علجية عيش - في مذكراته.. هل تأثر الأمير عبد القادر بالشيخ النقشبندي الكردي؟

هذه مقتطفات من مذكرات الأمير عبد القادر الجزائري، هي عبارة عن سيرة ذاتي كتبها في السجن سنة 1849 نشرت لأول مرة، سرد فيها رحلاته و علاقاته بالشعوب و الأمراء و الملوك و العلماء و الشيوخ المتصوفة، و البلدان التي أقام فيها في كل رحلاته و أهلها، تحدث فيها عن أخبار الأديان و الأنبياء وعن أخبار مكة و المدينة المنورة ثم تحدث في شق آخر عن معاركه التي خاضها دفاعا عن الإسلام و قضايا أخرى و قيل عنه أن الأمير عبد القادر الجزائري ليس رجل حرب فقط بل رحّالة و منظر و مفكر و متصوف و فيلسوف، جمع بين السبف و القلم فكان الرجل المعجزة

يتحدث الأمير عبد القادر الجزائري في مذكراته عن رحلاته التي قام بها و الأماكن التي زارها و الملوك و الشيوخ و العلماء الذين التقى بهم و هو يحل و يرتحل من مكان إلى آخر( دمشق، العراق، مصر، المدينة المنورة و بلاد الأندلس التي كانت كما يقول أرض رباط و جهاد و كفاح للعدو وجلاد، في الأندس التقى الأمير عبد القادر بأعيان الصوفية إذ يقول: فتبركنا بهم و تعلقنا بشيخهم السالك المسلك، الجامع و الظاهر و الباطن، المضمار المحصل، الفتح الرباني و هو يقصد بذلك الشيخ النقشبندي المحقق المدقق للأصول و الفروع، اسمه الكامل أحمد بن حسين النقشبندي الكردي و يعرف بالشيخ خالد، ولد بشهرزور، هاجر إلى بغداد ثم إلى الشام و توفي بدمشق، انتسب إلى الطريقة النقسبندية في دلهي و اصبح له عددا كبيرا من المريدين في مختلف انحاء تركيا و البلاد العربية و أدى إلى الدعوة إلى مذهب جديد حيث رماه بعض المتأخرين بالكفر و الزندقة.

و النقشبندية كما يقول الأمير عبد القادر في مذكراته طريقة صوفية اسسها محمد بن محمد بهاء الدين البخاري ( 1317-1386) في بلاد فارس و هي تمتاز باسلوب خاص في الذكر و لها فروع في الصين و كردستان و قازان و تركيا، و قد اثنى الأمير عبد القادر عن الشيخ النقشبندي فيقول : كنا ندخل حضرته غير مرة و كسانا من أنوار حلقاته، و هو ما يؤكد أن الأمير عبد القادر كان يداوم على حضور حلقات الشيخ النقشبندي لما له من فضائل الجمع من الإشراق، و هو الذي كان يشاهد بركاته في مقامهم و رحلاتهم و لا زالوا على التمسك بلطائف من عهده، و رغم تاثره بالأرجاء الشامية و تبركه بأهل الفضل الأول، يبدوا أن الأمير عبد القادر كان أكثر تاثرا بطيبة، كما كان معجبا ببغداد و متأثرا بعلمائها، حتى أنه يذكر في مذكراته قول الإمام محمد ابن إدريس الشافعي لما سأل ابن حبيب هل رأيت بغداد؟ فقال له: لا، فقال ابن إدريس الشافعي: ما رأيت الدنيا إذن، في بغداد زار الأمير عبد القادر ضريح الشيخ عبد القادر الجيلالي و أخذ بركاته

و هو يدخل دمشق بلغه نعي الشيخ النقشبندي فكان أكثر تاثرا لوفاته و بلغه الخبر أن أهل الحرمين صلوا عليه بعدما نعته خصومه بالكفر و الزندقة، و من أعيان الصوفية الذين زارهم الأمير عبد القادر في ترحاله بين بيداء برقة و العقبة و هي تقع بين إيالة ملك مصر و باشا طرابلس، ثم إلى عين غزالة قرب قرية درنة لزيارة جده، ثم إلى الجبل الأخضر و إلى مدينة بنغازي ثم إلى مصراتة محل ضريح العارف بالله ابي العباس السيد أحمد زروق البرنسي و تبرك بمزارته، و منها إلى قابس مكث فيها مدة عشرين يوما، ثم رعية باي تونس و من قابس إلى القيروان، و منها إلى الكهف و واصل رحلاته إلى أن وصل إلى الزاوية القادرية محل الأب و الجد كان ذلك في العام الثالث من ابتداء السفر.

في المذكرات نفسها يتحدث الأمير عبد القادر عن الأديان و بخاصة دخول المسيحية مدينة نجران و هي اوسط أرض العرب، كان أهلها اهل اوثان يعبدونها ، كما كانوا يعبدون نخلة طويلة يجعلون عندها عيدان يعلقون عليها كل ثوب حسن و حلي، و كان رجل صالح قد دعاه شيخ لشفاء ابنه، فرآه يعبد النخلة، فقال له، هذه النخلة لا تنفع و لا تضر، فماذا لو وجهتك إلى من يستحق العبادة، قال له افعل و إن صدق قولك آمنا بدينك ، فقام الرجل الصالح و تطهر و صلى ركعتين و دعا الله ، فأرسل الله عليها ريحا قوية فجعفتها اي اقتلعتها من اصولها، فاتبعه على ذلك أهل نجران فحملهم على دين عيسى عليه السلام.

و يذكر الأمير عبد القادر فضائل النصارى و خصالهم كما جاء في القرآن، أما عن صلب المسيح فجاءت في المذكرات قصصا مختلفة منها أن عيسى عليه السلام لما علم أن اليهود قرروا قتله، طلب من الحواريين من ينوب عنه فيدخل معه الجنة، فقال أحدهم : أنا يا نبي الله، فألقى النبي عليه مدرعة من صوف و عمامة من صوف و ناوله عكازه و ألقى عليه شبه عيسى، فخرج على اليهود فقتلوه و صلبوه، أما عيسى عليه السلام فكساه الله الريش و ألبسه النور و طار مع الملائكة ثم أن اصحابه لما رأوا ذلك تفرقوا إلى ثلاث فرق، فرقة قالت: كان الله فينا ثم صعد إلى السماء و هم اليعقوبية، و قالت فرقة كان فينا ابن الله ما شاء الله ثم رفعه الله إليه، و هم النسطورية، و قالت فرقة أخرى منهم كان فينا عبد الله و رسوله ما شاء الله ثم رفعه الله إليه فتظاهرت عليهم الفرقتان الكافرتان فقاتلوهم، و قيل أن اليهود لما قصدوا قتل المسيح أمره جبريل أن يدخل بيتا فيه روزنة، فلما دخل البيت دفعه جبريل نحو الملائكة فرفعوه إلى السماء.

قال أهل التواريخ أن مريم حملت بابنها عيسى و هي ابنة ثلاثة عشر سنة فقط و ولدته ببيت لحم، و يقال أن نزول عيسى من جديد للرد على اليهود الذين ادعوا أنهم قتلوه و صلبوه، و المسيح أصله المشيح بالعبرانية فعرّب و غير وقيل أن أصله عربي، و سمي به عيسى لأنه لم يمسح ذا عاهة إلا و برأ و قيل لأنه خرج من بطن أمه ممسوحا بالدهن و قيل لأنه مسح بالبركة حين ولد، للإشارة أن هذه المذكرات قام بتحقيقها كل من الد/ محمد الصغير بناني، محفوظ سماتي و محمد الصالح ألجون، قال عنه الد/ أبو القاسم سعد الله : إن الأمير عبد القادرسطر بسيفه الحوادث الوطنية و المعارك العسكرية و سطر بقلمه الصفحات الفكرية و الوقائع التاريخية، و قد عرف بعض ما سطر لكن الأغلب منها مايزال في طي الكتمان محفوظا في وثائق الدول و الأفراد.

علجية عيش

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى