ذات يوم.. 22 يناير 1978
ذهب الكاتب المفكر والسياسى فتحى رضوان، إلى أمير الشعراء أحمد شوقى، فى «كرمة ابن هانئ» يطلب منه قصيدة تحية لمشروع القرش الذى نادى به أحمد حسين عام 1931، وكان «رضوان» المولود فى 1911 والمتوفى عام 1988، أحد الشباب الذين يقودون الدعوة إليه، واستجاب له شوقى بقصيدة، يقول فى مطلعها «الملك بالمال والرجال/ لم يبن ملك بغير مال/ عصبة القرش قد صنعتوا/ ما لم يقع قبلكم ببالى».
بين طلب «رضوان» هذه القصيدة من «شوقى» ثم حصوله عليها، نمت علاقة بين الاثنين كانت موجودة من قبل، ويكشف «رضوان» عن بعض ذكرياتها فى مقاله «ذكريات عن شوقى» بجريدة الأهرام، 22 يناير، مثل هذا اليوم، 1978، ثم توسع فيها فى مقال بمجلة الهلال «أكتوبر 1982» وكان ضمن فصول كتاب «فتحى رضوان.. نصف قرن بين السياسة والأدب»، عن «دار الهلال» فى الذكرى العاشرة لوفاته.
فى ذكرياته التى يسردها «رضوان» فى مقاله بالأهرام، منها ما حدث فى المرات التى ذهب إليه فى قصره الأنيق «كرمة ابن هانئ»، وكان فى أول مرة متهيبًا لما سمعه من نقاد الشاعر، وعزوفه عن كلام الناس والاتصال بهم، لكنه فوجئ بالعكس.. يؤكد: «ما كدت أدخل عليه فى مكتبه بقصره، وألقى عليه بالمطلب الذى جئت من أجله، حتى أحسست بأن روعى قد هدأ، وخوفى قد تبدد، فالرجل الذى تضطرب عيونه اضطرابًا عصبيًا واضحًا، والذى يمسك بيد مرتعشة بطرف سترته، ويعبث باليد الأخرى بمبسم سيجارة فارغ، والذى يتكلم بصوت خفيض رقيق، لا ينفر ضيقه، ولا يتعالى على محدثه، وقد بدت عليه دهشة عميقة حينما سمع اسم المشروع، وزادت دهشته حينما علم أن الأمر كله فى هذا المشروع مرده إلى طلاب الجامعة، وإن كانت هناك لجنة تشرف عليه على رأسها مدير الجامعة الجراح العظيم الدكتور على باشا إبراهيم، فرأيته أشبه بطفل سمع ما يضحك أو يبهج».
يذكر «رضوان» أنهم أعدوا عددًا خاصًا من مجلة المصور حول المشروع، وكان حافلًا بمقالات رجال المال والاقتصاد، إلى جانب أقلام الأدباء والشعراء.. يتذكر: «ذهبت إليه للمرة الثانية فى كرمة ابن هانئ، وبينما أهم بتجاوز عتبتها حتى رأيت الشاعر العظيم فى الحديقة، فلقينى مرحبًا، وهتف عندما دنوت منه: قرأت المجلة «نطقها بالفرنسية»، وراح يسألنى «قابلت من، من؟»، وكلما تذكرت له اسما علق بهمهمة قصيرة يمكن ترجمتها إلى العامية بلفظ «كده»، وحينا إلى الفصحى بلفظ «طيب»، وودعنى بحرارة بأنه سينظم لنا قصيدة».
يواصل «رضوان» ذكرياته، قائلا إن إحدى زيارته إلى شوقى كانت حول فكرة «مؤتمر الطلبة الشرقيين» الذى تألفت لجنة للإشراف عليه رأسها الدكتور على باشا إبراهيم، وضمت أحمد أمين وعبدالوهاب عزام، والقانونى العظيم عبدالرازق السنهورى، وأصدرت الصحف لهذه الفكرة أعدادًا خاصة بها.. يذكر: «عدت أطلب من أمير الشعراء قصيدة حول الفكرة، وأضفت مطلبًا آخر هو أن يستحث تلميذه الناشئ محمد عبدالوهاب فى أن يشترك فى إحدى الحفلات الغنائية التى اعتزمنا إقامتها ترويجًا لفكرة المؤتمر والتماسًا لبعض المال اللازم لترويجها، ولما حدثته فى شأن الحفلة، راح يهتف فى الحال وبأعلى صوته: يا محمد، وجاء المطرب الشاب آنذاك هادئًا، وقال: أفندم، فأشار إلىّ، وأفضى إليه بمطلبى فى حرارة، وتحدثنا بعد ذلك مليًا، وانصرف عبدالوهاب، فالتفت إلىّ «شوقى»، وقد فاض حنانًا، وعطفًا، وقال: محمد يعرض نفسه لمتاعب جمة.. أنه يغنى فى سرادقات فى الشتاء غير محكمة، فينفذ من خلالها برد قارص وقد نصحته كثيرًا، ولكنه لا يستمع لنصحى».
يذكر رضوان، أن شوقى علم منه ذات يوم أنه قابل الشاعرين حافظ إبراهيم، وخليل مطران على مقهى «الأنجلو» بشارع شريف، وطلب منهما قصيدة للمشروعات التى يدعو إليها، واهتم كثيرًا لمعرفة رد كليهما، يتذكر رضوان: «قلت له: أما حافظ فكان سيئ المزاج، ضيق الصدر، وصرخ فى وجهى: مشروع إيه؟، أما مطران فكان لطيفًا ودودًا واسع الصدر، وأخذ يستحث زميله حافظ على أن يعد القصيدة، ويقول له: يا حافظ بك، إن لليهود فى مصر مشروعًا مشابهًا اسمه «قطرة اللبن» يجمعون من فقرائهم وأغنيائهم على السواء قدرًا من المال ليعينوا به مؤسساتهم الخيرية».. يضيف رضوان: «سرح خاطر شوقى قليلًا، ثم التفت وقال ما أدهشنى حقًا: تعرف - أنا أحسن من حافظ ومن مطران لسبب، حافظ متحدث، يحب أن يستمع إليه الناس، وهو لا يكف عن أطراف سامعيه بالنوادر واللطائف، فيستثير إعجابهم، فإذا عاد إلى بيته آخر اليوم، كان قد بدد جعبته، وأفرغ حيويته، ومطران مشغول بالنقابة الزراعية، وبشؤون المال والإدارة فلا يبقى عنده للشعر إلا القليل.. حافظ ألفاظه جميلة ولكن أفكاره قليلة وخياله محدود، ومطران أفكاره عظيمة ولكن لفظه فقير، الاثنان يعملان شاعرا ممتازا، أنا هذا الشاعر».
ذات يوم سعيد الشحات اليوم السابع
ذهب الكاتب المفكر والسياسى فتحى رضوان، إلى أمير الشعراء أحمد شوقى، فى «كرمة ابن هانئ» يطلب منه قصيدة تحية لمشروع القرش الذى نادى به أحمد حسين عام 1931، وكان «رضوان» المولود فى 1911 والمتوفى عام 1988، أحد الشباب الذين يقودون الدعوة إليه، واستجاب له شوقى بقصيدة، يقول فى مطلعها «الملك بالمال والرجال/ لم يبن ملك بغير مال/ عصبة القرش قد صنعتوا/ ما لم يقع قبلكم ببالى».
بين طلب «رضوان» هذه القصيدة من «شوقى» ثم حصوله عليها، نمت علاقة بين الاثنين كانت موجودة من قبل، ويكشف «رضوان» عن بعض ذكرياتها فى مقاله «ذكريات عن شوقى» بجريدة الأهرام، 22 يناير، مثل هذا اليوم، 1978، ثم توسع فيها فى مقال بمجلة الهلال «أكتوبر 1982» وكان ضمن فصول كتاب «فتحى رضوان.. نصف قرن بين السياسة والأدب»، عن «دار الهلال» فى الذكرى العاشرة لوفاته.
فى ذكرياته التى يسردها «رضوان» فى مقاله بالأهرام، منها ما حدث فى المرات التى ذهب إليه فى قصره الأنيق «كرمة ابن هانئ»، وكان فى أول مرة متهيبًا لما سمعه من نقاد الشاعر، وعزوفه عن كلام الناس والاتصال بهم، لكنه فوجئ بالعكس.. يؤكد: «ما كدت أدخل عليه فى مكتبه بقصره، وألقى عليه بالمطلب الذى جئت من أجله، حتى أحسست بأن روعى قد هدأ، وخوفى قد تبدد، فالرجل الذى تضطرب عيونه اضطرابًا عصبيًا واضحًا، والذى يمسك بيد مرتعشة بطرف سترته، ويعبث باليد الأخرى بمبسم سيجارة فارغ، والذى يتكلم بصوت خفيض رقيق، لا ينفر ضيقه، ولا يتعالى على محدثه، وقد بدت عليه دهشة عميقة حينما سمع اسم المشروع، وزادت دهشته حينما علم أن الأمر كله فى هذا المشروع مرده إلى طلاب الجامعة، وإن كانت هناك لجنة تشرف عليه على رأسها مدير الجامعة الجراح العظيم الدكتور على باشا إبراهيم، فرأيته أشبه بطفل سمع ما يضحك أو يبهج».
يذكر «رضوان» أنهم أعدوا عددًا خاصًا من مجلة المصور حول المشروع، وكان حافلًا بمقالات رجال المال والاقتصاد، إلى جانب أقلام الأدباء والشعراء.. يتذكر: «ذهبت إليه للمرة الثانية فى كرمة ابن هانئ، وبينما أهم بتجاوز عتبتها حتى رأيت الشاعر العظيم فى الحديقة، فلقينى مرحبًا، وهتف عندما دنوت منه: قرأت المجلة «نطقها بالفرنسية»، وراح يسألنى «قابلت من، من؟»، وكلما تذكرت له اسما علق بهمهمة قصيرة يمكن ترجمتها إلى العامية بلفظ «كده»، وحينا إلى الفصحى بلفظ «طيب»، وودعنى بحرارة بأنه سينظم لنا قصيدة».
يواصل «رضوان» ذكرياته، قائلا إن إحدى زيارته إلى شوقى كانت حول فكرة «مؤتمر الطلبة الشرقيين» الذى تألفت لجنة للإشراف عليه رأسها الدكتور على باشا إبراهيم، وضمت أحمد أمين وعبدالوهاب عزام، والقانونى العظيم عبدالرازق السنهورى، وأصدرت الصحف لهذه الفكرة أعدادًا خاصة بها.. يذكر: «عدت أطلب من أمير الشعراء قصيدة حول الفكرة، وأضفت مطلبًا آخر هو أن يستحث تلميذه الناشئ محمد عبدالوهاب فى أن يشترك فى إحدى الحفلات الغنائية التى اعتزمنا إقامتها ترويجًا لفكرة المؤتمر والتماسًا لبعض المال اللازم لترويجها، ولما حدثته فى شأن الحفلة، راح يهتف فى الحال وبأعلى صوته: يا محمد، وجاء المطرب الشاب آنذاك هادئًا، وقال: أفندم، فأشار إلىّ، وأفضى إليه بمطلبى فى حرارة، وتحدثنا بعد ذلك مليًا، وانصرف عبدالوهاب، فالتفت إلىّ «شوقى»، وقد فاض حنانًا، وعطفًا، وقال: محمد يعرض نفسه لمتاعب جمة.. أنه يغنى فى سرادقات فى الشتاء غير محكمة، فينفذ من خلالها برد قارص وقد نصحته كثيرًا، ولكنه لا يستمع لنصحى».
يذكر رضوان، أن شوقى علم منه ذات يوم أنه قابل الشاعرين حافظ إبراهيم، وخليل مطران على مقهى «الأنجلو» بشارع شريف، وطلب منهما قصيدة للمشروعات التى يدعو إليها، واهتم كثيرًا لمعرفة رد كليهما، يتذكر رضوان: «قلت له: أما حافظ فكان سيئ المزاج، ضيق الصدر، وصرخ فى وجهى: مشروع إيه؟، أما مطران فكان لطيفًا ودودًا واسع الصدر، وأخذ يستحث زميله حافظ على أن يعد القصيدة، ويقول له: يا حافظ بك، إن لليهود فى مصر مشروعًا مشابهًا اسمه «قطرة اللبن» يجمعون من فقرائهم وأغنيائهم على السواء قدرًا من المال ليعينوا به مؤسساتهم الخيرية».. يضيف رضوان: «سرح خاطر شوقى قليلًا، ثم التفت وقال ما أدهشنى حقًا: تعرف - أنا أحسن من حافظ ومن مطران لسبب، حافظ متحدث، يحب أن يستمع إليه الناس، وهو لا يكف عن أطراف سامعيه بالنوادر واللطائف، فيستثير إعجابهم، فإذا عاد إلى بيته آخر اليوم، كان قد بدد جعبته، وأفرغ حيويته، ومطران مشغول بالنقابة الزراعية، وبشؤون المال والإدارة فلا يبقى عنده للشعر إلا القليل.. حافظ ألفاظه جميلة ولكن أفكاره قليلة وخياله محدود، ومطران أفكاره عظيمة ولكن لفظه فقير، الاثنان يعملان شاعرا ممتازا، أنا هذا الشاعر».
ذات يوم سعيد الشحات اليوم السابع
ذات يوم
ذات يوم. 10,410 likes · 6,325 talking about this. إبحار في يوميات التاريخ بسهولة السرد، وتكثيف في العرض
www.facebook.com