قبل يوم من إعلان اسم الفائز بجائزة نوبل للآداب قرأت أنها قد تمنح هذا العام للشعر. وأنا أقرأ الأسماء المرشحة لم أقرأ اسم أدونيس، وإنما قرأت اسم الجزائرية آسيا جبار. قلت لعلّ الجائزة ستمنح هذا العام لعربي، غير أنها لم تكن من نصيبنا، وإنما كانت من نصيب أميركا اللاتينية، وتحديداً من نصيب الكاتب البيروفي ماريو بارجاس يوسا. وأنا أشاهد اسمه مع شريط الأخبار تساءلت: هل قرأت له شيئاً من قبل؟ بخاصة أن اسم عائلته كُتب، في إحدى المحطات، يوزا، بالزين لا بالسين. وسأبحث في رفوف مكتبتي عن بعض رواياته، فلعلها موجودة بين ما أملك.
قبل عام أو أقل قليلاً، أو أكثر كثيراًً، قرأت روايته "في مديح زوجة الأب"، وحين قرأت رواية محمد البساطي "جوع"، وكانت مرشحة لجائزة بوكر للرواية العربية، كتبت مقالة أتساءل فيها إن كان البساطي تأثّر بيوسا.
وكانت رواية (يوسا) يوم قرأتها، أثارت لديّ تداعيات عديدة، أولها ما يخص كتاب مالك المصري: نابلسيات، ففيه أتى على أيام طفولته، حين كان يذهب مع أمه إلى الحمام العام في مدينة نابلس ليصطاد العصافير. كان الطفل يذهب مع أمه، وكان والده يطلب منه أن يأخذ معه سلّة ليضع فيها العصافير التي يصطادها، ولم يكن الطفل يومها يفهم مغزى العبارة. وثانيها أن رواية (يوسا) ذكرتني بقصتي القصيرة، وقد نشرتها على صفحات البلاد، وعنوانها: البصاص. كنت في القصة أتيت على ما يقوم به أحد سكان المخيم في ليالي الصيف الحارة، إذ كان يدور في الشوارع ويتبصص على نساء الحارة وأزواجهن وما يقومون به. وثالثها أن رواية (يوسا) جعلتني أقرأ لاعب النرد لمحمود درويش وأتوقف أمام سطره اللافت: ولم أجتهد / كي أجد شامة في أشد مواضع جسمي سرية.
كان الطفل الصغير يحب أمه ولا يريد أن تحتل مكانها امرأة أخرى، ولما تزوج والده استاء من ذلك، فأخد يغازل زوجة أبيه، ولم يكن يذهب إلى النوم إلاّ حين تنام إلى جانبه، وأصرّ ذات يوم على أن تحمّمه، وكانت هي التي تحب زوجها ترضخ للطفل رويداً رويداً، حتى تمكن مع الأيام من مضاجعتها، في فترة غياب أبيه، ولم يكتف بهذا. وذات نهار نطق بما كانت زوجة الأب تقوله أمام أبيه، فاستاء هذا وسأله مَن علّمه هذا الكلام، ولما عرف أنها زوجته طلّقها.
وسيسألني أحد طلابي، يوم أعلنت جائزة نوبل، إن كنت قرأت بعض أعمال (يوسا). لم تكن "في مديح زوجة الأب" هي الرواية الوحيدة التي قرأتها له، فقد كنت قرأت له، من قبل، رواية "مَن قتل بالومينو موليرو"، التي ترجمها صالح علماني وصدرت عن دار المدى. ولقد قررت يومها أن أكتب عنها مقالاً، غير أن الأيام مرّت وانشغلت عن الرواية بموضوعات أخرى.
كانت الرواية هذه ذكرتني بمسرحية توفيق الحكيم: "لكل مجتهد نصيب"، وبروايتي "تداعيات ضمير المخاطب". في مسرحية الحكيم تعلو نبرة السخرية، إذ يكافأ مَن لا يعمل، فيم يظل مَن يعمل على حاله، لأن الأول يملك فيتامين (و)، فيما الثاني لا واسطة لديه. وفي روايتي "تداعيات ضمير المخاطب"، أتيت على قصة حلاق الاسكندر، وكنت قرأت عنها في رواية الكاتب المصري "براء الخطيب"، وعنوانها: إنهم يأتون من الخلف. كان الاسكندر المكدوني يقتل كل حلاق بعدما ينتهي هذا من قص شعر الاسكندر. لماذا؟ لأنه يكتشف السر. سر الاسكندر، فقد كان له قرنان خبّأهما تحت شعره.
في رواية (يوسا) "مَن قتل بالومينو موليرو" يتابع ضابطان البحث عن قاتل، ويكتشفان السر، وبدلاً من أن يكافآ, يعاقبان. وتنتهي الرواية بالفقرة التالية:
"أرأيت أيها الأبله، كنت متشوقاً للكشف عن سر بالومينو موليرو. وها قد كشفته. فماذا جنينا؟ يبعثون بك إلى الجبال، بعيداً عن دفئك وأهلك. وربما بعثوا بي أنا إلى جحر أسوأ. هكذا يكافأ العمل الجيد في الحرس الأهلي هذا الذي انضممنا إليه. ما الذي سيصيبك هناك يا ليتوما. ومَن رأى طير رخمة في الأنديز، إنني أموت حزناً لمجرد التفكير بالبرد الذي ستعانيه. وفلسف الحارس الأمر،
يا لأبناء أعظم العاهرات".
وربما تذكر قارئو رواية عبد الرحمن منيف "أرض السواد"، قصة الضابط بدري الذي لم يشارك في مؤامرة انقلاب أراد رفاقه الضباط أن يقوموا بها. لقد قتلوه لأنه عرف السر.
وأنا أقرأ حيثيات منح الجائزة توقفت أمام عبارة لافتة: "أديب ملتزم في المجتمع يعتبر أن الكاتب لا يفترض به أن يكون مسلياً فحسب".
بعيداً عن السياق
الداعية أحلام مستغانمي واليسار الفلسطيني
قبل أسابيع، نشر الكاتب زياد خداش، في دفاتر "الأيام"، مقالة عنوانها: الداعية أحلام مستغانمي أتى فيها على تحولات الكاتبة التي قد تكتب ذات نهار رواية وعظ لمزيد من أسلمة المجتمع العربي. وقد عقبت عليها يومها في "الأيام" قائلاً: إن الأمر طريف للدارسين، إذ سنتابع تحولاتها.
لم تغب المقالة عن ذهني، إذ كلما رأيت يسارياً فلسطينياً كان صديقاً، أخذت أتتبع أحواله، كما فعل محمد الماغوط في كتابه "سأخون وطني"، في مقالته: يا شارع الضباب. التقى الماغوط بأنصار الاتحاد السوفياتي في حينه، وأنصار الصين، وتروتسكيين. وكل واحد من هؤلاء كان يمجد جماعته ويذم الجماعات الأخرى، متهماً إياها بالتبعية للغرب ولأميركا تحديداً، فالشعار ماركسي أو ماوي أو تروتسكي والرصيد بالدولار. (لم يكن اليورو نشأ وقوي، ولم يكن غدا منافساً قوياً للدولار، الذي بدأ يهبط في أيامنا).
هل من حق أحلام مستغانمي أن تتحول وأن تغدو داعية؟ سأتذكر قصة الطاهر وطار: "اشتراكي حتى الموت"، وقصة نجاتي صدقي: "الشيوعي المليونير". الاشتراكي في قصة وطار يتحول إلى رأسمالي، وهو ما يبدو أيضاً في قصة نجاتي صدقي من عنوانها.
كلما رأيت يسارياً فلسطينياً كان صديقاً، أو كلما سمعت عن تحولاته، قلت: ومالو، لتغدو أحلام مستغانمي داعية، فهي ليست الوحيدة، وليست الأخيرة. أتذكر ثلاثة من أصدقائي الذين عرفت. أحدهم طلق الوظيفة وشرع يدعو إلى ثقافة التسامح، كأنما ينطبق عليه ما ورد في مقالة عبد الناصر النجار في "الأيام" (16/10/2010)، وثانيهما تحول إلى محافظ. تزوج بطريقة تحررية، ثم زوج ابنته على الطريقة الإسلامية. وثالثهما، هكذا سمعت، لم ينقطع، هذا العام، عن تأدية فروض الصلاة في مواعيدها، بل وعن تأدية صلوات التراويح كلها. ولا أعرف رصيد كل واحد منهم، ولا أسأل عن هذا، والسبب أن رصيدي هو من راتبي في الجامعة فقط، وأنني أحياناً أسخر من نفسي وأقول: أنا شيوعي مليونير. أنا اشتراكي حتى الموت، ولكني لم آخذ أي فلس، لا من أميركا ولا من أوروبا، ولا من المملكة العربية السعودية.
كان أصدقائي هؤلاء يتهمونني بأنني برجوازي صغير، متردد، يخاف من الانتماء. أنا بقيت على ما كنت عليه، وهم غدوا اشتراكيين حتى.... الموت. هل نفاجأ بأن تغدو أحلام مستغانمي داعية، هي التي لا أظن أنها كانت ذات يوم يسارية؟
أ. د. عادل الأسطة
2010-10-17
قبل عام أو أقل قليلاً، أو أكثر كثيراًً، قرأت روايته "في مديح زوجة الأب"، وحين قرأت رواية محمد البساطي "جوع"، وكانت مرشحة لجائزة بوكر للرواية العربية، كتبت مقالة أتساءل فيها إن كان البساطي تأثّر بيوسا.
وكانت رواية (يوسا) يوم قرأتها، أثارت لديّ تداعيات عديدة، أولها ما يخص كتاب مالك المصري: نابلسيات، ففيه أتى على أيام طفولته، حين كان يذهب مع أمه إلى الحمام العام في مدينة نابلس ليصطاد العصافير. كان الطفل يذهب مع أمه، وكان والده يطلب منه أن يأخذ معه سلّة ليضع فيها العصافير التي يصطادها، ولم يكن الطفل يومها يفهم مغزى العبارة. وثانيها أن رواية (يوسا) ذكرتني بقصتي القصيرة، وقد نشرتها على صفحات البلاد، وعنوانها: البصاص. كنت في القصة أتيت على ما يقوم به أحد سكان المخيم في ليالي الصيف الحارة، إذ كان يدور في الشوارع ويتبصص على نساء الحارة وأزواجهن وما يقومون به. وثالثها أن رواية (يوسا) جعلتني أقرأ لاعب النرد لمحمود درويش وأتوقف أمام سطره اللافت: ولم أجتهد / كي أجد شامة في أشد مواضع جسمي سرية.
كان الطفل الصغير يحب أمه ولا يريد أن تحتل مكانها امرأة أخرى، ولما تزوج والده استاء من ذلك، فأخد يغازل زوجة أبيه، ولم يكن يذهب إلى النوم إلاّ حين تنام إلى جانبه، وأصرّ ذات يوم على أن تحمّمه، وكانت هي التي تحب زوجها ترضخ للطفل رويداً رويداً، حتى تمكن مع الأيام من مضاجعتها، في فترة غياب أبيه، ولم يكتف بهذا. وذات نهار نطق بما كانت زوجة الأب تقوله أمام أبيه، فاستاء هذا وسأله مَن علّمه هذا الكلام، ولما عرف أنها زوجته طلّقها.
وسيسألني أحد طلابي، يوم أعلنت جائزة نوبل، إن كنت قرأت بعض أعمال (يوسا). لم تكن "في مديح زوجة الأب" هي الرواية الوحيدة التي قرأتها له، فقد كنت قرأت له، من قبل، رواية "مَن قتل بالومينو موليرو"، التي ترجمها صالح علماني وصدرت عن دار المدى. ولقد قررت يومها أن أكتب عنها مقالاً، غير أن الأيام مرّت وانشغلت عن الرواية بموضوعات أخرى.
كانت الرواية هذه ذكرتني بمسرحية توفيق الحكيم: "لكل مجتهد نصيب"، وبروايتي "تداعيات ضمير المخاطب". في مسرحية الحكيم تعلو نبرة السخرية، إذ يكافأ مَن لا يعمل، فيم يظل مَن يعمل على حاله، لأن الأول يملك فيتامين (و)، فيما الثاني لا واسطة لديه. وفي روايتي "تداعيات ضمير المخاطب"، أتيت على قصة حلاق الاسكندر، وكنت قرأت عنها في رواية الكاتب المصري "براء الخطيب"، وعنوانها: إنهم يأتون من الخلف. كان الاسكندر المكدوني يقتل كل حلاق بعدما ينتهي هذا من قص شعر الاسكندر. لماذا؟ لأنه يكتشف السر. سر الاسكندر، فقد كان له قرنان خبّأهما تحت شعره.
في رواية (يوسا) "مَن قتل بالومينو موليرو" يتابع ضابطان البحث عن قاتل، ويكتشفان السر، وبدلاً من أن يكافآ, يعاقبان. وتنتهي الرواية بالفقرة التالية:
"أرأيت أيها الأبله، كنت متشوقاً للكشف عن سر بالومينو موليرو. وها قد كشفته. فماذا جنينا؟ يبعثون بك إلى الجبال، بعيداً عن دفئك وأهلك. وربما بعثوا بي أنا إلى جحر أسوأ. هكذا يكافأ العمل الجيد في الحرس الأهلي هذا الذي انضممنا إليه. ما الذي سيصيبك هناك يا ليتوما. ومَن رأى طير رخمة في الأنديز، إنني أموت حزناً لمجرد التفكير بالبرد الذي ستعانيه. وفلسف الحارس الأمر،
يا لأبناء أعظم العاهرات".
وربما تذكر قارئو رواية عبد الرحمن منيف "أرض السواد"، قصة الضابط بدري الذي لم يشارك في مؤامرة انقلاب أراد رفاقه الضباط أن يقوموا بها. لقد قتلوه لأنه عرف السر.
وأنا أقرأ حيثيات منح الجائزة توقفت أمام عبارة لافتة: "أديب ملتزم في المجتمع يعتبر أن الكاتب لا يفترض به أن يكون مسلياً فحسب".
بعيداً عن السياق
الداعية أحلام مستغانمي واليسار الفلسطيني
قبل أسابيع، نشر الكاتب زياد خداش، في دفاتر "الأيام"، مقالة عنوانها: الداعية أحلام مستغانمي أتى فيها على تحولات الكاتبة التي قد تكتب ذات نهار رواية وعظ لمزيد من أسلمة المجتمع العربي. وقد عقبت عليها يومها في "الأيام" قائلاً: إن الأمر طريف للدارسين، إذ سنتابع تحولاتها.
لم تغب المقالة عن ذهني، إذ كلما رأيت يسارياً فلسطينياً كان صديقاً، أخذت أتتبع أحواله، كما فعل محمد الماغوط في كتابه "سأخون وطني"، في مقالته: يا شارع الضباب. التقى الماغوط بأنصار الاتحاد السوفياتي في حينه، وأنصار الصين، وتروتسكيين. وكل واحد من هؤلاء كان يمجد جماعته ويذم الجماعات الأخرى، متهماً إياها بالتبعية للغرب ولأميركا تحديداً، فالشعار ماركسي أو ماوي أو تروتسكي والرصيد بالدولار. (لم يكن اليورو نشأ وقوي، ولم يكن غدا منافساً قوياً للدولار، الذي بدأ يهبط في أيامنا).
هل من حق أحلام مستغانمي أن تتحول وأن تغدو داعية؟ سأتذكر قصة الطاهر وطار: "اشتراكي حتى الموت"، وقصة نجاتي صدقي: "الشيوعي المليونير". الاشتراكي في قصة وطار يتحول إلى رأسمالي، وهو ما يبدو أيضاً في قصة نجاتي صدقي من عنوانها.
كلما رأيت يسارياً فلسطينياً كان صديقاً، أو كلما سمعت عن تحولاته، قلت: ومالو، لتغدو أحلام مستغانمي داعية، فهي ليست الوحيدة، وليست الأخيرة. أتذكر ثلاثة من أصدقائي الذين عرفت. أحدهم طلق الوظيفة وشرع يدعو إلى ثقافة التسامح، كأنما ينطبق عليه ما ورد في مقالة عبد الناصر النجار في "الأيام" (16/10/2010)، وثانيهما تحول إلى محافظ. تزوج بطريقة تحررية، ثم زوج ابنته على الطريقة الإسلامية. وثالثهما، هكذا سمعت، لم ينقطع، هذا العام، عن تأدية فروض الصلاة في مواعيدها، بل وعن تأدية صلوات التراويح كلها. ولا أعرف رصيد كل واحد منهم، ولا أسأل عن هذا، والسبب أن رصيدي هو من راتبي في الجامعة فقط، وأنني أحياناً أسخر من نفسي وأقول: أنا شيوعي مليونير. أنا اشتراكي حتى الموت، ولكني لم آخذ أي فلس، لا من أميركا ولا من أوروبا، ولا من المملكة العربية السعودية.
كان أصدقائي هؤلاء يتهمونني بأنني برجوازي صغير، متردد، يخاف من الانتماء. أنا بقيت على ما كنت عليه، وهم غدوا اشتراكيين حتى.... الموت. هل نفاجأ بأن تغدو أحلام مستغانمي داعية، هي التي لا أظن أنها كانت ذات يوم يسارية؟
أ. د. عادل الأسطة
2010-10-17
في مديح زوجة الأب - عادل الأسطة -
www.al-ayyam.ps