منذر فالح الغزالي - القصيدة المخضرمة.. قراءة في ديوان (جراح الغربة) للشاعر اللبناني د. محمد نعيم بربر

أولاً- مدخل
التقيت بقصيدة الشاعر الدكتور محمد نعيم بربر منذ مدةٍ ليست بالقليلة، من خلال القصائد التي ينشرها بين الحين والآخر في مختلف الصفحات، والتقيت به شخصيّاً من خلال مزاملتي له في الهيئة الاستشارية لمنصة ثقافة إنسانية؛ ومنذ أول قصيدة، ومنذ أول لقاء، أحسست بتشابهٍ في شخصه وقصيدته: جمالٌ عميقٌ وشفيفٌ ينبع من الروح، كما ينبع من كلمات القصيد.

وحين أتاحت لي الظروف الاطّلاع على ديوانه الشعريّ (جراح الغربة)، وبعد أكثر من قصيدةٍ، وبعد أكثر من قراءةٍ له، تأكّد لي أنني أمام شاعر فِطَحلٍ، شاعرٍ له تجربةٌ مع الشعر، عميقةٌ وطويلة… وواعيةٌ أيضاً، تجربةٌ تحمل رؤيا للعالم، مختلفةً وخاصة؛ وهي تجربةٌ، على طولها، ظلّت مخلصةً لعمود الشعر، ولأوزان الفراهيدي، على الرغم من التجديد الذي احتوته قصائده، بموضوعاتها ولغتها، وصورها؛ ونستطيع القول دون قلقٍ أو حذر، بأنّ قصيدة الشاعر بربر هي قصيدةٌ مخضرمةٌ، من حيث إنها تقع في منطقةٍ وسطى بين القديم والحديث، أخلصت ببنائها القائم على العمود الشعري والوزن والقافية، للقصيدة العربية التقليدية بمراحلها المختلفة؛ واشتغلت، في كثيرٍ منها، على أغراضٍ شعريّةٍ تُعتبر تقليديةً، تجاوزتها حركة التحديث في الشعر العربيّ، كالمديح، والهجاء، والفخر…

ومن ناحيةٍ ثانية، هي قصيدةٌ شابّةٌ، معاصرة، من حيث المضمونُ، والصور المبتكرة التي تنهل من محيط الشاعر، وبيئته، ومن الطبيعة على وجه الخصوص، بكلّ ما فيها من عناصرَ عصريةٍ حديثة.

كذلك هي قصيدةٌ شابةٌ بألفاظها التي تقع بين اليُسر، وبين المتانة، تمتحُ من معجم القصيدة الحديثة، بعد أن تخلّصت من الغريب من المفردات، لتكون متيسّرةً للقارئ المعاصر الذي ضاقت حدودُ لغته، وتمثّل انعكاساً صادقاً لمشاعره واختلاجات وجدانه، بعيداً عن التعقيد الذي يجعل القصيدة متاهةً من الكلمات الصعبة، تضيع، في ضبابها وفي غموضها، المشاعر، وتفقد اللحظةُ العاطفيّةُ حرارتَها وآنيّتها المتبدّلة بتبدّل المشاعر والأحوال، للشاعر، وللقارئ معه.

ثانيا: الأغراض الشعرية التقليدية في ديوان جراح الغربة:
قلنا إن قصائد الديوان أخلصت للقصيدة التقليدية في البنية، وباهتمامها ببعض الأغراض الشعرية التي تُعتبر من أغراض القصيدة العربية التقليدية.

1- الهجاء.
في قصيدة (إعادة نظر!!)، يلفت الشاعر النظرَ إلى فئةٍ من الناس، لم يسمّها؛ لكنه وسَمَها بالظلم والنفاق، وهي فئةٌ ازداد وجودها في المجتمع، وتعدّدت صفاتُ أصحابها، ومراكزُ السلطة التي يمتلكون، وأشكالها؛ والشاعر ذو الروحِ الشفافة، والنفسِ الحسّاسة، لا يمرّ بهم مرور الكرام، دون أن يضع رأيه ورؤيته فيهم. نقرأ في قصيدة إعَادَةُ نَظَرٍ!!

بَعْضُ الأنَامِ عُقُولُهُمْ، بِفُرُوجِهِمْ والْبَعْضُ في أَكْلٍ، وخَمْرَةِ جَـــامِ
أعْمَى بَصِيْرَتَهُمْ وأَغْلَقَ سَمْعَهُمْ إِيْغَالُهُمْ في الظُّلْمِ والآثَـــــــــــــامِ
يَتَمَالَقُونَ الْوُدَّ فيْمَـــــــا بَيْنَـهُمْ وقُلُوبُهُمْ طُبِعَتْ علَى الإِجْـــــرَامِ
يَتَفَاخَرُونَ علَى اخْتِلافِ طِبَاعِهِمْ في الْحُكْمِ بيْنَ أَذًى وفِعْلِ حَرَامِ
يَتَجَمَّلُونَ علَى بَشَاعَةِ فِعْلِــــــهِمْ فَهُمُ لِئَـــــــامٌ في لَبُوْسِ كِـــــرَامِ
ظَنُّوا جَهَالَتَهُمْ دَلالَــــــةَ فِطْنَةٍ فَاسْتَعْذَبُوا الِإيْغَالَ في الأَوْهَــامِ
لاَ خَيْرَ فِيْهِمْ حِيْنَ كَشْفِ عُيُوبِهِمْ إلاَّ امْتِثَالُ بَهِيْمَــــةِ الأنْعَـــــــــامِ
كَمْ كُنْتُ قَبْلَ الْيَومِ مُنْخَدِعًا بِهِمْ فَنُّ الْخِدَاعِ، سِيَاسَةُ الظُّــلاَّمِ!!

2- المديح:
المديح غرضٌ عريقٌ في تاريخ الشعر العربي، عرَف تطوّراتٍ جمّةً منذ العصر الجاهلي فالإسلامي فالأموي فالعباسي؛ والشاعرُ العربيُّ، في العصور المختلفة، قال قصائدَ المدح متكسّباً للتقرب إلى الخلفاء والأمراء والملوك والقُوّاد والأثرياء، لنيل رضاهم والحصول على عطاياهم.
منذ قصيدة النابغة الذبياني في مدحه النعمان بن المنذر:

فإنك شمسٌ والملوك كواكب متى طلعتْ لم يبدُ منهنَّ كوكبُ

غير أنّ هناك مدحاً صادر اً عن إعجابٍ حقيقيٍّ في بعض الشخصيات الفذّة، وعاطفةٍ صادقة تجاهها، يمدح الشاعر القيمَ النبيلة المجسّدة فيها، كما فعل زهير بن أبي سُلمى في مدحه هَرِمِ بنِ سنانِ والحارثِ بنِ عوف، اللذين تطوّعا، فدفعا، من أموالهما، جميعَ ديّات قتلى حرب داحس والغبراء، وحقَنا دماء من تبقّى من القبيلتين؛ وفي هذا الباب تدخل قصائد الإخوانيّات، في مدح الأصدقاء ورجال الخير من الأقرباء.

من هنا تأتي قصائد المدح في ديوان جراح الغربة؛ مثالها الأوضح قصيدة (كلمة وفاء) التي قالها في مدح أحد الأشخاص النبلاء في عمله ويدعى أبو علي. يقول فيها

أبَا عَلِيٍّ، وقَدْ جَلَّــــتْ مَرَاتِبُكُمْ
خَطَتَّهَا في كِتَابِ الْفَخْرِ والشَّمَمِ
كَتَبْــــتَ فيْهــــا انْتِصَـــارَاتٍ مُظَفَّرَةً
فَالنَّصْرُ في الْعِزِّ صِنْوُ النَّسْرِ والرَّخَمِ
بَسَطْتَ فيْها بِأرْضِ الشَّامِخِيْنَ، يَدًا
تَلُفُّهَـــــا بِبَيَـــــاضِ الْخَيْـــــــــرِ والنِّعَمِ
رَوَيْـــــتَ فيْهـــا شَرَايِيْنًــــا وأفْئِـــــدَةً
بِالحُبِّ نَابِضَــــةً، والنُّبْــــــــلِ والْقِيَمِ
يشِعُّ قَلْبِـــي ، إذا فَاضَـــــــتْ أُبُوَّتُكُمْ
خَيْرًا وحُبًّا، فذا فَضْلٌ إلَيْكَ نُمِي
أبَا عَلِيٍّ، وبَعْضُ الْحُلْـــــمِ مَوْهِبَةٌ
وَرِحْلــــةُ الْعُمْرِ نَحْوَ الْمَجْدِ كَالْحُلُمِ
تَرَسَّخَتْ في حَيَاةِ النَّــــاسِ، فَلْسَفَةً
تَوَهَّجَتْ قَبَسـًـــــا كَالنُّورِ في الظُّلَمِ
3- الرثاء:
غرض الرثاء هومن أهمّ الأغراض الشعريّة في الجاهلية، فهو كالمديح إلّا أنّه في الميّت أو القتيل، وبلا شكّ، العاطفة في رثاء الأهل تكون أصدقَ منها في غيرهم؛ كهذا الرثاء الموجع الذي قاله الشاعر في حفل تأبين أبيه وعنونها ب (رثاء حبيب):

أُوَدِّعُ فِيْكَ الشَّمْسَ يَا مَشْرِقَ الْعُمْـرِ
أَرَاجِيْحُنَا تَمْشِي وَدَاعًا إِلى الْقَبْــرِ
أَرَاجِيْحُ أَنْفَــــــاسِ الْخُزَامَى، تَلُفُّهَــا
تَوَاشِيْحُ أَطْيَابٍ، وَفَيْضٌ مِنَ الزَّهْـــرِ
عَصِيَّـاتِ أَفْكَارِي، أَجِبْنَ لأَدْمُعِــــي
فَأَدْمُعُ هذا الْكَوْنِ، كَالْمَوْجِ، كَالْبَحْرِ
أَتَيْتُكَ يَا زَهْـــرَ الرَّبِيْعِ مُعــــاتبًــــــا
شَجِيًّا، أَلا أَشْفِقْ بِرَبِّي عَلى الشِّعْـرِ
نَظَمْتُ وَرِيْدَ الْقَلْبِ شِعْرًا، فَرَاعَنِـي
رِثَاءُ حَبِيْبٍ، يَا حَبِيْبِي وَيَا عُمْـرِي
فَكِرْتُ بِكَ الأَيَّامَ، وَالْحُبَّ والمنى
رَضِيًّا عَلَى حُكْمِ الْمَقَادِيْرِ في أمْرِي
بَكَيْتُ، وَفي مِرْآةِ عَيْنِي خَوَاطِـــرٌ
كما أَكْؤُسِي بِالدَّمْعِ، سُكْرٌ بِلا خَمْـرِ
إِلَيْكَ أَبِـــي تَــــــــارِيْخَ حُرٍّ مُمَجَّـــــدٍ
سَيَسْعــى بِكَ التَّـــارِيخُ لِلْعَالمِ الْحُرِّ
لِحُرِّيَّةِ الإنْسَــــانِ قَدْ كُنْتَ هَادِيـًــــــا
كَفَيْضِ عُيُوْنِ الشَّمْسِ في هَالَةِ الْبَدْرِ
ثالثاً- القفز فوق العتبة،
إذا كان عمودُ الشعر والرويُّ والقافية، والأغراضُ التقليديةُ تجعل القارئَ يميل في تقييمه لقصائد الديوان إلى القصيدة العربية التقليدية، فإنما ذلك يعطي للقصيدة رسوخاً وانتماءً أصيلاً إلى ديوان الشعر العربي.
غير أنّ الصورةَ تظلّ ناقصةً، والحكم ظالماً إذا اكتفينا بهذا القول؛ فالوجه الآخر لقصائد الديوان هي الولوج، بكل ما تحفل به من رسوخ وانتماء، في القصيدة الحديثة؛ ولعل الصورةَ العصريّةَ الأوضحَ للديوان وقصائده هي تلك الرومنسيّةُ الواضحة في لغتها وفي صورها وفي موضوعاتها التي احتفى بها الشعراءُ الرومنسيون.

الرومنتيكية حركةٌ في الأدب والفنّ، تُعتبر ردّاً على المذاهب التقليديّة. تقابِلُنا هذه الرومنسية منذ العتبةِ الأولى للديوان، عنوانه: (جراح الغربة).

جراح الغربة، عتبةٌ من مفردتين، كلٌّ منهما يوحي بألمٍ خاص؛ فالجراح تؤلم، بكلّ أشكالها، جراحُ الجسد وجراحُ الروح؛ والغربة مؤلمةٌ، بل، كما يفصِحُ العنوان، جارحةٌ، بل إنّ الجراحَ هي لصيقةٌ للغربة، لهذا جاء التركيب مضافاً ومضافاً إليه؛ وباجتماع المفردتين يتشكّل تركيبٌ لفظيٌّ، يُحيل، سيميائيّاً(1)، إلى الاغتراب، بكلّ ما في الاغتراب من ألم وجراح.

هذه القراءة لن تتحدّثَ عن الألم وتجلّيّاتِه المختلفة في الديوان؛ لكنّي سأحاول أن أنطلق من العنوان للوصول إلى هدفٍ آخر في هذه القراءة هو الرومنتيكية، أو الروح الرومنسية التي تصبغ قصائدَ الديوان، باعتبار الجراح والغربة والألم هي من العناصر اللغوية، ومن الموضوعات المفضّلَةِ لدى الشعراء الرومانتيكيين.

من هنا، سيكون الجزء الثاني في قراءتنا لهذا الديوان هو الرومنتيكية، فقصائد الديوان تشي برومنسيّةٍ عالية، يمكن أن تشكّل ظاهرةً في شعر الدكتور محمد نعيم بربر.

على الرغم من أنني لم أطّلع على ديوانه الأوّل، فهذا الديوان، جراح الغربة، هو ديوانه الثاني، كما ورد في مقدّمة الأديب الدكتور سالم المعوش للديوان.

وقبل العودة إلى قصائد الديوان، لا بدّ من بعض الحديث عن الرومنتيكية أو المذهب الرومنتيكي، لنتبيّن معالمَ الطريق، وكذلك لكي أعطي استنتاجاتي سنداً منهجيّاً ونظريّاً.

ونظراً لطول القراءة والوقت المحدود، سأمرّ على الجزء النظريّ بشكل تعريفاتٍ سريعةٍ، وسأدمج فيها الجانبَ التطبيقيَّ، من قصائد الديوان، التي تحمل تأكيداً لكلّ عنصرٍ نمرّ عليه.

رابعاً- أسس الرومنطيقية:
1- الأنا تمثل في الشعر الرومنطيقي جوهر القصيدة:
يحتفي بها الشاعر ويعرض عن الآخر الذي يراه عائقاً ومشكلاً، والذي يتمثّل في المجتمع.

والشاعر الرومنسي يتميّز بالصدق في تعبيره عن عواطفه الفرديّة التي تختلج في أعماق نفسه، ويستسلم لعالمها ويسري في تيّارها بعيداً عن عالم الواقع.

إنَّ شِعْرِي مِرْآ ةُ ذَاتِي، وفِكْرِي
قَبَسَـــاتٌ مِنْ نُورِ سِرٍّ دَفِيْـــنِ!!
ويقول في قصيدة (صحوة)يصف ذاتَه الشاعرةَ، ويصل بوصف الشاعر إلى مرتبة الأنبياء في مجتمعاتهم.

خِلْتُهُـــمْ مِثْلِي أُنَاسًا شُرَفَـــــاءَ
وَحَسِبْتُ الصَّحْبَ فِيْهِم أَوْفِيَـاءَ
غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَكُن إِلَّا " أَنَــــا "
شَاعِرًا، قَدْ زَادَهُ النَّاسُ ابْتِلاءَ
إِنَّ قَلْبِي مِثْلَ نُوْرِ الشَّمْــسِ لا
يَدَّعِي فَضْلًا، وَلا يَرْجُو ثَنَاءَ
وَسَنَى شِعْرِي كَقَلْبِي شُعْلَـــةٌ
نَارُهَا نُوْرٌ، تَجَلَّى فَأَضَـــــاءَ
وَأَنَا كَالزَّهْرِ، رُوْحِي نَسْمَــةٌ
تَنْفُثُ الْعِطْرَ، جَمَالًا وَبَهَـــاءَ
غَيْرَ أَنِّـي مَا تَنَدَّمْتُ عَلَـــــــى
سِيْرَتِي فِي النَّاسِ صِدْقًا وَوَفَاءَ
أَيْقَظَتْنِي صَحْوَتِي مِنْ غَفْلَـــةٍ
أَزْهَقَتْ رُوْحِي هُمُوْمًا وَبَــلاءَ
كَمْ شَهِيْدٍ كَانَ فِيْهِمْ شَاعِـــــرًا
عَبْقَرِيًّا، يُشْبِهُ السَّيْفَ مَضَاءَ
وَغَرِيبٍ فِي عُيُونِ النَّاسِ كَمْ
قَارَعَ الْعِلْمَ، وَبَزَّ الْعُلَمَــــاءَ
فَدُعَاةُ الْفِكْرِ، كَانُوا عُظَمَــاءَ
وَهُدَاةُ الْحَقِّ، كَانُوا أَنْبِيَــــاءَ
غَايَتِي فِي النَّاسِ أَنْ أَسْمُو بِهِم
وَأُشِيْعَ الْحَقَّ نُبْــلًا وَإِبَــــــــاءَ
وتَرَانِي أَقْرَبَ النَّاسِ هَــــوًى
لِلأُلَى كَانُوا ضِعَافًا بُسَطَــــاءَ
2-الحب، هو موضوع يتناوله الشاعر تناولاً وجوديّاً، يقترب من الصوفيّ والفلسفيّ:
الشكل الوجوديّ الصوفيّ للحبّ في قصيدة ٍعنوانها يوحي بالروحانيّة:

زهْرَةُ الرُّوْحِ
يَا زَهْرَةَ الرُّوْحِ، يَا لَحْنًــا على وَتَــــــرِ
يَا ضَحْكَةَ الْغَيْمِ مَرْسُوْمًـــا على قَمَــــــرِ
بُوْحِــــي إلى اللَّيْلِ عَنْ أسْرَارِ فَاتِنَــــــةٍ
بَوْحًـــــا مِنَ السِّحْرِ أوْ هَمْسًــا مِنَ الْخَفَرِ
وَأشْرِقِــــي مِلْءَ عَيْــنِ الْكَوْنِ سَـــــافِرَةً
عَنْ وَجْهِــــــكِ الْحُلْوِ، يَـا مَعْشُوْقَةَ الْبَشَرِ
وَلَمْلِمِــــي مِنْ عَبِيْرِ الصُّبْحِ فَرْحَتَـــــــهُ
قَطْرًا مِنَ الْوَرْدِ أوْ عِطْـرًا مِنَ الـــــزَّهَرِ
وَدَغْدِغِــــي مِنْ شِغَـافِ الْقَلْبِ نَبْضَتَـــهُ
جَرْسًــا مِنَ الرَّاحِ أوْ نَقْرًا على وَتَــــــــرِ
كِلاهُمَــــا مُسْكِرٌ كالْخَمْرِ ، نَشْوَتُهَــــــا
نِصْفٌ مِنَ الْكَأْسِ في نِصْفٍ مِنَ الْخَدَرِ!!


وفي قصيدة إلى زَهْرَةِ السَّوْسَن:

سَأَكْتُبُ عنْكِ كِتَـــــــــابَ اشْتِيَاقِي
وَأقْرَأُ فيْكِ حِكَايَـــــــــاتِ عُمْرِي
سَأسْبَـــحُ بيْن النُّجُــــــومِ الَّتِـــي
تَلأْلأَ فيْهنَّ بالأُفْقِ بَـــــــــدْرِي
أطُوْفُ كأنِّــــــي بِجَنَّــاتِ عَدْنٍ
فَوَجْهُكِ خَمْرِي وصَدْرُكِ نَهْرِي
ومَا كانَتِ الْحُــــــوْرُ إلاَّ رُؤًى
لِعَيْنَيْكِ يَا رَبَّــةَ الْحُسْنِ تَسْرِي
والحالة الصوفيّة تتبدّى واضحةً جليّةً في الأبيات القليلة التالية:

وَهَلْ يُنْتَسَى مَنْ كَانَ فِي الْقَلْبِ سَاكِنًا
إِذَا مَا غَفَتْ عَنْهُ الْعُيُونُ، لَهَــا هَفَـا
تُصَحِّي بِهِ مِنْ غَفْلَـــةِ الْعُمْرِ مُقْلَــــةً
وَتُوْقِظُ أَنَّـــاتِ الْعَذَابِ إِذا غَفَــــــــــا

3- الطبيعة: هي الأمّ الرؤوم والحضن الحنون، هي التي بديل الشاعر عن المجتمع:
كما يتجلّى في الشعر الرومنسي الاندماجُ في الطبيعة وعوالمها، وتلمّسُ جمالِها وروعتِها ومناجاتها كالأمّ الرؤوم، يلجأ إليها طالباً العزاء لانكساراته وآلامه.

هَزَّ قَلْبِـــي مِنْ سِحْــــرِ وَجْهِكِ نُوْرٌ
خِلْتُ فِيْهِ، في جَنَّــــةِ الْخُلْدِ، نَفْسِي
وَتَجَلَّـــــى على جَبِيْنِــــكِ مِنْـــهُ
وَجْـــــهُ بَدْرٍ ، أَضَـــــاءَ لَيْلَةَ أُنْسِي
لَيْتَ أَنِّـي يَا بَـــدْرُ كُنْتُ رَفِيْقًــــــا
لَكَ، حَيْثُ الْكَوَاكِبُ الزُّهْرُ تُمْسِي
نَتَعَاطَــى الْهَوَى كأنَّــا حَبِيْبَيْــــــــ
نِ، اسْتَهَامَـــــــا، زُفَّا بِلَيْلَةِ عُرْسِ



وصف الطبيعة موضوع من موضوعات القصيدة الرومنطيقية:

بُوْخَارِسْت
هِمْتُ فيْها وهَــامَ قَبْلِــي أُنَاسٌ
عَرَفُوهَـا، فقلتُ: سِحْرٌ وَنُــوْرُ
فَمَعَ الصُّبْحِ يَسْتفِيْـــــــقُ عليْهـا
مِنْ لآلِـــي النَّدَى، شَــذًا وعَبِيْرُ
تُوقِظُ الْفَجْرَ في عُيُونِ السَّهَارَى
حِيْنَ يَصْحُو في مُقلَتيْهَـــا الأثِيْرُ
وَمَعَ اللَّيْلِ تَرْتَــدِي ثَوْبَ عُرْسٍ
كُلُّ خَيْطٍ يَنْسَــــــلُّ مِنْهُ الْحَرِيْرُ
تَتَمَاهَـــى كأنَّهــا عِقْـــــــدُ دُرٍّ
تَتَرَامَــى على مَدَاهَـــــا الْبُدُوْرُ
كُلُّ بَدْرٍ يَحْكِي حِكَايَـــــــةَ حُبٍّ
مِنْ قَدِيمٍ، مَرَّتْ عليْها الدُّهُوْرُ!!

4- الصدق في التعبير عن التجربة والمشاعر
جِهَادُ الْمُحَارِبِ
يَظُنُّ جُمُوْعُ النَّاسِ فِي حُسْنِ مَظْهَرِي
بِأَنِّي خَلِيُّ الْبَـــــالِ، سَهْلُ الْمَرَاكِــبِ
أَعِيْشُ كَمَا أَهْــــوَى كَطِفْلٍ مُدَلَّــــــــلٍ
جَمِيْلِ الْمُحَيَّــــا، مُسْتَجَابِ الْمَطالِــبِ
وَمَا عَلِمُوا أنِّـــــي امْـــرُؤٌ ذُو شَكِيمةٍ
أجَاهِدُ في نَفْسِي جِهَـــــــادَ الْمُحَاربِ
أسيرُ على حَدِّ الْمَخَاطِـــــــرِ والرَّدَى
كَمِيًّا جَمُوحــًــــــا فَوْقَ هَامِ الرَّكائبِ
وَأَحْيَا كمَا يَهْوَى الْقَضَا دُوْنَ رَغْبَتِي
ومَا قَدَري إلاَّ امْتِحَانُ الرَّغَــــــــائِبِ
أَتَيْتُ إِلَى الدُّنْيَا سَعِيْدًا مُنَعَّمًـــــــــــــا
رَهِيْفَ الْحَشَــا وَالْقَلْبِ جَمَّ الْمَوَاهِـبِ
يُؤَلِّفُنِـــــي مِثْلَ الْكِتَابِ مُؤَلِّــــــــــفٌ
عَنَاوِيْنُـــــــهُ كُثْرٌ، وَأُسْتَاذُهُ أَبِــــــي
تَلَمَّسَ فِي رُوْحِي طُفُوْلَةَ شَاعِــــــــرٍ
وَفِطْرَةَ مَوْهُوبٍ، لِقُدْرَةِ واهِــــــــبِ
تَرَانِـــــي كَعُصْفُورٍ صَغِيْرٍ مُغَــــرِّدٍ
يُرَفْرِفُ فِي رَوْضِ الْحِسَانِ الْكَوَاعِـبِ
نَشَأْتُ خَفِيْفَ الظِّلِّ وَالرُّوْحِ مُرْهَفًــــا
كَقَطْرِ النَّدَى، يَنْسَلُّ بَيْنَ الْعَشَـائِــــبِ
فَلا هَمَّ فِي عَيْشٍ وَلا هَمَّ فِي قَضًـــــا
فَحَسْبِـــــي مِنَ الدُّنْيَا جَمِيْلُ الأَطَايِـبِ
وَلَكِنَّ لَمَّا اشْتَدَّ فِي الْعُودِ صُلْبُـــــــــهُ
وَفَتَّقَ رَوْضُ الْعُمْرِ زَهْرَ التَّرائِــــــبِ
ذَرَتْنِي الرِّيَاحُ الْهُوْجُ مِثْلَ سَحَابَـــــــةٍ
تُلامِسُ وَجْهَ الشَّمْسِ بَيْنَ السَّحَائِـــــبِ
تَغُورُ وَتَطْفُو، ثُمَّ تَبْدُو وَتَخْتَفِــــــــــي
عَلَى عَنَتٍ كَالسُّمِّ فِي كَـــــأْسِ شَـارِبِ
كَأَنِّـــي أَنَا غَيْرِي غَرِيْبٌ عَنِ الْـوَرَى
تُحَاصِرُنِــي الأَحْدَاثُ مِنْ كُلِّ جَانِـبِ
أُقَارِنُ بَيْنَ النَّاسِ فِي كُلِّ مَحْفِــــــــلٍ
فَتُؤْلِمُنِــــــــــي فِيهِمْ شُجُوْنُ الْمَثَالِـبِ
وَلَكِنَّ لِي قَلْبًــــا رَؤُوفــًا عَلَى الْـوَرَى
لِنُصْرَةِ مَظْلُوْمٍ، وَشَكْـــوَى مُعَاتِــــبِ
فَكُلُّ الْوَرَى أَهْلِــــــي بِحُكْمِ شَرِيْعَتِــي
وَإِنْ سَلَكُوْا شَتَّى الْمُنَى وَالْمَذَاهِــــــــبِ
تُوَحِّدُ رُوْحِي بَيْنَ ضَعْفِي وَقُوَّتِـــــــــي
فَحِيْنًـــا كَمَغْلُوبٍ، وَحِيْنًـــا كَغَالِـــــبِ
فَرِفْقًــــــا بِرُوْحِي أَيُّهَا الخَلْقُ إِنَّنِــــــي
أُطِلُّ عَلَى الدُّنْيَـــــا، عَلَى حَــدِّ لازِبِ
أقولُ وفي قَلْبي مِنَ الْهَمِّ والرِّضَـــــــا
خِتَامُ حَدِيثٍ مِنْ خِــــلالِ التَّجَاربِ
إِذَا كُنْتَ لا تَرْضَى مِنَ النَّاسِ، هَمَّهُمْ
سَتَبْقَـى مَعَ الدُّنْيَا، صَرِيْعَ الْمَتَاعِبِ!!
وفي الألم قال:

خَيْبَةُ الأَمَانِي
مَاذَا دَهَاكَ، فَهَلْ غَوَى بَكَ آسِــرٌ
أَمْ خَــارَ عَزْمُكَ فِي قِرَاعِ الصِّيْــدِ
أَمْ مَاتَ قَلْبُكَ فِي النَّوَى مُتَقَطِّعــــــًا
مِنْ كَثْرَةِ التَّرْدِيـدِ وَالتَّنْهِيْــــــــدِ
قَدْ طَالَ بُعْدُكَ يَا فَتىً، إِنَّا هُنَـــــا
نَأْسَى عَليْكَ مِنَ الأَسَى الْمَنْكُـــودِ


5- الغربة والحنين موضوعان هامان من مواضيع الشعر الرومنطيقي:
في قصيدة عنونها ب (غربة) يقول الشاعر واصفاً حاله في الغربة، ويردّ على العاذلين والمعاتبين:

فَوَاللهِ مَا فَرَّطْتُ فِي الأَرْضِ وَالْهَـــــوَى
وَمَا كُنْتُ قَبْلَ الْيَوْمِ بِالْمَالِ مُوْلَعَـــــــــــا
وَمَا كُنْتُ نَحْوَ الأَهْلِ يَوْمًا مُقَصِّـــــــــرًا
وَمَا اخْتَرْتُ عَنْ طَوْعٍ مِنَ الْبُعْدِ مَوْضِعَـا
وَلَكِنَّ للأَقْــــدَارِ فِي النَّفْسِ رَهْبَـــــــــــةً
تُحِيْلُ حَيَاةَ الْمَرْءِ عُمْرًا مُضَيَّعَـــــــــــــا
ثَقِيْلٌ عَلَى قَلْبِـــــــــي الْبُعَادُ وَمُـــــــــرُّهُ
وَأَثْقَلُ مِنْهُ مَا اشْتَكَــــى الْقَلْبُ وَادَّعَــــى
ونقرأ في قصيدة قصيرة:

قَدَرُ الشَّاعِرِ مَنْفًى واغْتِرَابُ
مُدُنُ الدُّنيَا لَهُ، سِجْنٌ وبَــابُ
يَدْخُــــلُ الشَّاعر فيْها فاتــحًا
وَلَهُ عنْها سُــؤَالٌ وَجَـــوَابُ
يَسْأَلُ التَّــــارِيْخَ عَنْ أمْجَادِهَا
هَلْ لهَا فِيْهِ، سِجِلٌّ أوْ كِتَابُ ؟!

6- القلق والحيرة، شعوران يلازمان الشعر الرومنطيقي:
ينحو الشاعر في التطرق إليهما منحى فلسفياً:

لِمَــاذَا أنَا هَـــاهُنَا ... وَاقِــــــــــفٌ
فَهَلْ ضَاقَتِ الأرْضُ بِي والْمَدَى؟!
كَــأنِّي على جَنْـــحِ نَسْــــرٍ هَـــوَى
كَهُوْجِ الرِّيَـــــاحِ، ورَجْـعِ الصَّدَى
على حَدِّ سَيْـــفٍ، دَمِــي نَــــازِفٌ
تُحِيْطُ بِجُرْحِــــي سُيُوْفُ الْعِدَى!!

ويظهر في الشعر الرومانسي التَّمادِي في الخيال والتَّصوُّراتِ. يقول الشاعر في قصيدة هواجس:

أقُوْلُ وقَدْ عَزَّ الْفِرَاقُ، وهَاجَنِــــــي
رَفِيْفُ حَمَــــامٍ هَــــامَ أوْ بُلْبُلٌ شَـــدَا
أيَرْجِعُ مُشْتَاقٌ إلى الأرْضِ والْهَوَى
كمَا كَانَ بالأمْسِ الْبَعِيــــدِ مُجَدَّدَا؟!
يَلُفُّ جَنَاحَيْــــــــهِ الْحَنيْنُ إلى الصِّبَا
ويَحْضُنُ دِفْءُ الْحُب ِّ أحْلامَــهُ غَدَا
يُلَوِّنُ ظــــلُّ الشَّمسِ فَوْقَ رِمَالِــــهِ
على شاطئ النِّسْيَانِ، جِسْمًا مُمَدَّدَا
تَسُفُّ بِهِ الأرْيَــاحُ حِيْنًا على الثَّرَى
وحِيْنًا على الأنْوَاءِ، مَوْجًا مُعَرْبِدَا

7- الحزن واليأس، منبعهما الشعور باغتراب الذات عن العالم الذي يحتويها، وصراعها الدائم معه:
خَاتِمَةُ الأيَّام
قَدْ كانَ مَا كَانَ مِنْ بُعْدٍ وَمِنْ سَفَـــــرٍ
هَلْ يُرْجِعُ الْوَصْلُ مَا أوْدَى بِه السَّفَرُ!!
تَمُــرُّ خَاتِمَــــةُ الأيَّـــــــامِ غَاضِبَــــةً
مِنَ الرَّزَايَا، على الرَّمْضَاءِ تَسْتَعِــرُ
تَثُوْرُ فِيْهَا تَبَــــــارِيْحُ الْجَوَى دُمَــــلاً
مِنَ الْجِرَاحَــــاتِ يُنْزَى تَحْتَهَا الْعُمُــرُ
تَشُدُّ فِيْهَــــا سِنِيْنُ الْهَجْــــرِ أَحْزِمَـــةً
مِنَ الشَّكَـــاوَى مَعَ الأَنْفَاسِ تُعْتَصَــرُ
تَتِيْـــهُ فِيْهَا مَعَــــاريجٌ وَأَجْنِحَــــــــةٌ
على الرِّيَـــــاحِ، بِجُنْحِ اللَّيْلِ تَسْتَتِـرُ
مِنْ بَعْدِ عِشْرِيْنَ عَامـًا، كيْفَ أَنْتَظِرُ
قَدْ خَانَنِي الصَّبرُ، فَانْطِقْ أَيُّهَا الْحَجَرُ؟!
وعن الغربة قال:

عِقَابُ الْغُرْبَةِ
وَمَــا كَانَ اغْتِرَابِــي غَيْرَ سُــــمٍّ
جَرَعْتُ السُّمَّ أَحْسِبُهُ شَرَابَـــــــــا
خَسِرتُ بِغُرْبَتِي وَطَنِي وَأَهْلِـــي
وَأَحْسِبُ غُرْبَتِي كَانَتْ عِقَابَــــــا
وقال أيضاً:

مَا الْعُمْرُ فِي فَلَكِ الْوُجُوْدِ إِذَا هَـوَى
إِلاَّ كَنَجْـــمٍ فِي السَّمَاءِ بَعِيْــــــــــدِ
نَهْفُو لَهُ، إذْ يَسْتَحِيلُ لِقَــــــــــاؤُهُ
وَنُحِبُّهُ فِي وَجْـــهِ كُلِّ وَلِيْـــــــــــدِ

8- الاحتفاء بالشعر والشعراء،
فالشاعر هو النبي في مجتمعه وأمته، والشعر هو رسالته الإصلاحية. والأديب مصلح اجتماعيّ والشّاعر نبيّ

الْمَجْدُ الأدَبيُّ
إنَّ مَجْدِي في أَنْ أَكُوْنَ أَدِيْبًــــــا
لا يُوَازِيْهِ فِي الْعُلى أَيُّ أَمْــــــــرِ
وَحَيَاتِي فِي الشِّعْرِ خَيْرُ دَلِيْــــلٍ
عَنْ طِلابِـــي لَهُ وَرِفْعَةِ قَــدْرِي
مَا تَنَازَلْتُ فِي حِمَى الْفِكْرِ يَوْمًــا
عَنْ قَنَاعَاتِي أَو مبادئ فِكْــــرِي
وَجِهَادِي فِي الْحَقِّ أَفْضَلُ عِنْـدِي
مِنْ كُنُوْزِ الدُّنْيَــا، وَمَالٍ وَتِبْـــرِ
وَتَحَمَّلْتُ مِنْ أَذَى النَّاسِ شَــــرًّا
هَدَّ جِسْمِي، وَفَاقَ طَاقَةَ صَبْرِي
قَدْ خَبِرْتُ الأَذَى لَدَيْهِم غَبَــــاءً
بَيْنَ شَرَّيْنِ، وَالأَذَى فِعْلُ شَـــرِّ
غَيْرَ أَنّــِي مَا زِلْتُ فِيْهِمْ أَمِيْنًـــا
فِي كِفَاحِي أَخْشَى شَماتَةَ دَهْرِي
مَا تَوَانَيْتُ أَنْ أَصُوْنَ بِنُصْحِـي
حَقَّهُـمْ فِي الْوَرَى ، أُبَيِّــنُ عُــذْرِي
وَاعْتِرَافِــــي بِمَا أَسِيْتُ جَدِيْــــرٌ
بِاعْتِزَازِي وَشُعْلَةٌ فَوْقَ صَـدْرِي
فَجِهَادِي فِي النَّفْسِ بَعضُ صَلا تِي
حِيْنَ تُتْلَـــــى، وَآيَةٌ يَوْمَ حَشْــرِي
وَجُمُوْحِـــي بِمَــا تَخُــطُّ يَمِيْنِــــي
يُشْعِلُ الرُّوْحَ حِيْنَ أَكْتُبُ شِعْـرِي
فَلِسَامِي الْمُنَى، حَمَلْتُ يَرَاعِــي
نَاطِقًا عَنِّي، كَاشِفًا بَوْحَ سِــرِّي
أَسْتَعِيْدُ الْحَيَـــاةَ، رِحْلَــــةَ مَجْــــدٍ
إِنَّ شِعْرِي مَجْدِي، وَحِلْيَــةُ دُرِّي
فَكِبَارُ الشُّعَارِ كَانُــــــوا دُعَـــــاةً
ضِدَّ ظُلْمٍ، وَضِدَّ بَغْــــيٍ وَكُفْرِ!!

9- التخفّف الشّديد من البحور الطويلة والتفعيلات المركّبة والاوهام الرومنسيّة:
أَحْلامٌ وأَوْهَامٌ
أُسَافِرُ خَلْفَ أَحْلامِـــــــي
عَلَى و َرَقي وَأَقْلامِــــــي
وَأُبْحِرُ فِي مِدَادِ الْحِبْــــــ
ر ، فِي شَرْيَانِهِ الدَّامِـــــي
أُفَتِّشُ عَنْ مَرَافِئِــــــــهِ
أُسَابِقُ مَوْجَهُ الطَّامِـــــــي
ولَكِنْ حِيْنَمَا أَرْسُـــــــــو
أُلامِسُ وَقْعَ أَقْدَامِــــــــي
وَأَعْبُرُ شَاطِئَ النِّسْـــــــيَا
نِ، مُغْتَسِلاً بِأَوْهَامِـــــــي
تَهُزُّ عَوَاصِفُ الذِّكْـــــرَى
كَوَابِيسي وَأَحْلامِـــــــــي
فَتَسْقُطُ دَمْعَتِي الأُولَــــــى
عَلَى إِيْقَاعِ آلامِــــــــــي
وَتَتْبَعُ دَمْعَتِي الأُخْــــــرَى
تَرَانِيْمي ، وَأَنْغَامِــــــــي
هِيَ الأَحْلامُ عَاجِــــــــزَةٌ
تُفَسِّرُ عَجْزَ أَيَّامِــــــــــي
وَمَا يَبْقَى مِنَ الأَحْـــــــلا
مِ، إِلاَّ بَعْضُ أَوْهَـــــــامِ!

خاتمة:
وبعد، فالرحلة في فراديس هذا الديوان تغري بالبقاء والاسترخاء تحت أفياء قصائده التي تسلمك الجميلة فيهنَّ إلى أخرى أجمل، كالحِسان الحُورِ.
لكنّ الوقتَ لا يكفي، والقراءةُ، مهما طالت، لا تفي؛ فجراح الغربة ديوانٌ عظيمٌ كبيرٌ، عظيمٌ بما احتواه من دُرِّ الكلام، وكبيرٌ بقصائده وحجمه.

تم حصر ُ ما ينوف على 70 قصيدةً في الديوان، متفاوتةَ الطول، متباينةَ الموضوعات والأغراض الشعرية، بالإضافة إلى ما أسماه الشاعر نفحات؛ مجموعةٌ من الرباعيّات والخواطر.

هذه القصائد تخوض في تجاربَ متنوّعةٍ في الحياة، تحكمها رومنسية الشاعر برقّةٍ وعذوبة، تغلب عليها صبغة الألم والغربة، بألفاظها وموضوعاتها، وتجاربها المريرة، وتمرّ تأملات الشاعر وتصل بشكل حكمٍ مبثوثةٍ في مناطقَ مختلفةٍ على مساحة الديوان.


منذر فالح الغزالي

بون- ألمانيا في 16/1/2202



  • السيميائيّة، أو علم العلامات (السميوطيقا): علم يدرس أنساق العلامات والأدلة والرموز، سواء أكانت طبيعية أم صناعية، وتُعدّ اللسانيات جزءا من السيميائيات التي تدرس العلامات أو الأدلة اللغوية وغير اللغوية، في حين أن اللسانيات لا تدرس سوى الأدلة أو العلامات اللغوية. ومن الروّاد المُؤسِّسين لهذا العلم، هناك فرديناند دي سوسير وشارل ساندرز پيرس،

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...