أ. د. عادل الأسطة - في وداع حنا أبو حنا عراف الكرمل وحارس الذاكرة الفلسطينية

مساء الأربعاء الماضي فقدت الثقافة الفلسطينية علماً بارزاً من أعلامها هو الشاعر والدارس حنا أبو حنا، وقد ترك لنا تراثاً أدبياً لا يمكن لدارس الحياة الثقافية العربية في فلسطين التاريخية أن يستغني عنه على غير صعيد؛ صعيد الإبداع وصعيد التأريخ للحركة الثقافية منذ ١٩٤٨ وصعيد إحياء التراث الأدبي قبل العام ١٩٤٨.
على صعيد الإبداع كان من الأصوات الشعرية التي درسها غسان كنفاني في كتابيه اللذين درس فيهما أدب المقاومة في فلسطين، فقد توقف أمام ديوان الشاعر الأول «نداء الجرح» واقتبس منه في العديد من الصفحات.
كان الشاعر في حينه ينتمي إلى الحزب الشيوعي وينشر في صحفه التي اتكأ عليها غسان، ولم تكن القطيعة بين حنا والحزب تمت، وهي قطيعة انعكست بدورها على نشره في صحافته، حيث انعدمت إلى سنوات، ما انعكس بدوره على تقليل مساحة انتشار ما يكتبه، فالصحف الجديدة التي أخذ ينشر فيها لم تحقق انتشاراً في العالم العربي، بل وفي فلسطين نفسها، انتشاراً حققته صحف الحزب ومجلاته في ٧٠ القرن ٢٠، هذا إذا غضضنا النظر عن موقف الحزب ممن تنتهي علاقته بهم، وهذا ما كتب حنا عنه في كتابه «أوراق خضراء»(٢٠٠٤) وهو يكتب عن جبرا نقولا «مثقف ثوري أصيل».
عندما توفي جبرا نقولا «أرسل رفاقه نعياً، مدفوع الأجر، لجريدة «الاتحاد» التي عمل في تحريرها ١٥ سنة، لكن المسؤولين رفضوا نشر النعي» (١٨٠)، فقد كان الحزب لا يتهادن ولا يتصالح مع رفاقه الخارجين عن صفوفه، وهذا أيضاً ما أتى عليه حنا ثانية وهو يكتب في سيرته عن تجربته الشخصية. (أنظر مقالي «حنا أبو حنا والفلسطينيون المنسيون» في الأيام الفلسطينية بتاريخ ١/ ١١/ ٢٠٢٠).
ولم يكتفِ بكتابة الشعر وقراءته في المهرجانات، بل رعى أكثر الشعراء الشباب في ٥٠ و٦٠ القرن العشرين ومنهم محمود درويش، ولطالما ذكر هذا في المقابلات واللقاءات التي كانت تتم معه، بل وفصل الكتابة فيه في سيرته الذاتية، وغالبا ما يستشهد المهتمون بما قاله محمود درويش عن تأثره بحنا وأنه تعلم منه «ترابية القصيدة».
على صعيد التأريخ للحركة الثقافية، فإن كتبه ودراساته وسيرته تعد لا غنى عنها لمن يريد قراءة الواقع الثقافي في فلسطين منذ النكبة حتى بداية العام ٢٠٠٠.
إنها تضيء لنا الحراك الأدبي فتصور علاقته بالأدباء وبعض السياسيين الأدباء أيضاً، بل ويكتب عن علاقة بعض الأدباء بالحزب الشيوعي في فلسطين المحتلة وسبب اختلافهم معه بعد أن كانوا جزءًا فاعلاً فيه.
إنه يكتب عن أسماء ثقافية كان لها دور مهم في الحياة الثقافية ويرسم لها صورة عن قرب، ويكتب عن مشاركاته وإسهاماته في المؤتمرات والندوات، وكتابته هي كتابة أديب فاعل مشارك في الحياة الأدبية، خبرها وعرفها وأسهم مساهمة فعالة متواصلة فيها، فلم يكل ولم يمل ولم ينقطع فترات طويلة عنها.
لقد كتب عن رموز الحركة الشعرية في فلسطين قبل العام ١٩٤٨ وأصدر مختارات شعرية، ما يعني أن اهتماماته الأدبية لم تكن أبداً عابرة ولم تكن نزوة، بل هي اهتمامات أديب مثقف، الثقافة جزء أصيل من شخصيته آمن بالثقافة ودورها في الرقي بالإنسان والمجتمع منذ كان شاباً يافعاً.
على الصعيد الثالث الذي يستحق عليه لقب حارس الذاكرة الفلسطينية أشير هنا إلى ثلاثة إسهامات لافتة أنجزها صدرت عن وعي كامل بما قام به؛ الإسهام الأول هو الدراسة التي صدر بها الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر الشهيد عبد الرحيم محمود الصادرة عن مركز إحياء التراث في الطيبة، وهي دراسة كتبها شاعر ودارس في الوقت نفسه.
الإسهام الثاني هو الاهتمام بمذكرات القاص الفلسطيني نجاتي صدقي، وقد بذل في الحصول عليها جهداً كبيراً؛ اتصل بالمعنيين بها وقارن بين بعض النسخ ثم كتب لها مقدمة أتى فيها على أهمية صدقي وحياته.
وأما الإسهام الثالث، وهو أسبق، فتمثل في البحث عن رواية نجيب نصار «مفلح الغساني». لقد بذل أيضاً جهداً في سبيل الحصول عليها وقام بتحقيقها، وقد كتب لها دراسة حث في خاتمتها الدارسين الفلسطينيين على ضرورة الاهتمام بالكتب التي كتبها الرواد، فمن لا جذر له لا فروع له، وهو هنا سار فيما سار فيه هشام شرابي الذي أصدر في الفترة نفسها كتاب «صالح برانسي: ثلاثون عاماً من النضال الصامت» وقد حث شرابي الجيل الفلسطيني الجديد على ضرورة تسجيل تجارب الفلسطينيين الذين كان لهم إسهاماتهم في حركة النضال الفلسطيني حتى لا تضيع تجاربهم سدى.
وما لا ينبغي إغفاله في أثناء تثمين جهود حنا أبو حنا هو اهتمامه باللغة العربية وحرصه على سلامتها، فكان له بذلك جولات لغوية واجتهادات عديدة.


أ. د. عادل الأسطة
2022-02-06




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى