د. سيد شعبان - جابر عصفور "الاختلاف في النقد"!

لست من شيعة د. جابر عصفور رحمه الله ولا أنا ممن شرف بالدرس على يديه؛ كانت بيني وبينه فجوة حاولت جسرها، فلما تبين لي بعض أمر بالقراءة له والاقبال بعقل الناقد على منجزه وجدته يمتلك أدوات البحث ومنهجيته، قدم الرجل للمكتبة العربية أعمالا رائدة تستحق العناية بها وإكمال ما ابتدأ بعقلية بصيرة لاتغمط الرواد حقهم ولاتقف عند منجزهم، اختار قناعاته وسار بها فمنا من حمد له ذلك ومنا من رفض، غير أن الرجل يظل مدرسة علمية التزمت بقواعد تأسيسها وظل يدافع عنها إبداعا نقديا.
ظل مقاله الشهري في مجلة العربي الكويتية بعنوان "أوراق أدبية" سمة لها بله فرصة لصقل العقول وتشذيبها ومعايشة زمن الرواد كانت أقرب ماتكون إلى فن السيرة الذاتية.
آسى على من نالوا منه بعد موته، فقد صار بين يدي ربه، أليس أولى نقد كتاباته؟
فيما مضى كنت أقرأ بعقلية متجهمة لمن ظننت يخالفون ما ارتأيت فلما كان زمن الرشد والمرء بعد الضلالة يرشد أدركت أن الاختلاف سنة كونية وفضيلة إنسانية، أجتهد أن أتواصل مع الآخر فبذا يثرى الفكر وتذهب العتمة، للرجل محمدة أن قدم فكره في هدوء ولم يكن يملك غير قلمه، فأولى بناقديه أن يذهبوا مذهبه، هذا نجيب محفوظ وكنت في صد بدايات الدرس عنه شأن اغترار صبي بما يسمع من حناجر زاعقة أن ذلك ضلال يورد قارئه نار جهنم!
شيئا فشيئا استبان الطريق أمام ناظري فأدركت أن الله يريد بي الخير.
ماضر لو أننا درسنا بل ربينا أولادنا على قيم الاختلاف فتتسع الصدور وتتفتح العقول.
حين كتب د. عصفور مقولته زمن الرواية كان يعبر عن جنس أدبي وجد كتابه وناقديه ومسرحه اللغوي، فهل كان بعيدا عن الوعي النقدي فيما قال؟
ذات يوم كنت أرى البون متسعا بين دار العلوم والآداب فلما كنت بآخرة أدركت أن ذلك وهم نقيمه حاجزا بين الفهم والمعرفة.
ولأنني رجل لغوي يكتب نقدا فقد علمت أن اللغة في أصواتها ودلالاتها تقوم على قيم الاختلاف، ومن ثم كان الإبداع لاتجد كاتبا يضاهي الآخر مفردة أو تراكيب وقد قيل الرجل هو الأسلوب!
لعل كتابات د. عصفور أثرت الحركة النقدية وجعلت مما زهت به كلية الآداب من أعمال جيل الآباء المؤسسين سيرة تحتذي، فاضطرام الحركة النقدية في بداية القرن الحالي تعود إليهم.
كثيرون يشتهون الاحتراب الثقافي ويريدون للعقل أن يصادم النقل وتلك مقولة في القياس خاطئة؛ فلكل ما آتى من فن شرط الصدق الفني والإبداع.
نحتاج أن نقدم للقادمين نماذج فكرية أثرت حياتنا بما انمازت به من تيارات فكرية أنتجت حراكا نقديا، فهل نتجاهل دور طه حسين والعقاد والمازني وعبدالمحسن طه بدر ومحمود شاكر وسيد قطب أولياته التي لو قدر لها أن تستمر لأبدع نقدا جبارا وشوقي ضيف وتأريخه للأدب العربي متتبعا خط سيره في أقاليمه ودوله، وعبدالعظيم أنيس ومحمود أمين العالم ومحمد مندور و الطاهر مكي وأبي همام والقائمة تطول ولاحقيهم محمود الربيعي وشفيع الدين السيد ووجيه وجيه يعقوب السيد وسعد مصلوح ومحمد العبد، قيمة مصر في ثرائها وتنوعها.
التي برزت بها في العالم العربي، للرجل تلاميذه الكثر من المحيط إلى الخليج ولايمكن لدارس للأدب العربي في عصرنا أن يتجاوزه متحفيا فتكون ثلمة في بحثه.
ذلك الصخب الذي دار حوله يحمد في نطاق الجامعة إذ هي تلاقح عقول وتثاقف صفوة تركت بصمتها في واقعنا المعاصر.
لقد شهدت معركة دارت حول د. نصر حامد أبوزيد ولو أنها جرت في مضمارها ما كان ذلك الأمر من حدية النظر وسوء التدبير نتج أن خرج الموضوع وراء أسوار الجامعة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى