يسألني أحد طلابي السؤال التالي عن إحدى قصائد الشاعر محمود درويش: ماذا يقصد الشاعر بقوله: سقط الحصان عن القصيدة؟
وسأجيبه وأنا أعد نفسي لإلقاء محاضرة في الأدب الفلسطيني: الحصان هو الثورة التي أخذت تغيب عن أشعار الشاعر منذ الخروج الكبير من بيروت، فقد كان الشاعر ما بين ١٩٧٢ و١٩٨٢ شاعر الثورة، أيام كانت هذه في عنفوانها.
هل سأكتفي بما قلت للطالب أم أن الموضوع سيشغلني؟ سأتذكر أشعار أبي الطيب المتنبي في الحصان، أبو الطيب الذي قال: "أعز مكان في الدنا سرج سابح".
وهو الذي كانت الخيول في رومياته لا تقل قيمةً عن الطائرات الحربية في زماننا، حتى إنه لقب بشاعر الخيل.
في مسلسل "في حضرة الغياب" كان الشاعر، أيام كان طفلاً، يركب الحصان ويسير، حتى إنه مرة وقع وكاد يموت، والحصان لدرويش غير الحصان للمتنبي. درويش من أسرة المحراث، وجدّه كان فلاحاً، وكان الحصان يعني له الارتباط بالأرض والحقل، لا وسيلة لبلوغ حصن العدو لمقاتلته. ولكن الحصان في "رحلة المتنبي إلى مصر" (١٩٧٩ / ١٩٨٠) يعني القوة والاندفاع:
"كم اندفعت إلى الصهيل
فلم أجد فرساً وفرسانا"
مات الصهيل بموت عبد الناصر، الرجل ذي الظل الأخضر، ومات بموته الفارس.
هل نفهم من قوله: "سقط الحصان عن القصيدة" غياب القوة والعنفوان والاندفاع عن قصائده بعد ضعف الثورة؟ وماذا بشأن قوله: وأنا سقطت مضرجاً بدم الحصان"؟ هل يعني هذا أن الشاعر ما عاد شاعر ثورة؟ ما عاد شاعر عنفوان واندفاع؟
في قصيدته "على محطة قطار سقط عن الخريطة" يقول درويش: "سقط القطار عن الخريطة". كان ثمة قطار في فلسطين قبل ستين / سبعين عاماً، ثم ما عاد موجوداً كما كان. ولقد احترق الشاعر بجمرة الماضي، وحين كتب القصيدة (٢٠٠٨) كان ما زال حياً.
ضاعت فلسطين عن الخريطة، وها هي تعود. هل سيعود القطار؟ وهل سيبعث الشاعر حياً؟ سأموت وفي نفسي شيء من حتى!!.
أ. د. عادل الأسطة
2012-12-02
وسأجيبه وأنا أعد نفسي لإلقاء محاضرة في الأدب الفلسطيني: الحصان هو الثورة التي أخذت تغيب عن أشعار الشاعر منذ الخروج الكبير من بيروت، فقد كان الشاعر ما بين ١٩٧٢ و١٩٨٢ شاعر الثورة، أيام كانت هذه في عنفوانها.
هل سأكتفي بما قلت للطالب أم أن الموضوع سيشغلني؟ سأتذكر أشعار أبي الطيب المتنبي في الحصان، أبو الطيب الذي قال: "أعز مكان في الدنا سرج سابح".
وهو الذي كانت الخيول في رومياته لا تقل قيمةً عن الطائرات الحربية في زماننا، حتى إنه لقب بشاعر الخيل.
في مسلسل "في حضرة الغياب" كان الشاعر، أيام كان طفلاً، يركب الحصان ويسير، حتى إنه مرة وقع وكاد يموت، والحصان لدرويش غير الحصان للمتنبي. درويش من أسرة المحراث، وجدّه كان فلاحاً، وكان الحصان يعني له الارتباط بالأرض والحقل، لا وسيلة لبلوغ حصن العدو لمقاتلته. ولكن الحصان في "رحلة المتنبي إلى مصر" (١٩٧٩ / ١٩٨٠) يعني القوة والاندفاع:
"كم اندفعت إلى الصهيل
فلم أجد فرساً وفرسانا"
مات الصهيل بموت عبد الناصر، الرجل ذي الظل الأخضر، ومات بموته الفارس.
هل نفهم من قوله: "سقط الحصان عن القصيدة" غياب القوة والعنفوان والاندفاع عن قصائده بعد ضعف الثورة؟ وماذا بشأن قوله: وأنا سقطت مضرجاً بدم الحصان"؟ هل يعني هذا أن الشاعر ما عاد شاعر ثورة؟ ما عاد شاعر عنفوان واندفاع؟
في قصيدته "على محطة قطار سقط عن الخريطة" يقول درويش: "سقط القطار عن الخريطة". كان ثمة قطار في فلسطين قبل ستين / سبعين عاماً، ثم ما عاد موجوداً كما كان. ولقد احترق الشاعر بجمرة الماضي، وحين كتب القصيدة (٢٠٠٨) كان ما زال حياً.
ضاعت فلسطين عن الخريطة، وها هي تعود. هل سيعود القطار؟ وهل سيبعث الشاعر حياً؟ سأموت وفي نفسي شيء من حتى!!.
أ. د. عادل الأسطة
2012-12-02