لم أقرأ لربيع جابر، من قبل، سوى روايتين، أولاهما هي «الاعترافات» (2008) وثانيتهما هي «دروز بلغراد» (2011)، والأولى هي ضرب من التداعيات، حيث يروي مارون على ربيع قصته التي تذكرنا بقصة خلدون (دوف) في رواية غسان «عائد إلى حيفا» (1969) وبمسرحية (برتولد بريخت) الشهيرة «دائرة الطباشير القوقازية»، وموضوعها هو الحرب وما نجم عنها من تداخلات، والرواية الثانية ـ أي دروز بلغراد ـ تقص قصة حنة يعقوب زوج هيلانة، بائع البيض الذي يساق خطأ إلى بلغراد، تاركاً زوجته، وابنته، في بيروت، إذ يخدعه أحد الجنود ليحل حنة محل مطلوب آخر، ويعاني حنة ما يعانيه.
ورواية «أميركا» (2009) التي يصدرها كاتبها بعبارته «هذه الرواية من نسج الخيال، وأي شبه بين أحداثها وأشخاصها وأماكنها مع أشخاص حقيقيين وأحداث وأماكن حقيقية هو محض مصادفة ومجرد عن أي قصد» هي الرواية الثالثة التي أقرؤها لربيع جابر، وكنت حصلت على نسخة منها قبل أربع سنوات، ولا أدري لم تأخرت في قراءتها، وقد تذكرتها في نهاية العام 2014 لأنني، كما أشرت في مقالي السابق، قررت أن أدرس صورة أميركا أو رواية أميركا في الأدب العربي المعاصر، وأن أكتب سلسلة مقالات عن هذا الموضوع وتلك الروايات.
عنوان الرواية عنوان لافت، وثمة روايات عربية كثيرة، في القرن الحالي، بدأ اسم أميركا ومشتقاته يكوّن جزءاً منها: أمريكانللي (أمري كان لي) لصنع الله إبراهيم، و»الحفيدة الأمريكية» لإنعام كجه جي، وأحياناً نجد اسم مدينة أميركية أو مرتفعات في أميركا تحتل عنوان رواية أو جزءاً من عنوان رواية «شيكاجو» لعلاء الأسواني، و»مرتفعات بروكلين» لميرال الطحاوي، و»عناق عند جسر بروكلين» لعز الدين فشير، ولم يتوقف سيل احتلال اسم أميركا أو بعض مدنها جزءاً من عنوان الروايات التي أخذت تصدر بعد رواية ربيع جابر: «حليب المارينز» و»فتاة هايدلبرغ الأميركية» و.. و..، وقبل أن يكتب أي روائي عربي رواية عن «أميركا» كان الكاتب التشيكي (فرانز كافكا) كتب روايته المعروفة (أمريكا) (Amerika) (قبل 1927).
واللافت، كما عرفت، أن أياً من (كافكا) وجابر لم يزر القارة التي كتب عنها، وقد كتب كل منهما عن تجارب أقاربهما الذين هاجروا إلى تلك القارة من قارات أخرى.
وعلى الرغم من البون الشاسع بين زمني النشر: (1927) رواية كافكا، و(2009) رواية جابر، إلاّ أن ثمة تقاطعاً جزئياً في الزمن الروائي.
وإذا كان هذا توقف في رواية كافكا مبكراً، لأن الرواية نشرت في 1927، فإنه في رواية جابر امتد حتى العام 1973 تاريخ وفاة مرتا حداد بطلة الرواية، بل إنه امتد في العام 1975، وآمل أن أكون دقيقاً.
ومن التقاطعات بين الروايتين أنهما تأتيان على قسوة الحياة في المجتمع الرأسمالي.
لفت هذا الموضوع أنظار النقاد الماركسيين الذين درسوا في مؤتمر براغ في 1964 أعمال (كافكا) ورأوا أنها تدين العالم الرأسمالي وتعبر عن وحشة الحياة فيه ـ طبعاً هذا لم يرق للنقاد البرجوازيين الذين رأوا في القراءات الماركسية ضرباً من الاغتيال لأعمال كافكا، ونوعاً من إسقاطات أفكار النقاد على النصوص، ووجهة نظرهم أن (كافكا) لم يكن، يوماً، ماركسياً.
وحتى اللحظة لم أقرأ مراجعة غربية لرواية ربيع جابر تذهب هذا المذهب، ولكنني قرأت صفحات من الرواية دفعتني لإبداء ملاحظات إلى جانبها، وذكرتني، في الوقت نفسه، بتأويل النقاد الماركسيين لروايات (كافكا)، بخاصة روايتا «أميركا» و»التحول» ـ المسخ، وهذه قصة طويلة.
ويمكن قراءة الصفحتين 186/187 للتعرف إلى حياة العمال القاسية جداً في أميركا في أثناء السنوات 1913ـ1918.
عموماً، وأنا أقرأ «أميركا» ربيع جابر تساءلت مراراً إن كانت «أميركا» (فرانز كافكا) من قراءات الأول، ولم ألحظ في المراجعات التي أنجزت عن رواية جابر أية إشارة إلى هذا، فمن ربط بين رواياته وروايات أخرى أشار إلى إحدى روايات (إيزابيل الليندي)، كما ذهبت شيرين أبو النجا التي انسحبت من لجنة تحكيم جائزة بوكر للرواية، لأنها رأت في رواية جابر صدى لرواية «صورة عتيقة»، وأشار أيضاً إلى رواية الكاتب الكولومبي الشهير (مائة عام من العزلة)، كما رأى عقبة مشوّح.
وبإيجاز فإن الرواية تأتي على حياة مارتا (مرتا) حداد اللبنانية ابنة قرية بتائر التي تسافر، بالسفينة، مثل بطل كافكا، إلى أميركا، بحثاً عن زوجها خليل حداد الذي سبقها إلى هناك، ولم يعد يسأل عنها، فقد تعرف إلى امرأة أميركية وتزوج منها وعاش حياته، ولم يفكر في أمر زوجته إلاّ بعد فترة من الزمن، كانت فيها هذه رأته مع زوجته الأميركية، ثم قررت ألا تكلمه، وانصرفت إلى حياة العمل، وكونت ثروة كبيرة، وتزوجت من اللبناني الدرزي علي جابر، وكان زواجهما أول زواح مدني هناك، وأنجبت أربعة أبناء، ذكوراً وإناثاً، وماتت في 1973 عن ثمانين عاماً.
وكانت رحلتها إلى أميركا بدأت في العام 1913، وإذا ما تتبع المرء إيقاع الزمن في الرواية، فإنه يلحظ أنه بدأ بطيئاً وبطيئاً جداً، ثم تسارع بشكل لافت وإذا ما قسمنا عدد الصفحات على عدد السنوات التي أنفقتها (مرتا) هناك، لاحظنا ضرباً من الاختلال، إذ أعطى الروائي، وهو سارد روايته غالباً، الفترة المبكرة من حياة (مرتا) في أميركا جلّ الصفحات وأكثرها.
ذكرتني الحياة الصعبة التي عاشتها مرتا حداد في أميركا، في بداية رحيلها هناك، بحثاً عن زوجها الذي لم تلتق به وتتحدث معه مواجهة، وإن رأته، بعد رحلة المعاناة، في المزرعة، مع زوجته الأميركية، فلم تكلمه، وعادت لتشق حياتها في الحياة من جديد، ذكرتني برواية (جوزيف كونراد) «قلب الظلام» التي قرأت ترجمة ابن رام الله لها، صلاح صلاح.
بطل الرواية في «قلب الظلام» هو (كورتيز) الذي يغادر لندن إلى افريقيا بحثاً عن الذهب، وتظل خطيبته تنتظره، وهناك في افريقيا يعيش كالأفارقة، ويمارس شعائرهم وطقوسهم حتى يثقوا به، ويحصل على الذهب، ويعود إلى لندن ثرياً، ولكنه لا يعود، وتظل خطيبته تنتظره، وهي خلافاً لـ (مرتا) في أميركا ربيع جابر لا تغادر مدينتها بحثاً عنه، وإنما تظل تنتظر وتنتظر، حتى يأتيها ساعي البريد، إن لم أكن نسيت، بورقة نعيه. [أذكر أنني كتبت في الشعب عن بطل تلك الرواية، في بداية 80 ق20، مقالاً عنوانه «كورتيز الفلسطيني من أبها إلى مخيم بلاطة» وقد أتيت فيه على مأساة عائلة من مخيم بلاطة جرفها السيل في أبها السعودية، حيث كان رب العائلة معلماً].
(مرتا) الشخصية المحورية في «أميركا» ذكرتني أيضاً بشخصية «أم سعد» في رواية غسان كنفاني «أم سعد»، ففي كلتا الروايتين يبدو الزوج غير مكترث، وتبدو المرأة هي المكافحة والمناضلة.
يجلس أبو سعد على المقهى ويهرب من واقعه، ويكثر من شرب الخمر، فيما تذهب أم سعد إلى بيوت الآخرين تخدم فيها ثم تقص معاناتها على السارد. وفي «أميركا» تكد مرتا وتعاني وتحيا حياة قاسية جداً: الكفاح والعزلة والوحدة والنوم في المتجر، ومن قبل، حمل الشنطة والتجوال في الوهاد والجبال وبين المدن، وتكاد تفقد حياتها ذات مرة.
المرأتان نموذج إيجابي للمرأة العربية التي تشق طريقها في الحياة بعد أن يخذلها الواقع والرجل معاً.
هل أجازف إذا تساءلت: هل كان ربيع جابر، وهو يكتب روايته يسير على خطى (كنديد) لـ (فولتير) و»الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل) (1974) لأميل حبيبي؟
في (كنديد) يذهب البطل كنديد إلى الدورادو، الجنة التي ترابها ذهب، ويعاني معاناة هائلة، وقد تأثر أميل بالرواية الفرنسية حتى أنه عقد في روايته فصلاً عنوانه «الشبه الفريد بين سعيد وكنديد».
ثمة أبطال يعانون، وثمة هجرات ومضايقات، ولكن الأهم مما سبق كله هو البناء الروائي في الروايات: تقسيم الرواية إلى كتب أو أجزاء، وتقسيم الكتاب أو الجزء إلى فصول لكل فصل عنوان، ويتكون كل فصل من ثلاث إلى أربع صفحات.
حقاً إن هناك تشابهاً لافتاً في البناء الروائي، وإن كانت لغة أميل تختلف اختلافاً كلياً عن لغة ربيع جابر، فالأولى تراثية والثانية واقعية، ولعل الموضوع يحتاج إلى مزيد من الحفر!!
أ. د. عادل الأسطة
2015-01-06
ورواية «أميركا» (2009) التي يصدرها كاتبها بعبارته «هذه الرواية من نسج الخيال، وأي شبه بين أحداثها وأشخاصها وأماكنها مع أشخاص حقيقيين وأحداث وأماكن حقيقية هو محض مصادفة ومجرد عن أي قصد» هي الرواية الثالثة التي أقرؤها لربيع جابر، وكنت حصلت على نسخة منها قبل أربع سنوات، ولا أدري لم تأخرت في قراءتها، وقد تذكرتها في نهاية العام 2014 لأنني، كما أشرت في مقالي السابق، قررت أن أدرس صورة أميركا أو رواية أميركا في الأدب العربي المعاصر، وأن أكتب سلسلة مقالات عن هذا الموضوع وتلك الروايات.
عنوان الرواية عنوان لافت، وثمة روايات عربية كثيرة، في القرن الحالي، بدأ اسم أميركا ومشتقاته يكوّن جزءاً منها: أمريكانللي (أمري كان لي) لصنع الله إبراهيم، و»الحفيدة الأمريكية» لإنعام كجه جي، وأحياناً نجد اسم مدينة أميركية أو مرتفعات في أميركا تحتل عنوان رواية أو جزءاً من عنوان رواية «شيكاجو» لعلاء الأسواني، و»مرتفعات بروكلين» لميرال الطحاوي، و»عناق عند جسر بروكلين» لعز الدين فشير، ولم يتوقف سيل احتلال اسم أميركا أو بعض مدنها جزءاً من عنوان الروايات التي أخذت تصدر بعد رواية ربيع جابر: «حليب المارينز» و»فتاة هايدلبرغ الأميركية» و.. و..، وقبل أن يكتب أي روائي عربي رواية عن «أميركا» كان الكاتب التشيكي (فرانز كافكا) كتب روايته المعروفة (أمريكا) (Amerika) (قبل 1927).
واللافت، كما عرفت، أن أياً من (كافكا) وجابر لم يزر القارة التي كتب عنها، وقد كتب كل منهما عن تجارب أقاربهما الذين هاجروا إلى تلك القارة من قارات أخرى.
وعلى الرغم من البون الشاسع بين زمني النشر: (1927) رواية كافكا، و(2009) رواية جابر، إلاّ أن ثمة تقاطعاً جزئياً في الزمن الروائي.
وإذا كان هذا توقف في رواية كافكا مبكراً، لأن الرواية نشرت في 1927، فإنه في رواية جابر امتد حتى العام 1973 تاريخ وفاة مرتا حداد بطلة الرواية، بل إنه امتد في العام 1975، وآمل أن أكون دقيقاً.
ومن التقاطعات بين الروايتين أنهما تأتيان على قسوة الحياة في المجتمع الرأسمالي.
لفت هذا الموضوع أنظار النقاد الماركسيين الذين درسوا في مؤتمر براغ في 1964 أعمال (كافكا) ورأوا أنها تدين العالم الرأسمالي وتعبر عن وحشة الحياة فيه ـ طبعاً هذا لم يرق للنقاد البرجوازيين الذين رأوا في القراءات الماركسية ضرباً من الاغتيال لأعمال كافكا، ونوعاً من إسقاطات أفكار النقاد على النصوص، ووجهة نظرهم أن (كافكا) لم يكن، يوماً، ماركسياً.
وحتى اللحظة لم أقرأ مراجعة غربية لرواية ربيع جابر تذهب هذا المذهب، ولكنني قرأت صفحات من الرواية دفعتني لإبداء ملاحظات إلى جانبها، وذكرتني، في الوقت نفسه، بتأويل النقاد الماركسيين لروايات (كافكا)، بخاصة روايتا «أميركا» و»التحول» ـ المسخ، وهذه قصة طويلة.
ويمكن قراءة الصفحتين 186/187 للتعرف إلى حياة العمال القاسية جداً في أميركا في أثناء السنوات 1913ـ1918.
عموماً، وأنا أقرأ «أميركا» ربيع جابر تساءلت مراراً إن كانت «أميركا» (فرانز كافكا) من قراءات الأول، ولم ألحظ في المراجعات التي أنجزت عن رواية جابر أية إشارة إلى هذا، فمن ربط بين رواياته وروايات أخرى أشار إلى إحدى روايات (إيزابيل الليندي)، كما ذهبت شيرين أبو النجا التي انسحبت من لجنة تحكيم جائزة بوكر للرواية، لأنها رأت في رواية جابر صدى لرواية «صورة عتيقة»، وأشار أيضاً إلى رواية الكاتب الكولومبي الشهير (مائة عام من العزلة)، كما رأى عقبة مشوّح.
وبإيجاز فإن الرواية تأتي على حياة مارتا (مرتا) حداد اللبنانية ابنة قرية بتائر التي تسافر، بالسفينة، مثل بطل كافكا، إلى أميركا، بحثاً عن زوجها خليل حداد الذي سبقها إلى هناك، ولم يعد يسأل عنها، فقد تعرف إلى امرأة أميركية وتزوج منها وعاش حياته، ولم يفكر في أمر زوجته إلاّ بعد فترة من الزمن، كانت فيها هذه رأته مع زوجته الأميركية، ثم قررت ألا تكلمه، وانصرفت إلى حياة العمل، وكونت ثروة كبيرة، وتزوجت من اللبناني الدرزي علي جابر، وكان زواجهما أول زواح مدني هناك، وأنجبت أربعة أبناء، ذكوراً وإناثاً، وماتت في 1973 عن ثمانين عاماً.
وكانت رحلتها إلى أميركا بدأت في العام 1913، وإذا ما تتبع المرء إيقاع الزمن في الرواية، فإنه يلحظ أنه بدأ بطيئاً وبطيئاً جداً، ثم تسارع بشكل لافت وإذا ما قسمنا عدد الصفحات على عدد السنوات التي أنفقتها (مرتا) هناك، لاحظنا ضرباً من الاختلال، إذ أعطى الروائي، وهو سارد روايته غالباً، الفترة المبكرة من حياة (مرتا) في أميركا جلّ الصفحات وأكثرها.
ذكرتني الحياة الصعبة التي عاشتها مرتا حداد في أميركا، في بداية رحيلها هناك، بحثاً عن زوجها الذي لم تلتق به وتتحدث معه مواجهة، وإن رأته، بعد رحلة المعاناة، في المزرعة، مع زوجته الأميركية، فلم تكلمه، وعادت لتشق حياتها في الحياة من جديد، ذكرتني برواية (جوزيف كونراد) «قلب الظلام» التي قرأت ترجمة ابن رام الله لها، صلاح صلاح.
بطل الرواية في «قلب الظلام» هو (كورتيز) الذي يغادر لندن إلى افريقيا بحثاً عن الذهب، وتظل خطيبته تنتظره، وهناك في افريقيا يعيش كالأفارقة، ويمارس شعائرهم وطقوسهم حتى يثقوا به، ويحصل على الذهب، ويعود إلى لندن ثرياً، ولكنه لا يعود، وتظل خطيبته تنتظره، وهي خلافاً لـ (مرتا) في أميركا ربيع جابر لا تغادر مدينتها بحثاً عنه، وإنما تظل تنتظر وتنتظر، حتى يأتيها ساعي البريد، إن لم أكن نسيت، بورقة نعيه. [أذكر أنني كتبت في الشعب عن بطل تلك الرواية، في بداية 80 ق20، مقالاً عنوانه «كورتيز الفلسطيني من أبها إلى مخيم بلاطة» وقد أتيت فيه على مأساة عائلة من مخيم بلاطة جرفها السيل في أبها السعودية، حيث كان رب العائلة معلماً].
(مرتا) الشخصية المحورية في «أميركا» ذكرتني أيضاً بشخصية «أم سعد» في رواية غسان كنفاني «أم سعد»، ففي كلتا الروايتين يبدو الزوج غير مكترث، وتبدو المرأة هي المكافحة والمناضلة.
يجلس أبو سعد على المقهى ويهرب من واقعه، ويكثر من شرب الخمر، فيما تذهب أم سعد إلى بيوت الآخرين تخدم فيها ثم تقص معاناتها على السارد. وفي «أميركا» تكد مرتا وتعاني وتحيا حياة قاسية جداً: الكفاح والعزلة والوحدة والنوم في المتجر، ومن قبل، حمل الشنطة والتجوال في الوهاد والجبال وبين المدن، وتكاد تفقد حياتها ذات مرة.
المرأتان نموذج إيجابي للمرأة العربية التي تشق طريقها في الحياة بعد أن يخذلها الواقع والرجل معاً.
هل أجازف إذا تساءلت: هل كان ربيع جابر، وهو يكتب روايته يسير على خطى (كنديد) لـ (فولتير) و»الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل) (1974) لأميل حبيبي؟
في (كنديد) يذهب البطل كنديد إلى الدورادو، الجنة التي ترابها ذهب، ويعاني معاناة هائلة، وقد تأثر أميل بالرواية الفرنسية حتى أنه عقد في روايته فصلاً عنوانه «الشبه الفريد بين سعيد وكنديد».
ثمة أبطال يعانون، وثمة هجرات ومضايقات، ولكن الأهم مما سبق كله هو البناء الروائي في الروايات: تقسيم الرواية إلى كتب أو أجزاء، وتقسيم الكتاب أو الجزء إلى فصول لكل فصل عنوان، ويتكون كل فصل من ثلاث إلى أربع صفحات.
حقاً إن هناك تشابهاً لافتاً في البناء الروائي، وإن كانت لغة أميل تختلف اختلافاً كلياً عن لغة ربيع جابر، فالأولى تراثية والثانية واقعية، ولعل الموضوع يحتاج إلى مزيد من الحفر!!
أ. د. عادل الأسطة
2015-01-06