(الجيزة ـ 1982)
داخل شقته فى شارع بن مالك بجوار كوبرى الجامعةـ جامعة القاهرةـ يجلس محمود عوض إلى مكتبه. أمامه أوراق، وأقلام، وأحلام، وآمال يحملها مجموعة من شباب الصحفيين ـ فى ذلك الحين ـ يدخنون السجائر بشراهة، ويحتسون القهوة بغزارة، ويتبادلون الحديث فى حزن ومرارة. أصواتهم ترتفع كثيراً، وأنفاسهم ـ أحياناً ـ تهدأ قليلاً، إذا ما حل الصمت بين الجدران، كلما تحدث إليهم عندليب الصحافة المصرية محمود عوض. الآن هو يعتدل فى مقعده بعدما أمسك بسماعة الهاتف بجواره ليوقف رنينه المستمر، المزعج:
- آلوه.. آلو..
ـ إزيك يا محمود.. أنت مشغول؟
ـ أيوه.. يا أستاذ عبد الوهاب..عندى مجموعة من الزملاء الصحفيين الشباب!
ـ يا حفيظ.. يا حفيظ.. صحفيين.. وشباب كمان! طيب يا حبيبي.. أبقى كلمنى عندما تنتهى من هذا اللقاء.. وربنا يجعل كلامنا خفيف عليك وعليهم.. آه.. آه من فضلك يا روحى... بلغهم تحياتى.
ثم أغلق الخط.
يضحك بعدها محمود عوض وهو يضع السماعة ثم يبادر ضيوفه الذين شربوا حتى الآن الكثير من فناجين القهوة والشاى، وأحرقوا العشرات من السجائر، وأطلقوا مئات الكلمات الغاضبة ضد المهنة وسنينها التى يتم تدميرها بلا هوادة من ضعاف الموهبة، وأصحاب المصالح، والحاقدين، والبصاصين، والجالسين ـ بالواسطة والشللية ـ داخل المؤسسات الصحفية لقتلها وتشييعها إلى مثواها الأخير! بعد دقائق من الصمت قال: "يا شباب.. أنا لم أكن انتخابياً بطبعى.. واليوم أنا فى ذروة صراع تصديت فيه لأحد أبرز جوانب الفساد والانحراف فى سلطة الإدارة ـ (سلطة موسى صبرى وإبراهيم سعدة فى إدارة مؤسسة أخبار اليوم التى كان محمود عوض أحد أبرز كتابها) ـ وقررت خوض الصراع حتى النهاية. وفى هذا الصراع اخترت اللجوء إلى القضاء ثقة فى القانون والعدالة! وفعلت ذلك حتى لا يتكرر ما حدث لزملاء موهوبين آخرين جرى سحق موهبتهم مبكراً.. وبلا أى رحمة ليتحولوا إلى أشلاء"!
***
(الشقة ـ بعد مرور ساعة)
"ومن أجل ذلك يا أستاذ محمود جئنا إليك؛ لإقناعك بالترشح على مقعد عضوية مجلس نقابة الصحفيين لهذه الدورة.. فقط نريد منك التوقيع على استمارة الترشح.. و.. و"سيب الباقى علينا"! ونحن نفعل ذلك لأننا نعتقد أن وجودك فى مجلس النقابة سيعطينا أملاً فى حماية الموهبة من معدومى الموهبة وحماية الحرية من أعداء الحرية وحماية الكلمة من أعداء الكلمة وحماية الإنسانية من أعداء الإنسانية.
ـ "لكن يا شباب..."! وقبل أن يكمل كلامه قالوا: "نحن نعرف أنك لست رجل انتخابات.. ولذلك لا نريد منك سوى الموافقة".
ـ حاضر.. وأنا وافقت!
***
(القاهرة ـ بعد مرور 3 أيام)
على الفور تحرك شباب الصحفيين إلى المؤسسات الصحفية وقاموا بالدعاية الانتخابية له ـ وعلقوا اللافتات، ووزعوا البيانات، وصكوا الهتافات، وبعد فرز الأصوات أُعلن فوزه بعضوية النقابة رغم أنه لم يصدر بياناً ولم يطلق وعداً ولم يخطب فى ندوة ولم يقم بزيارة أى مؤسسة صحفية. وبعد فوزه الغريب والعجيب هذا ـ وغير المسبوق ـ جلس يفكر ويسأل نفسه: "من الآن فصاعداً سوف يسأل زملاء صحفيون: ماذا فعلت بأصواتنا؟ وماذا فعلت لنا؟ وأنا ـ بالطبيعة ـ لا أصلح للواسطة فى أى شىء من نوع الحصول على شقة أو وظيفة أو سيارة أو حتى تليفون لأى زميل وكل تلك الأشياء التى يتوقعها منى البعض. فى النهاية فكرت فى إقامة أول مسابقة سنوية تكافئ المتميزين مهنياً فى الصحافة المصرية(جائزة الصحافة المصرية) على أن تكون مسابقة سنوية، مهنية، حقيقية، مستقلة، ومنزهة عن الهوى والغرض والسياسة. ويكون تمويلها من كبار الصحفيين وبالفعل بدأت بنفسي وتبرعت بألف جنيه!
***
(الأهرام ـ مكتب أحمد بهاء الدين)
ـ أنا طبعاً يا محمود موافق.. واتفضل ألف جنيه مثلك..
ـ لم أجئ إليك لتساهم مالياً.. جئت لأقنعك برئاسة اللجنة العامة للتحكيم وهى التى ستتحمل المسئولية عن النتائج
ـ ولماذا لا تسمح لى أن أفعل الاثنين معاً.. ولتقبل منى الآن التزاماً ألف جنيه.
(قال ذلك أحمد بهاء الدين ثم سافر للكويت فى رحلة عمل عاد بعدها ليجد المبلغ وصل إلى 18 ألف جنيه!)
- "بتتكلم جد يا محمود" هكذا سأله أحمد بهاء الدين ثم استفسر وهو مازال تحت تأثير الدهشة قائلاً: "ومَن الذى شارك وتبرع معنا يا محمود؟".
رد: "إحسان عبد القدوس ألف جنيه وعبد السلام داود ألف جنيه وصلاح حافظ ألف جنيه ومحمود السعدنى ألف جنيه ومحمود المراغى ثلاثمائة جنيه ومصطفى شردى مثله وهيكل 5 الآف جنيه ومصطفى حسين 500 جنيه ليصل مجموع التبرعات التى قدمها ثلاثون من كبار وشباب الصحفيين إلى 18 ألف جنيه"!
ـ بعد لحظات من الصمت قال أحمد بهاء الدين: "هذه أكثر الفلوس حلالاً فى بر مصر! توكل على الله يا محمود وأكمل مشروع - ومشوار- فكرتك".
***
(القاهرة ـ 1985)
فى قاعة كبيرة داخل أحد فنادق العاصمة حضر كبار الكتّاب والصحفيين ورئيس وزراء مصر فى ذلك الحين كمال حسن على والدكتور رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب (النواب حالياً) وعدد كبير من الوزراء ووكالات الأنباء العربية والعالمية ومندوبى الصحف ووزير الإعلام الأردنى محمد الخطيب الذى قال عن الفكرة وقتها: "لقد طلبت من مقرر جوائز الصحافة المصرية محمود عوض حضور تلك الاحتفالية لأننى حسدت الصحافة المصرية على هذا العيد وسوف نسعى لإقامة عيد مماثل للصحافة الاردنية"، وقبل تناول العشاء تم إعلان أسماء الفائزين ليستلم كل منهم الشهادة التقديرية وشيك بقيمة الجائزة موقع من أحمد بهاء الدين ومحمود عوض، حيث كانت الجائزة الأولى 1500 جنيه ثم الثانية والثالثة (لاحظ أن كيلو اللحم فى ذلك الوقت كان بجنيهين فقط) ثم بعد ذلك عزفت فرقة الموسيقى العربية مجموعة من الموشحات الغنائية! واجتهد فى تنظيم هذا الحفل من شباب الصحفيين (نصر القفاص ومجدى مهنا وعاصم القرش وخالد جبر ونوال مصطفى ومحمد حسن البنا)
***
(مكتب رئيس الوزراء ـ صباح اليوم التالى)
يجلس الآن محمود عوض مع رئيس الوزراء كمال حسن على، الذى قال: "أكرر لك شكري يا أستاذ محمود عن نفسي وعن الحكومة على أنكم بدأتم هذا التقليد غير المسبوق فى الصحافة وفى أى مهنة أخرى، لذلك دعنى أقول لك إن الحكومة ـ طالما أنا رئيسها ـ سوف تتبرع للجائزة بـ100 ألف جنيه دعماً للمسابقة، وسوف يكون هذا الإلتزام منى سنوياً وبعدها أنت وشطارتك مع من يخلفنى!
إلى هنا انتهى كلام رئيس الوزراء وانتهى معه اللقاء.
***
(الجيزة ـ بعد مرور ساعة)
إلى بيته عاد محمود عوض وأمسك بسماعة الهاتف يطلب أحمد بهاء الدين.
ـ هه.. وأنت رديت قلت لرئيس الوزراء ايه يا محمود؟
ـ طبعاً شكرته على هذه المبادرة منه وفى الوقت نفسه رفضت عرض الحكومة بصورة قاطعة!
ـ برافو عليك يا محمود.. نحن نريدها جائزة لا تخضع لأية سُلطة لا حكومية، ولا سياسية، ولا نقابية لكى تكون مسابقة حيادية!
ـ بالظبط كده! وهذا يصب فى خدمة المهنة ودورها العظيم فى المجتمع، ودعم المواهب الصحفية الحقيقية.
***
(القاهرة ـ بعد مرور 3 سنوات)
"وكما فى كل مطبخ صراصيره، فإن لكل مهنة نصيبها من الحشائش الضارة" وما أكثر الصراصير والحشائش الضارة فى المطبخ الصحفى. ومع تطور مسار جوائز الصحافة المصرية بعد عامها الثالث (1984 ـ 1985 ـ 1986) سعى المتربصون بها ـ وبمحمود عوض بالطبع الذى كان فى ذلك الوقت ممنوعاً حتى من الكتابة فى صحيفته أخبار اليوم ـ إلى سحب الجائزة من تحت مظلة اللجنة العامة الحيادية التى كان يرأسها أحمد بهاء الدين لتكون تحت رعاية النقابة (فى إشارة لفرض سلطة المؤسسات الصحفية عليها) ومن هنا اعتذر محمود عوض ومعه أحمد بهاء الدين وباقى كبار الصحفيين الذين تبرعوا ـ ووعدوا باستمرار التبرع طالما هناك حيادية ومهنية ومصداقية ـ عن وجودهم فى الجائزة تحت أى مسمى حتى إنهم جميعاً رفضوا حضور إعلان جوائزها فى العام التالى!
***
(القاهرة ـ 2022)
وبعد مرور ما يقرب من 30 سنة على إنشاء أول جائزة للصحافة المصرية فى الوطن العربي بهذه الكفاءة، والنزاهة، والمهنية، والحيادية، لا نجد حتى اليوم - وهذا من المؤلم، والمحزن، والمخزى، - فرع من فروع الجائزة التى تخضع الآن لسلطة النقابة يحمل اسم صاحب فكرتها، ومخطط منهجها، الكاتب الصحفى محمود عوض الذى رحل عن دنيانا فى عام 2009 ليترك لنا...
(سيرة تبقى.. ومسيرة تستمر)!
خيرى حسن
** الأحداث حقيقة.. والسيناريو من خيال الكاتب.
** الصور:
الكاتب الراحل أحمد بهاء الدين
الكاتب الراحل محمود عوض
** المصادر:
مقالات الأستاذ محمود عوض عن الجائزة (7مقالات).
** أحاديث شخصية للكاتب مع الراحل محمود عوض.
** المقال نُشر اليوم الخميس 27 يناير 2022.. فى بوابة (دار الهلال)
داخل شقته فى شارع بن مالك بجوار كوبرى الجامعةـ جامعة القاهرةـ يجلس محمود عوض إلى مكتبه. أمامه أوراق، وأقلام، وأحلام، وآمال يحملها مجموعة من شباب الصحفيين ـ فى ذلك الحين ـ يدخنون السجائر بشراهة، ويحتسون القهوة بغزارة، ويتبادلون الحديث فى حزن ومرارة. أصواتهم ترتفع كثيراً، وأنفاسهم ـ أحياناً ـ تهدأ قليلاً، إذا ما حل الصمت بين الجدران، كلما تحدث إليهم عندليب الصحافة المصرية محمود عوض. الآن هو يعتدل فى مقعده بعدما أمسك بسماعة الهاتف بجواره ليوقف رنينه المستمر، المزعج:
- آلوه.. آلو..
ـ إزيك يا محمود.. أنت مشغول؟
ـ أيوه.. يا أستاذ عبد الوهاب..عندى مجموعة من الزملاء الصحفيين الشباب!
ـ يا حفيظ.. يا حفيظ.. صحفيين.. وشباب كمان! طيب يا حبيبي.. أبقى كلمنى عندما تنتهى من هذا اللقاء.. وربنا يجعل كلامنا خفيف عليك وعليهم.. آه.. آه من فضلك يا روحى... بلغهم تحياتى.
ثم أغلق الخط.
يضحك بعدها محمود عوض وهو يضع السماعة ثم يبادر ضيوفه الذين شربوا حتى الآن الكثير من فناجين القهوة والشاى، وأحرقوا العشرات من السجائر، وأطلقوا مئات الكلمات الغاضبة ضد المهنة وسنينها التى يتم تدميرها بلا هوادة من ضعاف الموهبة، وأصحاب المصالح، والحاقدين، والبصاصين، والجالسين ـ بالواسطة والشللية ـ داخل المؤسسات الصحفية لقتلها وتشييعها إلى مثواها الأخير! بعد دقائق من الصمت قال: "يا شباب.. أنا لم أكن انتخابياً بطبعى.. واليوم أنا فى ذروة صراع تصديت فيه لأحد أبرز جوانب الفساد والانحراف فى سلطة الإدارة ـ (سلطة موسى صبرى وإبراهيم سعدة فى إدارة مؤسسة أخبار اليوم التى كان محمود عوض أحد أبرز كتابها) ـ وقررت خوض الصراع حتى النهاية. وفى هذا الصراع اخترت اللجوء إلى القضاء ثقة فى القانون والعدالة! وفعلت ذلك حتى لا يتكرر ما حدث لزملاء موهوبين آخرين جرى سحق موهبتهم مبكراً.. وبلا أى رحمة ليتحولوا إلى أشلاء"!
***
(الشقة ـ بعد مرور ساعة)
"ومن أجل ذلك يا أستاذ محمود جئنا إليك؛ لإقناعك بالترشح على مقعد عضوية مجلس نقابة الصحفيين لهذه الدورة.. فقط نريد منك التوقيع على استمارة الترشح.. و.. و"سيب الباقى علينا"! ونحن نفعل ذلك لأننا نعتقد أن وجودك فى مجلس النقابة سيعطينا أملاً فى حماية الموهبة من معدومى الموهبة وحماية الحرية من أعداء الحرية وحماية الكلمة من أعداء الكلمة وحماية الإنسانية من أعداء الإنسانية.
ـ "لكن يا شباب..."! وقبل أن يكمل كلامه قالوا: "نحن نعرف أنك لست رجل انتخابات.. ولذلك لا نريد منك سوى الموافقة".
ـ حاضر.. وأنا وافقت!
***
(القاهرة ـ بعد مرور 3 أيام)
على الفور تحرك شباب الصحفيين إلى المؤسسات الصحفية وقاموا بالدعاية الانتخابية له ـ وعلقوا اللافتات، ووزعوا البيانات، وصكوا الهتافات، وبعد فرز الأصوات أُعلن فوزه بعضوية النقابة رغم أنه لم يصدر بياناً ولم يطلق وعداً ولم يخطب فى ندوة ولم يقم بزيارة أى مؤسسة صحفية. وبعد فوزه الغريب والعجيب هذا ـ وغير المسبوق ـ جلس يفكر ويسأل نفسه: "من الآن فصاعداً سوف يسأل زملاء صحفيون: ماذا فعلت بأصواتنا؟ وماذا فعلت لنا؟ وأنا ـ بالطبيعة ـ لا أصلح للواسطة فى أى شىء من نوع الحصول على شقة أو وظيفة أو سيارة أو حتى تليفون لأى زميل وكل تلك الأشياء التى يتوقعها منى البعض. فى النهاية فكرت فى إقامة أول مسابقة سنوية تكافئ المتميزين مهنياً فى الصحافة المصرية(جائزة الصحافة المصرية) على أن تكون مسابقة سنوية، مهنية، حقيقية، مستقلة، ومنزهة عن الهوى والغرض والسياسة. ويكون تمويلها من كبار الصحفيين وبالفعل بدأت بنفسي وتبرعت بألف جنيه!
***
(الأهرام ـ مكتب أحمد بهاء الدين)
ـ أنا طبعاً يا محمود موافق.. واتفضل ألف جنيه مثلك..
ـ لم أجئ إليك لتساهم مالياً.. جئت لأقنعك برئاسة اللجنة العامة للتحكيم وهى التى ستتحمل المسئولية عن النتائج
ـ ولماذا لا تسمح لى أن أفعل الاثنين معاً.. ولتقبل منى الآن التزاماً ألف جنيه.
(قال ذلك أحمد بهاء الدين ثم سافر للكويت فى رحلة عمل عاد بعدها ليجد المبلغ وصل إلى 18 ألف جنيه!)
- "بتتكلم جد يا محمود" هكذا سأله أحمد بهاء الدين ثم استفسر وهو مازال تحت تأثير الدهشة قائلاً: "ومَن الذى شارك وتبرع معنا يا محمود؟".
رد: "إحسان عبد القدوس ألف جنيه وعبد السلام داود ألف جنيه وصلاح حافظ ألف جنيه ومحمود السعدنى ألف جنيه ومحمود المراغى ثلاثمائة جنيه ومصطفى شردى مثله وهيكل 5 الآف جنيه ومصطفى حسين 500 جنيه ليصل مجموع التبرعات التى قدمها ثلاثون من كبار وشباب الصحفيين إلى 18 ألف جنيه"!
ـ بعد لحظات من الصمت قال أحمد بهاء الدين: "هذه أكثر الفلوس حلالاً فى بر مصر! توكل على الله يا محمود وأكمل مشروع - ومشوار- فكرتك".
***
(القاهرة ـ 1985)
فى قاعة كبيرة داخل أحد فنادق العاصمة حضر كبار الكتّاب والصحفيين ورئيس وزراء مصر فى ذلك الحين كمال حسن على والدكتور رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب (النواب حالياً) وعدد كبير من الوزراء ووكالات الأنباء العربية والعالمية ومندوبى الصحف ووزير الإعلام الأردنى محمد الخطيب الذى قال عن الفكرة وقتها: "لقد طلبت من مقرر جوائز الصحافة المصرية محمود عوض حضور تلك الاحتفالية لأننى حسدت الصحافة المصرية على هذا العيد وسوف نسعى لإقامة عيد مماثل للصحافة الاردنية"، وقبل تناول العشاء تم إعلان أسماء الفائزين ليستلم كل منهم الشهادة التقديرية وشيك بقيمة الجائزة موقع من أحمد بهاء الدين ومحمود عوض، حيث كانت الجائزة الأولى 1500 جنيه ثم الثانية والثالثة (لاحظ أن كيلو اللحم فى ذلك الوقت كان بجنيهين فقط) ثم بعد ذلك عزفت فرقة الموسيقى العربية مجموعة من الموشحات الغنائية! واجتهد فى تنظيم هذا الحفل من شباب الصحفيين (نصر القفاص ومجدى مهنا وعاصم القرش وخالد جبر ونوال مصطفى ومحمد حسن البنا)
***
(مكتب رئيس الوزراء ـ صباح اليوم التالى)
يجلس الآن محمود عوض مع رئيس الوزراء كمال حسن على، الذى قال: "أكرر لك شكري يا أستاذ محمود عن نفسي وعن الحكومة على أنكم بدأتم هذا التقليد غير المسبوق فى الصحافة وفى أى مهنة أخرى، لذلك دعنى أقول لك إن الحكومة ـ طالما أنا رئيسها ـ سوف تتبرع للجائزة بـ100 ألف جنيه دعماً للمسابقة، وسوف يكون هذا الإلتزام منى سنوياً وبعدها أنت وشطارتك مع من يخلفنى!
إلى هنا انتهى كلام رئيس الوزراء وانتهى معه اللقاء.
***
(الجيزة ـ بعد مرور ساعة)
إلى بيته عاد محمود عوض وأمسك بسماعة الهاتف يطلب أحمد بهاء الدين.
ـ هه.. وأنت رديت قلت لرئيس الوزراء ايه يا محمود؟
ـ طبعاً شكرته على هذه المبادرة منه وفى الوقت نفسه رفضت عرض الحكومة بصورة قاطعة!
ـ برافو عليك يا محمود.. نحن نريدها جائزة لا تخضع لأية سُلطة لا حكومية، ولا سياسية، ولا نقابية لكى تكون مسابقة حيادية!
ـ بالظبط كده! وهذا يصب فى خدمة المهنة ودورها العظيم فى المجتمع، ودعم المواهب الصحفية الحقيقية.
***
(القاهرة ـ بعد مرور 3 سنوات)
"وكما فى كل مطبخ صراصيره، فإن لكل مهنة نصيبها من الحشائش الضارة" وما أكثر الصراصير والحشائش الضارة فى المطبخ الصحفى. ومع تطور مسار جوائز الصحافة المصرية بعد عامها الثالث (1984 ـ 1985 ـ 1986) سعى المتربصون بها ـ وبمحمود عوض بالطبع الذى كان فى ذلك الوقت ممنوعاً حتى من الكتابة فى صحيفته أخبار اليوم ـ إلى سحب الجائزة من تحت مظلة اللجنة العامة الحيادية التى كان يرأسها أحمد بهاء الدين لتكون تحت رعاية النقابة (فى إشارة لفرض سلطة المؤسسات الصحفية عليها) ومن هنا اعتذر محمود عوض ومعه أحمد بهاء الدين وباقى كبار الصحفيين الذين تبرعوا ـ ووعدوا باستمرار التبرع طالما هناك حيادية ومهنية ومصداقية ـ عن وجودهم فى الجائزة تحت أى مسمى حتى إنهم جميعاً رفضوا حضور إعلان جوائزها فى العام التالى!
***
(القاهرة ـ 2022)
وبعد مرور ما يقرب من 30 سنة على إنشاء أول جائزة للصحافة المصرية فى الوطن العربي بهذه الكفاءة، والنزاهة، والمهنية، والحيادية، لا نجد حتى اليوم - وهذا من المؤلم، والمحزن، والمخزى، - فرع من فروع الجائزة التى تخضع الآن لسلطة النقابة يحمل اسم صاحب فكرتها، ومخطط منهجها، الكاتب الصحفى محمود عوض الذى رحل عن دنيانا فى عام 2009 ليترك لنا...
(سيرة تبقى.. ومسيرة تستمر)!
خيرى حسن
** الأحداث حقيقة.. والسيناريو من خيال الكاتب.
** الصور:
الكاتب الراحل أحمد بهاء الدين
الكاتب الراحل محمود عوض
** المصادر:
مقالات الأستاذ محمود عوض عن الجائزة (7مقالات).
** أحاديث شخصية للكاتب مع الراحل محمود عوض.
** المقال نُشر اليوم الخميس 27 يناير 2022.. فى بوابة (دار الهلال)