المدينةُ أضْيَقُ منْ أحْرُقي
فهْي شبْرانِ ..
واللفْظ مِيلٌ طويلْ
يتصاعدُ ، والصّدْر يُطْوى
كرَحْمٍ عَقِيمْ
وأنا مُمْسكٌ سَلّةَ الشّينِ
مِنْ مقْبضِ العَيْنِ
والرّاءُ رائي
أعَمْلِقُها عندما تتأنّسُ جِنّيّةُ الشّعراءِ
ولا بيْتَ لي في هواهمْ
لأنّ المدينةَ ديْنٌ عليهمْ
وأحْرُفُهمْ عُلّقتْ للكِراءِ
ومنْ طبْعِ ذاتِيَ أنْ لا أُؤَجّرَ
بيْتًا من الشّعْرِ في العاصمهْ .
يَتُها الفكْرةُ الحاسمَهْ
لا تكوني عَلَيْ
حين تأتِين منّي إلَيْ
واخفضي لي جناحَ التّأبّي
ولا تحْرقي سِرَّ بوْحي
ولا بوْحَ سِرّي !
فقدْ أختفي
حيْث لا أنتفي
ودمي.
يتأرْجًحُ من قِمّة الوزْن حتّى
قُشعْريرة القافِيهَْ
حين تحتلّ طاولتي
حفنةٌ من كلامْ.
لسْتُ أعني التي
تُقْرِئُ الورْدَ لوْنَ الشّفَقْ
إنها رعْشةٌ من وميضِ التّعبْ
تضطربْ
عندما لا أترجمها بالعَرقْ
بيْن إبهام كَفّي وسبّابتي
ترتدي ذاتَها وبها تحْترقْ.
×××
تثقبُ الرّيحُ وجْهي ولا أضطربْ
يثقب الصمتُ روحي ولا أكتئبْ
تثْقب النّار جِلْدي وتُدْخِلني
في اشتعالِ الحطبْ
ثمّ أخرجُ من لُعْبة الفحْم والنّارِ
مُنصَهِرا كالحديدْ
والقديمُ الجديدْ
كلُّ شيءٍ على ما أنا فيهِ
ليْلُ البوادي الثّقيلْ
والنّجوم التي هدّدتْ بالأفولْ
تقتفي بعضَها كفراخِ الدّجاجْ
والجديدُ القديمْ
أنّ بيني وبيْن المدينة دوما رتاجْ
يترصّدني ..
وأنا أكره الانحناءْ .
×××
قِيلَ لي:
أنتَ تحْلُمُ ..
يعني الطّبيعةُ تحلُمُ..
يعني الخليقةُ تحْلمُ..
والخُبْزُ يحلمُ كَيْ
لا يظلَّ الحرامِيَّ يخْتلسُ الجُهْد مِنْ
عرَقِ سائلٍ في نزيفْ
أيّهذا الرّغيفْ
قِفْ هنا !
إنّ رائحة الفُرْنِ لكْ
وامتثِلْ للأيادي التي
أنتَ من طِينِها
قبْلَ أنْ تجْلِدَكْ.
×××
السّؤالُ العويصُ الـذي حـفّ بــي
صار كالكوْن مُكْتَنفًا بالغُمــــوضْ
قال: هلْ يغضِبُ البحْر في موْجةٍ ؟
قُلْتُ : لا يغْضبُ البحْرُ حتّى يفيضْ
فارتمى في دماغي وقدْ مسّنـــي
منه برْقٌ لِشَلِّ الجوابِ المَهِيـــــضْ
وأنـا مُسْتَفًَــــــزٌّ ومُسْتَنْفَـــــرٌ
وحزينٌ كعصفورةٍ لا تـَبِيــــــــضْ
زوْرقُ المسْتضامين لمّا بلــــى
باعَ صنّارتي للشّتـاء المريــــــضْ
ورسا بي على شاطئ جائــــعٍ
له رمْلٌ يؤاخيـه بيْض البعــــوضْ
ليْس لي فيه منْآى ولا عـاصـمٌ
من نقيـضٍ سوى ما يُعيق النّقِيضْ
هذه محنتي وامتحانـي إذا
لـمْ أفُزْ فيهما فمـآلـــي الحضـيضْ
×××
والتي قاسمتني نبيذَ التّوجّس في حالتي
لمْ تكنْ شاعرهْ
فهيَ أمّ لهذا العذابْ
المسافرِ من رئة البحْر حتى
عُروق الترابْ
حاملا قوْس ملْحٍ ومُعْشَوْشَبًا كالأيادي
وأنا ممُسكٌ كُتْلةَ الرّاء من
مِقْبضِ العيْن والسّينُ سيني
أُقطّبهَا مثلَ تجْعيدةٍ في جبيني
ضاربا موْعدا لبلادي
كيْ أقولْ:
المدينةُ أضْيقُ من أحْرُفي
والمدينة غطّتْ جنوب الشّمالْ
واحتفتْ وحدَها بنشيدِ الوطَنْ .
×××
مَنْ يريد التّحدّثَ لي
يرفعُ القلْبَ حتّى أراهْ
ليْس في النّفْس زاويةُ
سمْعُها مُنْصِتٌ لِسواهْ
فهْوَ أوْلى بأنْ
يطْرحَ اللّغْزَ من بابه المُسْتحيلْ
ولْيقُلْ ما يقولْ
إنّ نخْلَ الصّحاري هشيمْ
والسّفائنَ تَرْسم أوْجاعُها
في كتابِ المياهْ
والشّوارعُ تلْعقُ إسفَلْتَها
عندما
تنخُر السّاعةُ الألْفُ تُفّاحَةَ المُتْعَبينْ
وتكَلّمُهمْ
عن مجاعاتِ أرضٍ موائدُها من عظامْ
وحروبٍ تُصَفِّفُ أوزارَها
وسفاهاتِ عصْرٍ سقيمْ .
والذي يشتهي أن يحدّثني
يُخْلِص القوْلَ مفْترضا
أنّ لي قوّةَ الفَهْمِ لا
فَهْمَ ما تقْتضي قُوّةٌ
لاكتِساحِ الرّموزْ
لِيُشاركني هَمَّ هذا الزّمان الذي
لمْ نعِشْ في سواهْ
×××
يا زمَنْ !
كلّ شبْرٍ من الحُبِّ لي
بعْضُهمْ يتملّكُ مدّا من الأرضِ فيهْ
وأنا أصلعَ القدَمَيْنْ
زائغَ الصّدْرِ
مُحْدوْدَبَ الرّأْسِ أجْري
علّني أفتحُ اللغْزَ منْ
بابِه المسْتحيلْ
كيْ تُنقّى مِياهُ القُرى
مِنْ شوائِبها .. والذي قدْ جرى .
محمد عمار شعابنية
-------------------------------
* قصيدتي التي أربكت مظفر النواب
في شهر مارس 1987 استضافت رابطة الكتاب والفنانين الليبيين برئاسة الأستاذ أمين مازن وفدا من اتحاد الكتاب التونسيين يتألف من تسعة عشر مشاركا ومشاركة واحدة هي الكاتبة خيرة الشيباني ، برئاسة الأستاذ محمد العروسي المطوي رحمه الله ، وهم من الشعراء والروائيين والقصاصين والنقاد أذكر من بينهم محسن ابن أبي الضياف وأحمد ممو ورضوان الكوني وسوف عبيد وآدم فتحي والساس خمام .
وأثناء تقديم الأمسية الشعرية التونسية قرأت قصيدة سبارتاكوس وكان الشاعر العراقي مظفر النواب من بين متابعيها جالسا إلى جوار الشاعر آدم فتحي فصفق في ختامها إعجابا بها وقال لآدم فتحي هذه قصيدة مربكة وقويّة . وأثناء تبادل الحوارات بعد انتهاء القراءات تقدمت منه وصافحته فطلب مني نسخة القصيدة التي عبّر لي عن تأثره بها ففعلت ذلك أمام أعضاء الوفد التونسي الشاهدين على ذلك الحدث .
فهْي شبْرانِ ..
واللفْظ مِيلٌ طويلْ
يتصاعدُ ، والصّدْر يُطْوى
كرَحْمٍ عَقِيمْ
وأنا مُمْسكٌ سَلّةَ الشّينِ
مِنْ مقْبضِ العَيْنِ
والرّاءُ رائي
أعَمْلِقُها عندما تتأنّسُ جِنّيّةُ الشّعراءِ
ولا بيْتَ لي في هواهمْ
لأنّ المدينةَ ديْنٌ عليهمْ
وأحْرُفُهمْ عُلّقتْ للكِراءِ
ومنْ طبْعِ ذاتِيَ أنْ لا أُؤَجّرَ
بيْتًا من الشّعْرِ في العاصمهْ .
يَتُها الفكْرةُ الحاسمَهْ
لا تكوني عَلَيْ
حين تأتِين منّي إلَيْ
واخفضي لي جناحَ التّأبّي
ولا تحْرقي سِرَّ بوْحي
ولا بوْحَ سِرّي !
فقدْ أختفي
حيْث لا أنتفي
ودمي.
يتأرْجًحُ من قِمّة الوزْن حتّى
قُشعْريرة القافِيهَْ
حين تحتلّ طاولتي
حفنةٌ من كلامْ.
لسْتُ أعني التي
تُقْرِئُ الورْدَ لوْنَ الشّفَقْ
إنها رعْشةٌ من وميضِ التّعبْ
تضطربْ
عندما لا أترجمها بالعَرقْ
بيْن إبهام كَفّي وسبّابتي
ترتدي ذاتَها وبها تحْترقْ.
×××
تثقبُ الرّيحُ وجْهي ولا أضطربْ
يثقب الصمتُ روحي ولا أكتئبْ
تثْقب النّار جِلْدي وتُدْخِلني
في اشتعالِ الحطبْ
ثمّ أخرجُ من لُعْبة الفحْم والنّارِ
مُنصَهِرا كالحديدْ
والقديمُ الجديدْ
كلُّ شيءٍ على ما أنا فيهِ
ليْلُ البوادي الثّقيلْ
والنّجوم التي هدّدتْ بالأفولْ
تقتفي بعضَها كفراخِ الدّجاجْ
والجديدُ القديمْ
أنّ بيني وبيْن المدينة دوما رتاجْ
يترصّدني ..
وأنا أكره الانحناءْ .
×××
قِيلَ لي:
أنتَ تحْلُمُ ..
يعني الطّبيعةُ تحلُمُ..
يعني الخليقةُ تحْلمُ..
والخُبْزُ يحلمُ كَيْ
لا يظلَّ الحرامِيَّ يخْتلسُ الجُهْد مِنْ
عرَقِ سائلٍ في نزيفْ
أيّهذا الرّغيفْ
قِفْ هنا !
إنّ رائحة الفُرْنِ لكْ
وامتثِلْ للأيادي التي
أنتَ من طِينِها
قبْلَ أنْ تجْلِدَكْ.
×××
السّؤالُ العويصُ الـذي حـفّ بــي
صار كالكوْن مُكْتَنفًا بالغُمــــوضْ
قال: هلْ يغضِبُ البحْر في موْجةٍ ؟
قُلْتُ : لا يغْضبُ البحْرُ حتّى يفيضْ
فارتمى في دماغي وقدْ مسّنـــي
منه برْقٌ لِشَلِّ الجوابِ المَهِيـــــضْ
وأنـا مُسْتَفًَــــــزٌّ ومُسْتَنْفَـــــرٌ
وحزينٌ كعصفورةٍ لا تـَبِيــــــــضْ
زوْرقُ المسْتضامين لمّا بلــــى
باعَ صنّارتي للشّتـاء المريــــــضْ
ورسا بي على شاطئ جائــــعٍ
له رمْلٌ يؤاخيـه بيْض البعــــوضْ
ليْس لي فيه منْآى ولا عـاصـمٌ
من نقيـضٍ سوى ما يُعيق النّقِيضْ
هذه محنتي وامتحانـي إذا
لـمْ أفُزْ فيهما فمـآلـــي الحضـيضْ
×××
والتي قاسمتني نبيذَ التّوجّس في حالتي
لمْ تكنْ شاعرهْ
فهيَ أمّ لهذا العذابْ
المسافرِ من رئة البحْر حتى
عُروق الترابْ
حاملا قوْس ملْحٍ ومُعْشَوْشَبًا كالأيادي
وأنا ممُسكٌ كُتْلةَ الرّاء من
مِقْبضِ العيْن والسّينُ سيني
أُقطّبهَا مثلَ تجْعيدةٍ في جبيني
ضاربا موْعدا لبلادي
كيْ أقولْ:
المدينةُ أضْيقُ من أحْرُفي
والمدينة غطّتْ جنوب الشّمالْ
واحتفتْ وحدَها بنشيدِ الوطَنْ .
×××
مَنْ يريد التّحدّثَ لي
يرفعُ القلْبَ حتّى أراهْ
ليْس في النّفْس زاويةُ
سمْعُها مُنْصِتٌ لِسواهْ
فهْوَ أوْلى بأنْ
يطْرحَ اللّغْزَ من بابه المُسْتحيلْ
ولْيقُلْ ما يقولْ
إنّ نخْلَ الصّحاري هشيمْ
والسّفائنَ تَرْسم أوْجاعُها
في كتابِ المياهْ
والشّوارعُ تلْعقُ إسفَلْتَها
عندما
تنخُر السّاعةُ الألْفُ تُفّاحَةَ المُتْعَبينْ
وتكَلّمُهمْ
عن مجاعاتِ أرضٍ موائدُها من عظامْ
وحروبٍ تُصَفِّفُ أوزارَها
وسفاهاتِ عصْرٍ سقيمْ .
والذي يشتهي أن يحدّثني
يُخْلِص القوْلَ مفْترضا
أنّ لي قوّةَ الفَهْمِ لا
فَهْمَ ما تقْتضي قُوّةٌ
لاكتِساحِ الرّموزْ
لِيُشاركني هَمَّ هذا الزّمان الذي
لمْ نعِشْ في سواهْ
×××
يا زمَنْ !
كلّ شبْرٍ من الحُبِّ لي
بعْضُهمْ يتملّكُ مدّا من الأرضِ فيهْ
وأنا أصلعَ القدَمَيْنْ
زائغَ الصّدْرِ
مُحْدوْدَبَ الرّأْسِ أجْري
علّني أفتحُ اللغْزَ منْ
بابِه المسْتحيلْ
كيْ تُنقّى مِياهُ القُرى
مِنْ شوائِبها .. والذي قدْ جرى .
محمد عمار شعابنية
-------------------------------
* قصيدتي التي أربكت مظفر النواب
في شهر مارس 1987 استضافت رابطة الكتاب والفنانين الليبيين برئاسة الأستاذ أمين مازن وفدا من اتحاد الكتاب التونسيين يتألف من تسعة عشر مشاركا ومشاركة واحدة هي الكاتبة خيرة الشيباني ، برئاسة الأستاذ محمد العروسي المطوي رحمه الله ، وهم من الشعراء والروائيين والقصاصين والنقاد أذكر من بينهم محسن ابن أبي الضياف وأحمد ممو ورضوان الكوني وسوف عبيد وآدم فتحي والساس خمام .
وأثناء تقديم الأمسية الشعرية التونسية قرأت قصيدة سبارتاكوس وكان الشاعر العراقي مظفر النواب من بين متابعيها جالسا إلى جوار الشاعر آدم فتحي فصفق في ختامها إعجابا بها وقال لآدم فتحي هذه قصيدة مربكة وقويّة . وأثناء تبادل الحوارات بعد انتهاء القراءات تقدمت منه وصافحته فطلب مني نسخة القصيدة التي عبّر لي عن تأثره بها ففعلت ذلك أمام أعضاء الوفد التونسي الشاهدين على ذلك الحدث .