(1)
في محجرنا إرسالٌ خافت عبر جدار صفيحيّ واهن، تواصلٌ غير أكيد بين فريقين محجوزين، معزولين عن بعضهما؛ وكان كلّ فريق يجهل ما يحتجزه القسمُ المجاور، وإن كان على إحساس خانق بانحشار الأجساد، وانصهارها في الحرارة المتصاعدة من الجدار الرقيق، والسقف الخرساني المشترك بين القسمين. يوحي الفراغ الموجود بين حافة الجدار والسقف باختلاط الأنفاس، أنفاس الضجر أو أنفاس المرض، بين المحجورين والمأسورين، على الجانبين، لكنه لا يسمح بأيّ خطة للعبور وتبادل الأماكن، ما أن يحلّ الليل، ويغفو الحرّاس. والحقيقة حرّاسنا هم منا أيضاً، فهم إما محجور هنا أو محبوس هناك، لكنّهم ما أن يقع عليهم الاختيار بحراستنا، حتى ينقلبوا إلى كلاب كاسرة، تنهش ما تبقى من صدور متناقصة الهواء، وأفواهٍ عافت الكلام واكتفت بالوصوصة والعواء، أو السعال والتمخّط. لكننا عرفنا هنا حقيقة حجرنا استناداً إلى ما ينقله الحراس من أخبار متضاربة عن ذلك الجانب، زادت في عزلتنا واحتراسنا من الاختلاط أو العبور عبر الجدار الصفيحي، أي من محاولة القفز عبر الفراغ أعلى حافة الجدار. يمكنك تصور قسمنا، ولنقل إنه (أ) المحتوي سبعةً وسبعين محجوراً على شبهة المرض، والعدد نفسه من المأسورين في القسم (ب) بتهمة التحريض على التمرد، وحرق المؤسسات الكبيرة، أو حتى المتاجرة بالأعضاء البشرية، والنخاسة، وتبييض الأموال، وقد تكون هناك تُهم كيدية وراء احتجازهم كإهانة السلطات والإلحاد والمثلية الجنسية والكتابة على الجدران. على وجه التخبط، فإن الحجز الوقائي، والحجر الوبائي، تُهمتان مدسوستان على ملفاتنا السرية، بعد تحقيقٍ قصير أو فحص بأجهزة الأشعة المقطعية، وهناك خلط كبير لا يمكن توضيحه أو تفسيره، ينتشر أو ينزوي كسرب من النمال أو تعشيش للزرازير في الكوى السقفية. لا أحد برئ في المحيط الملغوم بالشائعات والقرارات الحكومية المتبدلة بين ليلة وأخرى. نعم. ليس في الجوار الخارجي، ولا في الملجأ الداخلي الذي يُساق إليه سيئو الحظّ. آخر ما يقال عن عالمنا، إنه "محجر" كبير، يدخله الممسوسون من القادة والحكام والشخصيات المهمة، إضافة الى الأغلبية من الشخصيات التافهة، في جانب؛ ورجال حُلقت رؤوسهم وأدخلوا نفقَ الإشعاع المظلم، في الجانب الآخر.
لقد حلّت الفرصة لكي أحرس الجانب الآخر، وألتقي بأحد الأشخاص المهمّين؛ ذلك المرسوم في خاطري، كوشمٍ عميق. إنه غريمي في العزل والحبس منذ عشرات السنين الظلامية. ليس متّهما بجريرة معروفة مما عددناها، بل قد لا يكون مجرماً قط. الاسم غير مهم، مفرداً أو مركباً، فأنا أفتعل وجوده على الجانب الآخر (ب) لأجل البحث عن مهرب من الحجر في قسم المفحوصين بجهاز الأشعة. حصل العبور بعد ثلاثة شهور من الحجر الوبائي، حين نودي على الرقم ٦٦، ثلاث مرات، قبل انتباهي إلى أنّي المقصود بالنداء. سقط الرقم من الميكرفون المثبّت في جهة سقف المحجر الخاص بقسمنا؛ سقط كحجر شجَّ الرأسَ المقصود بالاستدعاء الدوري، فانسحبتُ من مكاني في المحجر، وجُرِرتُ الى الخارج عبر ممر أرضي، إلى غرفة التجهيز. كان المحجورون من قسمنا يذهبون إلى هذه الغرفة دورياً ثم يعودون بعد إجراء الفحص عليهم بجهاز المفراس، ومن يتخلف عن العودة إلى مكانه في القسم، تقع عليه قرعة الحراسة كما قد يخمّن أحدنا هنا. وعموماً لا يكتشف المحجورُ غياب شخص قريب إليه، إلا في حالات نادرة. ذلك حين يعود إلينا شخصاً مختلفاً في كلّ جزء من كيانه؛ الوزن والسحنة، والطول أيضاً. انجررتُ، إذن، من دون اكتراث أحدٍ من المحجورين. كان هذا دوري في التجهيز، ولم يكن الأمر يعني شخصاً غيري؛ بل لم أكن أعرف ما سيحدث لي هذه المرة. كلّ شيء مرتب في نظام المحجر، إلا أن المحجور، أو المحجوز، قلّما ينتبه لحدوث تغيير كبير في نفسانيته أو بيولوجيته، غير متألم، غير مكترث.
ربما غفلتُ عن توضيح وضعٍ جزئي لوجودنا في القسم (أ) من المحجر. خُصّص لكل محجور سرير، معزول عن السرير المجاور له بستارة بولستر زرقاء؛ ولا أعلمُ وضع المحجوزين في القسم (ب) سوى أنهم معزولون مثلنا بساترٍ سلكي أو قفصٍ شبكي، كما نقلَ بعض الحراس، بعد انتهاء نوبتهم. أما نوبة الحراسة فقد تدوم أياماً أو شهوراً، حسب شروط مجهولة للفريقين، وأهمها تجهيز الطعام وتقديمه لكل فرد في القسمين. وقد تتسع الشروط لسحب الموتى ودفنهم، وتنظيف أسرّتهم، إضافة إلى مهمات خاصة لا علم لكثيرين بها. كما لا يعلم أحد بمدة حجزه أو حجره، تخمينات لا تلبث أن تصهرها الحرارة، او تجمّدها البرودة، على جانبي الحاجز الصفيحي. بالأحرى يحيط المحجر كتمان شديد، كما نتوقع. ولم يطلّ على أحد الفريقين مسؤول حكومي كبير، عدا عن زيارة طبيب أو فرد عائلي، أو مندوب عن الصحافة والتلفزيون أو ممثل لحقوق الإنسان. عزلة تامة كما في قصة رعب؛ سوى أن الحياة في المحجر تسير ببطء شديد، ونظام دؤوب كما في مستعمرة نمل.
(2)
لعل قصصاً بهذا الموضوع، تبدأ بداية شائعة في نصوص إدغار ألن بو القروسطية، ولعلها تستعيد محبساً من محابسه المختفية تحت الأرض، أو مشفى لمجانين يتمتعون بعقل شيطاني لا يخطر في كتب الأطباء والمحللين النفسيين، أو مستعمرة قصية على جزيرة في البحر، أو وسط غابة بدائية كثيفة الأشجار. لكني لي برهاني الخاص الذي سأولّده من حفري في متون الوثائق والأرشيفات السرية لقسم ملاصقٍ للمحجر الكبير يعرف ب"قسم التجهيز والسيطرة النوعية"، يجعلني أعتقد أن نظام المحجر غير عابث ولا صلة له بمستعمرات العقاب. أدينُ باكتشافي هذا إلى نوبة الحراسة التي انتُدبتُ لها، ورجوتُ أن أطيل مهمتي بالدهاء مرة، والطاعة المطلقة التي تسحق أيَّ ميزة عليا أو دنيا في حالات مماثلة، كالدراسة في جامعة تكنولوجية أو مركز متخصّص بالتجهيز والسيطرة الكلية على الأقدار المستقبلية. وهذا ما أريد الوصول إلى عمقه المجهول، وتصفّح أرشيفه الورقي والإلكتروني الهائل الصفحات. وبكلمة واحدة، فالمركز هذا لصيق عقلٍ تجريبي، مجهز بمخالب ناعمة وأجنحة ملائكية. أعني أن من يعمل في إدارة مركز المحجر الكبير جنس من الكائنات المغلّفة بالبدلات البيض الكاملة، وأقنعة الرأس الواقية. أما الجناح الخاص بالأرشيف فتديره امرأة تدعى "الأخت الكبيرة سارة" كما يشي صوتها الرقيق كورقة تتكسّر تحت الأصابع من طول احتجابها عن الأعين.
كان الحرّاس القلائل الذين وصلوا الى هذا القسم، يعودون بتسمية مختصرة له، واصفينَ مكوثهم القصير هناك بأنه خدمة بسيطة في "غرفة التجهيز". ذلك أنهم انتُزِعوا منه انتزاعاً، كما تُنتزَع قرادة من جلد حيوانٍ ثدييّ، او يُفطَم رضيع من ثدي امرأة مدرار بحليب سرمديّ. فالصورة التي وصلتُ إليها عن نوع المهمة القصيرة للحراس، تشبه خدمة تمثال من تماثيل آلهة الخصوبة السومرية، جمع فضلاتها في حفرة، أو تتويج رأسها بإكليل من الأشواك، أو تزييت جسدها الرخامي في أحسن الأحوال بزيت الحيّات. لم يُتح لأحدهم أن يخترق الجدار الصلب للقسم وينفذ إلى ما وراء التمثال الأبيض للأخت سارة، المصنوع من النسخة السومرية القديمة، حيث تُحفظ السجلات والتحقيقات عن تاريخ المحجر الكبير. أما الخطوة التالية لاجتياز التمثال السرمدي، فهو اللقاء بالغريم الذي يحتفظ كلُّ محجور سيء الحظّ بنسخة منه في أعطافه التي طوّعها الحجر الطويل، وأخفاها في طبقة بعيدة داخل شعوره الذابل كثمرة فاسدة. سيلتقي الحارسُ المناوب، بإذنٍ من الأخت سارة، غريمه الرقيق ويلعق قدميه، قبل أن يسمح له بالجلوس قبالته، واستئناف التحقيق المقطوع منذ سنوات.
استقبلني المحقق الرقيق (ط) وأشار إلى نوع العقوبة التي أوقِفَ تنفيذها بسبب "استجابتي الطيبة" و"تعاوني الفذّ" و"ارتمائي في حضن القدر" و"نبذي لكلّ أشكال العنف والإلحاد والأممية العالمية" وغير ذلك من العبارات التي قرضَها المكوثُ في "المحيط الاجتماعي المتماسك كالبنيان المرصوص". كنت قد نسيت عبارات التطويع هذه، وقلت للمحقق بعد لأي: "لكنني.. سيدي العزيز.. محجور بسبب تلامسي مع حاملي فيروس الوباء، هذه المرة.. لم أعد متهماً بأي لعنة من لعنات الأمس، أو هكذا أفترض.. كما أعلمتني غرفةُ التجهيز عندما نقلتني الى القسم (أ) من المحجر".
صمتَ المحقق (ط)، وكان وجهه قد ازداد سمنة ونعومة، بما أغدقته سلطةُ الأخت سارة من قوارير الحجر والعزل الوقائي المتجددة، ثم فاجأني بالسؤال: "ما رأيك بهذا الفصل الاجتماعي الدقيق؟"
ظننتُ أنه يقصد الفصل بين النساء والرجال، فلا بد أن المحجر يضم قسماً خاصاً بالنساء، أو قسمين أسوة بالرجال. فكرتُ قليلاً قبل أن أجيب بسليقة دفاعية: "فكرة ممتازة يا سيدي، أن يتم العزل الاجتماعي كما يتطلب الوضع الجديد".
"أي وضع تقصده بالضبط يا صديقي؟".
"وضع القوارير المعرضة للكسر والامتهان في وضع أمين"
"يا له من تحريف وتلاعب بالحقائق. أتظن أننا نعزل النساء؟"
"أفترض أنهنّ معرضات للانتكاس والسلوك المنحرف. اعذر تفسيري"
"أنت تبالغ قليلاً.. النساء لهنّ واجب مختلف هنا. دورهنّ عظيم".
"فاتني أن ألاحظ ذلك. أحبّ أن أتعاون معهن. أقصد أن أرضخ لدورٍ كدورهن، كما تأمر الأخت الكبيرة"
"دعك من المراوغة والتملق. ستزاول عملك القديم الذي اعتُقلتَ من أجله قبل أربعة عقود، تحرير الكتب ونشرها في مطبعتك. هل ترغب في الانتقال للقسم الآخر؟"
"أنت يا سيدي تحاول إعادة الحياة إلى جسد ضعيف، بلغ الثمانين. ذاكرتي القرائية تضعف شيئاً فشيئاً. فضلاً عن أن مفاجأة الانتقال قد تهدد صحتي وتقتلني حالاً"
"أتظنني أغدر بك؟ أحاول تجديد قواك المنهارة فحسب. اخترتُ أفضل علاج يناسبك".
لا سبيل لرأي يزعزع سلامَ المحجر، كان غريمي أوطد من كلب حراسة مخلص، لن أستطيع إزاحته عن طريقي. كان له ذيل أخشن من ذيلي، وعينان تتفحصان ما تبقى من عظمتي الخاوية. مؤتُ كجروٍ، وهززتُ ذيلي القصير:
"أجل.. أجل. ربما اخترتَ الواجب الأنسب لمحجور مثلي. فلِمَ أرفض؟".
(3)
عندما عدتُ إلى معزلي في القسم الجماعي (أ) كنت قد أنجزتُ عملاً خارقاً لمؤرشفِ معلوماتٍ متمرس، من الطراز الوسواسي. لذا أحسست بأن قواي تخور، عكس اعتقاد المحقق (ط) الزائف؛ وكان حارسٌ مناوب يدور حول سريري المستور ينتظر خمود أنفاسي. أمضيتُ أيامي الباقية في استرجاع واجبي في قسم التجهيز والسيطرة، عملي القديم في تصحيح الصحف، ذوباني في الحروف والمقاطع والكلمات قبل أن تطلقها الطابعة الكبيرة من أذرعها الآلية. وعجبتُ من وجود ماكنةٍ أخطبوطية، أخبرني المحقق أنها في قسم مستقل بالمحجر، تستطيع لفظ كتابٍ في أقل من ساعة. لقد عملنا ليل نهار، أنا والمحقق، مع فريق من المحررين والطبّاعين الإلكترونيين، على تحريف مئات الكتب الكلاسيكية، وأعدنا كتابتها لتناسب الوضع الوبائي الجديد. والحقيقة، فإن ما أنتجناه من كتب ورقية كان يتناسب والذاكرة المعدنية المحرِّفة لوقائع الثورات التاريخية الكبرى وأفكارها التقويضية، فضلاً عن النظريات التي برهنت على طموح النفس البشرية في السيطرة على الطبيعة والمخلوقات. كان الخوف من نهاية المرحلة الوبائية وسقوطنا في خواء عدميّ، يدفع الفريقَ التحريفي المتخصص إلى تدمير التراث الإنساني بأجمعه. كنا حراساً مخلصين للجريمة الكبرى. وكان الحارس الشرس (ط) يصرخ بنا بين حين وآخر: "هيا أصدقائي. إنها فرصتنا في استغلال الطاقة الوبائية في أنفاسنا إلى أقصى الحدود. أفرغوا خبرتكم في قيادة المرحلة نحو الجحيم.. نعم الجحيم!". ثم يغادرنا ضاحكاً، بل نابحاً بوجه الآلات الأخطبوطية المحجوبة عن أنظارنا، لإتمام ما حُجِرنا من أجله.
أتذكر بين الفريق التحريفي المتخصص فتاة، لها ملامح الممثلة (جوليا) في الفيلم المصور عن رواية جورج أورويل (١٩٨٤). وعلى عكس فتاة أورويل المتكتمة، فقد أعلنت فتاة المحجر (سينا) ميلاً شديداً لتحريف لغة الكتب، بالاتجاه الذي أزعج (ط) كثيراً. كانت (سينا) قد أجهزت على رواية جاك لندن (العقب الحديدية) ونقلت أحداثها إلى إحدى بلدان الشرق الأوسط. خرقت (سينا) الثقة المضمرة مع المحقق، على أن يكون دورها "حذاء بلا كعب" فداست بجزمتها الطويلة على العروش والقصور. سُحبت ودُفنت بعيداً. وسمعنا للمرة الأولى صوت الأخت الكبرى سارة، يحذر فريق النسوة من تحريف كتب فلاسفة الوباء المتأخرين. زعقَ الصوت في الميكروفونات: "ثقتنا كبيرة في أن يقتصر التحريف على الحقائق الأساسية، حقائق ما قبل العصر الوبائي، نظريات فرويد وماركس ونيتشه وجاك لندن بالطبع. لكن بزاوية الصقر المدرّب، الذي يُعطى مقابل استجابته فرصة جديدة للطيران أبعد فأبعد من دون رقابة أو عقاب". ثم شرح الحارس (ط) قاعدة المحجر هذه بقوله: "ليس هناك شيء أثمن من الحرية، وحريتنا في أن نحرّف وجودنا ليصبح ذاتيَّ الحركة، مثل ماكينة طباعة إلكترونية عملاقة. أن نفلسفه ليصبح حراً من الخوف، وأن نكتبه كما لو كان نصاً هايبرياً متعدّد الروابط والزوائد".
حينما انتهت نوبتي في الحراسة، حانت فرصة للجلوس مع غريمي المحقق (ط). استفهمتُ منه عن مصير الطبّاعة الخاطئة (سينا). أخبرني أن حظها كان عاثراً، وتأسّفَ لتحريفها الخاطئ مفهوم الثورة: "تصوّر عزيزي ما يحدث حين يُخطئ البيزار في توجيه صقره. لقد منحت الفتاةُ طائرها حرية أكبر من طلبها هي ذاتها للحرية، فعاد ليفقأ عينيها. كان الأفضل لها أن لا تعيش عمياء في ما تبقّى لها من عمر".
جُرِرتُ ثانية إلى مكاني بين المحجورين، جاهلاً مدة حراستي في قسم التجهيز والسيطرة، وأهم ما أنجزتُه كان تحريف كتاب ماركس "رأس المال". كان رضا غريمي المحقق عن عملي كبيراً، وقوّمه على أنه إنجاز يفوق تحريفات "فوكوياما" وهنتنغتون" و"ألتوسير" و"ديريدا" و"جيجيك" و"إيكو" جمعاء لملامح العصر ما قبل الوبائي. أخبرني بأنّ عالَماً جديداً سيولد من طابعة المحجر، ولن يحيا الإنسان بعده ما جرّبه من حياة قبله. ثم ختم حديثه: "كم أنت سعيد الحظ يا صديقي البيزار. حققتَ انتقالاً إلى فضائك الحرّ أسرع من غيرك".
عدتُ واضطجعت على فراشي، مكتفيا بلقب "البيزار"، ولعله لقب المحجور الأخير الذي ينتظر الحارسُ، المناوِبُ قرب سريره، انتهاء طاقته على التنفس وتحريف المستقبل..
جريدة طريق الشعب
في محجرنا إرسالٌ خافت عبر جدار صفيحيّ واهن، تواصلٌ غير أكيد بين فريقين محجوزين، معزولين عن بعضهما؛ وكان كلّ فريق يجهل ما يحتجزه القسمُ المجاور، وإن كان على إحساس خانق بانحشار الأجساد، وانصهارها في الحرارة المتصاعدة من الجدار الرقيق، والسقف الخرساني المشترك بين القسمين. يوحي الفراغ الموجود بين حافة الجدار والسقف باختلاط الأنفاس، أنفاس الضجر أو أنفاس المرض، بين المحجورين والمأسورين، على الجانبين، لكنه لا يسمح بأيّ خطة للعبور وتبادل الأماكن، ما أن يحلّ الليل، ويغفو الحرّاس. والحقيقة حرّاسنا هم منا أيضاً، فهم إما محجور هنا أو محبوس هناك، لكنّهم ما أن يقع عليهم الاختيار بحراستنا، حتى ينقلبوا إلى كلاب كاسرة، تنهش ما تبقى من صدور متناقصة الهواء، وأفواهٍ عافت الكلام واكتفت بالوصوصة والعواء، أو السعال والتمخّط. لكننا عرفنا هنا حقيقة حجرنا استناداً إلى ما ينقله الحراس من أخبار متضاربة عن ذلك الجانب، زادت في عزلتنا واحتراسنا من الاختلاط أو العبور عبر الجدار الصفيحي، أي من محاولة القفز عبر الفراغ أعلى حافة الجدار. يمكنك تصور قسمنا، ولنقل إنه (أ) المحتوي سبعةً وسبعين محجوراً على شبهة المرض، والعدد نفسه من المأسورين في القسم (ب) بتهمة التحريض على التمرد، وحرق المؤسسات الكبيرة، أو حتى المتاجرة بالأعضاء البشرية، والنخاسة، وتبييض الأموال، وقد تكون هناك تُهم كيدية وراء احتجازهم كإهانة السلطات والإلحاد والمثلية الجنسية والكتابة على الجدران. على وجه التخبط، فإن الحجز الوقائي، والحجر الوبائي، تُهمتان مدسوستان على ملفاتنا السرية، بعد تحقيقٍ قصير أو فحص بأجهزة الأشعة المقطعية، وهناك خلط كبير لا يمكن توضيحه أو تفسيره، ينتشر أو ينزوي كسرب من النمال أو تعشيش للزرازير في الكوى السقفية. لا أحد برئ في المحيط الملغوم بالشائعات والقرارات الحكومية المتبدلة بين ليلة وأخرى. نعم. ليس في الجوار الخارجي، ولا في الملجأ الداخلي الذي يُساق إليه سيئو الحظّ. آخر ما يقال عن عالمنا، إنه "محجر" كبير، يدخله الممسوسون من القادة والحكام والشخصيات المهمة، إضافة الى الأغلبية من الشخصيات التافهة، في جانب؛ ورجال حُلقت رؤوسهم وأدخلوا نفقَ الإشعاع المظلم، في الجانب الآخر.
لقد حلّت الفرصة لكي أحرس الجانب الآخر، وألتقي بأحد الأشخاص المهمّين؛ ذلك المرسوم في خاطري، كوشمٍ عميق. إنه غريمي في العزل والحبس منذ عشرات السنين الظلامية. ليس متّهما بجريرة معروفة مما عددناها، بل قد لا يكون مجرماً قط. الاسم غير مهم، مفرداً أو مركباً، فأنا أفتعل وجوده على الجانب الآخر (ب) لأجل البحث عن مهرب من الحجر في قسم المفحوصين بجهاز الأشعة. حصل العبور بعد ثلاثة شهور من الحجر الوبائي، حين نودي على الرقم ٦٦، ثلاث مرات، قبل انتباهي إلى أنّي المقصود بالنداء. سقط الرقم من الميكرفون المثبّت في جهة سقف المحجر الخاص بقسمنا؛ سقط كحجر شجَّ الرأسَ المقصود بالاستدعاء الدوري، فانسحبتُ من مكاني في المحجر، وجُرِرتُ الى الخارج عبر ممر أرضي، إلى غرفة التجهيز. كان المحجورون من قسمنا يذهبون إلى هذه الغرفة دورياً ثم يعودون بعد إجراء الفحص عليهم بجهاز المفراس، ومن يتخلف عن العودة إلى مكانه في القسم، تقع عليه قرعة الحراسة كما قد يخمّن أحدنا هنا. وعموماً لا يكتشف المحجورُ غياب شخص قريب إليه، إلا في حالات نادرة. ذلك حين يعود إلينا شخصاً مختلفاً في كلّ جزء من كيانه؛ الوزن والسحنة، والطول أيضاً. انجررتُ، إذن، من دون اكتراث أحدٍ من المحجورين. كان هذا دوري في التجهيز، ولم يكن الأمر يعني شخصاً غيري؛ بل لم أكن أعرف ما سيحدث لي هذه المرة. كلّ شيء مرتب في نظام المحجر، إلا أن المحجور، أو المحجوز، قلّما ينتبه لحدوث تغيير كبير في نفسانيته أو بيولوجيته، غير متألم، غير مكترث.
ربما غفلتُ عن توضيح وضعٍ جزئي لوجودنا في القسم (أ) من المحجر. خُصّص لكل محجور سرير، معزول عن السرير المجاور له بستارة بولستر زرقاء؛ ولا أعلمُ وضع المحجوزين في القسم (ب) سوى أنهم معزولون مثلنا بساترٍ سلكي أو قفصٍ شبكي، كما نقلَ بعض الحراس، بعد انتهاء نوبتهم. أما نوبة الحراسة فقد تدوم أياماً أو شهوراً، حسب شروط مجهولة للفريقين، وأهمها تجهيز الطعام وتقديمه لكل فرد في القسمين. وقد تتسع الشروط لسحب الموتى ودفنهم، وتنظيف أسرّتهم، إضافة إلى مهمات خاصة لا علم لكثيرين بها. كما لا يعلم أحد بمدة حجزه أو حجره، تخمينات لا تلبث أن تصهرها الحرارة، او تجمّدها البرودة، على جانبي الحاجز الصفيحي. بالأحرى يحيط المحجر كتمان شديد، كما نتوقع. ولم يطلّ على أحد الفريقين مسؤول حكومي كبير، عدا عن زيارة طبيب أو فرد عائلي، أو مندوب عن الصحافة والتلفزيون أو ممثل لحقوق الإنسان. عزلة تامة كما في قصة رعب؛ سوى أن الحياة في المحجر تسير ببطء شديد، ونظام دؤوب كما في مستعمرة نمل.
(2)
لعل قصصاً بهذا الموضوع، تبدأ بداية شائعة في نصوص إدغار ألن بو القروسطية، ولعلها تستعيد محبساً من محابسه المختفية تحت الأرض، أو مشفى لمجانين يتمتعون بعقل شيطاني لا يخطر في كتب الأطباء والمحللين النفسيين، أو مستعمرة قصية على جزيرة في البحر، أو وسط غابة بدائية كثيفة الأشجار. لكني لي برهاني الخاص الذي سأولّده من حفري في متون الوثائق والأرشيفات السرية لقسم ملاصقٍ للمحجر الكبير يعرف ب"قسم التجهيز والسيطرة النوعية"، يجعلني أعتقد أن نظام المحجر غير عابث ولا صلة له بمستعمرات العقاب. أدينُ باكتشافي هذا إلى نوبة الحراسة التي انتُدبتُ لها، ورجوتُ أن أطيل مهمتي بالدهاء مرة، والطاعة المطلقة التي تسحق أيَّ ميزة عليا أو دنيا في حالات مماثلة، كالدراسة في جامعة تكنولوجية أو مركز متخصّص بالتجهيز والسيطرة الكلية على الأقدار المستقبلية. وهذا ما أريد الوصول إلى عمقه المجهول، وتصفّح أرشيفه الورقي والإلكتروني الهائل الصفحات. وبكلمة واحدة، فالمركز هذا لصيق عقلٍ تجريبي، مجهز بمخالب ناعمة وأجنحة ملائكية. أعني أن من يعمل في إدارة مركز المحجر الكبير جنس من الكائنات المغلّفة بالبدلات البيض الكاملة، وأقنعة الرأس الواقية. أما الجناح الخاص بالأرشيف فتديره امرأة تدعى "الأخت الكبيرة سارة" كما يشي صوتها الرقيق كورقة تتكسّر تحت الأصابع من طول احتجابها عن الأعين.
كان الحرّاس القلائل الذين وصلوا الى هذا القسم، يعودون بتسمية مختصرة له، واصفينَ مكوثهم القصير هناك بأنه خدمة بسيطة في "غرفة التجهيز". ذلك أنهم انتُزِعوا منه انتزاعاً، كما تُنتزَع قرادة من جلد حيوانٍ ثدييّ، او يُفطَم رضيع من ثدي امرأة مدرار بحليب سرمديّ. فالصورة التي وصلتُ إليها عن نوع المهمة القصيرة للحراس، تشبه خدمة تمثال من تماثيل آلهة الخصوبة السومرية، جمع فضلاتها في حفرة، أو تتويج رأسها بإكليل من الأشواك، أو تزييت جسدها الرخامي في أحسن الأحوال بزيت الحيّات. لم يُتح لأحدهم أن يخترق الجدار الصلب للقسم وينفذ إلى ما وراء التمثال الأبيض للأخت سارة، المصنوع من النسخة السومرية القديمة، حيث تُحفظ السجلات والتحقيقات عن تاريخ المحجر الكبير. أما الخطوة التالية لاجتياز التمثال السرمدي، فهو اللقاء بالغريم الذي يحتفظ كلُّ محجور سيء الحظّ بنسخة منه في أعطافه التي طوّعها الحجر الطويل، وأخفاها في طبقة بعيدة داخل شعوره الذابل كثمرة فاسدة. سيلتقي الحارسُ المناوب، بإذنٍ من الأخت سارة، غريمه الرقيق ويلعق قدميه، قبل أن يسمح له بالجلوس قبالته، واستئناف التحقيق المقطوع منذ سنوات.
استقبلني المحقق الرقيق (ط) وأشار إلى نوع العقوبة التي أوقِفَ تنفيذها بسبب "استجابتي الطيبة" و"تعاوني الفذّ" و"ارتمائي في حضن القدر" و"نبذي لكلّ أشكال العنف والإلحاد والأممية العالمية" وغير ذلك من العبارات التي قرضَها المكوثُ في "المحيط الاجتماعي المتماسك كالبنيان المرصوص". كنت قد نسيت عبارات التطويع هذه، وقلت للمحقق بعد لأي: "لكنني.. سيدي العزيز.. محجور بسبب تلامسي مع حاملي فيروس الوباء، هذه المرة.. لم أعد متهماً بأي لعنة من لعنات الأمس، أو هكذا أفترض.. كما أعلمتني غرفةُ التجهيز عندما نقلتني الى القسم (أ) من المحجر".
صمتَ المحقق (ط)، وكان وجهه قد ازداد سمنة ونعومة، بما أغدقته سلطةُ الأخت سارة من قوارير الحجر والعزل الوقائي المتجددة، ثم فاجأني بالسؤال: "ما رأيك بهذا الفصل الاجتماعي الدقيق؟"
ظننتُ أنه يقصد الفصل بين النساء والرجال، فلا بد أن المحجر يضم قسماً خاصاً بالنساء، أو قسمين أسوة بالرجال. فكرتُ قليلاً قبل أن أجيب بسليقة دفاعية: "فكرة ممتازة يا سيدي، أن يتم العزل الاجتماعي كما يتطلب الوضع الجديد".
"أي وضع تقصده بالضبط يا صديقي؟".
"وضع القوارير المعرضة للكسر والامتهان في وضع أمين"
"يا له من تحريف وتلاعب بالحقائق. أتظن أننا نعزل النساء؟"
"أفترض أنهنّ معرضات للانتكاس والسلوك المنحرف. اعذر تفسيري"
"أنت تبالغ قليلاً.. النساء لهنّ واجب مختلف هنا. دورهنّ عظيم".
"فاتني أن ألاحظ ذلك. أحبّ أن أتعاون معهن. أقصد أن أرضخ لدورٍ كدورهن، كما تأمر الأخت الكبيرة"
"دعك من المراوغة والتملق. ستزاول عملك القديم الذي اعتُقلتَ من أجله قبل أربعة عقود، تحرير الكتب ونشرها في مطبعتك. هل ترغب في الانتقال للقسم الآخر؟"
"أنت يا سيدي تحاول إعادة الحياة إلى جسد ضعيف، بلغ الثمانين. ذاكرتي القرائية تضعف شيئاً فشيئاً. فضلاً عن أن مفاجأة الانتقال قد تهدد صحتي وتقتلني حالاً"
"أتظنني أغدر بك؟ أحاول تجديد قواك المنهارة فحسب. اخترتُ أفضل علاج يناسبك".
لا سبيل لرأي يزعزع سلامَ المحجر، كان غريمي أوطد من كلب حراسة مخلص، لن أستطيع إزاحته عن طريقي. كان له ذيل أخشن من ذيلي، وعينان تتفحصان ما تبقى من عظمتي الخاوية. مؤتُ كجروٍ، وهززتُ ذيلي القصير:
"أجل.. أجل. ربما اخترتَ الواجب الأنسب لمحجور مثلي. فلِمَ أرفض؟".
(3)
عندما عدتُ إلى معزلي في القسم الجماعي (أ) كنت قد أنجزتُ عملاً خارقاً لمؤرشفِ معلوماتٍ متمرس، من الطراز الوسواسي. لذا أحسست بأن قواي تخور، عكس اعتقاد المحقق (ط) الزائف؛ وكان حارسٌ مناوب يدور حول سريري المستور ينتظر خمود أنفاسي. أمضيتُ أيامي الباقية في استرجاع واجبي في قسم التجهيز والسيطرة، عملي القديم في تصحيح الصحف، ذوباني في الحروف والمقاطع والكلمات قبل أن تطلقها الطابعة الكبيرة من أذرعها الآلية. وعجبتُ من وجود ماكنةٍ أخطبوطية، أخبرني المحقق أنها في قسم مستقل بالمحجر، تستطيع لفظ كتابٍ في أقل من ساعة. لقد عملنا ليل نهار، أنا والمحقق، مع فريق من المحررين والطبّاعين الإلكترونيين، على تحريف مئات الكتب الكلاسيكية، وأعدنا كتابتها لتناسب الوضع الوبائي الجديد. والحقيقة، فإن ما أنتجناه من كتب ورقية كان يتناسب والذاكرة المعدنية المحرِّفة لوقائع الثورات التاريخية الكبرى وأفكارها التقويضية، فضلاً عن النظريات التي برهنت على طموح النفس البشرية في السيطرة على الطبيعة والمخلوقات. كان الخوف من نهاية المرحلة الوبائية وسقوطنا في خواء عدميّ، يدفع الفريقَ التحريفي المتخصص إلى تدمير التراث الإنساني بأجمعه. كنا حراساً مخلصين للجريمة الكبرى. وكان الحارس الشرس (ط) يصرخ بنا بين حين وآخر: "هيا أصدقائي. إنها فرصتنا في استغلال الطاقة الوبائية في أنفاسنا إلى أقصى الحدود. أفرغوا خبرتكم في قيادة المرحلة نحو الجحيم.. نعم الجحيم!". ثم يغادرنا ضاحكاً، بل نابحاً بوجه الآلات الأخطبوطية المحجوبة عن أنظارنا، لإتمام ما حُجِرنا من أجله.
أتذكر بين الفريق التحريفي المتخصص فتاة، لها ملامح الممثلة (جوليا) في الفيلم المصور عن رواية جورج أورويل (١٩٨٤). وعلى عكس فتاة أورويل المتكتمة، فقد أعلنت فتاة المحجر (سينا) ميلاً شديداً لتحريف لغة الكتب، بالاتجاه الذي أزعج (ط) كثيراً. كانت (سينا) قد أجهزت على رواية جاك لندن (العقب الحديدية) ونقلت أحداثها إلى إحدى بلدان الشرق الأوسط. خرقت (سينا) الثقة المضمرة مع المحقق، على أن يكون دورها "حذاء بلا كعب" فداست بجزمتها الطويلة على العروش والقصور. سُحبت ودُفنت بعيداً. وسمعنا للمرة الأولى صوت الأخت الكبرى سارة، يحذر فريق النسوة من تحريف كتب فلاسفة الوباء المتأخرين. زعقَ الصوت في الميكروفونات: "ثقتنا كبيرة في أن يقتصر التحريف على الحقائق الأساسية، حقائق ما قبل العصر الوبائي، نظريات فرويد وماركس ونيتشه وجاك لندن بالطبع. لكن بزاوية الصقر المدرّب، الذي يُعطى مقابل استجابته فرصة جديدة للطيران أبعد فأبعد من دون رقابة أو عقاب". ثم شرح الحارس (ط) قاعدة المحجر هذه بقوله: "ليس هناك شيء أثمن من الحرية، وحريتنا في أن نحرّف وجودنا ليصبح ذاتيَّ الحركة، مثل ماكينة طباعة إلكترونية عملاقة. أن نفلسفه ليصبح حراً من الخوف، وأن نكتبه كما لو كان نصاً هايبرياً متعدّد الروابط والزوائد".
حينما انتهت نوبتي في الحراسة، حانت فرصة للجلوس مع غريمي المحقق (ط). استفهمتُ منه عن مصير الطبّاعة الخاطئة (سينا). أخبرني أن حظها كان عاثراً، وتأسّفَ لتحريفها الخاطئ مفهوم الثورة: "تصوّر عزيزي ما يحدث حين يُخطئ البيزار في توجيه صقره. لقد منحت الفتاةُ طائرها حرية أكبر من طلبها هي ذاتها للحرية، فعاد ليفقأ عينيها. كان الأفضل لها أن لا تعيش عمياء في ما تبقّى لها من عمر".
جُرِرتُ ثانية إلى مكاني بين المحجورين، جاهلاً مدة حراستي في قسم التجهيز والسيطرة، وأهم ما أنجزتُه كان تحريف كتاب ماركس "رأس المال". كان رضا غريمي المحقق عن عملي كبيراً، وقوّمه على أنه إنجاز يفوق تحريفات "فوكوياما" وهنتنغتون" و"ألتوسير" و"ديريدا" و"جيجيك" و"إيكو" جمعاء لملامح العصر ما قبل الوبائي. أخبرني بأنّ عالَماً جديداً سيولد من طابعة المحجر، ولن يحيا الإنسان بعده ما جرّبه من حياة قبله. ثم ختم حديثه: "كم أنت سعيد الحظ يا صديقي البيزار. حققتَ انتقالاً إلى فضائك الحرّ أسرع من غيرك".
عدتُ واضطجعت على فراشي، مكتفيا بلقب "البيزار"، ولعله لقب المحجور الأخير الذي ينتظر الحارسُ، المناوِبُ قرب سريره، انتهاء طاقته على التنفس وتحريف المستقبل..
جريدة طريق الشعب