د. سيد شعبان - السرد والخيال!

لاينفك الكاتب عن واقعه فهو متلبس به يعيش يومه بين فئات المجتمع وتباينات الأحداث؛ تؤثر فيه فيستجيب لها؛ تكون شخصياته من عالمه لايأتي بها من فراغ أو يسترق السمع إلى الغيب؛ هذا فران وذاك عامل تحويلة أو موظف في ديوان عام؛ تلك أنثى تحاول جاهدة اصطياد رجل أو هذا حالم بغد آخر يؤطره بالقيم والفضائل العليا؛ أنواع شتى وقلم باحث عن زاد لسرده.
تراه لو سطر فوق أوراقه تلك الحياة كما هي أكان مبدعا؟
لعل البعض يرى الواقعية هكذا؛ وهذا محال عجيب؛ فأين النفس الملهمة والصور الشفيفة بما توحي به من ظلال؟
فما القلم إلا ممثل فوق خشبة المسرح؛ لايجاري الناظرين لكنه يمتعهم وأسوء عمل أن يدغدغ مشاعرهم؛ وتلك حالة من أردأ حالات التدليس؛ أن يتحول السارد إلى لاه عابث يسرق لحظات الأمل من عيون الذين يحملون البراءة في عيونهم، الخيال زاد السرد ونبضته بين السطور وفي طيات النثر؛ يرسم ويبدع في تماه مع الواقع دون أن يخادعه.
وقد ينعزل كاتب في قبو أو بناية تناطح السحاب ويرى من نفسه الكتابة.
سيأتي بلاشك بمسخ لاينتمي لإنسان عصره، يشعرك ببلاهته من سطوره الأولى؛ تضحك وتسخر من هذا المهرج الذي لايجيد حتى أبسط قواعد اللهو والسخف.
أروع السرد ما غلف بمسحة من خيال؛ يتخلص بها من جمود المواقف ونمطية بل رتابة الحياة؛ أحب قيس ليلى لكنه رأى عينيها عينا ريم وديع، ثم يأتي القاريء ويؤول النص ويذهب به أنى أراد!
لايتفق قارئان حول دلالات ومرامي الكاتب، يختلفان وينظران بعين مختلفة؛ لكنها نظرة انجذاب وشغف بما جاء به هذا السارد.
وثمة تباين في مستوى الخيال بين نص وآخر مما يعود إلى ثقافة الكاتب ومعاشرته لشخوص أعماله، وما بين عقل يطغى بسطوته وقلب يرفرف بأجنحة من شغافه يتحقق الفن رواء وطلاء في العمل الأدبي؛ فهي صنعة ودربة لا آلة تدور خبط عشواء؛ كلنا يعانق حالما المتنبي في أجواء شدوه أنى راح؛ حتى سيفه في الحالتين باتر؛ أنظر الأعمى أدبه وأسمع الأصم نغمه أي خيال جرى بين ماء شعره!
ويأتي من يزاحم بنقوله وتقاويله أساطين الأدباء فيهرف بما لايعرف!
يبدو الخيال بما يختزن من أفانين إبداعا وتفردا؛ لذلك نتماهى مع الأدب الذي يحمل تلك النفحة والسمو بالذوق والوجدان؛ كتابات الرافعي ومحمد عبدالحليم عبدالله وشعر شوقي أمير الشعراء صور معبرة وأدواح ظليلة في مسيرة الإبداع العربي.
يقول د.أحمد السري Ahmed Assirri :"الخيال هو الذي يزين الواقع فلا يكون الواقع واقعا ولا الخيال مفارقة شاطحة، وبينهما إبداع السارد ليصور للقارئ ما لا تراه العيون العادية ويراه السارد بخياله وإلهاماته"
من هذا المنطلق يلحو للكاتب أن يمزج في سرده بين الواقع والخيال بنسب مختلفة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى