أ. د. عادل الأسطة - موتيفات وأفكار في الأدب الفلسطيني: البيوت.. وداد البرغوثي وروايتها - سيرتها "البيوت": "البيوت في الأدب الفلسطيني"

آخر الروايات التي قرأتها هي " البيوت " ( ٢٠٢٠ ) لوداد البرغوثي ، ومكون عنوانها هو مكون مكاني " البيوت " وإن لم يقتصر المكان الروائي عليها ، فهناك أمكنة أخرى عديدة تكتب عنها وداد منها السجن والمدينة والحاجز و .. و .. ولكنها اختارت البيوت لتخبرنا عن بيوت أقامت فيها في فلسطين وفي روسيا حيث درست ، وليست الفكرة بالجديدة ، فكل من قرأ جبرا " البئر الأولى "(١٩٨٦ ) وبعض أعمال محمود شقير ومنها " تلك الأمكنة " (٢٠٢٠) قرأ عن البيوت التي أقاما فيها . كتب الأول عن البيوت في بيت لحم والقدس ، وكتب الثاني عن بيوت الوطن والمنفى ، وفي " حزيران الذي لا ينتهي " (٢٠١٦) كتبت عن بعض البيوت التي أقمت فيها في عمان ، وكتبت أيضا سعاد العامري ، بقدرة المهندسة المعمارية على الوصف بالتفصيل ، عن بيوت العائلة في روايتها / سيرتها " دمشقي "(٢٠٢٠) وهناك شعراء كثر كتبوا قصائد تحت هذا الدال .
في كتابات سابقة ناقشت الكتابة عن المكان في الرواية الفلسطينية قبل ١٩٤٨ ، وتبنيت رأيا ازعج بعضنا يتمثل في أننا إذا أردنا أن نأخذ فكرة عن فلسطين مكانا فلن نعثر عليها في روايتنا ، بل في النثر العبري وفي كتب الرحالة الأوروبيين ومذكراتهم ، وتناولت كتاب ( اليزا ماري روجرز ) " الحياة في بيوت فلسطين " (١٨٦٢) ، وقد ذهبت إلى أن تركيز كتابنا على تفاصيل المكان بدأ في العقدين الأخيرين من القرن ٢٠ وتواصل بقوة في العقدين الأولين من القرن الحالي وظهر في رواية " اخطية " (١٩٨٦) لحبيبي وسيرة جبرا المشار إليها ، وفي نصوص الأدباء العائدين بعد أوسلو ؛ مريد البرغوثي ومحمود شقير وفاروق وادي وأكرم هنية ، وفي روايات المقيمين مثل أسعد الأسعد وصافي صافي ، وفي روايتي الأخيرين " دروب المراثي " و" زرعين " اخترت لكتابتي عنوانا لافتا هو " تحرير فلسطين عبر الكتابة " ، فقد واصل هذان ما بدأه حبيبي الذي أراد أن يقول للكتاب الإسرائيليين إذا أردتم أن تعرفوا حيفا قبل ١٩٤٨ فلن تعرفوها إلا من كتاباتي ، وأراد الأسعد وصافي أن يبينا معرفتهما بدقائق المكان وتفاصيله ؛ الأول فيما يخص القدس والثاني فيما يخص قرية زرعين ، فيما رصد من كتب عن رام الله التغيرات التي طرأت عليها في ثلاثين عاما من معرفتهم بها .
وداد البرغوثي في " البيوت " ، وهي أقرب إلى سيرة روائية لتجربتها وأسرتها خلال فترة اعتقالها ، حيث يفرض عليها الاحتلال الإسرائيلي الإقامة في منطقة خاضعة لسيطرته لا في بيتها الخاضعة منطقته للسلطة الفلسطينية ، وداد تبدأ معاناتها في العثور على بيت طاريء . ولأنها ناشطة سياسية فإن كثيرين من أصحاب البيوت لا يؤجرونها خوفا من الاحتلال الإسرائيلي ، إذ تبدو لهم امرأة خطيرة قد تؤدي إقامتها في بيت يخصهم إلى هدمه . وتستقر أخيرا في بيت فلسطيني وطني يرحب بها للإقامة مع أسرته ، ولأنها لا تريد أن تزعج أهل البيت ، وتريد أن تمارس حياتها بقدر من الحرية ، فإنها تواصل البحث عن بيت خاص .
الإقامة في بيت العائلة أولا ثم في بيت خاص تولد لديها فكرة الكتابة عن البيوت التي سكنتها ، وهي بذلك تعبر عن تجربتها الشخصية وفي الوقت نفسه عن تجارب فلسطينيين كثر لم يعرفوا الاستقرار منذ النكبة ١٩٤٨ ، وظلوا يتنقلون من مكان إلى مكان ومن بيت إلى بيت .
في صفحات عديدة تتحدث ياسمين ، ومن خلفها وداد ، عن البيوت ( ٦٤و٧٢و٧٣و١٦٣و١٦٤و١٦٩و١٨٨ ) وهي تحفظ أغنية فيروز " أبواب " وتوردها كاملة وتردد منها :" هالأرض كلها بيوت/ يا رب خليها/ مزيني ببواب/ ولا يحزن ولا بيت ولا يتسكر باب " وتعدد في ص ١٨٨و١٨٩ البيوت التي أقامت فيها وتصفها :
" منذ طفولتها المبكرة ولدت في بيت قديم من المسماة بيوت العقد ... سبع سنوات بسبعة بيوت في حارات مختلفة من حارات المدينة وحين عادت إلى القرية انتقلت من بيت لتسكن ببيت العائلة الكبير ، ومن ثم تنتقل إلى بيت آخر للعائلة من الاسمنت وحين أصبحت في المرحلة الجامعية تنقلت في المساكن الجامعية المختلفة ، وخلال فترة الدراسة الجامعية ، كانت تضطر خلال السفرات أن تقيم في بيت من بيوت الأقارب والأصدقاء ....وبعد أن تخرجت وتزوجت انتقلت إلى بيت الزوجية ... أكثر هذه البيوت إلى قلبها كان بيت الزوجية... عاشت فيه عشر سنوات .. حين غادرته ، غادرته باكية ودون أي مقدمات " وقد غادرته مع زوجها وطفلاها ليقيموا مع امها بسبب وفاة أبيها " فاضطرت تحت ضغط الواجب والإحساس بالمسؤولية أن تبقى وأسرتها في بيت والدها حديث البناء لترعى والدتها ... " .
ووداد التي درست في روسيا تبدو متأثرة بالأدب الاشتراكي الواقعي المتفائل الذي يثق بالشعب وبالمستقبل وبانتصار الإنسان على قوى الظلم والاحتلال ، وهي على الرغم من معاناتها ومعاناة أبيها وسجنه في زمن الحكم الأردني وسجن ابنيها في سجون الاحتلال الإسرائيلي لا تصاب بالإحباط ولا تيأس ، بل إنها تحارب النظرة السلبية السوداوية التي يتبناها قسم منا ، وقد عبرت عن هذا في المتن وفي مقدمة الكتاب ، وهذا يحتاج إلى مقاربة خاصة عن " الأدب المظلم / الأسود والأدب المتفائل " في الأدب الفلسطيني .
الأربعاء ٤ / ٥ والجمعة ٦ / ٥ / ٢٠٢٢
مقالات سابقة نشرت في جريدة " الأيام " الفلسطينية ، يمكن الإفادة منها حيث تم الإشارة إلى محتواها :
١- الحياة في بيوت فلسطين ٦ / ١ / ٢٠١٩
٢- فلسطين في الرواية الفلسطينية قبل العام ١٩٤٨ ، ١٣ / ١ / ٢٠١٩
٣- سعاد العامري في كتابها الرابع " دمشقي " ٨ / ٩ / ٢٠١٩
٤- شارع فرعي في رام الله واخطية ، ٢٢ / ٧ / ٢٠١٧ .
٥ - تحرير فلسطين عبر الكتابة الروائية ، دروب المراثي لاسعد الأسعد ٢٦ / ٢ / ٢٠٢١
٦ - الشغف بالتفاصيل : تحرير فلسطين عبر الكتابة ، رواية " زرعين " لصافي اسماعيل صافي ، ١٧ / ١٢ / ٢٠٢١.

أ. د.. عادل الأسطه

* (مقال يوم الأحد في جريدة الأيام الفلسطينية ٨ / ٥ / ٢٠٢٢ ) .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...