ثلاث زعماء أخفقوا: المهدي بن بركة جمال عبد الناصر و أحمد بن بلة
(المثقف العربي كمثقف من العالم الثالث في حاجة إلى "الماركسية التاريخانية")
كثير من المفكرين و المنظرين و العلماء و المصلحين جذروا من تفشي المظاهر الفاسدة التي شوهت صورة الإسلام ، فهذا الإنحراف سببه الدعوات إلى التمدن المزيف ، هذا التمدن لم يرفضه الإسلام و إنما المسلمون فهموه خطأ، لأنهم أخذوا القشور و أهملوا اللب و المضمون، و هو التقدم العلمي و التحضر الفكري،كما أن الأمة الإسلامية التي غرقت في سباتها و لم تنهض نهضة حضارية شاملة لم تضع مخططا لمشروع المجتمع المسلم، لأنها انشغلت بحبها للسلطة و صراعاتها من أجل الوصول إلى الحكم، و أهملت الجانب الدعوي الذي يغرس الوعي من اجل التغيير الحقيقي و البناء
الإصلاح له مفاهيم عديدة فهو يعني إصلاح الإعوجاج و الأخطاء و إعادة النظر في المسائل التي تثير اهتمام الأمة برؤية عقلانية بعيدة عن كل اشكال التعصب ، فالحاكم يرى الإصلاح من زاويته و المحكوم كذلك، فالإصلاح بالنسيبة للحكام كما يرى بعض الباحثين هو تحديث الدولة من خلال تحديث أجهزتها ( الجيش ) و الإدارة و تنمية الموارد المالية، و هو بالنسبة للمحكومين تحديث المفهوم السياسي للدولة، أما عند المفكرين و المنظرين وحتى العلماء فهو يعني حضور العدل عند أمة و يرون أن ظهور الفساد في الأمة الإسلامية و ضعفها مرده ابتعادها عن الدين و قبولها للجور و الظلم، يقول الباحث سعيد بنسعيد العلوي أن ما نراه اليوم مما نسميه إسلاما فهو ليس بإسلام، و ما يعاب على المسلمين ليس من الإسلام و إنما هو شيئ آخر سمُّوه إسلاما، و الدليل هو التأخر و الجمود الذي عليه المسلمون اليوم و مستوى الإنحطط الذي بلغوه.
فما الحروب الأهلية التي تعيشها الأمة الإسلامية و ما حل بها من شرور سببه عدم تطبيق الشريعة الإسلامية و العمل بالقوانين الوضعية، إذ كيف تنجح أمة تدين بالإسلام ودستورها ينص على أنها دولة إسلامية و شبابها غارق في المخدرات و أوكار الفساد من زنى و سرقات و النهب لمال الشعب، الغش في التجارة وفي الصفقات، الشهادة بالزور و الصمت عن قول الحق من أجل خدمة مصلحة فردية، فساد في المنظومة السياسية و فساد في المنظومة التربوية و التثقيية، أمّة ينتشر فيها الفقر و الأمراض و الجهل و الأمية، دون الحديث عن الظواهر الأخرى كالتشرد والتسول وانتشار الأطفال الغير شرعيين، ظهور المذاهب الباطلة في الساحة و لا أحد يحرك ساكنا من الغيورين على الدين و البلاد و هو يشاهدون يوميا نساء يبتن في الشورع و يتسولن، و أطفال قُصَّرٌ عرضة للأخطار.
لقد حذر كثير من المفكرين و المنظرين و كذلك العلماء و المصلحين من تفشي المظاهر الفاسدة التي شوهت صورة الإسلام ، فهذا الإنحراف سببه الدعوات إلى التمدن المزيف ، هذا التمدن لم يرفضه الإسلام و إنما المسلمون فهموه خطأ، لأنهم أخذوا القشور و أهملوا اللب و المضمون، و هو التقدم العلمي و التحضر الفكري، كما أن الأمة الإسلامية التي غرقت في سباتها و لم تنهض نهضة حضارية شاملة لم تضع مخططا لمشروع المجتمع المسلم، لأنها انشغلت بحبها للسلطة و صراعاتها من أجل الوصول إلى الحكم، و أهملت الجانب الدعوي الذي يغرس الوعي من اجل التغيير الحقيقي و البناء ، و التغيير لا يعني تغيير الحاكم و استبداله بحاكم آخر، أو وزير بوزير آخر، و...و...والخ ، و إنما بناء الرجال ، رجال يعون الواقع الراهن و مستوياته ( السياسية، الإقتصادي، الإجتماعي، الثقافي و المستوى الإيديولوجي) و لكل واحد من هذه المستويات منهجه الخاص به.
ثلاث زعماء عرب أخفقوا: المهدي بن بركة جمال عبد الناصر و أحمد بن بلة
من خلال قراءة قصيرة لفكر العروي ، فهذا الأخير يرى أن فشل الأمة الإسلامية و تأخرها و انحطاطها سببه الخيبة التي عرفتها الحركات التحريرية الوطنية في الدول العربية، و استدل العروي بثلاث زعماء عرب وهم : ( المهدي بن بركة في المغرب، جمال بن عبد الناصر في مصر، و في الجزائر أحمد بن بلة) ، و قدم الأسباب و شرحها شرحا مفصلا، و يفهم من تحليله أن الأول كان يغلب عليه الخوف و التردد في إظهار مواقفه و إصدار الأحكام و القرارات التي تتعلق بشؤون الرعية، فكان كما يقول العروي يتجنب الموضوع أو يقول: "إن الوقت لم يحن بعد" ، و الثاني يكشف النقص الإيديولوجي و ضعف الأفق في الميثاق الذي كان زبدة تفكير النخبة المثقفة المتعاونة مع النظام المصري، و هنا يلاحظ خيانة النخبة المثقفة للجماهير و تسليم نفسها و رقبتها للسلطة.
و الثالث و هو الرئيس الجزائري أحمد بن بلة يقول العروي أن هذا الأخير لم يهتم أدنى اهتمام و لم يقتنع ابدا بأرضية القرارات التي عرضت عليه و لم يقبل المقترحات إلا على اساس النتائج الوقتية و استمالة الرأي العام في الداخل و الخارج، و يرى العروي ان هذه الإخفاقات علامة على الإخفاق الذي منيت به الحركات الوطنية في العالم العربي، فرغم أنها حققت النجاح بطردها الإستعمار من أرضها لكنها يقول العروي أخفقت في أن تحقق ما يكون المجتمع العربي في حاجة إليه من تحرر في المستويات السالفة الذكر، و يرى العروي أن هذا الإخفاق سببه كذلك العجز الإيديولوجي و نقصه أو الخلط الإيديولوجي، بل ربما هي الخلاعة الإيديولوجية، يضاف إليها تخلف الذهنيات،و غياب الفكر اللاتاريخي و الوعي الساذج.
إن الإخفاق الذي وقع فيه المثقف أيضا هو ظهور مفاهيم عديدة للمثقفين، منها ما أطلقوا عليه اسم المثقف "السلفي" و المثقف الذي يعتبر نفسه خصما للسلفية و ثقافتها، كيف نسمي هذا المثقف؟ لا ندري كلما كان الحديث عن الإيديولوجية و الثقافة الليبرالية تقحم فيها "السلفية" و لا ندري أنه كلما كان الحديث عن نقد المثقف العربي يراد به مثقف العالم الثالث، هذا المثقف الذي هو مطالب بمحاربة الفكر التقليدي كفكر يُجَسِّدُ السّلبية و التواكلية و الإنهزامية، يجسد كل ماهو مرفوض أو غير مرغوب فيه، و هذا يستدعي أن يضع المثقفون العرب التجارب في الميزان و إخضاعها للدراسة و التحليل، كالتجربة الألمانية أو التجربة الفرنسية، و التجربة الفيتنامية أو تجارب دول العالم الثالث الذي ما تزال شعوبه في طريق النمو كما يدعي الغرب، أو حتى التجربة السوفياتية لاسيما و العروي كما تقول الكتابات ارتكزت رؤيته التحليلية على الإيديولوجية الماركسية باعتبارها عقيدة، إذ يقول: إن المثقف العربي كمثقف من العالم الثالث في حاجة إلى "الماركسية التاريخانية" و لهذا يدعوا عبد الله العروي إلى تحديث العقل العربي.
الثورة الإيرانية الإسلامية كانت ثورة ضد الحداثة على النمط الغربي
و إن كان هذا راي العروي فماذي يقول الرأي الآخر المضاد؟ فمنطق الغرب في رأي المفكر و المنظر اللبناني مهدي عامل ( حسن عبد الله حمدان) في نقده الفكر اليومي مختلف عن منطق الشرق و هذا للتناقضات الموجودة بينهما ( حضارة/ بربرية، ديمقراطية/ استبداد، تطور/ جمود، غرب/شرق) و الماركسية تاول تجاوز هذه التناقضات جاعلة من أوروبا قوة توحيدية مثالا للعالم بقفزها على الصراعات الطبقية، فالآخر إما نقيض ( بربري استبدادي) أو متشابه أي نمط رأسمالي مُشَوَّهًا، إنه كما يقول مهدي عامل منطق مغلقا يعبر عن استحالة التحول في زمن متواصل، و هو بهذا المعنى نقيض المنطق افسلامي الإستيعابي المتواصل، منطق الجماعة التي تتوسع تدريجيا، و يقارن مهدي عامل العلاقة بين المجتمع الأصلي و المجتمع المحدث، و ذلك من مبادأ الثنائية ، فالحاضر يكرر الماضي، و الإسلام كما يرى مهدي عامل حين يبقى في قلوب الناس يشكل حالة مقاومة مستمرة، فالمجتمع الأصلي القائم في راهن المجتمعات العربية الإسلامية ظل هو هو المجتمع الأصلي الذي كان فيها قبل الغزو الإستعماري و لم يتغير فحدث الصراع بين الذات و الآخر، بل وقع "الإغتراب".
و يستدل مهدي عامل بثورة إيران الإسلامية التي خابت فيها الليبرالية الرأسمالية و الماركسية الشعبوية فلم تستطع كل منهما ان تُثَبِّتَ قدمها على أرض الإسلام، السؤال الذي طرحه مهدي عامل هو كالتالي: هل يستطيع العقل الإسلامي أن يقدم صيغة إسلامية معاصرة لمعالجة المستويات التي تحدث عنها العروي ( الإجتماعية، اقتصادية، الثقافية و السياسية؟ ..الخ) ما حدث هو تغيير المصطلحات و المفاهيم ( ثورة إسلامية ضد التغريب و الحداثة) أي صدّ الغرب، فالثورة الإيرانية الإسلامية في رأيه كانت ثورة ضد الحداثة على النمط الغربي حتى لا تدمر الجذور الثقافية للشعب الإيراني أو الأمة الفارسية إن صح التعبير، فكانت نهايتها سقوط نظام الشاه الذي اتبع سياسة التحديث وفق النسق الغربي.
و يستخلص مهدي عامل إلى أن الصراع هو صراع بين الذات و الآخر، اي بين الفكر الظلامي و الفكر العدمي بدليل أنه يوجد إسلام سُنِّي و إسلام شيعي، هذا الأخير الذي ظل راسخا يقاوم (العلويين و الشيعة الإمامية في جبل عامل) فكان شكلا من اشكال المقاومة ضد حركة "الترسمل" وهي علاقات الإنتاج التقليدية السابقة على الرأسمالية يبقى الإسلام بوجود هذه الحركة و يزول بزوالها و هكذا تستمر المقاومة لكن يظل الإسلام منغلقا على ذاته ، و لهذا يدعو العروي إلى تحديث العقل العربيأو كما يقول بنسعيد العلوي إعادة النظر في الخطاب العربي المعاصر، اي الممارسات النظرية التي يحيلها الفكر العربيء المعاصر لذاته منذ حملة نابليون بالنسبة إلى مصر و حلول الإستعمار الفرنسي في الجزائر و بداية إعلان الحماية في تونس و إعلان الحماية الفرنسية على المغرب بعد واقعة إيسلي على الحدود الجزائرية المغربية في صيف 1844 و أحداث اخرى ساهمت في بلورة الوعي العربي المعاصر بكييفات تختلف في الشكل و تتفق في الجوهر.
علجية عيش من الجزائر
(المثقف العربي كمثقف من العالم الثالث في حاجة إلى "الماركسية التاريخانية")
كثير من المفكرين و المنظرين و العلماء و المصلحين جذروا من تفشي المظاهر الفاسدة التي شوهت صورة الإسلام ، فهذا الإنحراف سببه الدعوات إلى التمدن المزيف ، هذا التمدن لم يرفضه الإسلام و إنما المسلمون فهموه خطأ، لأنهم أخذوا القشور و أهملوا اللب و المضمون، و هو التقدم العلمي و التحضر الفكري،كما أن الأمة الإسلامية التي غرقت في سباتها و لم تنهض نهضة حضارية شاملة لم تضع مخططا لمشروع المجتمع المسلم، لأنها انشغلت بحبها للسلطة و صراعاتها من أجل الوصول إلى الحكم، و أهملت الجانب الدعوي الذي يغرس الوعي من اجل التغيير الحقيقي و البناء
الإصلاح له مفاهيم عديدة فهو يعني إصلاح الإعوجاج و الأخطاء و إعادة النظر في المسائل التي تثير اهتمام الأمة برؤية عقلانية بعيدة عن كل اشكال التعصب ، فالحاكم يرى الإصلاح من زاويته و المحكوم كذلك، فالإصلاح بالنسيبة للحكام كما يرى بعض الباحثين هو تحديث الدولة من خلال تحديث أجهزتها ( الجيش ) و الإدارة و تنمية الموارد المالية، و هو بالنسبة للمحكومين تحديث المفهوم السياسي للدولة، أما عند المفكرين و المنظرين وحتى العلماء فهو يعني حضور العدل عند أمة و يرون أن ظهور الفساد في الأمة الإسلامية و ضعفها مرده ابتعادها عن الدين و قبولها للجور و الظلم، يقول الباحث سعيد بنسعيد العلوي أن ما نراه اليوم مما نسميه إسلاما فهو ليس بإسلام، و ما يعاب على المسلمين ليس من الإسلام و إنما هو شيئ آخر سمُّوه إسلاما، و الدليل هو التأخر و الجمود الذي عليه المسلمون اليوم و مستوى الإنحطط الذي بلغوه.
فما الحروب الأهلية التي تعيشها الأمة الإسلامية و ما حل بها من شرور سببه عدم تطبيق الشريعة الإسلامية و العمل بالقوانين الوضعية، إذ كيف تنجح أمة تدين بالإسلام ودستورها ينص على أنها دولة إسلامية و شبابها غارق في المخدرات و أوكار الفساد من زنى و سرقات و النهب لمال الشعب، الغش في التجارة وفي الصفقات، الشهادة بالزور و الصمت عن قول الحق من أجل خدمة مصلحة فردية، فساد في المنظومة السياسية و فساد في المنظومة التربوية و التثقيية، أمّة ينتشر فيها الفقر و الأمراض و الجهل و الأمية، دون الحديث عن الظواهر الأخرى كالتشرد والتسول وانتشار الأطفال الغير شرعيين، ظهور المذاهب الباطلة في الساحة و لا أحد يحرك ساكنا من الغيورين على الدين و البلاد و هو يشاهدون يوميا نساء يبتن في الشورع و يتسولن، و أطفال قُصَّرٌ عرضة للأخطار.
لقد حذر كثير من المفكرين و المنظرين و كذلك العلماء و المصلحين من تفشي المظاهر الفاسدة التي شوهت صورة الإسلام ، فهذا الإنحراف سببه الدعوات إلى التمدن المزيف ، هذا التمدن لم يرفضه الإسلام و إنما المسلمون فهموه خطأ، لأنهم أخذوا القشور و أهملوا اللب و المضمون، و هو التقدم العلمي و التحضر الفكري، كما أن الأمة الإسلامية التي غرقت في سباتها و لم تنهض نهضة حضارية شاملة لم تضع مخططا لمشروع المجتمع المسلم، لأنها انشغلت بحبها للسلطة و صراعاتها من أجل الوصول إلى الحكم، و أهملت الجانب الدعوي الذي يغرس الوعي من اجل التغيير الحقيقي و البناء ، و التغيير لا يعني تغيير الحاكم و استبداله بحاكم آخر، أو وزير بوزير آخر، و...و...والخ ، و إنما بناء الرجال ، رجال يعون الواقع الراهن و مستوياته ( السياسية، الإقتصادي، الإجتماعي، الثقافي و المستوى الإيديولوجي) و لكل واحد من هذه المستويات منهجه الخاص به.
ثلاث زعماء عرب أخفقوا: المهدي بن بركة جمال عبد الناصر و أحمد بن بلة
من خلال قراءة قصيرة لفكر العروي ، فهذا الأخير يرى أن فشل الأمة الإسلامية و تأخرها و انحطاطها سببه الخيبة التي عرفتها الحركات التحريرية الوطنية في الدول العربية، و استدل العروي بثلاث زعماء عرب وهم : ( المهدي بن بركة في المغرب، جمال بن عبد الناصر في مصر، و في الجزائر أحمد بن بلة) ، و قدم الأسباب و شرحها شرحا مفصلا، و يفهم من تحليله أن الأول كان يغلب عليه الخوف و التردد في إظهار مواقفه و إصدار الأحكام و القرارات التي تتعلق بشؤون الرعية، فكان كما يقول العروي يتجنب الموضوع أو يقول: "إن الوقت لم يحن بعد" ، و الثاني يكشف النقص الإيديولوجي و ضعف الأفق في الميثاق الذي كان زبدة تفكير النخبة المثقفة المتعاونة مع النظام المصري، و هنا يلاحظ خيانة النخبة المثقفة للجماهير و تسليم نفسها و رقبتها للسلطة.
و الثالث و هو الرئيس الجزائري أحمد بن بلة يقول العروي أن هذا الأخير لم يهتم أدنى اهتمام و لم يقتنع ابدا بأرضية القرارات التي عرضت عليه و لم يقبل المقترحات إلا على اساس النتائج الوقتية و استمالة الرأي العام في الداخل و الخارج، و يرى العروي ان هذه الإخفاقات علامة على الإخفاق الذي منيت به الحركات الوطنية في العالم العربي، فرغم أنها حققت النجاح بطردها الإستعمار من أرضها لكنها يقول العروي أخفقت في أن تحقق ما يكون المجتمع العربي في حاجة إليه من تحرر في المستويات السالفة الذكر، و يرى العروي أن هذا الإخفاق سببه كذلك العجز الإيديولوجي و نقصه أو الخلط الإيديولوجي، بل ربما هي الخلاعة الإيديولوجية، يضاف إليها تخلف الذهنيات،و غياب الفكر اللاتاريخي و الوعي الساذج.
إن الإخفاق الذي وقع فيه المثقف أيضا هو ظهور مفاهيم عديدة للمثقفين، منها ما أطلقوا عليه اسم المثقف "السلفي" و المثقف الذي يعتبر نفسه خصما للسلفية و ثقافتها، كيف نسمي هذا المثقف؟ لا ندري كلما كان الحديث عن الإيديولوجية و الثقافة الليبرالية تقحم فيها "السلفية" و لا ندري أنه كلما كان الحديث عن نقد المثقف العربي يراد به مثقف العالم الثالث، هذا المثقف الذي هو مطالب بمحاربة الفكر التقليدي كفكر يُجَسِّدُ السّلبية و التواكلية و الإنهزامية، يجسد كل ماهو مرفوض أو غير مرغوب فيه، و هذا يستدعي أن يضع المثقفون العرب التجارب في الميزان و إخضاعها للدراسة و التحليل، كالتجربة الألمانية أو التجربة الفرنسية، و التجربة الفيتنامية أو تجارب دول العالم الثالث الذي ما تزال شعوبه في طريق النمو كما يدعي الغرب، أو حتى التجربة السوفياتية لاسيما و العروي كما تقول الكتابات ارتكزت رؤيته التحليلية على الإيديولوجية الماركسية باعتبارها عقيدة، إذ يقول: إن المثقف العربي كمثقف من العالم الثالث في حاجة إلى "الماركسية التاريخانية" و لهذا يدعوا عبد الله العروي إلى تحديث العقل العربي.
الثورة الإيرانية الإسلامية كانت ثورة ضد الحداثة على النمط الغربي
و إن كان هذا راي العروي فماذي يقول الرأي الآخر المضاد؟ فمنطق الغرب في رأي المفكر و المنظر اللبناني مهدي عامل ( حسن عبد الله حمدان) في نقده الفكر اليومي مختلف عن منطق الشرق و هذا للتناقضات الموجودة بينهما ( حضارة/ بربرية، ديمقراطية/ استبداد، تطور/ جمود، غرب/شرق) و الماركسية تاول تجاوز هذه التناقضات جاعلة من أوروبا قوة توحيدية مثالا للعالم بقفزها على الصراعات الطبقية، فالآخر إما نقيض ( بربري استبدادي) أو متشابه أي نمط رأسمالي مُشَوَّهًا، إنه كما يقول مهدي عامل منطق مغلقا يعبر عن استحالة التحول في زمن متواصل، و هو بهذا المعنى نقيض المنطق افسلامي الإستيعابي المتواصل، منطق الجماعة التي تتوسع تدريجيا، و يقارن مهدي عامل العلاقة بين المجتمع الأصلي و المجتمع المحدث، و ذلك من مبادأ الثنائية ، فالحاضر يكرر الماضي، و الإسلام كما يرى مهدي عامل حين يبقى في قلوب الناس يشكل حالة مقاومة مستمرة، فالمجتمع الأصلي القائم في راهن المجتمعات العربية الإسلامية ظل هو هو المجتمع الأصلي الذي كان فيها قبل الغزو الإستعماري و لم يتغير فحدث الصراع بين الذات و الآخر، بل وقع "الإغتراب".
و يستدل مهدي عامل بثورة إيران الإسلامية التي خابت فيها الليبرالية الرأسمالية و الماركسية الشعبوية فلم تستطع كل منهما ان تُثَبِّتَ قدمها على أرض الإسلام، السؤال الذي طرحه مهدي عامل هو كالتالي: هل يستطيع العقل الإسلامي أن يقدم صيغة إسلامية معاصرة لمعالجة المستويات التي تحدث عنها العروي ( الإجتماعية، اقتصادية، الثقافية و السياسية؟ ..الخ) ما حدث هو تغيير المصطلحات و المفاهيم ( ثورة إسلامية ضد التغريب و الحداثة) أي صدّ الغرب، فالثورة الإيرانية الإسلامية في رأيه كانت ثورة ضد الحداثة على النمط الغربي حتى لا تدمر الجذور الثقافية للشعب الإيراني أو الأمة الفارسية إن صح التعبير، فكانت نهايتها سقوط نظام الشاه الذي اتبع سياسة التحديث وفق النسق الغربي.
و يستخلص مهدي عامل إلى أن الصراع هو صراع بين الذات و الآخر، اي بين الفكر الظلامي و الفكر العدمي بدليل أنه يوجد إسلام سُنِّي و إسلام شيعي، هذا الأخير الذي ظل راسخا يقاوم (العلويين و الشيعة الإمامية في جبل عامل) فكان شكلا من اشكال المقاومة ضد حركة "الترسمل" وهي علاقات الإنتاج التقليدية السابقة على الرأسمالية يبقى الإسلام بوجود هذه الحركة و يزول بزوالها و هكذا تستمر المقاومة لكن يظل الإسلام منغلقا على ذاته ، و لهذا يدعو العروي إلى تحديث العقل العربيأو كما يقول بنسعيد العلوي إعادة النظر في الخطاب العربي المعاصر، اي الممارسات النظرية التي يحيلها الفكر العربيء المعاصر لذاته منذ حملة نابليون بالنسبة إلى مصر و حلول الإستعمار الفرنسي في الجزائر و بداية إعلان الحماية في تونس و إعلان الحماية الفرنسية على المغرب بعد واقعة إيسلي على الحدود الجزائرية المغربية في صيف 1844 و أحداث اخرى ساهمت في بلورة الوعي العربي المعاصر بكييفات تختلف في الشكل و تتفق في الجوهر.
علجية عيش من الجزائر