د. أيمن دراوشة - من سلسلة حلقات نساء خلدهن التاريخ.. عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل القرشية

من سلسلة حلقات نساء خلدهن التاريخ
عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل القرشية
الشاعرة التي عاشت حياتها بسلسلة من الفواجع الأليمة ، فقضى أزواجها الأربعة قتلًا واحدًا تلو الآخر



ربما كانت الصدف ، وربما إرادة القدر المجهول ، أو طبيعة الحياة ، أو الحظ العاثر ، وربما كان كل ذلك معًا ، هو الذي رسم خيطًا أسود على جباه كل من تقدموا إلى عاتكة بنت زيد ، وارتبطوا بها كزوجة.

إنها طريق الموت المحتم ، وإنه لإحساس مرير عندما يشعر الإنسان ، بأنه قد يصيب كل من يقترب منه بالعذاب والموت، ويزداد هذا الإحساس قوة إذا كان صاحبه رقيقًا رقة عاتكة ، وعذبًا عذوبة أنوثتها ، وشاعرًا مرهف الشعور كالشاعرة عاتكة بن زيد.

لم تكن عاتكة في شبابها تدري ماذا تُخبِّئ لها الأقدار ، ومصير كل من تجرَّأ واقترب منها طالبًا الزواج ، فقد كانت تجربتها الأولى مع عبد الله بن أبي بكر الصديق ، الذي هام بها هيامًا شديدًا ، حتى بلغ من شدة تعلقه بها أنها غدت تنسيه صلاته ، فطلب منه أبوه أبو بكر أن يطلقها ، ففعل مرغمًا عنه وكارهًا له ، وليته نسي محبوبته عاتكة بل ظلت تلازمه كظله ، وظل متعلقًا بها كالسحر الغامض ، يتغلغل في العروق ، ويسيطر على النفس.

رقَّ قلب أبي بكر لابنه حينما شاهده يتعذب بفراق زوجته عاتكة ، فأشفق عليه وطلب منه أن يرجعها ، فقام يجري وراءها ، لكنه جري وراء قدره المحتوم ، وما هي إلا أيام حتى قتل بسهم أصاب قلبه وسقط شهيدًا في إحدى المعارك ، فرثته عاتكة :

فلله عينًا من رأى مثله فتى


أكر وأحمــــــــــــى في الهياج وأصبرا

إذا شرعت فيه الأسنة خاضها


إلى الموت حتى يترك الرمح احمرا

تميزت عاتكة بجمالها الأخَّاذ ، وكمال الخلق ، وبعد في النظر ، وهي بالإضافة إلى ذلك شاعرة معدودة بين شعراء العرب.

بعد وفاة زوجها الأول عبد الله تقدم لها زيد بن الخطاب ، فتزوجها إلا أنَّ حظه العاثر قد أصابه من قدر عاتكة ، فقضى شهيدًا في معركة اليمامة ، ليطل وجه المأساة الأسود ، وينال من عاتكة مرة أخرى ، لتفجع بالقدر وهو يصوِّب سهامه لكل من يقترب منها.

قالت في رثاء زوجها الثاني زيد بن الخطاب :

من لنفس عاداها أحزانها ولعين شفهـــــا طول السهد

جسد لفف في أكفانــــــــــه رحمة الله على ذاك الجسد

كانت عاتكة ما ان تخلع عنها ثياب الحزن ، وترتدي ثياب الفرح ، حتى تجد نفسها من جديد مرتدية لثياب الحزن ، لتكون حياتها سلسلة من الفواجع الأليمة.

من الصعب أن يحكم الإنسان على أقداره ، وأقدار الآخرين ، لكنها سنة الحياة.

بعد وفاة زوجها الثاني ، شرعت عاتكة من جديد في رحلتها الجديدة مع الزبير بن العوام ، وعاشت معه غير طامعة بجاه ولا سلطان ، ومطلبها الوحيد أن تعيش مثل الناس ، تفتح بيتًا وتُنجب اطفالًا ، لكن الأقدار أبت عليها ألا تحظى بما تتمناه ، وما هو إلا زمن قصير حتى قُتل زوجها الزبير في معركة وادي السباع بين مكة والبصرة ، فعادت ملابس السواد تكسوها من جديد.

بعد وفاة زوجها الثالث ، تقدم لها علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، لكنها رفضت خوفًا وإشفاقًا عليه ، فهل أدركت عاتكة هذا القدر المحتوم الذي تجره خلفها وتنقله لكل من تزوجها؟ ربما كان ذلك ، وربما كان الحزن الذي أنهكها ، وجعلها بحاجة إلى فسحة من التأمل ، وهي التي قال عنها عبد الله بن عمر : " من أراد الشهادة فليتزوج عاتكة " وكم عانت عاتكة من هذا القول حين تزوجت الحسين بن علي ، وسارت معه إلى كربلاء وشهدت مقتله بأم عينها. وقد رثت زوجها الرابع الحسين تودعه كما ودعت أزواجها السابقين :

وحسينًا فلا نسيت حسينًا أقصدته أسنــــــــــــــــــة الأعداء

غادروه بكربلاء صريعًــــــا جادت المزن في ذرى كربلاء


وقد خطبت عاتكة بعد الحسين ، لكنها رفضت الزواج نهائيًا ، حتى توفيت.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...