مقالات في أدب محمود شاهين (10/2)
اليهودي
ـ مصرية؟!
ـ أجل آب من أصل مصري ما الغريب في الأمر؟
ـ ليست من أصل يهودي أو إسرائيلي، بل من أصل مصري، هذا يعني أنها تنتمي إلى مصر وليس إلى إسرائيل!
ـ آب ألم يحضر يوسف أباه يعقوب وأخوته ليعيشوا معه في مصر.. لقد أصبحنا مصريين وشاركنا في بناء أعظم اهرامات في العالم، ثم إن اليهودية دين وليست قومية" ص80.
الجميل في هذا الطرح أنه جاء على لسان يعقوب اليهودي وابنه شمعون، بمعنى أن اليهودي في فلسطين يعي تماما أنه جزء من المجتمع الذي جاء منه، فالمصري يعتبر نفسه مصرياً، والعراقي عراقياً، وهكذا، والأهم في الحوار أنه تطرق إلى أن الدين لا يمكن أن يشكل قومية في يوم من الأيام.
وها هو يعقوب يتحدث عن نفسه عندما جاء إلى فلسطين: "لم يعرف شمعون.. وكأنه يفضل الانتماء إلى مصر أو العراق أكثر مما يفضل الانتماء لإسرائيل! وكان أبي يعاني من الإشكالية نفسها، فحرص على تعليمنا العربية وأوصانا بتعليمها لأبنائنا" ص82، إذن هناك جذور اليهودي التي لا يمكنه التخلي عنها، فالوطن الأم يبقى عالقا في الوجدان، رغم الامتيازات والحياة الرغيدة التي توفرها له دولة الاحتلال، فالمسألة القومية أو الوطنية لا تتشكل إلا عبر تواجد واستمرارية البشر على أرض معينة قد يصل لآلاف السنين، بعدها يمكن أن يشكلوا قومية أو أمة.
"عارف نذير الحق" أيضا يتحدث مع "سارة" العراقية وليس الإسرائيلية: "تبدين عراقية ومن نسل جلجامش أو مردوخ العظيم" ص102، هذه العبارة أراد بها " عارف" أن يؤكد على أصالة العراق والعراقيين، وأيضا التأكيد على أن جلجامش ومردوخ أقدم من يهوه ومن إبراهيم ومن يعقوب وموسى، وهنا العراقة لا تقتصر على الزمن فحسب، بل إلى الآثار الثقافية والحضارية والفكرية التي أنتجها العراقي قديما.
يؤكد "عارف" من خلال حواره مع "يعقوب" العراقي، على أن هناك فرقاً بين اليهودي والصهيوني، فهو يقبل الإنسان اليهودي كما يقبل أي إنسان آخر، فالدين لا يشكل مانعا/حاجزا بين الناس، بل الفكرالعنصري والسلوك الوحشي، الارهابي هو الحائل بين تواصل الناس، يقدم السارد هذا الحوار بين العديقين:
"...سرقوا تراث الشعوب، وأنتم سرقتم الأرض، وتسرقون حتى المطبخ والأزياء والعادات والتقاليد، أي لصوص أنتم يا يعقوب. والمؤسف أننا نسعى للتعايش معكم!
ـ أعذرني يا عارف فليس لنا يد في كل ما جرى، حسب ما أخبرنا أبي، تم نسف كنيس في بغداد من قبل عملاء الحركة الصهيونية، لإرهاب اليهود ودفعهم للهجرة إلى فلسطين، ، وراحت القنابل تنهال على الاحياء اليهودية، قال أبي لم يكن أمامنا غير الهرب، وقد تجمع في مطار بغداد أكثر من خمسين ألف يهودي في يوم واحد، لتنقلهم الطائرات إلى فلسطين.
ـ ... وأعرف أن نوري السعيد قبض ثمنكم من الحركة الصهيونية خمسة ملايين دولار ... لولا اليهود العرب لما قامت لإسرائيل قائمة حينذاك.. يهود اليمن كانوا مشتتين في أودية وبقاع وجبال اليمن الشاهقة، فكان لا بد من تجنيد جيش من راكبي الجمال لجلبهم عنوة وتسفيرهم إلى إسرائيل. لقد قبض ثمنهم أيضا"" ص122 و123، بهذه المكتشفة تنجلي الحقيقة، حقيقة أنه تم زج اليهود ودفعوا مجبرين وعنوة على مغادرة أوطانهم والقدوم إلى فلسطين، فكان هناك تجار بشر مثل نوري السعيد وغيره، وهذا ما يؤكد على أن هناك هجرة قصرية حدثت لليهود العرب، ويجب محاسبة ومحاكمة من كان لهم ضلع بها.
العلاقة الطبيعية والسوية بين "عارف ويعقوب"، جعلت يعقوب يحجم عن ممارسة دور المخبر للمخابرات الإسرائيلية، بمعنى أن يكون صهيونيا، وهذا يؤكد على أنه عاد إلى يهوديته وعراقيته وإنسانيته: "أقسم أنني لن أسجل كلمة مما سيجري بيننا، ولن أكتب أية تقارير فيما بعد" ص313و314، وهنا تكتمل الفكرة، أن الناس يستطيعون التواصل فيما بيهم، ولن يكون الدين حائلا بين تواصلهم، حتى لو استخدمته إحدى الجهات السياسية وشوهت صورته، يبقى الإنسان هو الإنسان، إذا ما استخدم عقله ولم يسلم رأسه لما يقدم من أفكار أو أحداث.
الصهيوني
ولكي لا نكون مجرد متلقين لما يقدم لنا من أحداث وشخصيات وأفكار، يعمل السارد على تقديم صورة الصهيوني، وكيف يفكر ويعمل، لكي نتأكد أن هناك هوة سحيقة بين ما هو سياسي وما هو ديني، في بداية اللقاء بين عارف ويعقوب يقول يعقوب: "ـ ما يهمني هو منح الأرض لنا، ولا يهمني أمر عنصرية الله إن كان عنصريا، كما لا يهمني أمر وجود آلهة أخرى ساعدت على قيام دولتنا... فأمر تفضيلي على البشرية أمر يستحق الإيمان بهذا الإله حتى لو لم يكن له أي وجود!" ص11، فهنا تتضح الفكرة، فكرة الرفاهية التي ينعم بها يعقوب، والمكانة الرفيعة التي يعامل بها كمواطن إسرائيلي، وما دون ذلك لا يهمه، وهنا كان لا بد من وجود أفكار/معتقد/ايدلوجيا تخدم فكرة استقرار وتبرر وجود هذه الدولة: " نشأت على هذه الأرض أرضي منذ القدم، وهذا ما ننشئ أجيالنا عليه، بحيث يتبعوننا دون أن يفكروا في الأمر وتاريخيته ومدى صدقه وحقيقته أو خرافيته!" ص16، الربط بين المصالح الشخصية ـ وحتى إن أخذت شكل الدولة/الشعب ـ وبين الامتيازات المادية والرفاهية هو الذي يجعل اليهودي صهيونيا، بمعنى أنه يحصل على (رشوة) متعددة الأوجه، فيترك إنسانيته ويتحول إلى صهيوني، مع الاحتفاظ بيهوديته، التي أصبحت ـ بعد أن شوهت ـ إحدى الركائز الفكرية التي تعتمدها الصهيونية لتحقيق أهدافها السياسية والاقتصادية في المنطقة العربية: "أنا اسمي. يعقوب سليمان، رغم اعتقادي إلى حد ما بحقيقة ما تقوله يا عارف، إلا أنني لست مستعدا لأن أتخلى عن كذبة أوجدت لي وطنا، حتى لو كانت هذه الكذبة، كذبة فعلا، ولا تحمل أي قدر مهما كان من الحقيقة" ص18، بعد هذا القول، لا يمكن أن نضيف أي كلمة، فقد نطق السارق بالحقيقة وكشف لنا دوافع الجريمة.
تحدثنا "سارة" عن حبيبها الصهيوني وكيف يفكر: "أشكرك يا سيدي لأنك لم تخلقني امرأة أو حمارا أو خنزيرا أو عربيا" ص31، وهذا ما جعلها تنكره لتخلف تفكيره ونظرته البائسة.
أما "راحيل" فنجدها تصدق الكذبة، علما أنها من أوجدها، تقول عن الطعام الذي أعدته: "..مسخن إسرائيلي أصلي ولن أسمح لأي منكم أن يقول لي أنه طبخ فلسطيني" ص83، أكيد مثل هذه السرقات مكشوفة للسارق قبل المسروق، وهذا ما يؤكد على تفاهة وهشاشة الفكرة الصهيونية، التي تعمل على سرقة اسم الطعام.
فكر عارف التسميات/الأسماء
إسرائيل
يعمل عارف على كشف زيف وبطلان الفكرة الصهيونية التي تعتمد على التوراة، لتثبيت حقها في فلسطين، وسبب ودوافع عارف لتفنيد التوراة، ليس دينيا، بل سياسيا، فهو يعري الفكرة السياسية ليس الدينية، لأن السياسية استخدمت الدين/التوراة كغطاء وتبرير للجرائم التي اقترفت بحق الفلسطينيين، يبدأ عارف من "يهوه" إله بني إسرائيل: "... يا رجل هل هناك إنسان عاقل يتخلى عن عبادة مردوخ العظيم ليتبع عبادة يهوه؟ يهوه الذي لم يسلم حتى اليهود من شره، ولا يكاد يمر عام دون أن ينزل بهم المصائب، رغم أنهم شعبه المختار حسبما يقول كتبة التوراة" ص12، بهذا الشكل يكشف عارف حقيقة يهوه، الرب الذي تعتمد الحركة الصهيونية على أقواله وأفعاله، فهو ربها وحاميها ومرشدها ومخلصها.
"بنو إسرائيل حسب توراتكم، هم نسل يعقوب أو أتباعه، وبعد أن تصارع يهوه معه ليلا بطوله، وأطلق عليه اسم إسرائيل، أي عبد الله، وإيل هو كبير آلهة شعوب هذه المنطقة... أن تكون دولتكم دولة بني قينقاع مثلا، بدلا من دولة بني إسرائيل! ثم قل لي بإلهك! إذا كانت البشرية كلها من نسل آدم، وآدم من خلق يهوه، فكيف يتخلى يهوه عن البشرية التي خلقها ويختار بني يعقوب (إسرائيل) دون غيرهم" ص 41و42، اللافت أن عارف يكشف سخافة حتى الاسم، يعقوب الذي صار إسرائيل، وكأنه يقول أن كل الأفكار والأسس ـ وحتى اسم الدولة ـ مشوه أو مسروق أو مبني على خرافات، فيا لها من دولة ويا له من شعب هذا الذي يقبل أن يؤمن بالخرافات.
الساميون
أيضا، حتى التسميات التي جاءت في التوراة، والتي يستخدمها ويطلقها علماء التاريخ يكشف عارف بطلانها وعدم صحتها: "...وهذه التسمية (الساميون) ظهرت في أواخر القرن الثامن عشر، استنادا إلى التوراة، ليتم تداولها فيما بعد دون أن يأخذ بها معظم شعوب الأرض، أخذ بها بعض المستشرقين ممن يجهلون التاريخ أو ممن يهمهم تزوير التاريخ ليعزوه إلى اليهود" ص38، وهذا ما جعل الباحث السوري توفيق سليمان يعد كتاب "اسطورة النظرية السامية"، عارف يكشف أن الكذبة يتبعها ويرددها (علماء) وهذا ما يمررها على بقية العامة، على الناس، فتمسى واقعا وحقيقة، رغم زيفها وبطلانها.
كنعان
"كنعان" أيضا من الكذبات التي مرت دون التوقف عندها ، فأمست "واقعا/حقيقة: "...كانت تنسب إلى الأشوريين، ثم تحولت فيما بعد إلى السوريين، لأن وجود كنعان هذا والكنعانيين المنسوبين إليه لا وجود لهم خارج النص التوراتي، وهو على الأغلب تلفيق تم لاحقا من قبل المستشرقين ليتلاءم مع التوراة... وأصل جذر المفردة (كنع) حسب بعض اللغات القديمة يعود إلى الخنوع (خنع) والقناعة (قنع) والتواضع والانخفاض، ولا يشير إلى قومية أو عرق بشري أو حتى شعب، وحتى اليوم لم يعرف المؤرخون ما هو مؤكد ولا لبس فيه لنسب الكنعانيين، أو بلاد كنعان" ص278 و279.
يعتمد عارف على التاريخ واللغة لتفنيد التسميات التي تعتبر (حقيقة) حتى بالنسبة لمن يعتبرون انفسهم خبراء وعلماء ومتخصصين، وكأن "عارف" يريد أن يقربنا من الحقيقة، من الموضوعية، وأن نتخلى عن (المسلمات/الحقائق) التي نرددها ونؤمن بها، طالما أن هذا الأمر متعلق بنا نحن، من لا نقتنع بالنص التوراتي ككتاب مقدس، فما بالنا بالنسبة لمن يؤمن بالتوراة ككتاب مقدس!.
*****
اليهودي
السارد يكشف حقيقة اليهود، فهم جزء من شعوب المنطقة، ولا يمكن أن يشكلوا أمة أو شعبا، فمن خلال الحوار الدائر بين يعقوب وابنه شمعون يمكننا أن نجد كيف يفكر اليهودي: "ـ أنا بخير آب واتفقنا على الزواج أنا وصديقتي يوئيلا ..المصرية، أضاف مصرية بعد تردد وكأنه مدرك لما يقوله عن جنسية يوئيلا، تساءلت بدهشة:
ـ مصرية؟!
ـ أجل آب من أصل مصري ما الغريب في الأمر؟
ـ ليست من أصل يهودي أو إسرائيلي، بل من أصل مصري، هذا يعني أنها تنتمي إلى مصر وليس إلى إسرائيل!
ـ آب ألم يحضر يوسف أباه يعقوب وأخوته ليعيشوا معه في مصر.. لقد أصبحنا مصريين وشاركنا في بناء أعظم اهرامات في العالم، ثم إن اليهودية دين وليست قومية" ص80.
الجميل في هذا الطرح أنه جاء على لسان يعقوب اليهودي وابنه شمعون، بمعنى أن اليهودي في فلسطين يعي تماما أنه جزء من المجتمع الذي جاء منه، فالمصري يعتبر نفسه مصرياً، والعراقي عراقياً، وهكذا، والأهم في الحوار أنه تطرق إلى أن الدين لا يمكن أن يشكل قومية في يوم من الأيام.
وها هو يعقوب يتحدث عن نفسه عندما جاء إلى فلسطين: "لم يعرف شمعون.. وكأنه يفضل الانتماء إلى مصر أو العراق أكثر مما يفضل الانتماء لإسرائيل! وكان أبي يعاني من الإشكالية نفسها، فحرص على تعليمنا العربية وأوصانا بتعليمها لأبنائنا" ص82، إذن هناك جذور اليهودي التي لا يمكنه التخلي عنها، فالوطن الأم يبقى عالقا في الوجدان، رغم الامتيازات والحياة الرغيدة التي توفرها له دولة الاحتلال، فالمسألة القومية أو الوطنية لا تتشكل إلا عبر تواجد واستمرارية البشر على أرض معينة قد يصل لآلاف السنين، بعدها يمكن أن يشكلوا قومية أو أمة.
"عارف نذير الحق" أيضا يتحدث مع "سارة" العراقية وليس الإسرائيلية: "تبدين عراقية ومن نسل جلجامش أو مردوخ العظيم" ص102، هذه العبارة أراد بها " عارف" أن يؤكد على أصالة العراق والعراقيين، وأيضا التأكيد على أن جلجامش ومردوخ أقدم من يهوه ومن إبراهيم ومن يعقوب وموسى، وهنا العراقة لا تقتصر على الزمن فحسب، بل إلى الآثار الثقافية والحضارية والفكرية التي أنتجها العراقي قديما.
يؤكد "عارف" من خلال حواره مع "يعقوب" العراقي، على أن هناك فرقاً بين اليهودي والصهيوني، فهو يقبل الإنسان اليهودي كما يقبل أي إنسان آخر، فالدين لا يشكل مانعا/حاجزا بين الناس، بل الفكرالعنصري والسلوك الوحشي، الارهابي هو الحائل بين تواصل الناس، يقدم السارد هذا الحوار بين العديقين:
"...سرقوا تراث الشعوب، وأنتم سرقتم الأرض، وتسرقون حتى المطبخ والأزياء والعادات والتقاليد، أي لصوص أنتم يا يعقوب. والمؤسف أننا نسعى للتعايش معكم!
ـ أعذرني يا عارف فليس لنا يد في كل ما جرى، حسب ما أخبرنا أبي، تم نسف كنيس في بغداد من قبل عملاء الحركة الصهيونية، لإرهاب اليهود ودفعهم للهجرة إلى فلسطين، ، وراحت القنابل تنهال على الاحياء اليهودية، قال أبي لم يكن أمامنا غير الهرب، وقد تجمع في مطار بغداد أكثر من خمسين ألف يهودي في يوم واحد، لتنقلهم الطائرات إلى فلسطين.
ـ ... وأعرف أن نوري السعيد قبض ثمنكم من الحركة الصهيونية خمسة ملايين دولار ... لولا اليهود العرب لما قامت لإسرائيل قائمة حينذاك.. يهود اليمن كانوا مشتتين في أودية وبقاع وجبال اليمن الشاهقة، فكان لا بد من تجنيد جيش من راكبي الجمال لجلبهم عنوة وتسفيرهم إلى إسرائيل. لقد قبض ثمنهم أيضا"" ص122 و123، بهذه المكتشفة تنجلي الحقيقة، حقيقة أنه تم زج اليهود ودفعوا مجبرين وعنوة على مغادرة أوطانهم والقدوم إلى فلسطين، فكان هناك تجار بشر مثل نوري السعيد وغيره، وهذا ما يؤكد على أن هناك هجرة قصرية حدثت لليهود العرب، ويجب محاسبة ومحاكمة من كان لهم ضلع بها.
العلاقة الطبيعية والسوية بين "عارف ويعقوب"، جعلت يعقوب يحجم عن ممارسة دور المخبر للمخابرات الإسرائيلية، بمعنى أن يكون صهيونيا، وهذا يؤكد على أنه عاد إلى يهوديته وعراقيته وإنسانيته: "أقسم أنني لن أسجل كلمة مما سيجري بيننا، ولن أكتب أية تقارير فيما بعد" ص313و314، وهنا تكتمل الفكرة، أن الناس يستطيعون التواصل فيما بيهم، ولن يكون الدين حائلا بين تواصلهم، حتى لو استخدمته إحدى الجهات السياسية وشوهت صورته، يبقى الإنسان هو الإنسان، إذا ما استخدم عقله ولم يسلم رأسه لما يقدم من أفكار أو أحداث.
الصهيوني
ولكي لا نكون مجرد متلقين لما يقدم لنا من أحداث وشخصيات وأفكار، يعمل السارد على تقديم صورة الصهيوني، وكيف يفكر ويعمل، لكي نتأكد أن هناك هوة سحيقة بين ما هو سياسي وما هو ديني، في بداية اللقاء بين عارف ويعقوب يقول يعقوب: "ـ ما يهمني هو منح الأرض لنا، ولا يهمني أمر عنصرية الله إن كان عنصريا، كما لا يهمني أمر وجود آلهة أخرى ساعدت على قيام دولتنا... فأمر تفضيلي على البشرية أمر يستحق الإيمان بهذا الإله حتى لو لم يكن له أي وجود!" ص11، فهنا تتضح الفكرة، فكرة الرفاهية التي ينعم بها يعقوب، والمكانة الرفيعة التي يعامل بها كمواطن إسرائيلي، وما دون ذلك لا يهمه، وهنا كان لا بد من وجود أفكار/معتقد/ايدلوجيا تخدم فكرة استقرار وتبرر وجود هذه الدولة: " نشأت على هذه الأرض أرضي منذ القدم، وهذا ما ننشئ أجيالنا عليه، بحيث يتبعوننا دون أن يفكروا في الأمر وتاريخيته ومدى صدقه وحقيقته أو خرافيته!" ص16، الربط بين المصالح الشخصية ـ وحتى إن أخذت شكل الدولة/الشعب ـ وبين الامتيازات المادية والرفاهية هو الذي يجعل اليهودي صهيونيا، بمعنى أنه يحصل على (رشوة) متعددة الأوجه، فيترك إنسانيته ويتحول إلى صهيوني، مع الاحتفاظ بيهوديته، التي أصبحت ـ بعد أن شوهت ـ إحدى الركائز الفكرية التي تعتمدها الصهيونية لتحقيق أهدافها السياسية والاقتصادية في المنطقة العربية: "أنا اسمي. يعقوب سليمان، رغم اعتقادي إلى حد ما بحقيقة ما تقوله يا عارف، إلا أنني لست مستعدا لأن أتخلى عن كذبة أوجدت لي وطنا، حتى لو كانت هذه الكذبة، كذبة فعلا، ولا تحمل أي قدر مهما كان من الحقيقة" ص18، بعد هذا القول، لا يمكن أن نضيف أي كلمة، فقد نطق السارق بالحقيقة وكشف لنا دوافع الجريمة.
تحدثنا "سارة" عن حبيبها الصهيوني وكيف يفكر: "أشكرك يا سيدي لأنك لم تخلقني امرأة أو حمارا أو خنزيرا أو عربيا" ص31، وهذا ما جعلها تنكره لتخلف تفكيره ونظرته البائسة.
أما "راحيل" فنجدها تصدق الكذبة، علما أنها من أوجدها، تقول عن الطعام الذي أعدته: "..مسخن إسرائيلي أصلي ولن أسمح لأي منكم أن يقول لي أنه طبخ فلسطيني" ص83، أكيد مثل هذه السرقات مكشوفة للسارق قبل المسروق، وهذا ما يؤكد على تفاهة وهشاشة الفكرة الصهيونية، التي تعمل على سرقة اسم الطعام.
فكر عارف التسميات/الأسماء
إسرائيل
يعمل عارف على كشف زيف وبطلان الفكرة الصهيونية التي تعتمد على التوراة، لتثبيت حقها في فلسطين، وسبب ودوافع عارف لتفنيد التوراة، ليس دينيا، بل سياسيا، فهو يعري الفكرة السياسية ليس الدينية، لأن السياسية استخدمت الدين/التوراة كغطاء وتبرير للجرائم التي اقترفت بحق الفلسطينيين، يبدأ عارف من "يهوه" إله بني إسرائيل: "... يا رجل هل هناك إنسان عاقل يتخلى عن عبادة مردوخ العظيم ليتبع عبادة يهوه؟ يهوه الذي لم يسلم حتى اليهود من شره، ولا يكاد يمر عام دون أن ينزل بهم المصائب، رغم أنهم شعبه المختار حسبما يقول كتبة التوراة" ص12، بهذا الشكل يكشف عارف حقيقة يهوه، الرب الذي تعتمد الحركة الصهيونية على أقواله وأفعاله، فهو ربها وحاميها ومرشدها ومخلصها.
"بنو إسرائيل حسب توراتكم، هم نسل يعقوب أو أتباعه، وبعد أن تصارع يهوه معه ليلا بطوله، وأطلق عليه اسم إسرائيل، أي عبد الله، وإيل هو كبير آلهة شعوب هذه المنطقة... أن تكون دولتكم دولة بني قينقاع مثلا، بدلا من دولة بني إسرائيل! ثم قل لي بإلهك! إذا كانت البشرية كلها من نسل آدم، وآدم من خلق يهوه، فكيف يتخلى يهوه عن البشرية التي خلقها ويختار بني يعقوب (إسرائيل) دون غيرهم" ص 41و42، اللافت أن عارف يكشف سخافة حتى الاسم، يعقوب الذي صار إسرائيل، وكأنه يقول أن كل الأفكار والأسس ـ وحتى اسم الدولة ـ مشوه أو مسروق أو مبني على خرافات، فيا لها من دولة ويا له من شعب هذا الذي يقبل أن يؤمن بالخرافات.
الساميون
أيضا، حتى التسميات التي جاءت في التوراة، والتي يستخدمها ويطلقها علماء التاريخ يكشف عارف بطلانها وعدم صحتها: "...وهذه التسمية (الساميون) ظهرت في أواخر القرن الثامن عشر، استنادا إلى التوراة، ليتم تداولها فيما بعد دون أن يأخذ بها معظم شعوب الأرض، أخذ بها بعض المستشرقين ممن يجهلون التاريخ أو ممن يهمهم تزوير التاريخ ليعزوه إلى اليهود" ص38، وهذا ما جعل الباحث السوري توفيق سليمان يعد كتاب "اسطورة النظرية السامية"، عارف يكشف أن الكذبة يتبعها ويرددها (علماء) وهذا ما يمررها على بقية العامة، على الناس، فتمسى واقعا وحقيقة، رغم زيفها وبطلانها.
كنعان
"كنعان" أيضا من الكذبات التي مرت دون التوقف عندها ، فأمست "واقعا/حقيقة: "...كانت تنسب إلى الأشوريين، ثم تحولت فيما بعد إلى السوريين، لأن وجود كنعان هذا والكنعانيين المنسوبين إليه لا وجود لهم خارج النص التوراتي، وهو على الأغلب تلفيق تم لاحقا من قبل المستشرقين ليتلاءم مع التوراة... وأصل جذر المفردة (كنع) حسب بعض اللغات القديمة يعود إلى الخنوع (خنع) والقناعة (قنع) والتواضع والانخفاض، ولا يشير إلى قومية أو عرق بشري أو حتى شعب، وحتى اليوم لم يعرف المؤرخون ما هو مؤكد ولا لبس فيه لنسب الكنعانيين، أو بلاد كنعان" ص278 و279.
يعتمد عارف على التاريخ واللغة لتفنيد التسميات التي تعتبر (حقيقة) حتى بالنسبة لمن يعتبرون انفسهم خبراء وعلماء ومتخصصين، وكأن "عارف" يريد أن يقربنا من الحقيقة، من الموضوعية، وأن نتخلى عن (المسلمات/الحقائق) التي نرددها ونؤمن بها، طالما أن هذا الأمر متعلق بنا نحن، من لا نقتنع بالنص التوراتي ككتاب مقدس، فما بالنا بالنسبة لمن يؤمن بالتوراة ككتاب مقدس!.
*****