( 3 ـ 5 )
نتواصل بالتعرف إلى إجابة سؤلنا السابق: ما هي المرتكزات التي توجه من خلالها العلوي لثقافة الفضيلة في الفكر الثقافي العربي؟
يضعنا الباحث العلوي في قراءاته أمام فلسفة ثقافة الفضيلة للذات في الفكر العربي الإسلامي٬ تقوم على المرتكزات في رؤية السياسات الفكرية عنها٬ وتقوم:
رؤية السياسات الفكرية التاريخية٬ بآعتبارها تشغل قراءة ثقافة الفضيلة في "ذات" الفكر العربي الإسلامي "غيمة ماطرة" لقراءة تاريخية عمادها الإقرار بتطور إستفهام هذه الثقافة عن هذه الذات عبر سلسلة مراحل تاريخية الفلسفة٬ إنطلاقا من التراث العربي الإسلامي٬ ومرورا بعصر المعرفة الذهبي٬ ووصولا إلى المرحلة المعاصرة؛ بمعنى٬ أن هذه الثقافة في موطنها ـ الذات ـ دلالاتها هشة عبر التاريخ. وأن الفكر العربي الإسلامي٬ مقولبا؛ في الأنموذج الأموي بتفرسه نحو الخارج٬ أو ممثلا في الأنموذج العباسي بتوسمته نحو الداخل٬ أو الأندلسي بتبنيه نحو التعايش. وهنا٬ لا يجب أن يوهمنا ـ الأنموذج ـ بأنه يقدم التلبية النهائية والمطلقة عن تدارك إستفهام ثقافة الفضيلة٬ وموطنها "الذات" حتى إذا أغفلتها بعد حجة. فهو معطى؛ عون٬ يسهم في إنجاح المهمة الموكلة إليه٬ جعل ثقافة الفضيلة مشاركة فيه٬ ولها نصيب وافر المشاركة٬ ووضعها إشارات وعلامات في تغير المضمرات الشاردة البصير منها٬ بسبب من ضعف الوهج أو سموم الهم أو صور الهزال ومن حمل على عبس الخصوم الكريهة في التناحر٬ وحملها على الإبهام والغموض غلبة في مساهمة ما حصصت وطرحت تغير لونها.
وبتحصيل حاصل٬ الأنموذج٬ يسهم٬ إلى جانب الفلسفة الحديثة والمعاصرة٬ في البحث عن تلك الثقافة في الذات بالقدر الذي يسمح به تطلعاته الفكرية الباحثة في القرون الوسطى٬ بالتماثل الغربي٬ إن شئنا. لأن من العبث٬ التسليم٬ أن يكون هناك معطى فاعل لأي أنموذج مما هو اعلاه٬ أن يثيب لأستلهام أحد منهما في بناء ثقافتنا المعاصرة ما لم يتم استدراك الفارق التاريخي بينهما والحداثة الغربية٬ مهما اتجهنا في ثقافة الفضيلة عن ذواتنا شرقا٬ دون التخلي عن فكرة التماثل بينهما٬ وآفساح المجال لتأهيل الثقافة العربية كي تعلى وترقى إلى مستوى الاتصال والتفاعل مع تواصل ثقافة الفضيلة الحداثية. وعليه٬ وتوافقا مع تخويل هذه الميول التاريخية ونزعتها٬ في النطق أو التعبير٬ محددة٬ نتاج ضيق الأفق الذهني الناشيء عن نزعة محدودة النطاق٬ ذات أسوار لا تتعرض للفاعلية الثقافية والعقلية الإنسانية٬ إلا ضمن موضع انحسار من جانبي الاطراف المهنية مخولة الميول والمعاملة٬ الرامية بضيقة التساهم٬ وتلك النظرة جاءت إنسجاما من النزعة التاريخية التي يشير إليها العلوي في أبحاثه٬ مثمنة متونها ليس في مشاغل ثقافة الفضيلة كفارقة في الذات العربية٬ وإنما عن قيمتها الفائضة٬ لأن البحث فيها ـ لدى البعض ـ قد يكون أوعز بجانبها٬ ما أشاروا إليها إشارة نمطية خفيفة٬ ومن أومأ٬ فأوحى إليها ما أن سبحوا أقروا ولخصوا "يجب التماهي معها" بشكل مطلق. بينما العلوي٬ حدد موضعها وما يقتضي تتبع آثار وجودها وتطورها عبر المراحل التاريخية مرتكزاتها٬ عن رؤية٬ لتحديد موضع إشكالية ثقافة الفضيلة عن موقع الذات العربية المعاصرة من هذا التصور من جانب٬ ومنهج ارتكاز ضمان اهمية المشروعية التاريخية لاستدامة البحث عنها من جانب أخر.
ومما لا حاجة لذكره٬ هي رؤية عقلانية جدلية؛ متطورة بيقظتها وبتقبل مرونتها وتفهم عصريتها٬ على اعتبار لا يمكن أن تكون محصنا بالدفاع ومواجهة خصوم المعرفة والعلم٬ في حال يتغيب العقل عن التسامح والتفاوض عن أنواره٬ ولا يتخذ أداوات منهجية مناسبة٬ ويتجنب إمكان إرادته من التفاهم مع الثقافات "الدوغماء" المغلقة. لكن تقبل هذه المرونة في تجسيد العقل وتوظيفه في هذه الرؤية لا تعني الهاوية في النسبية المبتذلة٬ أو٬ السقوط في الضألة المرهقة والأخذ لهذه الثقافة مع ذاتها الممتحنة والمدمرة لكيانها٬ وذلك لأنها تستوي وتعترف بموطن جوهر أصلي وصلب في نواة ثقافة الفضيلة بوجود هذه الذات٬ والتي يستوجب أن تتوحد أعمدة ركائزها عندها سقف لمختلف زوايا النظر إليها محمولاته٬ و وكذلك تعدد أفاق أبعادها٬ ألا وهي ثقافة الفضيلة في هذه الذات هي الحرية٬ والتي على أساسها يمكن ترقب مدى مشاركة ومساهمة الفكر الاعتزالي٬ الكلام٬ أو الزهد الصوفي الإسلامي٬ إلى جانب تفهم الفكر الحديث والمعاصر٬ في بناء ثقافة الفضيلة وتطورها ويقظة تدبيرها من عمرانية لهذه الذات عبر الحفاظ على استقامة تفهم حريتها هاته.
ومن نافل القول٬ هنا٬ وبوسم هذا العقل جادل العلوي الفكر الاعتزالي والكلام لمتأخروا الأشاعرة والشيعة.../الزهد الصوفي والحداثة في تفهم اختلافاته الداخلية الحاذقة والحادة٬ واشتغل على التهذيب من حدتها؛ جعل منها موضوعات فكرية ومسائل ومقولات مناقشة تألف بمنهج جديد٬ أو تختلف فيها حين تضفر أطروحات فيما بينها يراد بها مقام تقدم تنسج الانفتاح والتفاوض والتفاهم والتسامح٬ نواة ثقافة الفضيلة أن تتجسد٬ تجانس وأنسجام للمكاشفة والمصارحة والمصالحة٬ والتي تعبر عن نفسها في ذلك التكامل بين هذه الأطروحات بمثابتها٬ رغم تباينها٬ وأن لا يؤثر الخلاف على حسن المعاملة٬ و٬ (( اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية))٬ تعالج٬ حول الاهتمام بثقافة الفضيلة؛ كمكون أساسي بالذات الفكرية التي تسهم في بنائها؛ توافق التنسيق المنسجم بين جوانب تطبيقاتها المختلفة؛ في إيجاد الأحجام والمساحات وجذور المعادلات التفاضلية والتكامل بحساب الثقافة والفنون التي تسود؛ الحث على توافق متبادل مشترك بين سماتها المتعارضة؛ يكون نسقا ثقافيا عن ذات منسجمة ليكمل بعضها بعضا. لكن٬ تسهم تلك الاطروحات "رغم اختلافها" عن اهتمام بنائها كثقافة عن ذات مرادف لحريتها.
كما وهب اشتغاله بوسم هذا العقل عطاءه؛ على التلطف الفهام من اختلاف الفترات٬ عطية عبر مراحل تاريخيتها المتنقلة والمختلفة لغنائم الأفكار المتعثرة والماقبل العصر الذهبي الإسلامي٬ مع تطور الفكر والعلوم الاسلامية في نافلة تجلياته مع الفكر التنويري الغربي عن فرض مفارقة ذا الاختلاف في الفكر القروسطي٬ حيث يعتبر الفكر الاعتزالي رغم أنتمائه إلى الفكر ما قبل الحداثي٬ بأنه يشكل جزءا لا يتجزأ من الحداثة٬ لأن هذه الأخيرة هي بمنزلة مرجع محايد يتسع للجميع٬ كما الماء إذا أجتمع في حوض٬ وزع وثاب٬ وليس حكرا على الغرب٬ لينفرد بالتصرف فيها في ظلمة٬ وأساءة المعاشرة كي يستبد به الحكم٬ ويحكر بها رأيه. وبهذا يمكن الحديث عن توقعات قبل حداثية "الأنا ـ المفكر" المرهصة٬ كتبعية لخيارات نبع ثقافة الفضيلة أو بديل لحرية الذات٬ وإثبات آهليتها الفكرية الفاعلة٬ وإمكانات تفاعل قواها العقلية٬ لدى مفكري الإسلام والشرق عموما بأنحاء مختلفة٬ وأن كان لبعضها هدؤ تسترها أحيانا٬ ألا أن لبعضها سافرة معلنة كما هو الحال عند الجاحظ واخوان الصفا والنظام والشيرازي٬ والغزالي٬ وكما عند ابن طفيل وابن رشد وابن باجة...الخ٬ كما يتحدث عن إصابته عن ما بعد الحداثة أيضا لدى هؤلاء المفكرين حول ثقافة الفضيلة عن مركز نبعها الذات٬ لا تغادرها٬ عمادها الإقرار بتعددية فضيلة الذات وانشراح هويتها وانفتاح تغير جوهرها٬ بما يسمح قوامها؛ بتبادل التمثيل اعترافا بفعالية تأثيرها وأنشطة حريتها عبر الاعتراف بتعددية أنوار تبادل المعرفة والعلوم النابعة منها وبتماثل سطوعها؛ نور العقل٬ ونور الإيمان والوجدان٬ ونور التاريخ والعمران٬ ونور أنفتاح وأنشراح الأنا على الآخر. فهي نظريات رغم أختلافها٬ هي كما أشرنا إليها أعلاه٬ مبرمة في جوهرها بمنطق جدلي يضفرها٬ ويتسلسل لثلاث مدارج ممتدة: إثبات الذات وانوارها كما هو عند ابن باجة وابن طفيل... ثم امتداد لمدرج: نفي الذات مع الفكر الصوفي (السهروردي٬ ابن عربي) واخيرا امتد آفق جامع بين "إثبات الذات ونفيها" بين ابن باجة٬ أو٬ "فلسفة التاو" بين العقلانية الفلسفية والعقلانية العرفانية"٬ بين تدبير المتوحد وتدبير الملتزم بقضايا المجتمع٬ أمر ضروري لثقافة فضيلة مستقبلية حية٬ إذ لا يزهد أن تحول ثقافة الفضيلة العقلانية الفلسفية الإنسان من فرد إلى ذات عاقلة٬ بل لابد من أن تتذاوت تصاميم العقلانية العمرانية وتتدخل لتحول الذات العاقلة إلى ذات "مدنية ـ سياسية"٬ بمعنى سعيها أقتدار نحو بناء إرادة ثقافة فضيلة مواطنة ـ عضوية فاعلة٬ تقوم بمهام المساهمة في إدارة وظائف الدولة والتدبير الأمن لاستمرارية تحديثها.
ما هي أبواب التواصل التي ارهصته بين التراث الإسلامي مع التاوية والفكر الحداثي الغربي٬ عن تبادل التأثير والتأثر بين الطرفين مشروعا من وجهة نظره؟ هذا ما سيتم الإجابة علية٬ لاحقا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
• المكان والتاريخ: أوكسفورد ـ 12.23.21
ـ الغرض: التواصل والتنمية الثقافية
ـ العينة المستهدفة: القارئ بالعربية (المترجمة)
نتواصل بالتعرف إلى إجابة سؤلنا السابق: ما هي المرتكزات التي توجه من خلالها العلوي لثقافة الفضيلة في الفكر الثقافي العربي؟
يضعنا الباحث العلوي في قراءاته أمام فلسفة ثقافة الفضيلة للذات في الفكر العربي الإسلامي٬ تقوم على المرتكزات في رؤية السياسات الفكرية عنها٬ وتقوم:
رؤية السياسات الفكرية التاريخية٬ بآعتبارها تشغل قراءة ثقافة الفضيلة في "ذات" الفكر العربي الإسلامي "غيمة ماطرة" لقراءة تاريخية عمادها الإقرار بتطور إستفهام هذه الثقافة عن هذه الذات عبر سلسلة مراحل تاريخية الفلسفة٬ إنطلاقا من التراث العربي الإسلامي٬ ومرورا بعصر المعرفة الذهبي٬ ووصولا إلى المرحلة المعاصرة؛ بمعنى٬ أن هذه الثقافة في موطنها ـ الذات ـ دلالاتها هشة عبر التاريخ. وأن الفكر العربي الإسلامي٬ مقولبا؛ في الأنموذج الأموي بتفرسه نحو الخارج٬ أو ممثلا في الأنموذج العباسي بتوسمته نحو الداخل٬ أو الأندلسي بتبنيه نحو التعايش. وهنا٬ لا يجب أن يوهمنا ـ الأنموذج ـ بأنه يقدم التلبية النهائية والمطلقة عن تدارك إستفهام ثقافة الفضيلة٬ وموطنها "الذات" حتى إذا أغفلتها بعد حجة. فهو معطى؛ عون٬ يسهم في إنجاح المهمة الموكلة إليه٬ جعل ثقافة الفضيلة مشاركة فيه٬ ولها نصيب وافر المشاركة٬ ووضعها إشارات وعلامات في تغير المضمرات الشاردة البصير منها٬ بسبب من ضعف الوهج أو سموم الهم أو صور الهزال ومن حمل على عبس الخصوم الكريهة في التناحر٬ وحملها على الإبهام والغموض غلبة في مساهمة ما حصصت وطرحت تغير لونها.
وبتحصيل حاصل٬ الأنموذج٬ يسهم٬ إلى جانب الفلسفة الحديثة والمعاصرة٬ في البحث عن تلك الثقافة في الذات بالقدر الذي يسمح به تطلعاته الفكرية الباحثة في القرون الوسطى٬ بالتماثل الغربي٬ إن شئنا. لأن من العبث٬ التسليم٬ أن يكون هناك معطى فاعل لأي أنموذج مما هو اعلاه٬ أن يثيب لأستلهام أحد منهما في بناء ثقافتنا المعاصرة ما لم يتم استدراك الفارق التاريخي بينهما والحداثة الغربية٬ مهما اتجهنا في ثقافة الفضيلة عن ذواتنا شرقا٬ دون التخلي عن فكرة التماثل بينهما٬ وآفساح المجال لتأهيل الثقافة العربية كي تعلى وترقى إلى مستوى الاتصال والتفاعل مع تواصل ثقافة الفضيلة الحداثية. وعليه٬ وتوافقا مع تخويل هذه الميول التاريخية ونزعتها٬ في النطق أو التعبير٬ محددة٬ نتاج ضيق الأفق الذهني الناشيء عن نزعة محدودة النطاق٬ ذات أسوار لا تتعرض للفاعلية الثقافية والعقلية الإنسانية٬ إلا ضمن موضع انحسار من جانبي الاطراف المهنية مخولة الميول والمعاملة٬ الرامية بضيقة التساهم٬ وتلك النظرة جاءت إنسجاما من النزعة التاريخية التي يشير إليها العلوي في أبحاثه٬ مثمنة متونها ليس في مشاغل ثقافة الفضيلة كفارقة في الذات العربية٬ وإنما عن قيمتها الفائضة٬ لأن البحث فيها ـ لدى البعض ـ قد يكون أوعز بجانبها٬ ما أشاروا إليها إشارة نمطية خفيفة٬ ومن أومأ٬ فأوحى إليها ما أن سبحوا أقروا ولخصوا "يجب التماهي معها" بشكل مطلق. بينما العلوي٬ حدد موضعها وما يقتضي تتبع آثار وجودها وتطورها عبر المراحل التاريخية مرتكزاتها٬ عن رؤية٬ لتحديد موضع إشكالية ثقافة الفضيلة عن موقع الذات العربية المعاصرة من هذا التصور من جانب٬ ومنهج ارتكاز ضمان اهمية المشروعية التاريخية لاستدامة البحث عنها من جانب أخر.
ومما لا حاجة لذكره٬ هي رؤية عقلانية جدلية؛ متطورة بيقظتها وبتقبل مرونتها وتفهم عصريتها٬ على اعتبار لا يمكن أن تكون محصنا بالدفاع ومواجهة خصوم المعرفة والعلم٬ في حال يتغيب العقل عن التسامح والتفاوض عن أنواره٬ ولا يتخذ أداوات منهجية مناسبة٬ ويتجنب إمكان إرادته من التفاهم مع الثقافات "الدوغماء" المغلقة. لكن تقبل هذه المرونة في تجسيد العقل وتوظيفه في هذه الرؤية لا تعني الهاوية في النسبية المبتذلة٬ أو٬ السقوط في الضألة المرهقة والأخذ لهذه الثقافة مع ذاتها الممتحنة والمدمرة لكيانها٬ وذلك لأنها تستوي وتعترف بموطن جوهر أصلي وصلب في نواة ثقافة الفضيلة بوجود هذه الذات٬ والتي يستوجب أن تتوحد أعمدة ركائزها عندها سقف لمختلف زوايا النظر إليها محمولاته٬ و وكذلك تعدد أفاق أبعادها٬ ألا وهي ثقافة الفضيلة في هذه الذات هي الحرية٬ والتي على أساسها يمكن ترقب مدى مشاركة ومساهمة الفكر الاعتزالي٬ الكلام٬ أو الزهد الصوفي الإسلامي٬ إلى جانب تفهم الفكر الحديث والمعاصر٬ في بناء ثقافة الفضيلة وتطورها ويقظة تدبيرها من عمرانية لهذه الذات عبر الحفاظ على استقامة تفهم حريتها هاته.
ومن نافل القول٬ هنا٬ وبوسم هذا العقل جادل العلوي الفكر الاعتزالي والكلام لمتأخروا الأشاعرة والشيعة.../الزهد الصوفي والحداثة في تفهم اختلافاته الداخلية الحاذقة والحادة٬ واشتغل على التهذيب من حدتها؛ جعل منها موضوعات فكرية ومسائل ومقولات مناقشة تألف بمنهج جديد٬ أو تختلف فيها حين تضفر أطروحات فيما بينها يراد بها مقام تقدم تنسج الانفتاح والتفاوض والتفاهم والتسامح٬ نواة ثقافة الفضيلة أن تتجسد٬ تجانس وأنسجام للمكاشفة والمصارحة والمصالحة٬ والتي تعبر عن نفسها في ذلك التكامل بين هذه الأطروحات بمثابتها٬ رغم تباينها٬ وأن لا يؤثر الخلاف على حسن المعاملة٬ و٬ (( اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية))٬ تعالج٬ حول الاهتمام بثقافة الفضيلة؛ كمكون أساسي بالذات الفكرية التي تسهم في بنائها؛ توافق التنسيق المنسجم بين جوانب تطبيقاتها المختلفة؛ في إيجاد الأحجام والمساحات وجذور المعادلات التفاضلية والتكامل بحساب الثقافة والفنون التي تسود؛ الحث على توافق متبادل مشترك بين سماتها المتعارضة؛ يكون نسقا ثقافيا عن ذات منسجمة ليكمل بعضها بعضا. لكن٬ تسهم تلك الاطروحات "رغم اختلافها" عن اهتمام بنائها كثقافة عن ذات مرادف لحريتها.
كما وهب اشتغاله بوسم هذا العقل عطاءه؛ على التلطف الفهام من اختلاف الفترات٬ عطية عبر مراحل تاريخيتها المتنقلة والمختلفة لغنائم الأفكار المتعثرة والماقبل العصر الذهبي الإسلامي٬ مع تطور الفكر والعلوم الاسلامية في نافلة تجلياته مع الفكر التنويري الغربي عن فرض مفارقة ذا الاختلاف في الفكر القروسطي٬ حيث يعتبر الفكر الاعتزالي رغم أنتمائه إلى الفكر ما قبل الحداثي٬ بأنه يشكل جزءا لا يتجزأ من الحداثة٬ لأن هذه الأخيرة هي بمنزلة مرجع محايد يتسع للجميع٬ كما الماء إذا أجتمع في حوض٬ وزع وثاب٬ وليس حكرا على الغرب٬ لينفرد بالتصرف فيها في ظلمة٬ وأساءة المعاشرة كي يستبد به الحكم٬ ويحكر بها رأيه. وبهذا يمكن الحديث عن توقعات قبل حداثية "الأنا ـ المفكر" المرهصة٬ كتبعية لخيارات نبع ثقافة الفضيلة أو بديل لحرية الذات٬ وإثبات آهليتها الفكرية الفاعلة٬ وإمكانات تفاعل قواها العقلية٬ لدى مفكري الإسلام والشرق عموما بأنحاء مختلفة٬ وأن كان لبعضها هدؤ تسترها أحيانا٬ ألا أن لبعضها سافرة معلنة كما هو الحال عند الجاحظ واخوان الصفا والنظام والشيرازي٬ والغزالي٬ وكما عند ابن طفيل وابن رشد وابن باجة...الخ٬ كما يتحدث عن إصابته عن ما بعد الحداثة أيضا لدى هؤلاء المفكرين حول ثقافة الفضيلة عن مركز نبعها الذات٬ لا تغادرها٬ عمادها الإقرار بتعددية فضيلة الذات وانشراح هويتها وانفتاح تغير جوهرها٬ بما يسمح قوامها؛ بتبادل التمثيل اعترافا بفعالية تأثيرها وأنشطة حريتها عبر الاعتراف بتعددية أنوار تبادل المعرفة والعلوم النابعة منها وبتماثل سطوعها؛ نور العقل٬ ونور الإيمان والوجدان٬ ونور التاريخ والعمران٬ ونور أنفتاح وأنشراح الأنا على الآخر. فهي نظريات رغم أختلافها٬ هي كما أشرنا إليها أعلاه٬ مبرمة في جوهرها بمنطق جدلي يضفرها٬ ويتسلسل لثلاث مدارج ممتدة: إثبات الذات وانوارها كما هو عند ابن باجة وابن طفيل... ثم امتداد لمدرج: نفي الذات مع الفكر الصوفي (السهروردي٬ ابن عربي) واخيرا امتد آفق جامع بين "إثبات الذات ونفيها" بين ابن باجة٬ أو٬ "فلسفة التاو" بين العقلانية الفلسفية والعقلانية العرفانية"٬ بين تدبير المتوحد وتدبير الملتزم بقضايا المجتمع٬ أمر ضروري لثقافة فضيلة مستقبلية حية٬ إذ لا يزهد أن تحول ثقافة الفضيلة العقلانية الفلسفية الإنسان من فرد إلى ذات عاقلة٬ بل لابد من أن تتذاوت تصاميم العقلانية العمرانية وتتدخل لتحول الذات العاقلة إلى ذات "مدنية ـ سياسية"٬ بمعنى سعيها أقتدار نحو بناء إرادة ثقافة فضيلة مواطنة ـ عضوية فاعلة٬ تقوم بمهام المساهمة في إدارة وظائف الدولة والتدبير الأمن لاستمرارية تحديثها.
ما هي أبواب التواصل التي ارهصته بين التراث الإسلامي مع التاوية والفكر الحداثي الغربي٬ عن تبادل التأثير والتأثر بين الطرفين مشروعا من وجهة نظره؟ هذا ما سيتم الإجابة علية٬ لاحقا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
• المكان والتاريخ: أوكسفورد ـ 12.23.21
ـ الغرض: التواصل والتنمية الثقافية
ـ العينة المستهدفة: القارئ بالعربية (المترجمة)