مصطفى فودة - قراءة فى نص (سئمت الانتظار) للشاعر الكبير د. عيد صالح

أولا النص

سئمت الانتظار
ذلك الوحش الذي يقضم جسدي قطعة قطعة
ويزدردها في تنطع واحتقار
أيها الرعب المزلزل
أيتها العتمة الموغلة في القتل
أيها الجحيم
يا زغاريد الجنيات وصرخات الثكالي
والحوامل لا يضعن حملهن
والقابلات يلطمن الخدود
ويندبن البطون المنتزعة الأجنة
في قدور بلا ماء ولا بخور أوسعوط وحناء
هكذا تسفر اللحظة عن رعبها المجنون
عن قهقهات الشياطين
ورقصات الموت
علي سدة الخراب اللعين
هكذا تسقط الفرائس المذعورة
حيث لا طريق للهروب
لا حوائط صد أو دروع
كل ما قيل محض هراء
والحياة أكذوبة العيش
علي شفرة الموت والفناء
هكذا يستوي الرعب علي سدة الأرض
والممالك والعروش والجيوش
محض هباء
٢ أكتوبر ٢٠٢٠
ثانيا قراءة فى النص الشعرى
هذا نص شعرى فريد قليلا ما نتعرض حيث يغوص فى أعماق النفس البشرية ويعبر عن ما نعجز أن نعبر عنه من عذابات وآلام النفس التى نحس بها مثل ما عبر عنه الشاعر ومن هنا كان لا بد أن نتوقف ونتأمل تلك التجربة الشعرية الفريدة بالنص ونحاول أن نستوعب ما به جماليات - ومن جمالياته تصوير عذاب الانتظار بوحش يأكل جسده قطعة قطعة وهو تجسيد للحالة النفسية المؤلمة للشاعر
سئمت الانتظار
ذلك الوحش الذي يقضم جسدي قطعة قطعة
ويزدردها في تنطع واحتقار
ولم يفصح الشاعر عن ماهية الإنتظار وترك تلك المنطقة شاغرة ومفتوحة لمشاركة القارئ حتى يستوعب جميع أنواع عذابات الانتظار فقد يكون انتظار زوال محنة شديدة أو مرض مؤلم أو فقد عزيز أو محنة عامة للوطن كل ذلك ينفتح عليه النص ويزيد ، وهذا من عبقريات ترك فراغات بالنص يشارك فيها القارئ و يضيف للنص فينفتح ويزداد غنى وإتساع .
- لم يكتف الشاعر بتصوير عذاب الانتظار بالوحش بل أضاف إليه تصويرا آخر أشد رعبا وفتكا بالنفس وهو الجحيم .
أيها الجحيم
يا زغاريد الجنيات وصرخات الثكالي
والحوامل لا يضعن حملهن
والقابلات يلطمن الخدود
ويندبن البطون المنتزعة الأجنة
....
عن قهقهات الشياطين
ورقصات الموت
استحضر الشاعر مشاهد الجحيم من المخزون الواعى واللاواعى له كما استحضره من النصوص الدينية والقصصية والأساطير فأستحضر الجنيات والشياطين والحوامل والقابلات ولطم الخدود فصور بذلك مشهدا كافكاويا فريدا لحالته النفسية .
أكثر الشاعر من استخدام الفعل المضارع لإستحضار المشاهد فى النص وكأنها مشاهد تصويرية نشاهدها أمامنا على الشاشة ، كما استخدم أفعالا تدل على الأصوات لها دلالة العذاب والآلام والسخرية مثل زغاريد الجنيات وصرخات الثكالى وقهقهات الشياطين وكأنما نسمعها منهم ونراهم ، استخدم الشاعر لغة تصور وتعبر عن العذاب النفسى من خلال كلمات وصور مثل الوحش والرعب والجحيم والجنيات والشياطين وما سبق ذكره
انتهى النص الشعرى بأن الحياة أكذوبة وأن الجميع بما فيهم والممالك والعروش والجيوش سيكون مآله الموت والفناء .
كل ما قيل محض هراء
والحياة أكذوبة العيش
علي شفرة الموت والفناء
هكذا يستوي الرعب علي سدة الأرض
والممالك والعروش والجيوش
محض هباء
وربما يكون النص قد تأثر وأشارالى الآية القرآنية ( وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ) وربما أيضا قد تأثر واشار الى الآية بسفر الجامعة بالعهد القديم ( قال الجامعة باطل الأباطيل الكل باطل ) وذلك فى سطوره الأخيرة
- بلغ الشاعر الافق فى التعبير عن تجربة الآلام والعذاب النفسى بأسلوب جمالى لا مثيل له فكثير منا يتعرض لمحنة مؤلمة ويشعر بعذاب نفسى ولكننا نعجز عن تصوير تلك الآلام ولكنه الفن هو وحده من يدخل إلى أعماق تلك النفس البشرية الرهيبة شديدة الظلمة والشاعر القدير وحده هو من يمتلك تلك القدرة على ولوج تلك النفس بما وهبه الله تعالى من قدرة وموهبة على ولولوج النفس البشرية والعودة منها محملا بتلك الجواهر واللآلئ من النصوص ومنها هذا النص الفريد للشاعر د عيد صالح .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى