محمد معتصم - ملحمة الصمود والبقاء

1/ ليس من المفاجأة أن يصدر صحافي في مجال الرياضة كتابا أدبيا، وفي الإبداع السردي، لأن روائيين كبارا في العالم جاؤوا إلى الأدب من حقول بعيدة!! كالطب والرياضيات...، ومن حرف ومهن مختلفة، فتوفقوا وبنوا لأنفسهم أمجادا وأسماء خالدة، بل المفاجئ حقيقة التحديد الأجناسي لكتاب، وقد وسم الكاتب نوع مؤلفه بالتالي:" ملحمة، نصوص قبيلية"، وهو تحديد لنوع أدبي غير مسبوق، وإن تضمن لفظ "ملحمة" ولفظة "نصوص".

فالملاحم فن أدبي قديم رافق نشوء وتكون الإمبراطوريات الكبرى في التاريخ، وقد يسجل أمجادها في الحروب وانتصاراتها على أعدائها في الدول- المدينة المجاورة والمنافسة. أما النصوص فهي ابتكار حديث تخلص فيه الأديب من نقاء الأنواع وحدودها الفارزة لاقتحام مجال التداخل بين الأجناس والأنواع الأدبية، مما سيتيح للكاتب إمكانية التعبير الأدبي الأوسع، والمراوحة بين الأسلوب الموضوعي الذي نعالج القضايا ذات البعاد الاجتماعية والفكرية والسياسية، وفي الوقت ذاته كتابة ذاته أو الكتابة بالذات، والتعبير عن الأبعاد الشخصية والنفسية؛ من مشاعر وعواطف ضمن أسلوب شاعري.

2/ لكن هل يمكن اعتبار هذا الكتاب رواية، بالمعنى الواسع؟

نعم، لأنها سرد يقوم على البناء السردي البنيوي المحكم:

1.2/ المقدمة:

وهي ما يعرف في النقد البنيوي بالحالة البداية (Initial)، وهي حالة متوازنة غير مضطربة. كما في الرواية الطبيعية والواقعية في الغرب، بدأ الحسين الحياني روايته، أي أنه عمد إلى وصف المكان وأهله وعاداتهم كاختيار الأسماء وطريقة البناء مثلا. هذا النوع من الكتابة لا يختلف عن الكتابة الطبوغرافية، لكنْ هنا لها وظيفة وسياق. وسياقها الحديث عن (قبيلة الحياينة) التي ينتسب إليها وينحدر منها الكاتب. أما وظيفتها فإعادة الاعتبار لمنطقة نائية ومهمشة من مغرب ما قبل الاستقلال.

الأهم في المقدمة أنها تفسر الاختيار الأجناسي (ملحمة نصوص قبيلية). والاختيار لم يحتكم للبناء السردي بقدر ما فضل الانتماء للمضمون السردي.

2.2/ العنصر المشوش:

تمثل في تجرؤ (الشاوش فضول) على مخاطبة (حادة) والتحرش بها أمام أنظار الأهالي،وتحت مراقبة زوجها (قدور). هذا الحادث لن يكون بسيطا ويمر عاديا، لأنه يختزل كل عادات وتقاليد المنطقة، وقبيلة "الحياينة" خاصة.

3.2/ الذروة أو العقدة:

وهي الحالة المضطربة وغير المتوازنة، وتأتي في إثر الحادث السابق (العنصر المشوش)، حيث ستنقلب الأمور راسا على عقب. وتتطور الأحداث في اتجاه أخطر: تعود حادة إلى الدوار، ويموت الوليد بعدما ثم اعتقال الزوج (قدور) الذي دافع عن شرفه أمام الملأ، فقهر استبداد واستهتار (الشاوش فضول) عميل المستعمر الفرنسي.

4.2/ الحل:

يقضي قدور مدة السجن (ثلاثة أشهر)، ليجد الأمور قد تغيرت وحال الأهل قد تبدلت، وهو ذاته لم يعد قدور المسالم والقوي الذي لا يهمه من الدنيا غير العمل والطعام وحادة. ولم يكن الحل الممكن لتجاوز الحادث وما ترتب عنه من تطورات في رأي القبيلة، ورأي قدور سوى الانتقام والتخطيط له، من أجل غسل العار، والانتقام للقتيلين تحت سياط التعذيب...وهو ما نجح في القيام به (الطيب جالوق)، عند استدراج الشاوش فضول إلى قلب دوار (أولاد سلطان).

5.2/ النهاية:

وهي الحالة التي تختتم بها القصة وتغلق. وقد اختار الكاتب في النهاية حلا للغز اختفاء الشاوش فضول وحصانه، ومعاقبة الجناة.

3/ انطلاقا من هذه المحددات السردية يمكن اعتبار الكتاب رواية شكلا وبناء، لكن من حيث المضمون فهو ملحمة في الصمود ومواجهة المحتل الفرنسي وبطش أعوانه، وإهمال السلطة المغربية للمناطق النائية، وهو نشيد رفيع في رفض السكوت عن الضيم والظلم.

إن الاختيار الذي صنف ضمنه الكاتب عمله الأدبي يميل إلى إبراز القيم التي تمسكت بها قبيلة الحياينة والعادات والتقاليد التي غذتها الوضعية الهامشية للقبيلة وأهلها بعيدا عن المركز وعن الاهتمام وعن التعليم، والعزلة التي فرضت قسرا على المناطق النائية لمغرب ما قبل الاستقلال.

4/ من المشاهد المؤثرة والبليغة التي أبرز فيها الكاتب الحس العاطفي والتدفق السردي الشاعري والإنساني، ما بلي:

· مشهد المكيدة وقتل الشاوش فضول وحصانه.

· مشهد تعذيب أهل دوار (أولاد سلطان) وصمودهم حتى الموت.

· مشهد الصمود في وجه الأحكام القاسية، رجالا ونساء.

كل ذلك يتساوق والروح الملحمية التي ارتآها الكاتب عنوانا بارزا لعمله. والرواية تتضمن من خلال الحادث الأخير (الحالة النهائية) والحادث الختامي بعث الأمل في الحياة وفي الاستمرار والصمود والمواجهة والبناء.

5/ إذا كان هذا العمل يميل من حيث بناؤه إلى السرد الروائي فإن حضور مؤشرات داخلية (داخل النص) يدل على أن الطابع السير ذاتي حاضر بقوة في هذا الكتاب، لكنه لا يرقى إلى درجة اعتباره سيرة ذاتية، وإلا سينتفي الهدف وتضمحل الغاية المرسومة للملحمة القبيلية في ذلك الزمان.

إن حضور الأنا في الكتاب يبقى حضورا طفيفا، حضور مكون من مكونات القبيلة، وواحد من أفرادها الذين شاهدوا ما حدث ونقله بصدق على المتلقين.

6/ ولابد في النهاية من الإشارة إلى أحد العيوب التي شابت العمل وكادت في كثير من مرات الخروج به بعيدا عن الأدب، والزج به في حياض التأريخ، والمرافعة، وهي النتوء السردية الطويلة التي تبرر وتحاجج. لكن تبقى هذه التجربة الأولى في كتابة الرواية، ويشفع لها أنها كتبت بغيرة ومحبة وبصدق، لذلك تستحق القراءة للتعرف على تاريخ مظلم للمناطق المغربية النائية التي عانت قبل الاستقلال وبعده من التهميش والجهل، وكأن الكتاب دعوة موجهة من أجل المغرب الآخر، لإدماجه في محيطه الطبيعي والتنموي، والاستفادة من طاقاته وخيراته. ولن يعدم القارئ في الكتاب روح المرح والسخرية في مستوياتهما البلاغية والاجتماعية، وأيضا شغف الكاتب بالألقاب.

* الحسين الحياني؛ صهيل منتصف الليل. ملحمة نصوص قبيلية. دار أبي رقراق. ط 1. 2008م.











تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...