فلنتفق بداية ان الشاعر هو ابن جيله , ولا يمكن ان نمحو اي جيل استناداً لإعجابنا بجيل ما , لذلك سأتحدث عن جيل يرى الكثيرون انه الجيل الاوحد وماعدا فهو طنين!, وانا هنا اختلف مع كل هؤلاء (( الكثيرين)) لان لكل جيل بيئته وانبعاثه وظروفه التي انتجته وعلى هذا الاساس لابد من قراءة كل جيل شعري على حدى دون المساس بالأجيال الاخرى او التقليل من شأنها .
لا يختلف اثنان على ان اكثر الاجيال تحديثاً للشعر الشعر الشعبي هو ((الجيل السبعيني)) الذي تمرد على الشعر الشعبي قالباً ومضموناً وتوظيفاً وكلمة , وجنح نحو تعميق التجربة الشعرية الشعبية والارتقاء بها اسلوبا وكلمة ومضامين , ومن ثم تسويقها متحدين بذلك البيئة وثقافة الشعب والتي كانت تعيش تحت سطوة وتأثير الشعر الفصيح ومدارس تجديده , فضلا عن محنة منع الشعر آنذاك تحت مسمى ( الحفاظ على سلامة اللغة العربية ), لذلك انتبه جيل النواب وما بعده من اجيال لذلك فعملوا على ان يقربوا المسافات اكثر ويرتقوا بالشعر الشعبي لغة واسلوبا ومفردة وتصوير في محاولة للاقتراب من الشعر الفصيح عبر التجديد لرسم ملامح ذائقة جديدة سميت فيما بعد ((بالشعر السبعيني)) وتحديداً الشعر الحديث المسمى ( القصيدة المفتوحة ) , وذلك لما يحمله هذا الاسلوب الشعري من رقي في الكلمة وانزياح في المعنى وجمالية في التوظيف والكلمة وترافة في رسم الصورة الشعرية, والاهم من ذلك كان الشعر حينها رسالة قيمية واداة فاعلة في رفع القيم الجمالية ومعها الذائقة الجمعية للناس , متوخين في ذلك عدم النزول لذائقة الشارع ولا اقصد همومه , فبالنتيجة الشعر الشعبي يفترض ان يكون هو اللغة المنتخبة من لغة الشارع لا لغة الشارع بمحتواها النشاز ومضامينها الساذجة واندفاعها الفارغ , وكذلك ليس نقلا للواقع بكل سلبياته بل تفكيكا له واستفزازا لمناطق الجمال فيه ليكون الشعر هو المحفز لصنع الجمال والسلام لا المحرض والمعضد للقبح والدم, فضلا عن رهان هذا الجيل الدائم بأن القصيدة الحقيقية هي من تجعلك حاضراً وبقوة في المشهد الشعري حتى لو انزيت بصومعتك , وليست الهالة الاعلامية التي يضع فيها الشاعر نفسه تكون المسوق لقصيدته, فالقصائد الجيدة هي القادرة على حماية شاعرها من ( عثة) الزمن .
من هذا الجيل تحديداً ينحدر المحتفى بهم في نادي القصيدة بمحافظة ميسان , فالشاعر الكبير عبد الكريم القصاب بكل مايحمله منجزه من وعي ومسؤولية وابداع متجدد بكل دواوينه (مذكرات ايوب العراقي / صلاة الوداع / غريب اطوار / موسيقى الوجع / كلبدون الدمع / رازقي الحب / اشجان صبا زمزم / شواطي الروح / جرف الغزال / اغاني العاشقين / الوان من الشعر الشعبي / ونبي الحرير), شكلت تجربته الشعرية وان تغافل عنها النقاد ثراءً ابداعياً كبيراً , فهي تجربة جديرة بالدراسة واستكشاف الخطوط الابداعية فيها , القصاب مدرسة شعرية قائمة بحد ذاتها هو لا ينتمي للنواب ألا بالتمرد على القافية وفي اغلبها حافظ على القافية وجدد في الطرح والمضمون , معتمدا في ذلك على احساسه كشاعر في تحسس الواقع الاجتماعي والسياسي وبنظرة ثاقبة وقناعة تامة , لا الاحساس المستعار ولا الاستفزاز المتكلف ولا الكتابة من اجل الكتابة او وفق متطلبات السائد والذي ( للأسف) يجنح اليه بعض الشعراء في كتابة قصائدهم , وهو القائل (الشعر موهبة قبل كل شيء تعزز بالثقافة والموقف السليم والذائقة الفنية , الشاعر موقف ولا يمكنه ان ينأى بنفسه عن الواقع السياسي والاجتماعي والاخلاقي ، مطلوب من الشاعر ان يقرأ المشهد السياسي والاجتماعي قراءة ثاقبة وان يكون صاحب رساله عمادها صرخات المظلومين والجياع على ان يطرحها بشكل فني يثير الدهشة , ولا احد ينطلق من فراغ ، الشعر انعكاس الواقع الموضوعي في ذهن الشاعر ، على الشاعر ان يتحسس ما حوله وما يجيش في ذاته من احاسيس ، فالشاعر يأخذ من الواقع ويلونه بجمال الذات ومن هنا يولد الابداع).
في قصائده يستحضر الواقع واللهجة اليومية ويعادلها بمالديه من رقي الجمل والعبارات ويضخ فيه عمق المعنى واحترافية الدلالة بأسلوبية مموسقة وبنسق شفيف , فينتقد الواقع بلغته تلك.
جم كَذلة حرير بلا مشط غبشه ؟
جم عصفور ينطـر جدحة الغبشه ؟
جم دكَة جرس مخنوكَه بالوحشه ؟
جم ورده بلايه آشفاف ؟
كل شي آمدخّن آمدخّن لَحَد الله .
اما تجربة الشاعر الكبير عبد السادة العلي لا تختلف تماما عن تجربة القصاب , فالشعر لديه انفعالات محسوبة ومحسوسة تستفز الذاكرة بنسق جمالي مرهف ليسطره من خلالها فعلا شعريا يجيز فيه بالدلالة ويكثف العمق ويثري المعنى , تجربته الشعرية تكشف عن ملامح مكتنزة بالتناقضات والجدل بدلالات رمزية واسلوب بلاغي يحترف فيه بشكل كبير البلاغة والاستعارة والايجاز الذاتي المدهش الذي يتنفس حياة يجترحها ويسعى لها العلي ويتمناها وهو السارد العليم عن الجرح والغربة والفقد والغياب ونقد الواقع المعاش بلغة اقرب منها للاسترخاء من الشد والانفعال , يختار كلماته بعناية شديدة كي لا تجرح المعنى , فضلا عن اسلوبيته التي يحاول من خلالها رسم ملامح قصائده لتبقى قريبة لروح المتلقي ووجدانه بحس بنائي مختزل عميق الاحساس فسجل حضورا فاعلا في المشهد الشعري طوال السنوات التي مضت بقصائده تلك .
مشت بيك السنين امعاتت اويه الريح
ريح املوّنه..اوكل لون يشرب لون.
لون اصفر...اولون احمر....اولون اسود.......اولون البيه..
كلها انخبطت أبفد لون
مشيت أو سچة اجدامك....
محطات العذاب أو موت ماله أعيون
حفرت ابنظرة الحسرة...
على الحيطان..
الماكلهة التعب
وجفوف اليودعون
وفي قراءة معمقة للخطاب الشعر للشاعر الكبير كاظم لاله , فهو يشبه ذلك البوح الذي ذكرناه كله , فنصوصه نابضه بمفرداتها الممزوجة بالوجع وخياله الشعري المتفرد بالعمق والمعنى , يخط نصوصه بوعي مسؤول وبأسلوب جذاب وأنسيابية المموسقة وصورة شفافة والتي هي انعكاس للواقع المرير, لا يبتعد عن وحدة الموضوع بل يشتت الوجع بالألفاظ الموحية والتعابير الجميلة المختزلة بحس بنائي في غاية الهندسة الجمالية , متجاوزا في ذلك استهلاك المفردة واستعلاءها وبساطة الصورة وتواردها عبر بناء ثري عمق في الفكرة التي يسوقها الهاجس الانساني بنسق يمنح القصيدة قدر عال من التأمل لدى المتلقي, تجربته الشعرية مكتملة في البناء والشكل والجرس والكلمات والصياغة وعمق المعنى، حروفه انيقة وسرده الشعري مليء بالشجن والهم والحيف والكبرياء والعناد والمأساة ، شعره حافل بالتجديد والحداثة , هو شاعر يتقن اللعبة , فيحيل لعبة الشعر الى بوح منتمي للجميع وينتصر لهم فينحاز له الجميع وهو القائل :
مرّه ..
رگصنه سوه
رگصة ضوه والماي
لا الماي بيّه دفه، إو لاني إبردت بالماي
إو مرّه التگينه سوه..
شطين نار إو ماي
لا الماي بيّه إشتعل، إو لاني طفاني الماي
إو مرّه سمعتك گلت:
النار من الأزل، مكنونه وسط الماي.
ختام القول احسنه :
نحن امام ثلاث تجارب غاية في الاهمية والابداع , هو صهيل ابداعي من اخر جيل ((الشعر السبعيني)) , الثلاثة شعراء كتبوا شعرهم بإتقان واحترافية عالية , وحدتهم غربة الوطن والذات , هم المنزوين في صوامعهم بلا ضجيج اعلامي ولكن وهج شعرهم حاصر الجميع بثقة وتفرد لا حدود لها .
لا يختلف اثنان على ان اكثر الاجيال تحديثاً للشعر الشعر الشعبي هو ((الجيل السبعيني)) الذي تمرد على الشعر الشعبي قالباً ومضموناً وتوظيفاً وكلمة , وجنح نحو تعميق التجربة الشعرية الشعبية والارتقاء بها اسلوبا وكلمة ومضامين , ومن ثم تسويقها متحدين بذلك البيئة وثقافة الشعب والتي كانت تعيش تحت سطوة وتأثير الشعر الفصيح ومدارس تجديده , فضلا عن محنة منع الشعر آنذاك تحت مسمى ( الحفاظ على سلامة اللغة العربية ), لذلك انتبه جيل النواب وما بعده من اجيال لذلك فعملوا على ان يقربوا المسافات اكثر ويرتقوا بالشعر الشعبي لغة واسلوبا ومفردة وتصوير في محاولة للاقتراب من الشعر الفصيح عبر التجديد لرسم ملامح ذائقة جديدة سميت فيما بعد ((بالشعر السبعيني)) وتحديداً الشعر الحديث المسمى ( القصيدة المفتوحة ) , وذلك لما يحمله هذا الاسلوب الشعري من رقي في الكلمة وانزياح في المعنى وجمالية في التوظيف والكلمة وترافة في رسم الصورة الشعرية, والاهم من ذلك كان الشعر حينها رسالة قيمية واداة فاعلة في رفع القيم الجمالية ومعها الذائقة الجمعية للناس , متوخين في ذلك عدم النزول لذائقة الشارع ولا اقصد همومه , فبالنتيجة الشعر الشعبي يفترض ان يكون هو اللغة المنتخبة من لغة الشارع لا لغة الشارع بمحتواها النشاز ومضامينها الساذجة واندفاعها الفارغ , وكذلك ليس نقلا للواقع بكل سلبياته بل تفكيكا له واستفزازا لمناطق الجمال فيه ليكون الشعر هو المحفز لصنع الجمال والسلام لا المحرض والمعضد للقبح والدم, فضلا عن رهان هذا الجيل الدائم بأن القصيدة الحقيقية هي من تجعلك حاضراً وبقوة في المشهد الشعري حتى لو انزيت بصومعتك , وليست الهالة الاعلامية التي يضع فيها الشاعر نفسه تكون المسوق لقصيدته, فالقصائد الجيدة هي القادرة على حماية شاعرها من ( عثة) الزمن .
من هذا الجيل تحديداً ينحدر المحتفى بهم في نادي القصيدة بمحافظة ميسان , فالشاعر الكبير عبد الكريم القصاب بكل مايحمله منجزه من وعي ومسؤولية وابداع متجدد بكل دواوينه (مذكرات ايوب العراقي / صلاة الوداع / غريب اطوار / موسيقى الوجع / كلبدون الدمع / رازقي الحب / اشجان صبا زمزم / شواطي الروح / جرف الغزال / اغاني العاشقين / الوان من الشعر الشعبي / ونبي الحرير), شكلت تجربته الشعرية وان تغافل عنها النقاد ثراءً ابداعياً كبيراً , فهي تجربة جديرة بالدراسة واستكشاف الخطوط الابداعية فيها , القصاب مدرسة شعرية قائمة بحد ذاتها هو لا ينتمي للنواب ألا بالتمرد على القافية وفي اغلبها حافظ على القافية وجدد في الطرح والمضمون , معتمدا في ذلك على احساسه كشاعر في تحسس الواقع الاجتماعي والسياسي وبنظرة ثاقبة وقناعة تامة , لا الاحساس المستعار ولا الاستفزاز المتكلف ولا الكتابة من اجل الكتابة او وفق متطلبات السائد والذي ( للأسف) يجنح اليه بعض الشعراء في كتابة قصائدهم , وهو القائل (الشعر موهبة قبل كل شيء تعزز بالثقافة والموقف السليم والذائقة الفنية , الشاعر موقف ولا يمكنه ان ينأى بنفسه عن الواقع السياسي والاجتماعي والاخلاقي ، مطلوب من الشاعر ان يقرأ المشهد السياسي والاجتماعي قراءة ثاقبة وان يكون صاحب رساله عمادها صرخات المظلومين والجياع على ان يطرحها بشكل فني يثير الدهشة , ولا احد ينطلق من فراغ ، الشعر انعكاس الواقع الموضوعي في ذهن الشاعر ، على الشاعر ان يتحسس ما حوله وما يجيش في ذاته من احاسيس ، فالشاعر يأخذ من الواقع ويلونه بجمال الذات ومن هنا يولد الابداع).
في قصائده يستحضر الواقع واللهجة اليومية ويعادلها بمالديه من رقي الجمل والعبارات ويضخ فيه عمق المعنى واحترافية الدلالة بأسلوبية مموسقة وبنسق شفيف , فينتقد الواقع بلغته تلك.
جم كَذلة حرير بلا مشط غبشه ؟
جم عصفور ينطـر جدحة الغبشه ؟
جم دكَة جرس مخنوكَه بالوحشه ؟
جم ورده بلايه آشفاف ؟
كل شي آمدخّن آمدخّن لَحَد الله .
اما تجربة الشاعر الكبير عبد السادة العلي لا تختلف تماما عن تجربة القصاب , فالشعر لديه انفعالات محسوبة ومحسوسة تستفز الذاكرة بنسق جمالي مرهف ليسطره من خلالها فعلا شعريا يجيز فيه بالدلالة ويكثف العمق ويثري المعنى , تجربته الشعرية تكشف عن ملامح مكتنزة بالتناقضات والجدل بدلالات رمزية واسلوب بلاغي يحترف فيه بشكل كبير البلاغة والاستعارة والايجاز الذاتي المدهش الذي يتنفس حياة يجترحها ويسعى لها العلي ويتمناها وهو السارد العليم عن الجرح والغربة والفقد والغياب ونقد الواقع المعاش بلغة اقرب منها للاسترخاء من الشد والانفعال , يختار كلماته بعناية شديدة كي لا تجرح المعنى , فضلا عن اسلوبيته التي يحاول من خلالها رسم ملامح قصائده لتبقى قريبة لروح المتلقي ووجدانه بحس بنائي مختزل عميق الاحساس فسجل حضورا فاعلا في المشهد الشعري طوال السنوات التي مضت بقصائده تلك .
مشت بيك السنين امعاتت اويه الريح
ريح املوّنه..اوكل لون يشرب لون.
لون اصفر...اولون احمر....اولون اسود.......اولون البيه..
كلها انخبطت أبفد لون
مشيت أو سچة اجدامك....
محطات العذاب أو موت ماله أعيون
حفرت ابنظرة الحسرة...
على الحيطان..
الماكلهة التعب
وجفوف اليودعون
وفي قراءة معمقة للخطاب الشعر للشاعر الكبير كاظم لاله , فهو يشبه ذلك البوح الذي ذكرناه كله , فنصوصه نابضه بمفرداتها الممزوجة بالوجع وخياله الشعري المتفرد بالعمق والمعنى , يخط نصوصه بوعي مسؤول وبأسلوب جذاب وأنسيابية المموسقة وصورة شفافة والتي هي انعكاس للواقع المرير, لا يبتعد عن وحدة الموضوع بل يشتت الوجع بالألفاظ الموحية والتعابير الجميلة المختزلة بحس بنائي في غاية الهندسة الجمالية , متجاوزا في ذلك استهلاك المفردة واستعلاءها وبساطة الصورة وتواردها عبر بناء ثري عمق في الفكرة التي يسوقها الهاجس الانساني بنسق يمنح القصيدة قدر عال من التأمل لدى المتلقي, تجربته الشعرية مكتملة في البناء والشكل والجرس والكلمات والصياغة وعمق المعنى، حروفه انيقة وسرده الشعري مليء بالشجن والهم والحيف والكبرياء والعناد والمأساة ، شعره حافل بالتجديد والحداثة , هو شاعر يتقن اللعبة , فيحيل لعبة الشعر الى بوح منتمي للجميع وينتصر لهم فينحاز له الجميع وهو القائل :
مرّه ..
رگصنه سوه
رگصة ضوه والماي
لا الماي بيّه دفه، إو لاني إبردت بالماي
إو مرّه التگينه سوه..
شطين نار إو ماي
لا الماي بيّه إشتعل، إو لاني طفاني الماي
إو مرّه سمعتك گلت:
النار من الأزل، مكنونه وسط الماي.
ختام القول احسنه :
نحن امام ثلاث تجارب غاية في الاهمية والابداع , هو صهيل ابداعي من اخر جيل ((الشعر السبعيني)) , الثلاثة شعراء كتبوا شعرهم بإتقان واحترافية عالية , وحدتهم غربة الوطن والذات , هم المنزوين في صوامعهم بلا ضجيج اعلامي ولكن وهج شعرهم حاصر الجميع بثقة وتفرد لا حدود لها .