أ. د. عادل الاسطة - حسن البطل وفن المقالة المظلوم: في وداع حسن البطل

رحل الكاتب حسن البطل الأربعاء الماضي بعد أن زاملناه في الأرض المحتلة في جريدة الأيام الفلسطينية منذ تأسيسها في العام ١٩٩٥ ، وصار عموده اليومي " أطراف النهار " مثل خبزنا اليومي ، فنادرا ما مر يوم علي دون أن أقرأه .
لم ألتق بحسن إلا مرات قليلة ولكنه عاش معي منذ ربع قرن ، فتابعته وتابع هو بدوره كتاباتي ، بل وكان أحيانا ينقل إلي ، عبر عموده ، ما يدور من جدل حول بعض كتاباتي الإشكالية ، وكان آخر حوار بيننا جرى على صفحات التواصل الاجتماعي قبل ثلاثة أيام من رحيله حين لفت أنا نظره إلى عمود كتبه أشار فيه إلي ، وكان تعقيبه تعقيب كاتب متواضع ، فأنا الذي أفدت منه كثيرا أفدته في جوانب معينة .
حسن الذي ظل يكتب أربعين عاما وأكثر لم يكتب عنه إلا أقل القليل ، فظلم في حياته وأتمنى ألا يظلم في موته . نعم أتمنى والأمر لا يتعلق به وبمكانته قدر ما يرتبط بالجنس الأدبي الذي كتبه وهو فن المقالة الذي غالبا ما يكون وليد لحظة سياسية لا يدوم حضورها طويلا ، فالمواقف السياسية سرعان ما تتغير .
كتب المقالة كتاب كثيرون أفادونا أكثر مما أفادنا روائيون وكتاب قصة قصيرة وشعراء كثيرون ، ولكنهم لم ينصفوا في حين أنصف الأخيرون ، فكتبت عنهم دراسات وألفت في أدبهم كتب وعقدت ندوات ، ولي في ذلك غير مثال ؛ خيري منصور وعلي عاشور وصليبا خميس وعلي الخليلي و .. و .. ولنلاحظ حالتي غسان كنفاني وإميل حبيبي كاتبي مقالة وكاتبي رواية وقصة قصيرة ولنلاحظ تلقي أعمالهما في جنسي المقالة والرواية على سبيل المثال ، فمن يذكر الآن منصور وعاشور وخميس ؟ وكم ندوة أو مؤتمر عقد عن كتاباتهم بعد موتهم ؟
ما ألم بمقالات الثلاثة ألم أيضا بمقالات كنفاني وحبيبي ، فلم يلتفت إليها كثيرا ، ولولا جهود الناقد محمد دكروب في جمع مقالات غسان كنفاني في كتاب لما عرف الجيل اللاحق لجيله أي شيء عن فن المقالة في أدبه ، بل ولما عرف عن روح السخرية في كتاباته ، وهي روح لا تحضر في رواياته وقصصه القصيرة ومسرحياته ، بل لما عرفناه ناقدا أدبيا جريئا لا يهادن .
من حسن حظ حسن البطل أن دار الرقمية أصدرت له أربعة كتب ضمت مقالات مختارة مما نشره ، والكتب هي " وأنت يمشيك الزمان " و " حيرة الولد بهاء " و " المكان إن دل علي " و " رحلوا وما برحوا " ( ٢٠١٨ ) ، ولكن حسن الحظ هذا لم يكتمل ، فالكتب الأربعة لم تحظ ، شأنها شأن كتب كثيرة ضمت مقالات ، بمراجعات نقدية تلفت النظر إلى كاتبها ، فظل كاتب مقال في جريدة لا مؤلف كتب .
وعودة إلى كنفاني وحبيبي ، فقد حظيت روايات وقصص هذين بعشرات الكتب والرسائل العلمية ومئات الدراسات ، ولكن كم من كتاب صدر عن فن المقالة لديهما ؟ وكم من رسالة علمية أنجزت حوله ؟ وكم من دراسة أو مقالة كتبت فيه ؟
ولو تفحصنا برنامج المؤتمرات والأيام الدراسية التي عقدت حول الكاتبين ونظرنا في تناول الدارسين لأدبهما فهل نقرأ عنوان دراسة واحدة خصصت لفن المقالة ؟
حين أهداني حسن البطل كتبه الأربعة قرأتها على فترات ، فلم أقرأ أي كتاب منها من الغلاف إلى الغلاف لأتابع تطور فكرة ما فيه ، بعكس ما أفعل حين أقرأ رواية ، إذ يجب أن أنتهي غالبا من قراءتها قبل أن أكتب عنها .
وعودة إلى فن المقالة لدى حسن البطل نفسه وخصائصه وميزاته .
كتب حسن مقالا تعددت موضوعاته ، فمن مقال سياسي إلى مقال اجتماعي إلى مقال سيرذاتي إلى رابع تاريخي فخامس معرفي ، وأحيانا كان يدرج في زاويته مقالا لهذا الكاتب أو ذاك يروق له ، وفوق هذا كان يكتب مقالات يبدي فيها رأيه في كتاب المقالات أو يشرح الفرق بين كاتب مقال يومي وكاتب مقال أسبوعي ، كل ذلك بلغة بسيطة سهلة يقرؤها قاريء الجريدة فيفهمها ولا يجد فيها صعوبة ، إذ نادرا ما لجأ إلى التجريد والأفكار الذهنية شأن بعض كتاب المقالات . ولا تعني " لغة بسيطة سهلة " فقر قاموسه اللغوي ، وحين كتبت مرة فقرة عنوانها " وأنت يمشيك الزمان " لفت انتباهي إلى أنني لم أشر إلى لغته وتعدد مفرداته وتنوعها وثرائها ، وهذه ميزة له افتقدها هو لدى كتاب آخرين .
بقيت ملاحظة تخص مقالاته وهي تضمينها أسطرا شعرية غالبا ما كانت لمحمود درويش ، وكانت تضميناته موضع جدل بيني وبينه من حيث دقتها ، وسبب الجدل أنه كان يعتمد على الذاكرة ، وهذه خداعة خؤونة .
رحم الله الكاتب حسن البطل ، ولسوف يخسر قراء المقالات في جريدة الأيام الفلسطينية كاتبا شكل ، منذ نشأتها ، عمودا أساسيا من أعمدتها ، وأتمنى أن تكتب في كتاباته وغيره من كتاب المقالة رسائل علمية .
الخميس
٩ كانون الأول ٢٠٢١ .




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى