين الحداثة والتجديد من أدبيات الفعل الخلاق للتغيير. بل أدبيات صراع ثقافة نزاع المتواجهينالمحليين٬ أو الدفع بتلك "الحداثة" تصنيع ثقافة تابعة ترسم للإنسان رأيه "|عن بعد"٬ وبعد حين: سيتم الانزواء به "حرية الفرد" خلسة على كل اتصال مباشر. فلكي يحصل الالتقاء بشيء أو بإنسان على مستوى التفكير٬ وجبت الشاعرة٬ أن تبقي بما يتوازن بقاء الطرفان بثقافة التواصل بين ما للغرب من حداثة٬ وما للعرب أو مالشرق المتوسط وشمال أفريقيا من تجديد٬ وكلا الثقافة لها الأهداف المعنيات بعيدين عن الإدراك المباشر بالمتابعة والأخذ بما يفيد التجربة لكل منهما بحسب القدرة والحاجة. إن التفكير٬ أي أن الشاعرة٬ تعي تماما ما هو الأقتراب للتنفيذ٬ عما هو بعيد بالتفكير.
ويمكننا التحقق من هذا الأمر بسهولة عن طريق تجربة الوقائع التاريخية المعروفة٬ بوقتذاك أو الأن. فدعوة التجديد للشاعرة ـ محنة بحد ذاتها ـ٬ تدعونا ـ نحن ـ نسافر معها للتعرف عن قرب مما الألتتحاق البعيدة. وفي الذكرى لقصيدة "كوليرا" لها مكانتها الاسترجاعية٬ لنبش ما لحق وتحقق فقط والتي سنأتي لقراءتها في حلقات لاحقة ـ منفصلة ـ. فالشاعرة تدعو لنا أتخاذ المزيد من الأنتقال بالتجديد كمفهوم للأشكال التجريبية للذات٬ حينما لا نكون تحت تأثير الانطباعات٬ الفضفاضة بالمتخيل٬ والتي غالبا ما تصبح الأشياء إليها واهمة٬ وغير آبهة بالتوجهات الثقافية والألتزامات؛ التي رأيناها من قبل قريبة منا٬ كأنها تكشف معناها لأول مرة٬ لأنها لم تعد حاضرة فقط بل معظمها لها شكل وأسلوب التغطية الصحيحة. وهذا القلب للصلات وللعلاقات٬ والمتمثل في كون التفكير الإبداعي٬ يشغله محنة متأصلة فإن بعد هو يبعد القريب٬ أي يتخذ عناصر البيئات الطاردة٬ في التأسيس للأحداث في بنية المؤسسات المشتركة للساسية المحنة٬ والذاتية ـ الهوية ـ التي تعتبر السمة المميزة لنضاا الشعوب ٫ بل رسوخ ينمو ويتجدد مع مواقف استدامة حث القراء والكتاب والادباء بدعم ونشر الأراء الهادفة٬ تطوير آليات البحث الادبي والفكدي٬ وتأسيس ينسحب من القريب ويقرب البعيد٬ يعتبر أمرا حاسما بالنسبة لمن يريد الفوز بفهم مقام التفكير الإبداعي لدى شاعرتنا المهمة والكبيرة.
وأخيرا٬ وعلى حيال ما كانت المحنة التي أصبحت مأسسة في التفكير الإبداعي لدى الشاعرة٬ إلا انها قد دأبت عمق دورا مميز٬ وأهمية بمكانة لها لأفهوم التجديد في التاريخ الإبداعي٬ حول التفكير الأنتقالي النقدي الشعري والأدبي عامة عند الشاعرة نازك الملائكة٬ بأعتباره قدرة متصدرة ذاتيتها المتعاية٬ فلأنها تضمن وازعا لنا٬ منبهة بأن القريب والبعيد كمعطيين ضمن الحساسية الصارمة للإبداع والتجديد٬ والمحنة رسم تمكن الإرادة للأرتقاء والتقدم. وأخير الشكر موفور بالفضل لإدارة الموقع اتاحتها لنا النشر٬ ولرئيس تحرير الموقع وفريق العمل بالغ التقدير والاحترام٬ ولجميع القراء مزيدا من الأحترام.
من حيث حسن المحنة كمستقرأ للاستبراء
وقد تحدثتنا٬ عما آلت إليه تجربة (نازك الملائكة)٬ ولأكثر من مرة٬ وبالمعنى الذي كان تقصده (التجديد؛ الإنسان العربي) تماما٬ عن أفهوم التمكن وإرادة القدرة على فكرة الاندهاش التراثي الضخم أمام ما هو بسيط٬ قشور بعيدة عن جوهر الواقع أي ما تطالب به الحداثة الغربية "السياسية" فوض سيادة في التفكيك والقطيعة٬ وإن الكشف المشترك للحساسية الممتحنة والذاتية الإنسانية٬ بعد الحرب العالمية الثانية٬ أنماطا تابعة للقوة الغربية المحتلة للمنطقة العربية٬ والإنسان العربي المستلب. لكنها ستضيف وبعكس (السياب٬ ومجموعة مجلة "شعر" الشامية) وعن قبول ههرولة "الفكرة المتعالية مسردها كائم من خلال الحداثة الغربية٬ لرسم سياسات قبول المحتل بضوابط سياسيات كبرى بالهيمنة٬ من خلال أفهوم الأندهاش كمقام. وتبدو لنا هذه الصرخة الاعتراضية التي وجهتها الشاعرة إلى النخب المثقفة والأكاديمية٬ بحسم أفهوم التجديد عن الحداثة٬ هو الإضافة الحاسمة بخصوص تميزها الشخصي٬ وتمييز الدعم الإبداعي في توجهها الثقافي في النظر إليها٬ مما جعل هذه الشاعرة نازك الملائكة٬ معول للتأمل٬ الذي ينظر إليه الموقف الثقافي "الثوري التراثي المجدد" في تدعيم "للقصيدة" الذي ينظر إليها على أنها طرفة ومرح وهشاشة التزام٬ أو قصر نظر منها كمعظم الهواة من الرجال والنساء٬ غير أن مدها النقاشات القديمة وتنقيبها الثري حول عناصر الأسلوب وشكل الشعر الصحيح في التجديد. كانت قدرتها على الأنتقال بين النماذج الكلاسيكية والأشكال التجريبية للذات. تكثف الجدل حول الغرض من التغيير والتحرير والتجديد٬ بمعنى ترصد الغرض من الشعر هو توجهه الثقافي الوطني/القومي/الأمة والتزاماته في بداية الثورات العربية وقتذاك٬ توجهها العروبي٬ للإنسان العربي والنهوض به. في حين الفترة التي كانت تحث عليها مجلة "شعر" من كونها أقرب ميول وتقرب وأنسجام٬ وأعضائها المؤسسين٬ هم " أجدر معرفة بمستقبل الأمة العربية من غير شعوب البلدان غير المطلة على شرق المتوسط"٬ البعيدين عن تأثرهم بالحذاثة الأوربية. غير أن قصيدة "كوليرا" أفرزت مثابرتها الثقافية والأخلاقية والإنسانية؛ والتي غطتها في تلامس مع الواقع٬ أذ نرى كيف رأت وتوقعت أنهيار الدعم للأدب والثقافة من الخطاب الغربي المتعاليم والنهب الصريح والمتخفي في تدمير وتجهيل الإنسان بوسائل الحداثة الغربية٬ وخطابها المتهافت في شعارات الثورة الثقافية لمابعد النماذج الكلاسيكية٬ والقمع الوحشي لأي مطالبة بالألتزام العهود والمواثيق القانونية والأخلاقية للواح حقوق الإنسان بحق تقرير المصير. فموقف الشاعرة جاء منبها إلينا٬ بالنظر إليه في جد وأرتياح نبيل. مما أدى ظهور حركة التجديد بأدواتها كاملة٬ مدعومة بنمو جمهور القراء٬ ومواجهة خصومها " من الماركسين/المتأوربيين"٬ داعمة بحث ثقافة "التجديد" عن "التحديث"٬ ودعوة لإنتشار الخطاب التراثي بالإنفتاح لإعادة القراءة٬ عبر توسعة المجلات الأدبية٬ ومجالاتها في تأسيس النقد الأدبي كمؤسسة٬ رافدة٬ إلى إتخاذ المزيد من الأدباء مواقف راسخة وألأتصال مع التراث٬ لا دعوة الأنفصال والقطيعةعن الماضي٬ كما يناشد بيها الغرب في دعوتهم للحداثة.
اما عن الخلاصة٬ فجاء بها٬ نقول:
اشاعت فكرة المحنة في طبيعة آثرها وتأثيرها عند المبدعة نازك الملائكة٬ وكما أوضحت الباحثة للذين يعللون بها خشية بروز إبداع إنموذجها الفريد٬ كما أوردت ما شاعتها "مجموعة مجلة شعر"٬ في تبني خلفية بيئة الأثر والتأثير٬ ودوافع بيئة التجديد سياسيا نحو الميل للغرب سعيا "للحداثة" شمولية فكرة إعجاز الغرب٬ خاصة للذين يؤولون بها بدأ بروزهم الشعري تحت ظل عصرنة سياسية٬ منذ أن خضعت الأنظمة العربية السياسية وحاشيتها الفكرية إلى ذلك٬ كما حاولت تحديث إصطلاح "التجديد" بالتحديث "حداثوية" المصطلح وعللوا به٬ دون العودة إلى نازك الملائكة مقاما ومقالا. ولكنهم منذ "الكوليرا" وضعوا مكاسب أهمية القصيدة التجديد٬ وقد ردها " تحرير مجلة شعر" باللاتحديث في حسن تجديد الإيقاع و حسن فصاحة تجديد معنى الماضي٬ بينما مضى السياب يفسرها تفسيرا أكثر تحديدا وتجديدا من سابقتا عبر "إنشودة المطر" بأنبعاث/ المسار الحداثي. تماشيا مع "المزاج السياسي العام" شاع بها التعليل٬ وكرس خلالها الفكرة في البيئة الحداثية بها " الإنبعاث" إعجازا حداثيا.
كما شاعت في نظم القصيدة الحداثية في بيئة الشعراء: الحياة٬ والمعرفة٬ وصورة الوجود المطلقة في ذاته كمؤلفات قابلة أن تعرف في ذاتها في شكل الدولة ـ صورتها٬ والمعرفة العقلانية في تميزها في ذات الفرد متعاليا بإرادته كمجموعة آفعال متناثرة ثنائية التعريف من جوهرها فيه.
− والمعرفة ما يميزها فيه الصورة المنطقية للمعرفة من الوجود في ذاته في عملية استعادة وعيه الصوري خلالها في ذاته وتعيينات مشروطياتها أعتمادها في ذاته كآخر؛
− كي يضمها معرفة في الصورة المطلقة في ذاته وهنا آتباع الحداثة كصورة في تخارج الإرادة الإنسانية وحريتها بمجموعة العقل وعناصره الحقيقية في بنية نظام الحكم وتخارج ضروراتها بالحركة والتطور والتعينات المعتمدة مع ذاتها "كحضارة غربية" ويكون المتتبع تابع من النقيض إلى النقيض وهو في الوقت نفسه غيرها؛
− وأتيان بالصورة المطلقة٬ بتفسيرعن ذلك٬ لينم إلى العلاقة بين الفرد الحي وذلك الذي يتحرك في محيطها ويكون الكلي الذي تحدده آنيته عن عملية التجزؤ داخل الجنس وما عليه أن يحدث اختلاف بين الأفراد وبين إلحاقه في الجنس المشترك بينهم
فنفت شاعرتنا مرجع الحداثة بصيغته الغربيه التي يفسر بها الحداثة الشعرية٬ والتي يتفاضل بها "هيئة تحرير مجلة شعر" إلى حسن الأداء اللفظي "للمصطلح" أو فهم المعنى٬ أو٬ الخضوع والتبعية إلى الصور والإشارات الغربية فيه٬ والنظر إلى تفاضلية خصوصية التجربة٬ لما لها من أختلاف بلاغي في اللفظ والمعنى من حسن التوافق والاختلاف بين التجديد والتحديث للذين ينتهجون بها التغيير والإصلاح والمعاصرة. وإنما مرجعها إلى الأسلوب والأداء والصياغة الفاعلة للتعبير وكان هذا كله هاديا متماشيا ومرشدا وديليلا أضفاء تجديدي طريق البحث لشاعرتنا المبدعة "نازك الملائكة" في نظريتها التي أخضعتها في نظم قصيدة "الكوليرا" في اللفظ والمعنى٬ من حسن بها التفاضل والاعتراف والمعالجة للتعبير في الصياغة النحوية والإيقاعية للفظ والمعنى في بنية المرجعية للأسلوب والأداء نحو الاعتراف بأحقية مكانتها بالاعتراف٬ لا الطوي ومغادرة الأثر نحو يريده الغرب من مكانة يضفيها في جريان مشرعه بنظرية نظم العلاقات الإبداعية على أساس اعلم والفن بحسب هواه. فـ(شاعرتنا) لم تبدأ من فراغ٬ وإنما سبقت بمحاولات جادة٬ كانت تتوخى الوقوف على اللغز الكامن في التحديث من "ريح التغيير" كما أشاعوا بها في الترجمات "الجامعة اللبانية ـ الامريكية" من خلال "مجلة شعر" والاساليب الهادفة بها في الاداء التي وضعوها كمرجعية في النظم على أساس من العلاقات الثقافية٬ من جلب إعجاز المشروع الحداثوي من الأدباء والشعراء٬ والبلاغيين٬ والشراح والمفسرين٬ والمحدثيين في إشاعة فكرة نظمها.
إلا إن "نازك الملائكة: تعد ـ غير منازعة ـ أشد وأكبر مفلسفة لهذا "التجديد"٬ بمعنى صرامة تشددها ـ التجديد؛ هو الأعتراف بواقع يترحل ويتجدد نحو التحديث٬ وليس الاجتياز بالتعالي عليه٬ أي وضع الاعتراف في نظريتها "هويتنا" التي تفسر بها الحداثة الغربية؛ من حيث مرجعها؛ الاسلوب والاداء والصياغة في مشاريع المعالجة٬ والمداورة في معالجة النظم؛ على أساس العلاقات التاريخية؛ في التنوير والإصلاح؛ تفاعل دلائل التغيير؛ الآثر وتأثير التي يعلل بها التغير. هنا وقفة التحدي٬ حيث شرحتها شرحا نظريا في كتابها ( الشعر المعاصر٬ ) مسار دلائل نظم القصيدة الحديثة من أختلال وتجديد٬ وأسرار البلاغة والإيقاع والمعنى٬ وشفعت هذه الوقفة شرح النظرية بحزمة متنوعة من النماذج والأمثلة من الشعر والنقد والاحداث٬ مؤكدة قيمة العلاقات في ردها مكانة اللغة في مكونات علاقاتها الجوهرية في نقل الفائدة للمعاني في تجديد وتحديد تفسيرها للتغيير في فكرة التجديد٬ وعللت بها مكانتها ردها فصاحة وعمق اللغة العربية٬ منذ وضعها في حسن اللفظ وجزل المعنى حسنها التعبيري٬ وأثرها في الإبداع الشعري٬ والتجديد والإعجاز اللغوي المستمد من أصول ونبع يفسر بها مرجعية إعجازها الفكري والعلمي والثقافي والصراع الحضاري في الإعجاز القرآني ـ دون أدنى شك ـ الذي كان هاديا ومرشدا في أضاءة طريق التنوير والإصلاح في البحث الأنجع لنظرية المعرفة٬ وضعها السر الكامن في حسن الأداء والإنجاز من الادباء والبلاغيين والعلماء والمفسرين والمجددين/المحدثيين أيضا.
وبلا غرو٬ فالكليات لا تتفاضل بالكلمات الرنانة إلا إذا خضع موضع صناعتها موضعها المناسب المحكم الدقيق والبليغ؛ في التصور من التعبير٬ الرؤية من النظر٬ التفاصيل من العمل٬ اللفظ في المخارج من المعنى المصاحب حتى خلق الصورة البلاغية الراجحة المحكم الصارم والبليغ في أستقرارها٬ وإن أستقرت أستقرارا جاءت مكانتها فنيا مناسبا مضت تبنى دلالاتها إعجازا ملموسا في الصياغة والتراكيب اللغوية عن معنى٬ بحيث رأت شاعرتنا خلالها إذا تعدلت بها شروط عن مكانتها عكست مكانة بناتها الحضارية إزاء محكم العبارة في الصياغة والتراكيب البلاغية٬ نحوية مستقرة في الأسلوب٬ ويعدل مناخ تأثيرها في أدؤها الفني في مضي التأويل عند إعادة مرجعها الأصل٬ وعن ذلك ترتقي الحداثة بالتجديد كي لا يبهت رونقها٬ أو يذبل محياها.
فالمحنة حين أرتقت بها الشاعرة كانت في "الكلمة" بحيث بها عدلت شقاؤها٬ بل وأحيت في موعدها موضعها٬ فالكلمة تحيا في شيء٬ وتأفل وتموت في موضع آخر٬ تشرق وتتلألأ في سياق٬ وتتهافت وتذوي منزوية في سياق آخر.
وبهذا المحنة للشاعرة٬ أو العزاء لشقها الإبداعي الضخم٬ يحيا في أداؤها ومكانتها٬ أكدت نظرتها وما يمكن أن نسميه بالتحول النوعي الناظم للمحنة لدى الشاعرة٬ فسرت بها الإبداع بالتجديد اللغوي في فن الأدب٬ الشعر والنثر. ولم تقف هذه النظرة من النظرية القائمة ما نسمية بالحداثة عن نظرتها في الواقع العام للحياة٬ رغم المشقة التي واجهتها الشاعرة؛ التي بنيت هاديتها٬ ومرشد عطائها على أساس من العلم والفن٬ في بيئتها الفكرية؛ التي أنشأت فيها حسن تربتها الثقافية الأولى٬ الفكر المتأن٬ الصبورة٬ والمتكلمة في الكلام ٬ قاهرة في شجاعتها٬ هجرتها٬ وإنما تردد صداها عبر زمن٬ حتى وجدناها تتردد على لسان من كانوا يعللون بها الخلل والبهتان من التجديد والإبداع. وعلى لسان السياب نفسه٬ أخذ يردد صداها ـ وإن جاءت متأخرة ـ الذي أقام إليها معنى الجمال والإبداع والفتح الحداثي على إدراك العلاقات بين التجديد والتحديث٬ بين الأشياء والأجزاء٬ بين التأصيل والأنبعاث.
فعند ذلك أن التجديد يحمل الجميل معنى التغيير الذي يحافظ على نفسه في نفسه٬ وفي العلاقات قوة وتمكن في اللفظ ومخارج الشرح والتفسير خارج نطاق ذاته٬ وفي المعنى والفهم في الاسلوب والصياغة والتحديث على ما تشير اعتراف تجاربه في إدراك المرء في فكرة بناء أجيال الشعوب موضع نجاح علاقاته الناظمة.
ومن الواضح أن منهج (نازك الملائكة) في التجديد "اعتراف التأصيل بمتأصله" يستند إلى اللغة في نشأتها٬ تؤكد أن التجديد هو توكيد فعل اللغة من تاريخها من مشقة النجاه ٬ ثباتها جمالا٬ واللغة ليست مجموعة من الألفاط٬ كما أن التجديد ليست كلمات تحملها ما لا طاقة لها به٬ بل هي مجموعة ـ حال الاغيير في الفرد والمجتمع ـ يصاحبها اللغة في التجديد والبناء كمجوعة من العلاقات الناظمة في التأثير والإسناد للبناء والتغيير٬ وهنا تلحق شاعرتنا بأكبر وأضخم الأهمية ((مدرسة معرفية ضخمة))٬ إن جاز لي التعبير بذللك عنها٬ في تحليل وتحليق اللغة من الصراع من أجل التغيير٬ محنة شاقة في الإبداع٬ تلقى نفسها إدراك الإمة في فكرة العلاقات الناظمة فيلسوفة من فلاسفة الجمال الذي آحتوت نفسها فيها٬ في الثبت والبناء٬ في المعنى المترتب؛ بحسن الذهن المفكر فيه، وما ينسجم مع هذا الترتيب بوحدة العلاقة؛ في مؤاخاة الألفاط في الجملة الشعرية والنثرية؛ إبداع في العبارة أو الأسلوب٬ تجيء كيفما أتفق أتقانها٬ أو خيطت نشوائها٬ أو لضمت إبرة خيوط موشورها في نسق التركيب٬ بنظام التأليف حول تراكيب شخصيتها٬ وحول أفكارها الفذة.
وأخيرا يمكن القول٬ إنها مرشدا دالا عن وجهات المحنة المؤمنة بالإبداع٬ في تحليل مسار الحياة ـ الكلمة٬ حين تخيط شواءها عملية هندسية في نسق القيمة وإضافاتها الذي يواجه نسق الكلام في التجديد وعرض غرضه بنظام التكوين من روعة الصياغة للتغير٬ تحمل للنفس البشرية وثيقة ألتزام بين لفظ ومعنى فعل التجديد والتأصيل والحداثة بنظام التأليف والكتابة الدقيق في الإداء الفذ. الشاعرة التي ترتبت عندها عندسة المعني التي يتطلبها الأداء الصارم والدم في بلورة التأمل في الذهن حتى يصبح تراكيب تستدعي مشاركة الآخر مؤاخاته وهو يتبلور في نسق التغيير والبناء في كنفه٬ كانت صوتا متنوعا ومعنى وخواطر تتردد في جنبات النفس في الإبداع اللازم.
ـ إلى من يحسن النكبة و يجيد الإستخراج بها
اما ما نود الإستخراج به٬ هو:
− ـ يقضي نظام الإبداع المعرفي أو انموذج خطاب البديع الشعري في نظر الشاعرة حتما إلى إرساء أشكال من التقنيات الثقافية؛عضوية المسؤولية الأخلاقية٬ أي الإرادة الخلاقة الجامعة٬ بمعنى مسؤلية البناء الثقافي من خلال حمولاته التراثية والفلكلورية على الإنسان العربي٬ تحمل دراسة وأبحاث المسؤولية الإبداعية في ثقافة بنية؛ علم الاجتماع، الطب العقلي، علم النفس والتربية والابحاث التعليمية. وأن التغييروالتجديد يترجم ابداع كل هذا إلى ممارسات تهدف؛ إلى ترويض السلوك المعرفي الثقافي؛ لوحدة أتصال أيماءات ثقافة الأشياء وكلمات الأجساد في الأنتقال والتغير والتحويل المعرفي لثقافة المنظومة الجامعة للقيادة، والى المراقبة الفنية لإدارية معايير ومراحل في تحسين اداء السلوك الثقافي (البيو ـ سياسة). وكلما زادت الأبحاث والتدريب تطورا صار بالإمكان لمشاريع التجديد والبناء والتقدم التحكم في كل مناحي الحياة الهادفة لكرامة الإنسان وصون أخقيقة الحق إلية بالمسؤلية والواجبات: الإبداع والتحسين المستدام للتنمية، وتطوير آليات منظومة التاريخية للاحق السياسة والأقتصاد من تقدم للمشاريع
− ولا تستثني من التوجهات الحديثة لتجديد معايير السلطة لأنظومة مفاهيم ومراحل ثقافة القيادة السياسية. بمعنى آخر، لا سبيل إلى احتكار ثقافة السلطة من طرف ميول "تجمعات ثقافية" تابعة لخطاب السلطة المهيمنة٬ كما ترى سطوة خطاب مجلة "شعر الشامية٬ في الاحتكارات الثقافية لايديولوجيا سياسية معينة٬ بالهيمنة والتبعية الغربية"الداعمة للشللية" الثقافية بأحكام والتميز٬ إن شئتم. فالشاعرة كانت دعوتها للتجديد لا للحداثة بـ"قفزات الأرانب"٬ ورفض الشاعرة منظور التحديث على حساب التراث٬ الذي يختزل السلطة في الأجهزة الإيديولوجية والسلطوية الثقافية المتحكمة بمعية الأجهزة القمعية للدولةـ بمعنى أوضح؛ الإبداع والحرص يتجاوز مفهوم السلطة عند الشاعرة الحقل السياسي للدولة، فهي تنفذ إلى كل أنحاء المجتمع القومي والمحلي والعالمي، وتتواجد في كل مكان حتى في لا يحشد ما يعتقد أنه حكر على السياسة العليا "النخبوية" بل العامة٬ كما هو في حدث الأهمال والامراض العام في"مرض الكوليرا" و"الاسلحة الفاسدة"...
− فهي الحضور والذاكرة بالمعطيات للتجديد بأدوات الإنسان الفاهمة للتغيير والتأنتقال٬ فهي الحضور الشعري الإنساني الخلاق في كل مكان وفي تعدد الأوقات ومحنها، حيوية متعددة في الكتابة الشعرية والنقدية٬ والانفتاح المعرفي "المعرف" لها٬ والمتسع مع الجميع٬ دون أن تحكم قبضتها على كل شيء، وهي سيرورة بلا قيود٬ بل شظايا نابضة للعطاء٬ وليست مفعولا محدودا لذات فردية أو جماعية أو تاريخية، وحتى تم حذف مفهوم الطبقة٬ بل مدها الفكري الإبداعي٬ صوان فاعل تاريخي، إنها مفعول خطاب ثقافي للمؤسسات والهيئات الثقافية المنظمة لأنشطة الأسر، الثقافة، الأدب والفن وصناعة جدوى المشاريع للإنسان.
− تتعارض نظرية الشاعرة نازك الملائكة في التجديد مع النظريات المعرفية والإبداعية الحديثة والمعاصرة بالتجديد والابتكار٬ ودون شك في الابحاث والتدريب والتطوير؛ والتي تقصي كل إمكانية لإرساء التغيير والبناء على أسس المشروعية الإبداعية بالحقوق و واجبات الإنسان ٬ بدأ بصيانة الدستور تطبيقاته لكرامتة٬ من خلال التوافق أو التراضي أو المناقشة والعمل، ولا على أي أساس التعاقد الطبقي. أي بمعنى٬ لا شيء يمكنه ـ الحق ـ الحد من استراتيجيات السلطة أو الحد من عقات القوة. ويمكننا هنا التنبه٬ بمعارضة ما جاء بخطاب "مجلة شعر" بميولها إلى اليسار الماركسي٬ ودفع الكفة إلى السياب " بميوله السياسيه" أو متهافتوا الثقافة اللذين يتجهات إلى نظرية برجماتية للإبداع ومعيارية النفعية كـ"وعاظ" للسلطة والتهيمن على الرأي الآخر بل وسحقه٬ كما هو حال المواجهة مع شاعرتنا الكبيرة الملائكة..
− لا يمكن إزالة فتيل الصراع الإبداعي من الثقافة المتخصصة والعامة للوعي والواقع المجتمعي، ولا تنبيذ تنافس استراتيجيات الثقافة الإبداعية السلطوية منها؛ فلأجل بناء وتجديد وتحسين الأداء؛ لابد من تجديد منهجية مأسستها أو ترسيخ معايير الابحاث والتطوير لتثبيتها واستدامة تنقيتها في مؤسسات لا ينجح رفادها بالمعرفة الخلاقة في الحد كم عبث جموحها نحو مزيد من التحكم والتسلط. فالسلطة الإبداعية يرفدها العزاء والمحن بالخلق والإبداع٬ دوما بل والمواجهة بثبات الفعل والبرهان والبيان والبديع بمواجهة تنافسية حاسمة مع رديفها للتسلط، والحراسة والعقاب والترويض والتطويع. وهنا لابد مع الوقوف أخير٬ و من الاعتراف بدفعها إلى القاريء الكريم فائدة؛ من خلال أهمية إنتاج القيمة المضافة٬ في:
• نمو القيمة المضافة من خلال دعم مشاركتنا بتنمية المداخلات النقدية لتلك الإشكاليات الحسية والجمالية٬ التي تهم بالقاريء نحو مزيد من الإضافات اللاحقة.
• تزويد بخيارات التأمل الذاتي في تعددية التجربة الخاصة للتمكن أو التمرد عليها بروح معنوية ابداعية خلاقة بالتفاني والحرص الناجح والمهم.
• زيادة طموح في اتساع مساحة تبادل المعرفة الابداعية بالابتكار والتجديد والأصالة في المشاريع البحثية والتطوير والتدريب..
• تحسين فاعلية إرادة آلية الوعي النقدي لمشاريع الابحاث٬ ورفع مستوى وعي الكتابة الشعرية ونقد التجربة بإنجاز فردي/جماعي خلاق٬ يروم إلى التجديد والإستدامة في الحفاظ على روح الإنسان من التراث والفلكلور والحاضر نحو المستقبل.
شكر وامتنان إلى موقع "الأخبار" ولرئيس تحريرها الفاضل الاستاذ نوري علي٬ على اتاحته لنا هذه المساحة في النشر والتبادل بوجهات النظر مع القراء الأفاضل٬ ولفريق عمل موقع "الأخبار" جديل الأمتنان والتقدير. ـ أنتهت.
لكن٬ سأوافيكم بالمراجع للدراسة مع بعض القراءات العربية والاجنبية٬ في٬ دليل الابجدي للمراجع.
لاحقا
ــــــــــــــــــــــ
* كتبت هذه الورقة٬ والتي قد تم تقديمها لمركز نادي ثقافي عربي للجامعة ( .... ) بالقاهرة٬ والمشاركة جاءت بدعوة٬ احياء تاريخ ذكرى وفاة الشاعرة الـ ١٢ ٬ و المنعقدة بتاريخ ٢٠ حزيران ٢٠١٩.
...تابع - تتمة
محتويات الحلقة
ـ من حيث المجنة لمأتى..
ـ اما من حيث المحنة كمسـتقرأ للاستبـراء
ـ إلى من يحسن النكبة و يجيد الإستخراج بها
من حيث المحنة لمأتى
هو الأكتشاف المشترك لحساسية المحنة٬ والذات المفكرة المتعالية٬ أي بمعنى٬ السمة المميزة للشاعرة٬ والمواقف المبكرة تميزها الإبداعي الصعب. بمعنى٬ إن المفكر المتعالي ممن حساسية المحنةك بمثابة الفطن الأول والوحيد الذي تكلمت به عن التفكير الحسي كحالة مؤثرة٬ كمحنة تنقض على الشخص بتجربته الإبداعية؛ الذي يدفع بها الاضطر إلى تحملها٬ كم كان هو (الإنسان العربي) في محاولة (التحرر والتجديد)٬ حيث أعتبرت الفكرة المدهشة بداية التأمل الهادف٬ نحو فلسفة الحرية والإبداع التجديد الفاطن. أي٬ ثبوت المشقة الهادفة؛ تعني من وراء ذلك نتائج ميزها بالضرورة مخرجاتها طبعا٬ لأن الدهشة المجردة٬ تجتاز المفاجأة التي تنتابها٬ حينما تلتقي برؤية ومهام متألقة٬ إمساكها شيئا غريبا٬ أي معالم الدهشة المفكرة. ذلك أن الدهشة المتعالية٬ مكابدتها٬ تصميم إطارها الإبداعي الفعال؛ـ التي هي بداية محنة الإبداع الشعري ـ مثلما أن الفكرة المدهشة٬ تتخذ من تجربتها رسم معايير المفاجأة تغطيتها بـظهور أنشطة الحركة٬ كما هي بداية العلوم المدعومة بالنمو والرسوخ للنماذج الحيوية لها ـ تهم النظر والمراقبة لمعظم توجهات وتغيرها اليومي٬ و بيان الهوة من عناصر التميز الخارجي٬ والتمييزالبديهي الداخلي٬ والمعروف بالتمام في الأدب٬ والمعترف به إبداعيا في الرسوخ والأنفصال عن المكابدة بالتأسيس والمرح٬ ولهذا السبب لا يمكن إيجاز تجربة الشاعرة العراقية المبدعة في الأنهيار الداعم للجدل دون التمعن بالمحنة والغرض الذي يغطي تجربتها٬ والذي لا يمكن النظر إليها وأختزالها ضمن أية معرفة عابرة.
ومن حقنا أن نتوقع بأن العديد من الناس يعرفون على ما يبدو٬ التفكير والعزلة المرتبطة بها٬ ولكنهم لا يتوفرون بكل تأكيد على مقام لهم هناك. وإذا ما كانت الدهشة أمام ما هو بسيط تنتابهم٬ وكان خضوعهم لها يجعلهم منساقين في في عملية التفكير٬ فإنهم يعملون بأن المقام المستحق سينتزع منهم٬ لانخراطهم في ديمومة الشؤون والأنشطة التي تتحقق في إطارها الإنشغالات الإنسانية٬ وأنهم سيعودون إليها بعد فترة وجيزة.
إن المقام الذي تتحدث عنه نازك الملائكة٬ يوجد إذن وبالمعنى المجازي للكلمة٬ بمعزل عن مساكن الناس. وكيفما كانت العاصفة التي يمكنها أن تهب في هذا المكان٬ فإنها ستكون دائما على درجة أكبر من الناحية المجازية٬ وذلك أثناء حديثنا عن عواصف العصر. ويعتبر مقام المفكر به٬ إذا ما قيس بأمكنة الثقافات الأخرى وبأمكنة الشؤون الإنسانية٬ نصابا هادئا ورزينا٬ فالفكرة المدهشة نفسها٬ هي التي تولد المحنة٬ وتشع الهدوء في الفعل. ولأنه الإبداع٬ يعتمد البلوغ بتواضع وهدوء٬ فإن الاحتماء بالمنجز الإبداعي٬ بالضرورة يتطلب الوقاية من كل أنواع الضجيج٬ بما في ذلك ضجيج الصحبة٬ وتوهمات الذات بضجيج نفسها٬ ولكي يكون ذلك ممكنا ٬ لابد أن يصبح شرطا فاعلا٬ وملهما أساسيا لنمو التفكير٬ انطلاقا من أدبيات ثقافة تعريف مهام الفكرة المدهشة وخطواتها الاستراتيجية في البناء والتمثل.
وهذا يعني ضمنا٬ أن كل من دخل دائرة هذا المحنة المتعالية في التفكير٬ يصطحبه خضوعا لتحول ما. لقد كان التفكير الإبداعي على الدوام٬ بالإنسان٬ شغفها الشاغل٬ ضمن محاولات "الأوربي عن بعد"٬ وتزعيم التغيير بقيادات بديلة عربية موالية للنظم الغربية٬ جعل محاولات إدارتهم للإنسان العربي٬ تشييد٬ انفصاله الأساسي عن العالم تجهيلة وتأخيره٬ والبقاء على أتصال فقط بسرعة ما هو كثير ظاهر٬ وبإشكالية أو بأفاهيم تتوارى٬ وتعجز عن الإدراك المباشر تدبيرها. وعلى سبيل المثال٬ مصيبة "القضية الفلسطينية" ١٩٤٨٬ إذا ما واجهنا إنسانا٬ فإننا ندركه في الحقيقة على مستوى جساميتها عليه من أثر٬ لكننا لا نفكر فيه. وإذا ما حصل فعل التمرد٬ وصراع التفكير٬ فإن الوعي لديه يرسم حاجزا جداريا٬ بل يتولد ما سينتصب آنذاك أزمة بين المثقف والواقع لتعريف ما بين الحداثة والتجديد من أدبيات الفعل الخلاق للتغيير. بل أدبيات صراع ثقافة نزاع المتواجهينالمحليين٬ أو الدفع بتلك "الحداثة" تصنيع ثقافة تابعة ترسم للإنسان رأيه "|عن بعد"٬ وبعد حين: سيتم الانزواء به "حرية الفرد" خلسة على كل اتصال مباشر. فلكي يحصل الالتقاء بشيء أو بإنسان على مستوى التفكير٬ وجبت الشاعرة٬ أن تبقي بما يتوازن بقاء الطرفان بثقافة التواصل بين ما للغرب من حداثة٬ وما للعرب أو مالشرق المتوسط وشمال أفريقيا من تجديد٬ وكلا الثقافة لها الأهداف المعنيات بعيدين عن الإدراك المباشر بالمتابعة والأخذ بما يفيد التجربة لكل منهما بحسب القدرة والحاجة. إن التفكير٬ أي أن الشاعرة٬ تعي تماما ما هو الأقتراب للتنفيذ٬ عما هو بعيد بالتفكير.
ويمكننا التحقق من هذا الأمر بسهولة عن طريق تجربة الوقائع التاريخية المعروفة٬ بوقتذاك أو الأن. فدعوة التجديد للشاعرة ـ محنة بحد ذاتها ـ٬ تدعونا ـ نحن ـ نسافر معها للتعرف عن قرب مما الألتتحاق البعيدة. وفي الذكرى لقصيدة "كوليرا" لها مكانتها الاسترجاعية٬ لنبش ما لحق وتحقق فقط والتي سنأتي لقراءتها في حلقات لاحقة ـ منفصلة ـ. فالشاعرة تدعو لنا أتخاذ المزيد من الأنتقال بالتجديد كمفهوم للأشكال التجريبية للذات٬ حينما لا نكون تحت تأثير الانطباعات٬ الفضفاضة بالمتخيل٬ والتي غالبا ما تصبح الأشياء إليها واهمة٬ وغير آبهة بالتوجهات الثقافية والألتزامات؛ التي رأيناها من قبل قريبة منا٬ كأنها تكشف معناها لأول مرة٬ لأنها لم تعد حاضرة فقط بل معظمها لها شكل وأسلوب التغطية الصحيحة. وهذا القلب للصلات وللعلاقات٬ والمتمثل في كون التفكير الإبداعي٬ يشغله محنة متأصلة فإن بعد هو يبعد القريب٬ أي يتخذ عناصر البيئات الطاردة٬ في التأسيس للأحداث في بنية المؤسسات المشتركة للساسية المحنة٬ والذاتية ـ الهوية ـ التي تعتبر السمة المميزة لنضاا الشعوب ٫ بل رسوخ ينمو ويتجدد مع مواقف استدامة حث القراء والكتاب والادباء بدعم ونشر الأراء الهادفة٬ تطوير آليات البحث الادبي والفكدي٬ وتأسيس ينسحب من القريب ويقرب البعيد٬ يعتبر أمرا حاسما بالنسبة لمن يريد الفوز بفهم مقام التفكير الإبداعي لدى شاعرتنا المهمة والكبيرة.
وأخيرا٬ وعلى حيال ما كانت المحنة التي أصبحت مأسسة في التفكير الإبداعي لدى الشاعرة٬ إلا انها قد دأبت عمق دورا مميز٬ وأهمية بمكانة لها لأفهوم التجديد في التاريخ الإبداعي٬ حول التفكير الأنتقالي النقدي الشعري والأدبي عامة عند الشاعرة نازك الملائكة٬ بأعتباره قدرة متصدرة ذاتيتها المتعاية٬ فلأنها تضمن وازعا لنا٬ منبهة بأن القريب والبعيد كمعطيين ضمن الحساسية الصارمة للإبداع والتجديد٬ والمحنة رسم تمكن الإرادة للأرتقاء والتقدم. وأخير الشكر موفور بالفضل لإدارة الموقع اتاحتها لنا النشر٬ ولرئيس تحرير الموقع وفريق العمل بالغ التقدير والاحترام٬ ولجميع القراء مزيدا من الأحترام.
من حيث حسن المحنة كمستقرأ للاستبراء
وقد تحدثتنا٬ عما آلت إليه تجربة (نازك الملائكة)٬ ولأكثر من مرة٬ وبالمعنى الذي كان تقصده (التجديد؛ الإنسان العربي) تماما٬ عن أفهوم التمكن وإرادة القدرة على فكرة الاندهاش التراثي الضخم أمام ما هو بسيط٬ قشور بعيدة عن جوهر الواقع أي ما تطالب به الحداثة الغربية "السياسية" فوض سيادة في التفكيك والقطيعة٬ وإن الكشف المشترك للحساسية الممتحنة والذاتية الإنسانية٬ بعد الحرب العالمية الثانية٬ أنماطا تابعة للقوة الغربية المحتلة للمنطقة العربية٬ والإنسان العربي المستلب. لكنها ستضيف وبعكس (السياب٬ ومجموعة مجلة "شعر" الشامية) وعن قبول ههرولة "الفكرة المتعالية مسردها كائم من خلال الحداثة الغربية٬ لرسم سياسات قبول المحتل بضوابط سياسيات كبرى بالهيمنة٬ من خلال أفهوم الأندهاش كمقام. وتبدو لنا هذه الصرخة الاعتراضية التي وجهتها الشاعرة إلى النخب المثقفة والأكاديمية٬ بحسم أفهوم التجديد عن الحداثة٬ هو الإضافة الحاسمة بخصوص تميزها الشخصي٬ وتمييز الدعم الإبداعي في توجهها الثقافي في النظر إليها٬ مما جعل هذه الشاعرة نازك الملائكة٬ معول للتأمل٬ الذي ينظر إليه الموقف الثقافي "الثوري التراثي المجدد" في تدعيم "للقصيدة" الذي ينظر إليها على أنها طرفة ومرح وهشاشة التزام٬ أو قصر نظر منها كمعظم الهواة من الرجال والنساء٬ غير أن مدها النقاشات القديمة وتنقيبها الثري حول عناصر الأسلوب وشكل الشعر الصحيح في التجديد. كانت قدرتها على الأنتقال بين النماذج الكلاسيكية والأشكال التجريبية للذات. تكثف الجدل حول الغرض من التغيير والتحرير والتجديد٬ بمعنى ترصد الغرض من الشعر هو توجهه الثقافي الوطني/القومي/الأمة والتزاماته في بداية الثورات العربية وقتذاك٬ توجهها العروبي٬ للإنسان العربي والنهوض به. في حين الفترة التي كانت تحث عليها مجلة "شعر" من كونها أقرب ميول وتقرب وأنسجام٬ وأعضائها المؤسسين٬ هم " أجدر معرفة بمستقبل الأمة العربية من غير شعوب البلدان غير المطلة على شرق المتوسط"٬ البعيدين عن تأثرهم بالحذاثة الأوربية. غير أن قصيدة "كوليرا" أفرزت مثابرتها الثقافية والأخلاقية والإنسانية؛ والتي غطتها في تلامس مع الواقع٬ أذ نرى كيف رأت وتوقعت أنهيار الدعم للأدب والثقافة من الخطاب الغربي المتعاليم والنهب الصريح والمتخفي في تدمير وتجهيل الإنسان بوسائل الحداثة الغربية٬ وخطابها المتهافت في شعارات الثورة الثقافية لمابعد النماذج الكلاسيكية٬ والقمع الوحشي لأي مطالبة بالألتزام العهود والمواثيق القانونية والأخلاقية للواح حقوق الإنسان بحق تقرير المصير. فموقف الشاعرة جاء منبها إلينا٬ بالنظر إليه في جد وأرتياح نبيل. مما أدى ظهور حركة التجديد بأدواتها كاملة٬ مدعومة بنمو جمهور القراء٬ ومواجهة خصومها " من الماركسين/المتأوربيين"٬ داعمة بحث ثقافة "التجديد" عن "التحديث"٬ ودعوة لإنتشار الخطاب التراثي بالإنفتاح لإعادة القراءة٬ عبر توسعة المجلات الأدبية٬ ومجالاتها في تأسيس النقد الأدبي كمؤسسة٬ رافدة٬ إلى إتخاذ المزيد من الأدباء مواقف راسخة وألأتصال مع التراث٬ لا دعوة الأنفصال والقطيعةعن الماضي٬ كما يناشد بيها الغرب في دعوتهم للحداثة.
اما عن الخلاصة٬ فجاء بها٬ نقول:
اشاعت فكرة المحنة في طبيعة آثرها وتأثيرها عند المبدعة نازك الملائكة٬ وكما أوضحت الباحثة للذين يعللون بها خشية بروز إبداع إنموذجها الفريد٬ كما أوردت ما شاعتها "مجموعة مجلة شعر"٬ في تبني خلفية بيئة الأثر والتأثير٬ ودوافع بيئة التجديد سياسيا نحو الميل للغرب سعيا "للحداثة" شمولية فكرة إعجاز الغرب٬ خاصة للذين يؤولون بها بدأ بروزهم الشعري تحت ظل عصرنة سياسية٬ منذ أن خضعت الأنظمة العربية السياسية وحاشيتها الفكرية إلى ذلك٬ كما حاولت تحديث إصطلاح "التجديد" بالتحديث "حداثوية" المصطلح وعللوا به٬ دون العودة إلى نازك الملائكة مقاما ومقالا. ولكنهم منذ "الكوليرا" وضعوا مكاسب أهمية القصيدة التجديد٬ وقد ردها " تحرير مجلة شعر" باللاتحديث في حسن تجديد الإيقاع و حسن فصاحة تجديد معنى الماضي٬ بينما مضى السياب يفسرها تفسيرا أكثر تحديدا وتجديدا من سابقتا عبر "إنشودة المطر" بأنبعاث/ المسار الحداثي. تماشيا مع "المزاج السياسي العام" شاع بها التعليل٬ وكرس خلالها الفكرة في البيئة الحداثية بها " الإنبعاث" إعجازا حداثيا.
كما شاعت في نظم القصيدة الحداثية في بيئة الشعراء: الحياة٬ والمعرفة٬ وصورة الوجود المطلقة في ذاته كمؤلفات قابلة أن تعرف في ذاتها في شكل الدولة ـ صورتها٬ والمعرفة العقلانية في تميزها في ذات الفرد متعاليا بإرادته كمجموعة آفعال متناثرة ثنائية التعريف من جوهرها فيه.
− والمعرفة ما يميزها فيه الصورة المنطقية للمعرفة من الوجود في ذاته في عملية استعادة وعيه الصوري خلالها في ذاته وتعيينات مشروطياتها أعتمادها في ذاته كآخر؛
− كي يضمها معرفة في الصورة المطلقة في ذاته وهنا آتباع الحداثة كصورة في تخارج الإرادة الإنسانية وحريتها بمجموعة العقل وعناصره الحقيقية في بنية نظام الحكم وتخارج ضروراتها بالحركة والتطور والتعينات المعتمدة مع ذاتها "كحضارة غربية" ويكون المتتبع تابع من النقيض إلى النقيض وهو في الوقت نفسه غيرها؛
− وأتيان بالصورة المطلقة٬ بتفسيرعن ذلك٬ لينم إلى العلاقة بين الفرد الحي وذلك الذي يتحرك في محيطها ويكون الكلي الذي تحدده آنيته عن عملية التجزؤ داخل الجنس وما عليه أن يحدث اختلاف بين الأفراد وبين إلحاقه في الجنس المشترك بينهم
فنفت شاعرتنا مرجع الحداثة بصيغته الغربيه التي يفسر بها الحداثة الشعرية٬ والتي يتفاضل بها "هيئة تحرير مجلة شعر" إلى حسن الأداء اللفظي "للمصطلح" أو فهم المعنى٬ أو٬ الخضوع والتبعية إلى الصور والإشارات الغربية فيه٬ والنظر إلى تفاضلية خصوصية التجربة٬ لما لها من أختلاف بلاغي في اللفظ والمعنى من حسن التوافق والاختلاف بين التجديد والتحديث للذين ينتهجون بها التغيير والإصلاح والمعاصرة. وإنما مرجعها إلى الأسلوب والأداء والصياغة الفاعلة للتعبير وكان هذا كله هاديا متماشيا ومرشدا وديليلا أضفاء تجديدي طريق البحث لشاعرتنا المبدعة "نازك الملائكة" في نظريتها التي أخضعتها في نظم قصيدة "الكوليرا" في اللفظ والمعنى٬ من حسن بها التفاضل والاعتراف والمعالجة للتعبير في الصياغة النحوية والإيقاعية للفظ والمعنى في بنية المرجعية للأسلوب والأداء نحو الاعتراف بأحقية مكانتها بالاعتراف٬ لا الطوي ومغادرة الأثر نحو يريده الغرب من مكانة يضفيها في جريان مشرعه بنظرية نظم العلاقات الإبداعية على أساس اعلم والفن بحسب هواه. فـ(شاعرتنا) لم تبدأ من فراغ٬ وإنما سبقت بمحاولات جادة٬ كانت تتوخى الوقوف على اللغز الكامن في التحديث من "ريح التغيير" كما أشاعوا بها في الترجمات "الجامعة اللبانية ـ الامريكية" من خلال "مجلة شعر" والاساليب الهادفة بها في الاداء التي وضعوها كمرجعية في النظم على أساس من العلاقات الثقافية٬ من جلب إعجاز المشروع الحداثوي من الأدباء والشعراء٬ والبلاغيين٬ والشراح والمفسرين٬ والمحدثيين في إشاعة فكرة نظمها.
إلا إن "نازك الملائكة: تعد ـ غير منازعة ـ أشد وأكبر مفلسفة لهذا "التجديد"٬ بمعنى صرامة تشددها ـ التجديد؛ هو الأعتراف بواقع يترحل ويتجدد نحو التحديث٬ وليس الاجتياز بالتعالي عليه٬ أي وضع الاعتراف في نظريتها "هويتنا" التي تفسر بها الحداثة الغربية؛ من حيث مرجعها؛ الاسلوب والاداء والصياغة في مشاريع المعالجة٬ والمداورة في معالجة النظم؛ على أساس العلاقات التاريخية؛ في التنوير والإصلاح؛ تفاعل دلائل التغيير؛ الآثر وتأثير التي يعلل بها التغير. هنا وقفة التحدي٬ حيث شرحتها شرحا نظريا في كتابها ( الشعر المعاصر٬ ) مسار دلائل نظم القصيدة الحديثة من أختلال وتجديد٬ وأسرار البلاغة والإيقاع والمعنى٬ وشفعت هذه الوقفة شرح النظرية بحزمة متنوعة من النماذج والأمثلة من الشعر والنقد والاحداث٬ مؤكدة قيمة العلاقات في ردها مكانة اللغة في مكونات علاقاتها الجوهرية في نقل الفائدة للمعاني في تجديد وتحديد تفسيرها للتغيير في فكرة التجديد٬ وعللت بها مكانتها ردها فصاحة وعمق اللغة العربية٬ منذ وضعها في حسن اللفظ وجزل المعنى حسنها التعبيري٬ وأثرها في الإبداع الشعري٬ والتجديد والإعجاز اللغوي المستمد من أصول ونبع يفسر بها مرجعية إعجازها الفكري والعلمي والثقافي والصراع الحضاري في الإعجاز القرآني ـ دون أدنى شك ـ الذي كان هاديا ومرشدا في أضاءة طريق التنوير والإصلاح في البحث الأنجع لنظرية المعرفة٬ وضعها السر الكامن في حسن الأداء والإنجاز من الادباء والبلاغيين والعلماء والمفسرين والمجددين/المحدثيين أيضا.
وبلا غرو٬ فالكليات لا تتفاضل بالكلمات الرنانة إلا إذا خضع موضع صناعتها موضعها المناسب المحكم الدقيق والبليغ؛ في التصور من التعبير٬ الرؤية من النظر٬ التفاصيل من العمل٬ اللفظ في المخارج من المعنى المصاحب حتى خلق الصورة البلاغية الراجحة المحكم الصارم والبليغ في أستقرارها٬ وإن أستقرت أستقرارا جاءت مكانتها فنيا مناسبا مضت تبنى دلالاتها إعجازا ملموسا في الصياغة والتراكيب اللغوية عن معنى٬ بحيث رأت شاعرتنا خلالها إذا تعدلت بها شروط عن مكانتها عكست مكانة بناتها الحضارية إزاء محكم العبارة في الصياغة والتراكيب البلاغية٬ نحوية مستقرة في الأسلوب٬ ويعدل مناخ تأثيرها في أدؤها الفني في مضي التأويل عند إعادة مرجعها الأصل٬ وعن ذلك ترتقي الحداثة بالتجديد كي لا يبهت رونقها٬ أو يذبل محياها.
فالمحنة حين أرتقت بها الشاعرة كانت في "الكلمة" بحيث بها عدلت شقاؤها٬ بل وأحيت في موعدها موضعها٬ فالكلمة تحيا في شيء٬ وتأفل وتموت في موضع آخر٬ تشرق وتتلألأ في سياق٬ وتتهافت وتذوي منزوية في سياق آخر.
وبهذا المحنة للشاعرة٬ أو العزاء لشقها الإبداعي الضخم٬ يحيا في أداؤها ومكانتها٬ أكدت نظرتها وما يمكن أن نسميه بالتحول النوعي الناظم للمحنة لدى الشاعرة٬ فسرت بها الإبداع بالتجديد اللغوي في فن الأدب٬ الشعر والنثر. ولم تقف هذه النظرة من النظرية القائمة ما نسمية بالحداثة عن نظرتها في الواقع العام للحياة٬ رغم المشقة التي واجهتها الشاعرة؛ التي بنيت هاديتها٬ ومرشد عطائها على أساس من العلم والفن٬ في بيئتها الفكرية؛ التي أنشأت فيها حسن تربتها الثقافية الأولى٬ الفكر المتأن٬ الصبورة٬ والمتكلمة في الكلام ٬ قاهرة في شجاعتها٬ هجرتها٬ وإنما تردد صداها عبر زمن٬ حتى وجدناها تتردد على لسان من كانوا يعللون بها الخلل والبهتان من التجديد والإبداع. وعلى لسان السياب نفسه٬ أخذ يردد صداها ـ وإن جاءت متأخرة ـ الذي أقام إليها معنى الجمال والإبداع والفتح الحداثي على إدراك العلاقات بين التجديد والتحديث٬ بين الأشياء والأجزاء٬ بين التأصيل والأنبعاث.
فعند ذلك أن التجديد يحمل الجميل معنى التغيير الذي يحافظ على نفسه في نفسه٬ وفي العلاقات قوة وتمكن في اللفظ ومخارج الشرح والتفسير خارج نطاق ذاته٬ وفي المعنى والفهم في الاسلوب والصياغة والتحديث على ما تشير اعتراف تجاربه في إدراك المرء في فكرة بناء أجيال الشعوب موضع نجاح علاقاته الناظمة.
ومن الواضح أن منهج (نازك الملائكة) في التجديد "اعتراف التأصيل بمتأصله" يستند إلى اللغة في نشأتها٬ تؤكد أن التجديد هو توكيد فعل اللغة من تاريخها من مشقة النجاه ٬ ثباتها جمالا٬ واللغة ليست مجموعة من الألفاط٬ كما أن التجديد ليست كلمات تحملها ما لا طاقة لها به٬ بل هي مجموعة ـ حال الاغيير في الفرد والمجتمع ـ يصاحبها اللغة في التجديد والبناء كمجوعة من العلاقات الناظمة في التأثير والإسناد للبناء والتغيير٬ وهنا تلحق شاعرتنا بأكبر وأضخم الأهمية ((مدرسة معرفية ضخمة))٬ إن جاز لي التعبير بذللك عنها٬ في تحليل وتحليق اللغة من الصراع من أجل التغيير٬ محنة شاقة في الإبداع٬ تلقى نفسها إدراك الإمة في فكرة العلاقات الناظمة فيلسوفة من فلاسفة الجمال الذي آحتوت نفسها فيها٬ في الثبت والبناء٬ في المعنى المترتب؛ بحسن الذهن المفكر فيه، وما ينسجم مع هذا الترتيب بوحدة العلاقة؛ في مؤاخاة الألفاط في الجملة الشعرية والنثرية؛ إبداع في العبارة أو الأسلوب٬ تجيء كيفما أتفق أتقانها٬ أو خيطت نشوائها٬ أو لضمت إبرة خيوط موشورها في نسق التركيب٬ بنظام التأليف حول تراكيب شخصيتها٬ وحول أفكارها الفذة.
وأخيرا يمكن القول٬ إنها مرشدا دالا عن وجهات المحنة المؤمنة بالإبداع٬ في تحليل مسار الحياة ـ الكلمة٬ حين تخيط شواءها عملية هندسية في نسق القيمة وإضافاتها الذي يواجه نسق الكلام في التجديد وعرض غرضه بنظام التكوين من روعة الصياغة للتغير٬ تحمل للنفس البشرية وثيقة ألتزام بين لفظ ومعنى فعل التجديد والتأصيل والحداثة بنظام التأليف والكتابة الدقيق في الإداء الفذ. الشاعرة التي ترتبت عندها عندسة المعني التي يتطلبها الأداء الصارم والدم في بلورة التأمل في الذهن حتى يصبح تراكيب تستدعي مشاركة الآخر مؤاخاته وهو يتبلور في نسق التغيير والبناء في كنفه٬ كانت صوتا متنوعا ومعنى وخواطر تتردد في جنبات النفس في الإبداع اللازم.
ـ إلى من يحسن النكبة و يجيد الإستخراج بها
اما ما نود الإستخراج به٬ هو:
− ـ يقضي نظام الإبداع المعرفي أو انموذج خطاب البديع الشعري في نظر الشاعرة حتما إلى إرساء أشكال من التقنيات الثقافية؛عضوية المسؤولية الأخلاقية٬ أي الإرادة الخلاقة الجامعة٬ بمعنى مسؤلية البناء الثقافي من خلال حمولاته التراثية والفلكلورية على الإنسان العربي٬ تحمل دراسة وأبحاث المسؤولية الإبداعية في ثقافة بنية؛ علم الاجتماع، الطب العقلي، علم النفس والتربية والابحاث التعليمية. وأن التغييروالتجديد يترجم ابداع كل هذا إلى ممارسات تهدف؛ إلى ترويض السلوك المعرفي الثقافي؛ لوحدة أتصال أيماءات ثقافة الأشياء وكلمات الأجساد في الأنتقال والتغير والتحويل المعرفي لثقافة المنظومة الجامعة للقيادة، والى المراقبة الفنية لإدارية معايير ومراحل في تحسين اداء السلوك الثقافي (البيو ـ سياسة). وكلما زادت الأبحاث والتدريب تطورا صار بالإمكان لمشاريع التجديد والبناء والتقدم التحكم في كل مناحي الحياة الهادفة لكرامة الإنسان وصون أخقيقة الحق إلية بالمسؤلية والواجبات: الإبداع والتحسين المستدام للتنمية، وتطوير آليات منظومة التاريخية للاحق السياسة والأقتصاد من تقدم للمشاريع
− ولا تستثني من التوجهات الحديثة لتجديد معايير السلطة لأنظومة مفاهيم ومراحل ثقافة القيادة السياسية. بمعنى آخر، لا سبيل إلى احتكار ثقافة السلطة من طرف ميول "تجمعات ثقافية" تابعة لخطاب السلطة المهيمنة٬ كما ترى سطوة خطاب مجلة "شعر الشامية٬ في الاحتكارات الثقافية لايديولوجيا سياسية معينة٬ بالهيمنة والتبعية الغربية"الداعمة للشللية" الثقافية بأحكام والتميز٬ إن شئتم. فالشاعرة كانت دعوتها للتجديد لا للحداثة بـ"قفزات الأرانب"٬ ورفض الشاعرة منظور التحديث على حساب التراث٬ الذي يختزل السلطة في الأجهزة الإيديولوجية والسلطوية الثقافية المتحكمة بمعية الأجهزة القمعية للدولةـ بمعنى أوضح؛ الإبداع والحرص يتجاوز مفهوم السلطة عند الشاعرة الحقل السياسي للدولة، فهي تنفذ إلى كل أنحاء المجتمع القومي والمحلي والعالمي، وتتواجد في كل مكان حتى في لا يحشد ما يعتقد أنه حكر على السياسة العليا "النخبوية" بل العامة٬ كما هو في حدث الأهمال والامراض العام في"مرض الكوليرا" و"الاسلحة الفاسدة"...
− فهي الحضور والذاكرة بالمعطيات للتجديد بأدوات الإنسان الفاهمة للتغيير والتأنتقال٬ فهي الحضور الشعري الإنساني الخلاق في كل مكان وفي تعدد الأوقات ومحنها، حيوية متعددة في الكتابة الشعرية والنقدية٬ والانفتاح المعرفي "المعرف" لها٬ والمتسع مع الجميع٬ دون أن تحكم قبضتها على كل شيء، وهي سيرورة بلا قيود٬ بل شظايا نابضة للعطاء٬ وليست مفعولا محدودا لذات فردية أو جماعية أو تاريخية، وحتى تم حذف مفهوم الطبقة٬ بل مدها الفكري الإبداعي٬ صوان فاعل تاريخي، إنها مفعول خطاب ثقافي للمؤسسات والهيئات الثقافية المنظمة لأنشطة الأسر، الثقافة، الأدب والفن وصناعة جدوى المشاريع للإنسان.
− تتعارض نظرية الشاعرة نازك الملائكة في التجديد مع النظريات المعرفية والإبداعية الحديثة والمعاصرة بالتجديد والابتكار٬ ودون شك في الابحاث والتدريب والتطوير؛ والتي تقصي كل إمكانية لإرساء التغيير والبناء على أسس المشروعية الإبداعية بالحقوق و واجبات الإنسان ٬ بدأ بصيانة الدستور تطبيقاته لكرامتة٬ من خلال التوافق أو التراضي أو المناقشة والعمل، ولا على أي أساس التعاقد الطبقي. أي بمعنى٬ لا شيء يمكنه ـ الحق ـ الحد من استراتيجيات السلطة أو الحد من عقات القوة. ويمكننا هنا التنبه٬ بمعارضة ما جاء بخطاب "مجلة شعر" بميولها إلى اليسار الماركسي٬ ودفع الكفة إلى السياب " بميوله السياسيه" أو متهافتوا الثقافة اللذين يتجهات إلى نظرية برجماتية للإبداع ومعيارية النفعية كـ"وعاظ" للسلطة والتهيمن على الرأي الآخر بل وسحقه٬ كما هو حال المواجهة مع شاعرتنا الكبيرة الملائكة..
− لا يمكن إزالة فتيل الصراع الإبداعي من الثقافة المتخصصة والعامة للوعي والواقع المجتمعي، ولا تنبيذ تنافس استراتيجيات الثقافة الإبداعية السلطوية منها؛ فلأجل بناء وتجديد وتحسين الأداء؛ لابد من تجديد منهجية مأسستها أو ترسيخ معايير الابحاث والتطوير لتثبيتها واستدامة تنقيتها في مؤسسات لا ينجح رفادها بالمعرفة الخلاقة في الحد كم عبث جموحها نحو مزيد من التحكم والتسلط. فالسلطة الإبداعية يرفدها العزاء والمحن بالخلق والإبداع٬ دوما بل والمواجهة بثبات الفعل والبرهان والبيان والبديع بمواجهة تنافسية حاسمة مع رديفها للتسلط، والحراسة والعقاب والترويض والتطويع. وهنا لابد مع الوقوف أخير٬ و من الاعتراف بدفعها إلى القاريء الكريم فائدة؛ من خلال أهمية إنتاج القيمة المضافة٬ في:
• نمو القيمة المضافة من خلال دعم مشاركتنا بتنمية المداخلات النقدية لتلك الإشكاليات الحسية والجمالية٬ التي تهم بالقاريء نحو مزيد من الإضافات اللاحقة.
• تزويد بخيارات التأمل الذاتي في تعددية التجربة الخاصة للتمكن أو التمرد عليها بروح معنوية ابداعية خلاقة بالتفاني والحرص الناجح والمهم.
• زيادة طموح في اتساع مساحة تبادل المعرفة الابداعية بالابتكار والتجديد والأصالة في المشاريع البحثية والتطوير والتدريب..
• تحسين فاعلية إرادة آلية الوعي النقدي لمشاريع الابحاث٬ ورفع مستوى وعي الكتابة الشعرية ونقد التجربة بإنجاز فردي/جماعي خلاق٬ يروم إلى التجديد والإستدامة في الحفاظ على روح الإنسان من التراث والفلكلور والحاضر نحو المستقبل.
شكر وامتنان إلى موقع "الأخبار" ولرئيس تحريرها الفاضل الاستاذ نوري علي٬ على اتاحته لنا هذه المساحة في النشر والتبادل بوجهات النظر مع القراء الأفاضل٬ ولفريق عمل موقع "الأخبار" جديل الأمتنان والتقدير. ـ أنتهت.
لكن٬ سأوافيكم بالمراجع للدراسة مع بعض القراءات العربية والاجنبية٬ في٬ دليل الابجدي للمراجع.
لاحقا
ــــــــــــــــــــــ
* كتبت هذه الورقة٬ والتي قد تم تقديمها لمركز نادي ثقافي عربي للجامعة ( .... ) بالقاهرة٬ والمشاركة جاءت بدعوة٬ احياء تاريخ ذكرى وفاة الشاعرة الـ ١٢ ٬ و المنعقدة بتاريخ ٢٠ حزيران ٢٠١٩.