مازن حمدونه - حوار التناظر مع الأديب محمود شاهين في رواية النهر المقدس

كما كان للنكبة عام 1948م مشاهدها المفزعة ، كان أيضا للنكسة عام 1967 م مشاهدها القاتمة .. مشاهد تتكرر لطالما وجد المعتدى ضالته واستمرأ في الإجحاف والبغي لينال من شعب ضعيف مزقه الجهل وقلة السلاح والتنظيم وإدارة شئون حياتهم وبقوا رهينة الوصاية العربية ما بين النخوة الوطنية والقومية وآخرين سلكوا طريق الخيانة والمؤامرات والمهاترات والتضليل.

هناك في الضفة الغربية رصد الكاتب محمود شاهين مشهد هزيمة العرب عام 67

وفاجعة تشتت الناس وقت الهزيمة وتبدل أحوالهم من السكون إلى الفوضى والاضطرابات ، إلى هول الموت والدمار الذي يلفهم ويطاردهم في كل زقاق وحارة ..

كانت الضفة الغربية كقطاع غزة تتهاوى تحت نيران وحمم الدبابات ، وقصف طائرات العدو ، كانت الشوارع خاوية من الإنس إلا من شياطين الجن الصهيوني الذين يطلقون نيران رشاشاتهم صوب بيوت وأجساد كل من تقع عليه أعينهم لتنال من كل شي وأي شيء ... المآذن تهدمت والكنائس تهشمت وتصدعت ومازالت الأفاعي تطارد من تبقى من رجال المقاومة ، بعد أن تحطمت جيوش عربية كقطع البسكويت نظرا لتباين العدة والعتاد . كثافة وسيطرة سلاح الطيران في سماء الهزيمة .كانت رائحة الموت تفوح من خلف الجدران المحطمة ، ورائحة البارود المحترق تعج في كل الطرقات والبيوت المشتعلة التي لم تجد من يطفئ لهيبها .كم كان مفجعا مشهد جثث الشهداء في الطرقات وفي ناقلات الجند وفوق البيوت المتناثرة المدمرة بفعل قصف الطائرات .. ترى البيوت ومواقع الجيش التي نسفتها الدبابات كما لو بطن بقرة قد بقرت فخرجت منها الأحشاء جسد الكاتب المشهد في قصته "النهر المقدس "وهنا تبدأ قصة امرأة تريد أن تلتحق بزوجها بعد أن أصبح في عمان.

خاطبت "وردة" حماتها "عايشه العلان" لتستدل منها فيما لو سقطت الضفة الغربية بعد الحرب في أيدي الصهاينة هل ستلحق بزوجها وتسافر له في عمان وطفلها الصغير كان معلقا في رقبتها وتضمه إلى صدرها.. أجابتها حماتها كي تطمئنها وأفصحت لها عن نيتها في ذلك وفي أقرب فرصة كما أكدت الحماة لكنتها أنها لن تغادر بيتها حتى لو بقيت

وحيدة كعنق شجرة مغروسة في أعماق التراب.



أعلن راديو الصهاينة عن سقوط الضفة الغربية كاملة:



... خارت القوى وانهارت ، هوت الأرجل والسيقان تهاوت ، شاحت الوجوه ، والدموع انهالت ، رفع المؤمنون أياديهم للسماء وأصواتهم بالدعاء تلعثمت والمفردات على ألسنهم تاهت...

هاجم سرب من طائرات العدو ساحة المسجد الأقصى وألقت بحممها ونيران أسلحتها الرشاشة على المواطنين المرعوبين العزل فتناثرت الأشلاء وخرج الناس مذعورين فارين صوب الجهة الشرقية مبعثرين والموت يطاردهم في كل لحظة .. غطى الصراخ والعويل والنواح سماء المدينة إلى أن وصل القرى المجاورة .. تزاحم الفارون وركلت أرجل الهاربين المفزوعين أجساد أطفال تعثروا وتاهوا في الطرقات...

منهم من فقد أمواله وآخرين فقدوا أمتعتهم الثقيلة ، وغيرهم هربت دوابهم وحظائر أغنامهم ...في الجانب الأخر من المشهد كان راعي الأغنام "محمد عودة" شقيق وردة .تنبه لصوت الضجيج والصراخ من صوب المدينة غرباً ، فأخذ يطارد قطيع أغنامه من خلال قرقعة صفيحة مصنوعة من التنك .صعد أعلى الجبل وشاهد الناس الفارين من الغرب صوب الشرق كالجراد الزاحف على الحقول يركضون في الأودية والسهول .. صعقه المشهد فأخذ يصرخ في المكان ويخبر الناس من حوله عن الهرب والنزوح .. أعاد الراعي لمسامع الناس من حوله هول وفظاعة جرائم الصهاينة عام (48) ومجازرهم في كفر قاسم ودير ياسين .أعادت عبارات الراعي لأذهان الناس ووجدانهم الرعب والقلق وترقب المصائب .في خضم المعمعة. حضرت "فاطمة" من جيران عايشه العلان تسألها لترسو على قرار تتخلص من ارتباكها هل تنزح ام تبقى في دارها ؟ أجابتها عايشه العلان بكل حكمة القول الفصل في الأمر قائلة : لطالما في النزوح موت ، وفي الحياة هنا موت ، فليكن موت في بلادنا أحسن .كان آلاف البشر يزحفون صوب الشرق بقوى واهنة وخطا متعثرة مثقلة ، تجرجر بالأرض كرأس محراث مكسور .كانت حرارة الشمس بوهيجها في شهر حزيران تكاد تصهر رؤوسهم والعرق يتصبب من الجباة يغطى عيونهم حتى ترى صدورهم كمن اغتسل في حوض ماء ... ترى عجوزا تعثرت خطاه فيسقط خاويا من أعلى التلة على صخرة في الوادي فيلفظ أنفاسه الأخيرة ويشهق نفس وداع الدنيا.

تُرى أم تبحث عن بنتها فقدتها للتو بين الناس وعيونها تجرحت من شدة البكاء ..وطفل فقدته أمه بعدما ركلته كواحل الأرجل الفارة من الموـ.

طائرات العدو تغير مجدداً من فوق رؤوس المهلوعين الفارين ترشقهم بنيران أسلحتها الرشاشة فتتهاوى الجثث وأخرى تنهض مثقلة بالدماء والجراح تنزف.

.



حقول تحترق بعدما دكها الصهاينة بقذائف نيرانهم فتشتعل النيران في الحقول ..

في ركن أخر من مشهد الهزيمة تجد جنديا يستبدل ملابسه بزى مدني بعدما تخلص من بندقيته وآخر استبدلها بقارورة ماء لتشهد عليه أنها أخر ما يملك . كل هذا وجنود الاحتلال يحفون رقصا في باحة مسجد الأقصى.

هناك كان الناس يقطعون النهر صوب الضفة الشرقية متشبثين بحبال.. وكنت تشاهد جثة طفل وقد طفت على سطح الماء ، ورجل امتطى ظهر كبشه يخترق الماء من خلف قطيعه ، ورجل يردف أطفاله من خلفه على ظهر بغل ليجتاز النهر ، وبعض دجاجات تطايرت على وجه الماء تستغيث بعد أن سقطت من وعاء على رأس امرأة تقطع النهر . وقسيس يقف والمشهد أمامه فتسقط الدمعة من عينيه، وعارف ابن الشيخ علي يتبادل الأنخاب مع جنود الاحتلال !!! كان الراعي" محمد عودة" يعزف لحن النزوح على وقع الحال الحزين ..ونساء رفعن الراية البيضاء على أبواب مغارتهن .. وأخرى تأبى وتبقى تتحدى وترفض مشهد الهزيمة .. وعندما دب الصمت والسكون بعد الهزيمة بأيام راجت تجارة تهريب الناس لقاء أجر أخذ، يتصاعد ويرتفع من خمسة دنانير حتى وصل ثلاثين دينار أردني !! كانت عايشه العلان لا تنقطع عن النحيب والنشيد المكسور بالأسى على غياب أحباب الديار ، حضرت إليها أم وردة كنتها وكانت قد باعت عنزة من قطيع ابنها الراعي لتقدم ما تستطيع حتى تتمكن وردة من اللحاق بزوجها في عمان ، شكرتها على عطائها ، وتدبرت أمرها وتوجهن لعراب التهريب عارف العلي ابن عائلة لها سمعتها في البلد بأنهم مشايخ أبا عن جد، فاحتوت الصالح والطالح بهذا الاسم، فمنهم الخسة والنذالة عدد يفوق عدد من تشيخوا بأعداد كثيرة .. ولم يكن لديهم بديلا عنه حتى يقل وردة لزوجها صوب الضفة الشرقية دفعوا له مهر خسته ووضعوا وردة أمانة في عنقه .. قام هذا العراب بعد أن طمأنهم أن وردة كأخته في عينيه. اخذ يقلبها بعينه الوقحة ويتلصصها كالثعلب وكيف سينفرد بها ويشبع شهوته منها متى نأوا بين الجبال.

.

..حملت وردة صرة من الملابس على ظهرها واحتضنت طفلها الصغير إلى صدرها ومضت خلف ثعلب بين الطرقات والجبال والمنخفضات إلى أن تلاشوا عن أنظار المودعين

. شاهد الراعي "محمد عودة" أخته خلف العراب فجرى صوبها وودعها .. إلى أن أصبحوا في منأى عن الجميع لا يشاهدون غير طيور الجبال .. في ظل هذا المحيط والفضاء المعمد بالصمت والسكون قطعوا مسافات طويلة إلى ا ن اعياهم شدة التعب . بدأ عارف العلي يتمهل بخطاه كي يقترب من وردة ليبدأ معها خسته واخذ يقلبها بنظراته ويدور في بنان عقله مشاهد افتراسه لها بين التلال في الوقت الذي كانت وردة تهيم بخيالها صورة زوجها وحرارة لقائهما بعد غياب ..ذاك الفدائي الذي انضم لصفوف الثورة في حركة فتح وكانت قد اخفت سره عن أمه وأمها .. وفي جو مفعم بالتعب والإرهاق رفعت طفلها لأعلى صوب كتفها فاقترب منها الثعلب مدعيا إنسانيته ليساعدها في حمل الطفل عنها فكانت نخوته لتمتد ذراعه ليملس على كتفها ، وهي لم تعر ذلك من انتباه لمقصد الثعلب .. وحتى يضعها في مشهد رعب وخوف اخذ يقص عليها قصة من بنان عقله النجس عن المردة والجن في واد يمرون فيه مدعيا مقتل المئات من جنود الأتراك فيه على أيدي الجنود البريطانيين واخذ يحشو في عقلها مزيد من أكاذيبه ليزيد الرعب في قلبها ..قاطعته وردة حين سألته عن بقية النساء اللواتي سينضممن معها في الطريق .. فوقع عليه صوتها كلحن من الحان الخلود فهام في نعيم صوتها وأجابها بعد قليل سيلتقون في الطريق ، فاخذ يقترب من وردة حتى صدم فخذها بركبته ، فاعتقدت انه لم يكن قصدا او عمدا لربما عفويا من شدة التعب..

.. ولحظات وإذ بطائرة هليو كبتر قادمة على علو منخفض ، فوضع يده على خاصرتها وطواها نحوه بجوار صخرة مرتفعة واخذ يملس حول أردافها ، فانتبهت وردة لأمره وحملت الطفل من يديه ومضت تمشي .. اعتقد العراب أن صمتها كان من باب الموافقة والرضا.. وصلت وردة وعارف العلي قرب بئر مياه والصخور العالية تحيط به ..خاطبها الثعلب لينالوا قسطا من الراحة وثم سيذهب لإحضار بقية النساء فطلبت منه ان يساعدها في انزل صرة الملابس من على ظهرها فوقف خلفها فاستشعرت انه تعمد التحرش بها . وضع الثعلب الحمل جانبا واستلقى على الأرض وجلست وردة على الأرض وغالبها النعاس من شدة التعب فدار في شيطان عقله أن ينتهز الفرصة ، فالمرأة جميلة وهم الآن فرادى لوحدهم في ارض خالية والتعب أرهقها وغير قادرة على مقاومته ولم تر زوجها منذ ستة أشهر .. وهو لا يعلم أن الحرة تموت ولا تأكل بثدييها ، . وإذ بالثعلب يتسحب سابحا صوب وردة ، وامتدت يده لتملس فخذها ، شعرت وردة أن الثعلب يغتال عفتها فاستيقظت مفزوعة فصرخت في وجهه حرة ووجها نفر الدم منه خجلا وغضبا .. ارتعدت فرائضه ، وتهرب وتلعثم ومضى يحضر باقي النساء .حينها أدرك ان وردة ليست كما دار في بنان عقله .. فقرر التراجع عن التحرش بها خشية على سمعة تجارته في تهريب البشر.احضر عارف النساء اللواتي يردن قطع النهر للحاق بأزواجهن وانضممن لوردة لمواصلة الطريق ومر بموقع لحرس حدود العدو فتناول الشاي مع الجنود وتبادل الحديث مع الكابتن شلومو وانصرف أصبح الوقت زمن غروب الشمس وأخذن النساء قسطا من الراحة فاخذ يقلبهن ويحضرهن في بنان عقله عاريات وهن ممتدات على الأرض . كان ككل الذين تحضر شهواتهم ولا يكبحها منطق وأخلاق سوى الضرب بنعال الأشراف .كانت تلك النسوة ينحدرن من أحياء القدس العريقة كحي الطور والعيزرية وأبو ديس .. عندما مالت الشمس للغروب وكحل الظل بطن الوادي ، استنهض عارف النساء وحثهن على المضي قدما لكمال مشوار قطع النهر ، وقفت النساء وأطفالهن على صدورهن وآخرين يجرجرون تلابيب أمهاتهم شعرت إحدى النساء بالرهبة عندما شارفن قرب النهر فراودت الحديث مع إحدى رفيقاتها عن النزوح وضح النهار بدل التسلل في الظلام ودفع المال ، باعتبار ان هذا النزوح يسعد العدو .. فكان دار على مسامعها قصصا مهولة مارسها الجنود بحق النازحين منها القتل والسلب والسحل والاغتصاب للنساء .وصعدوا أعلى قمة الجبل ونزلوا حتى فقدوا أنفاسهم فأشار لهن كي يأخذن قسطا من الراحة بعد مشقة ، وعاد مجددا يحضر شيطان عقله يقلب النساء وكأنهن عاريات بعدما استعاد بذاكرته الحوار الذي دار بينه وبين ضابط موقع حرس الحدود " شلومو " عندما سأله ماذا لديك اليوم ؟ واخبره خمسة نساء ، حيث هنأه بصيده الثمين !!إذ مازالت صورة التي اغتصبوها بشكل جماعي الجنود والضابط شلومو وصديقهم عارف عندما قتلوا أخاها وانفردوا بها ... فهو رفض إعادة الكرة والحدث كان بالأمس القريب ، فتكرار الأمر بتلك السرعة سيسب له ضررا كبيرا لسمعة تجارته في تهريب البشر !! لا شيئا آخر أهم من ذلك ككل الأوغاد الذين همهم في الدنيا المال والجنس والتوحد بالقوة حتى لو كان عدوا لكل المجتمع .وما أن اشتد الشبق بشهوته التي عجزت أن تنال من النساء حتى زجرهن بصوت غاضب خرج من أعماق شهوته الحيوانية .يطالبهن بالنهوض لإكمال مسار الطريق .

خيم عتمة الظلام واخبرهم عندما يختفي ظل القمر بأنهم سيبدءون قطع النهر عبر أشباح أشجار الصفصاف والعليق . هنا شتمت وردة آل العلي ومشيختهم المزعومة أبا عن جد . كان مجموعة من العائدين يختبئون من خلف أشجار الصفصاف ظنوا أنهم وقعوا في كمين مع جنود الاحتلال فاختبئوا يتفحصون الأمر . حتى تبين لهم إنهم ليس من الجنود وهم منا يا جماعة أي فلسطينيين . اهتز جسم عارف مرتعشا ورفع يديه لأعلى .. سأل الرجل عارف من أنتم ؟ اخبره من النازحين ، فرد عليه الرجل الآخر ونحن من العائدين .اخبره العائد أنهم لا يعرفون الطريق حينئذ اخبرهم خبير التهريب عارف انه سيدلهم على الطريق والمسارات لقاء مبلغا من المال .. اخبر النساء نهاية مهمته معهن ليبدأ رحلة العودة مع العائدين ..انثنى عارف مع العائدين ليساومهم على المال لقاء توصيلهم ، حيث شرح لهم تعقيدات الطريق ومخاطرها وكمائن الجيش المنتشرة بين الأحراش وتهويل أرد منه حلب اكبر قدر من المال ، كما أكد لهم عن المفاجآت التي قد تواجههم لو وقعوا في كمين للجيش صانعا تبريرا مسبقا له حين يسلمهم لإحدى كمائن جيش العدو . فمازالت قصة المغدورة التي شارك جنود العدو في اغتصابها حتى لفظت أنفاسها بعد أن أطلق الجيش النار على شقيقها الذي كان بصحبتها مازالت تخيم على بنان عقله .

عبور النهر المقدس

وصلت النساء النهر وكانت مياهه ضحلة تنسل مياهه خفيفة هادئة .. تعجبت المرأة الديسية عن سر صوت الماء الخفيف ؟! أجابتها المرأة الطورية أن المسيح باركها حين تعمد فيها وخاطبها اهدئي يا مباركه فهدأت منذ ذلك الوقت .. أعجبت وردة بقدرة المسيح وقارنت الأمر عندما عرج النبي محمد صلى الله عليه وسلم حين عرج للسماء ولحقت به الصخرة المشرفة وخاطبها النبي أن تهدأ فبقيت معلقة مرتفعة عن الأرض .

حثت المرأة الطورية باقي النساء أن يعبرن النهر بعد أن تضرعن لله أن يحفظهن وينجيهن وكان عرض النهر لا يتجاوز ثلاثة عشرة خطوة ، تشابكت أيديهن كل تلو الأخرى والقلق يخيم على وجوهن .تقدمت وردة أول من قطع النهر وكانت المياه لم تصل لركبتيها بعد أن أسدلت ثوبها على وسطها وتبعتها بقية النساء ، شعرت وردة بالتيار يسحبها ركزت بقدمها في المياه كي لا يسحبها التيار ، تضرعت النساء لله ، فاستغاثت الطورية بيسوع المسيح والديسية بكل الأولياء . في هذه الأثناء كان في ركن آخر من المشهد جلس الأب إيليا خاشعا أمام أيقونة العذراء في كنيسة القيامة .. وجلس الشيخ عبد الحميد خاشعا متأملا في فراشه .. وفي الركن الآخر من المشهد رفع الشيخ فايز العلي كأسه عاليا ورفع الكابتن " شلومو" وكأس المختار فالح العلي وكؤوس كثيرة ... إنها عائلة عريقة في المشيخة !!!

في خضم هذا الصمت الرهيب قطعت وردة ثلث المسافة وارتفع الماء ما فوق ركبتيها ،مدحت قدمها إلى الأمام ببطء شعرت أن قدمها تدور في فراغ واستشعرت التيار يدفعها فاختل توازنها ولم تتمكن من إعادة قدمها فهوت ساقها ، مدت يدها التي تحمل الطفل صوب ليد المرأة العاقر كي لا يقع في قاع النهر ، حاولت التقاط فروع الصفصاف ولم تتمكن بعد أن تقصف في يد وردة تناولت المرأة الطفل منها وتراجعت للوراء ، تعالى صراخ الطفل وتلاه بقية الأطفال يصرخون . وقفت النساء في حالة من الذهول أمام الحدث وتملكهن رعب شديد .حدقت عيونهن شاهقة للسماء من هول المشهد حين سحبت مياه النهر وردة أمامهن وهن عاجزات عن فعل شيء تجاهها ، ومكثن يراقبن الجثة تطفو فوق سطح الماء تارة وأخرى تغمرها المياه حالة من دوران كدوران ساقية الماء .تراجعت النساء إلى الوراء عند الشاطئ مجددا والحزن والأسى يعتصر قلوبهن .كان الأطفال يصرخون ، طوت المرأة العاقر الطفل فارس على صدرها بحنان غامر وكان يستغيث أمـــــــــــــــــــا ..... أمــــا .

في تلك الأثناء دقت اللاجئة المجنونه صدرها بحجرين وهي مارة من أمام كنيسة العذراء ومازالت تنحو بصوت حزين حسرتها على ابنتها التي فقدتها ... نزلت الدموع من عيني الأب إيليا وهو يجلس أمام أيقونة العذراء في كنيسة القيامة ، وأشهدها على ما يحل بأبناء وطنها أيتها العذراء القديسة .إلى متى يا أم يسوع ؟الى متى تحبسين عنا بركاتك ؟

والشيخ عبد الحميد ناجى ربه وقال بخشوع : "ربنا لا تحملنا ما لا طاقة لنا به ، واعف عنا ، واغفر لنا ، وارحمنا ، أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين " . وعادت عايشة العلان تنحو نشيدها المنكسر الحزين وأثار نشيدها لواعج محمد عودة فتناول الناي واخذ يردد اللحن الحزين. سمع

أهل بيوت القرية نحيب عايشه العلان وناي محمد عودة ، فبكى كلا من كان يقظاً في ذلك الحين ..

ترى حين يعاتب العقل الوجدان ....

هل قضت وردة بغدر وخسة من عائلة المشايخ الذين جمعتهم الأنخاب مع شلومو؟ ، أم نتيجة جهل عايشة العلان حين طوعت وجدانها على عقلها عندما سلمت وردة أمانة في عنق الذئب عارف ؟ هل استباح النهر المقدس وردة فاغتصبها بعدما فشل في اغتصابها شلومو وصديقه عارف العلي ؟ او لربما لم تصل النهر قدسية التعميد من يسوع كما كانت تدعي الديسية ؟ قضت وردة شهيدة الغرق ولم تنل سعادة اللقاء بزوجها الذي كان نشطا في صفوف الثورة الفتحاوية ، السر الذي بقى مدفونا في صدرها ولم تعلم به أمه وأمها ، ونالت المرأة العاقر الطفل فارس بعدما غرقت وردة ، وبقيت عائلة ال العلي الذين ورثوا المشيخة أبا عن جد يشربون أنخابهم مع الكابتن شلومو .. واستمرت المعاناة منذ ذلك الحين ..استطاع من بعدها المناضل احمد الشقيري أن يصيغ المعاناة بحنكته السياسية لقضية امة عربية ، وتحول اللاجئون في مخيمات اللجوء إلى مقاتلين في صفوف الثورة صنعها المارد الفتحاوى ياسر عرفات وفجر من رحم المعاناة واللجوء صقوف مقاتلي الثورة وحملوا هوية وانطلقت مسيرة الدم .. بدل أن تبتلعهم الغربة والهجرة كما استباحت مياه النهر المقدس وردة.

2019-09
دنيا الوطن




ا

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...