أ. د. عادل الأسطة - سحر خليفة.. ملف (1......15)

1- سحر خليفة تروي، من جديد، روايتها..

نابلس – مدار نيوز : “روايتي لروايتي “2018 (دار الآداب ) هو الجزء الأول من سيرة سحر خليفة الذاتية الأدبية. تسرد سحر في 271 صفحة سيرتها وتضيء جوانب من حياتها وتتوقف مطولا أمام أعمالها الأولى- وإن بنسب متفاوتة- حتى رواية “الميراث ” وتعد بجزء ثان تواصل فيه روايتها لحياتها وقصص نشأة أعمالها الروائية. العقد الذي أبرمته مع القاريء هو”سيرة ذاتية أدبية ” وهو ما يتعزز لدى القاريء بعد أن يفرغ من القراءة.

تكتب سحر عن أسرتها ؛الأب والأم والأخ والزوج/ الطليق ،والمجتمع النابلسي ، وتكتب عن الناشر الأول لروايتها المنشورة الأولى “لم نعد جواري لكم ” وتعلمنا أن هناك رواية أسبق منها كتبتها وهي في ليبيا وأحضرتها معها وصادرها الاحتلال الإسرائيلي على جسر دامية- يوم كان- وأنها لم تكن تملك مسودة منها فذهبت أدراج الرياح. تقص سحر بجرأة تكاد تكون نادرة عن رجلين تركا بصمة على حياتها وأعمالها ،وهما زوجها/ طليقها وأبوها وتأتي على معاناتها مع الاثنين .

وهناك رجل ثالث كان له أثره أيضا وهو الأخ الذي كان ذكرا بين ثماني إناث ،فدلل لدرجة الإفساد ثم كانت العاقبة وخيمة عليه وعلى الأهل. أصيب الأخ بحادث سير وعانى من الشلل فالتفتت إليه أمه وأهملت زوجها وبيتها ،ما دفع والد سحر لأن يتزوج من امرأة ثانية مهملا أسرته ملتفتا إلى ذاته. الزوج/ الطليق والأب والأخ القعيد تركوا أثرهم في حياتها الشخصية ولاحقا في أعمالها لدرجة أنها اتهمت بمعاداة الرجل والانحياز للمرأة ، بل اتهمت ب”النسوية”.

وحين تبدأ سحر تقص حكايات رواياتها وتأليفها تأتي على صورة الرجل فيها. كثير مما كتبته يبدو، للناقد المحترف متابع أعمالها ،مألوفا وربما كان الناقد توصل إليه.

حين تتوقف ،مثلا، أمام روايتها”مذكرات امرأة غير واقعية ” تفصح سحر أنها كانت تكتب عن تجربتها الشخصية. كما لو أن الرواية/ المذكرات- كما يقول العنوان- رواية سحر ومذكراتها وكما لو أن بطلة الرواية هي سحر ،بل إنها هي سحر ،فما اقتبسته من الرواية يعبر عن حياتها باعترافها علنا.

وسيجد قاريء روايات سحر غير الناقد في “روايتي لروايتي”ما يضيء له أعمالها.

هنا يمكن القول إن سحر تأخذ علنا بمقولة “المعنى في بطن المؤلف ” ولا تأخذ بمقولة نظرية التلقي التي صرفت الاهتمام عن المؤلف إلى القاريء.

ما يدعم ما سبق وما يعززه هو أن الكاتبة صاحبة السيرة تعبر بكلام واضح لا لبس فيه عن اختلافها مع كثير من النقاد ،وهو اختلاف يشير إلى عدم رضاها عن تأويلاتهم وتفسيراتهم .

،وإلا لماذا هذه الإفاضة في شرح أعمالها وتوضيحها وتبيان مقاصدها وظروف نشأتها وما رمت إليه من ورائها.

يتوقف قاريء سيرة سحر أمام أسئلة عديدة غالبا ما يتوقف أمامها قراء السيرة الذاتية ومنها : – ما مقدار الصراحة والصدق فيما كتبته المؤلفة؟ -وماذا أخفت المؤلفة- إن أخفت شيئا- ؟ -وما هو تأثير زمن الكتابة على صدق المعلومات؟ وهل خانت الذاكرة الكاتبة؟ وكنت أشرت إلى أهمية السيرة لدارس روايات الكاتبة.

روت سحر روايتها/ سيرتها وهي هنا تعبر عن وجهة نظرها ورؤيتها والسؤال الذي يثار هو: ماذا عن رواية الآخر؟ الزوج والأب وربما الناشر أيضا.

هل أخفت الكاتبة شيئا ما في سيرة يقول ظاهرها إنها سيرة ربما أجرأ من سيرة محمد شكري وبعض السير الذاتية في الأدب العربي مثل سيرة سهيل إدريس ومثل السير الروائية العربية مثل ثلاثية حنا مينة “المستنقع “و”بقايا صور ” و “القطاف “.

ومن يمعن النظر في بعض المعلومات الواردة في “روايتي لروايتي “يلحظ تأثير زمن الكتابة على الزمن المسترجع ،ما يجعل المرء يشكك في مصداقية بعض ما ترويه سحر.

مثلا تزعم الكاتبة أنها وهي في ليبيا كتبت روايتها الأولى عن هزيمة حزيران وأنها كانت تفكر في دار نشر لها ،وأنها لما كانت كاتبة مبتدئة فإنها أدركت صعوبة النشر فأخذت تفكر في نشرها في “دار الأسوار “التي ،كما تقول سحر ،أخذت تطبع دواوين شعراء الأرض المحتلة.

تكتب سحر هذا وهي في العام 1970 ،ولم تكن دار الأسوار في عكا تأسست أصلا ،فقد تأسست في العام1973. هناك أخطاء أخرى أيضا يعرفها متابع الحركة الثقافية في الأراضي المحتلة.

في “روايتي لروايتي “يتوصل الناقد إلى أن مقولات نقدية تشيع وتنتشر انتشارا واسعا ليست إلا مقولات ومنها مقولة المؤلف الضمني. كما لو أن سحر خليفة تسخر من مقولات كهذه وكما لو أنها مقولات عبثية فسحر وعلى المكشوف تتحدث عن نفسها كاتبة لرواياتها متجاهلة حتى المسافة الزمنية بين تأليف كتابها/ سيرتها وتأليفها رواياتها الأولى وثمة عقود أحيانا تفصل بين تأليف الرواية وتأليف السيرة.

لو أخذنا زمن كتابة “لم نعد جواري لكم ” وهو 1973 تقريبا وزمن تأليف “روايتي لروايتي “وهو 2018 فسنجد أن هناك 45 عاما تفصل بين تأليف الرواية وتأليف السيرة الذاتية. والسؤال هو :هل ما زالت ذاكرة سحر ذاكرة قوية متطابقة مع ذاكرتها في 1973؟ ثمة جانب أخير أود الإشارة إليه وهو لغة سحر. أكاد أجزم أنه باستثناء رواية “حبي الأول “ورواية”أرض وسماء” أكاد أجزم أن لغة سحر بقيت على مدار تجربتها الكتابة متشابهة فهل اختلفت لغتها في سيرتها؟ تبدو الكاتبة تحكي أكثر مما تكتب.

إنها روائية لا أديبة وثمة فارق بين لغة الروائي الذي يروي وتهمه بالدرجة الأولى الحكاية- وهذا ما يهم سحر- ولغة الأديب الذي تهمه لغة الأدب وفي “روايتي لروايتي “تبدو لغة سحر لغة رواياتها الأولى همها بالدرجة الأولى إيصال الحكاية للقاريء العادي.

أعتقد أن سيرة سحر خليفة ستثير ضجة كبيرة. أعتقد.

****

2- شخصيات روايتي سحر خليفة "الصبار" و"عباد الشمس" وحوار عابر على رصيف مقهى البرلمان معهم

وأنا جالس اليوم ظهرا على رصيف مقهى البرلمان أتأمل في احتفال أهل نابلس بالمولد النبوي الشريف وأنتظر الدكتور Fayyad Haibi من حيفا مر صديقي القديم " أبو العز " الذي أهدته سحر خليفة إحدى روايتيها المذكورتين .
عرفت " أبو العز " منذ تموز ١٩٧٦ تقريبا وكان نشطا سياسيا ومنظرا متحدثا من منظري الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين . سألته عن صحته وأوضاعه ، وهذا ما نتحدث فيه عندما نلتقي ، فقد صرت أنا كاتب رصيف وصار هو ناشط فيسبوك مهتما بنابلس وأوضاعها . كان اللقاء العابر وديا جدا ووجدتني أسأله إن كان هو حقا باسل في روايتي سحر خليفة ، وإن كانت أسرة الكرمي في الرواية أسرته ؛ الأب المريض والأخ المناضل عادل والبيت الذي هدمه الاحتلال ، وعرفت أن الاحتلال هدم لأسرته بيتين لا بيتا واحدا .
- نعم أنا هو باسل وأبو العز .
أجابني ، ثم تذكرنا سحر خليفة التي أفادت في كتابة روايتها منه الكثير . كل ما كتب عن عالم السجن في الروايتين مستمد من تجربة الصديق في السجن ، وكانت الكاتبة في تلك الأيام تزوره وهو في السجن .
- هل تتواصل الآن مع سحر ؟
- قليلا جدا ، فصحتها مضعضعة .
سحر خليفة من مواليد ١٩٤٠ ، والفرنسية ( آني ارنو ) الفائزة بجائزة نوبل للآداب لهذا العام من مواليد ١٩٤٠ أيضا وهي تكتب سيرتها في رواياتها القصيرة ، وتكتب بلغة بسيطة لا التباس فيها ولا تعقيد .
- تبدو بصحة جيدة . قلت لأبو العز الذي كان على ما يبدو على عجلة من أمره ، وتذكرت أخاه الذي عرفته في عمان وقد أطلقت سحر خليفة عليه اسم عادل الكرمي .
هل تذكرنا الرفاق القدامى وما آلوا إليه . جميعهم أنفق بضع سنوات من شبابهم في السجون وصاروا الآن هوامش بعد أن كانوا متونا . كلنا صرنا هوامش نجلس على رصيف مقهى ما ونتذكر الماضي ، وحسب عنوان رواية فاروق وادي الأخيرة " سوداد " . كلنا " سوداد " نعيش نتذكر .
مساء الخير
خربشات ، والحياة كلها خربشات
٨ تشرين الأول ٢٠٢٢ .


****

3- سحر خليفة و " أم الياسمين " : التخلف الاجتماعي

وأنا أشاهد الحلقة ١٨ من " أم الياسمين " تذكرت بعض روايات سحر خليفة عن المجتمع النابلسي والمرأة فيه ، وتحديدا رواية " أصل وفصل " التي يتوقف زمنها الروائي عند العام ١٩٣٧ .
المرأة النابلسية في رواية سحر متخلفة بائسة ، ولا تختلف صورة المرأة ، بشكل عام ، في المسلسل . القال والقيل وكيد النساء والفشخرة وتحريض الرجل ضد الآخرين . ببساطة إشعال نار الفتنة ، لسان حالها كلمات الأغنية التي رددتها النسوة في حلقة سابقة ولطالما رددها آباؤنا حتى غير النابلسيين ، ولطالما سمعتها من أبي :
" اللي معانا الله معاه واللي علينا الله عليه " .
كانت سحر خليفة تصر في رواياتها كلها على أن لا تحرر وطني إلا إذا كان هناك تحرر اجتماعي يشمل تحرر المرأة ، وفي " أصل وفصل " عزت انتصار الحركة الصهيونية على الفلسطينيين إلى تخلفنا الاجتماعي ، ففي الوقت الذي كانت المرأة اليهودية فيه تسهم في بناء الكيبوتس وتقود الجرار لفلاحة الأرض ، كانت المرأة الفلسطينية تسعى وراء زوجها ليجلب لها المزيد من الذهب تشكشك به معصميها .
لا يقتصر التخلف الاجتماعي على المرأة ، فحلقة الليلة تري كم هو أبو أدهم حاقد على أقاربه لأنهم لم يزوجوه كريمة التي لم ينسها ، وللمفارقة فإنها هي من أرضعت ابنه أدهم حين ماتت أمه رضيعا .
حلقة الليلة " طاسة وضايعة " .
ماذا ستفعل البندقية التي يخفيها المناضلون والواقع الاجتماعي أرض خصبة للفتنة والقال والقيل والأحقاد و " اللي معانا الله معاه واللي علينا الله عليه " والكنافة جاهزة .
مساء الخير
خربشات عادل الاسطة
Adel Osta
٩ / ٤ / ٢٠٢٣ .

****

4- في تحليل الخطاب :

سحر خليفة عن عرس شاعر تقدمي من الجليل كانت حضرته :
" قالت إحداهما ، وصادقت على كلامها الأخرى ، إن العريس ، أي الشاعر التقدمي الشهير ، لم يبق فتاة أو امرأة تقدمية إلا أطاح بها ، أي استغلها عاطفيا وجنسيا ثم نبذها . دمر هذه وشوش تلك ، وبنى قصورا في الهواء لعشرات الفتيات الواثقات والمؤمنات بمباديء الحرية والعدل والمساواة ، ثم رماهن . وها هو الآن ، بعد أن شبع من اللف والدوران ،عاد ليتزوج من القرية ، من قريته التي " ما باس فمها إلا أمها ".
تروي سحر في سيرتها " روايتي لروايتي " الصادرة عن دار الآداب في العام ٢٠١٨ الفقرة السابقة .
لا تروي القصة على لسانها . إنها تروي ما سمعته ، وليست روايتها على لسانهن حقيقة ، فهو حكي في حكي ، وقد يكون الكلام كلامهن ، وقد يكون الكلام يعبر عن رأي سحر في الشاعر الذي لم تذكر اسمه .
ما مدى درجة الصدق في الكلام ؟
لا أحد يعرف ، فقد يكون صحيحا وقد يكون مبالغا فيه وقد يكون قيل وروي من باب الغيرة وقد وقد وقد .
وأنا أقرأ الكلام السابق تساءلت إن كان الشاعر ، كما وصف في النص ، تأثر بمصطفى سعيد الشخصية الرئيسة في رواية الروائي السوداني الطيب صالح " موسم الهجرة إلى الشمال " ١٩٦٦ ، أو إن كانت سحر نفسها وهي تصفه متأثرة بالطيب صالح وأرادت أن تقلده وتسير على خطاه .
ما الذي ذكرني بما سبق ؟ - أي ما مناسبة الكتابة ؟
يوم الأربعاء الماضي جلست في مطعم ومقهى خان الوكالة مع الصديق Belal Shakshir الذي أعاد لي نسختي من رواية سحر " ربيع حار " وأتينا على مسلسل " أم الياسمين " وشخصية أبو بهجت ، فقصصت على بلال ما روته سحر عن أبيها وخلفة البنات ، وهكذا عدت إلى سيرة الكاتبة أقرأ فيها .
لا تنطلق القراءة من الأخذ بقول الشاعر الجاهلي :
" إذا قللت حذام فصدقوها
فإن القول ما قالت حذام "
صباح الخير
خربشات عادل الاسطة
نابلس ٢٩ / ٤ / ٢٠٢٣

***

5- شوفوا تخبيصات سحر خليفة في روايتها الأخيرة " الجسر " ٢٠٢١ :

الزمن الذي تجري فيه أحداث الرواية هو السنوات القليلة بعد هزيمة حزيران ١٩٦٧ - تقريبا في العام ١٩٦٩.
الشاب الفلسطيني نبيل الذي درس في الجامعة الأردنية وانتمى لفصائل الثورة وقام بعملية فدائية يريد أن يتسلل إلى الأردن عبر النهر فيتخفى ويعمل ممرضا لدافيد في مزرعته في بيسان .
دافيد هذا شارك في حرب فيتنام وأصيب وقرر الهجرة إلى إسرائيل وصار يكتب في الجروزالم بوست كما كان يكتب من قبل في الواشنطون بوست . كتب ضد العنصرية وحرب فيتنام فاثار غضب اليهود " وحين بدأت تصله طرود متفجرات شبيهة بما كان يصل المحامية التقدمية فيليتسيا لانجر " والمفكر الإنساني إيلان بابيه قرر أن يعتزل الصحافة والسياسة ويعيش بعيدا منفردا في منطقة نائية بين بيسان وطبرية " .
عندنا مثل يقول " مش زادها وبس . حرق بنها " وسحر خليفة حرقت دين بنها . كيف ولماذا ؟
في العام ١٩٦٩ كان عمر إيلان بابيه ١٥ عاما ، فهو من مواليد ١٩٥٤ . كيف كان يومها مفكرا إنسانيا ؟ هل وصلته يومها طرود مفخخة ؟ أصلا يومها كان يمينيا متطرفا ، فلم يتغير تفكيره إلا حين درس الدكتوراه مع مشرف فلسطيني .
أرجو من كتابنا أن يرأفوا بنا ويحترموا عقولنا . حرام عليك يا سحر !!
وأنا أقرأ رواية كميل ابو حنيش أبو حنيش قرأت أن إحدى شخصياتها زار قبل ١٩٦٧ مخيم البقعة وان الكهرباء وصلت مخيم الفارعة في ٥٠ القرن ٢٠ ولهذا لا بد من كتابة وهو ما قلته أمس في المنتدى التنويري في حفل إشهار رواية " تعويذة الجليلة " .
مساء الخير
خربشات عادل الاسطة

***

6- سحر خليفة وعزمي بشارة .. السير على خطا درويش

منذ فترة بدأ السؤال التالي يراودني: هل كان في ذهن سحر خليفة وعزمي بشارة، حين قررا الإقامة في المنفى، أن يخطوا ما خطاه درويش في 70 ق20 وأن يحذوا حذوه؟
ولقد أمعنت النظر فيما آلا إليه وفيما انتجاه في المنفى من نصوص أدبية، وفي تلقي أعمالهما هنا في الأرض المحتلة، وحاولت أن أقارن هذا بما آل إليه محمود درويش وما أنتجه، وأكاد أشعر بالخيبة وأنا أنظر في أحوال سحر وعزمي، ولا أدري إن كانا توقفا أمام سؤال درويش الذي راوده منذ بداية الخروج، وبرز في ديوان "محاولة رقم 7" (1974)، وتعزز في كتابه "في حضرة الغياب" (2006) بالصيغة التالية: لماذا نزلت عن الكرمل؟
ما إن أصدر محمود درويش، بعد خروجه من حيفا، دواوينه وكتبه النثرية، حتى أعادت "دار الأسوار" وغيرها طباعتها، وقد لاقت قبولاً وانتشاراً واسعاً، حتى قبل عودة الشاعر إلى رام الله في العام 1996. فماذا عن الأعمال الأدبية وغير الأدبية التي أصدرها عزمي بشارة؟ وماذا عن الروايات التي أنجزتها سحر خليفة في أثناء إقامتها في المنفى؟ هل أعيدت طباعة أعمالهما وتلقفها الدارسون، كما تلقفوا أعمال درويش؟ وإن كانت الإجابة بالنفي، فما السبب؟
حين غادر محمود درويش فلسطين استقر فترة قصيرة في القاهرة، وسرعان ما غادرها إلى بيروت، ليعمل في مؤسسات منظمة التحرير التي تبنته واحتضنته ممثلة بشخص رئيس المنظمة وبمدير مركز الأبحاث الدكتور أنيس صايغ، وعاش الشاعر في كنف منظمة التحرير منحازاً لها غير منحاز لأي نظام عربي، حتى النظام المصري الذي احتضنه في البداية، وعبر درويش في أشعاره عن الثورة ورموزها وفدائييها في انتصارهم وانكسارهم، في صعودهم وفي انحدارهم، في مقاومتهم وفي شتاتهم، ما جعله الشاعر الوطني بامتياز، ساعده في ذلك موهبة لافتة وتطوير ذاتي ثقافي قلما يلحظه المرء لدى أديب آخر.
وحين وُقّع (أوسلو) كان عليه أن يعود إلى رام الله، على الرغم من عدم قناعته بالاتفاق، وهو ما صاغه في القسم الأخير من ديوانه "لماذا تركت الحصان وحيداً" (1995)، واستقر في رام الله وعاش الحصار في العام 2002، وأنجز عنه ديوانه "حالة حصار".
هل كان اختيار سحر خليفة للإقامة في عمّان، وعزمي بشارة للإقامة في قطر خطوة ستحقق لهما ما حققه رحيل محمود درويش له؟ هذا إذا ما كان في ذهنهما أن يسيرا على خطاه؟
في رواية عزمي بشارة "حب في منطقة الظل" ما ينبئ بأن عزمي ضاق ذرعاً بوطنه، ضاق ذرعاً بتحول أبناؤه إلى مستهلكين، وضاق ذرعاً بسياسة الدولة العبرية التي تضيق على العرب، وهكذا ما عاد عمر قادراً على الاستمرار في العيش في الدولة العبرية.
وفي روايتها "الميراث" (1997) ما يقول لنا إن سحر خليفة التي أقامت في الضفة، بعد هزيمة حزيران 1967، ثلاثة عقود، لم تر في (أوسلو) سوى وليد هجين لا يمكن أن ينمو نمواً طبيعياً، وأن من يعيشون في ظله سيعانون معاناة كبيرة.
وهكذا حملت سحر حقائبها لتقيم في المنفى، وسيفعل عمر/ عزمي الشيء نفسه، فيغادر فلسطين للإقامة في قطر.
تقيم سحر خليفة في عمّان، ولا تزور الضفة إلاّ نادراً. ويقيم عزمي في قطر، وكان، قبل "الربيع العربي"، يتنقل ما بين البلدان العربية، وغالباً ما يطل على المشاهدين ليدلي بدلوه فيما يجري، فحقق حضوراً إعلامياً لا أظنّ أن درويش حققه. ولكن هل حقق كل من سحر وعزمي ما حققه درويش من شعبية وجماهيرية؟
وعلى صعيد الإنجاز الأدبي فإن المرء يتساءل: ماذا أنجزت سحر خليفة من أعمال بعد خروجها من الأرض المحتلة؟ "ربيع حار" (2004) و"أصل وفصل" و"حبي الأول"، وها هي ستوقع رواية جديدة "أرض وسماء" عن القومي السوري الاجتماعي أنطون سعادة.
اغتربت سحر عن محيطها وواقعها، واغتربت، أيضاً، موضوعاتها، فهي التي كانت رواياتها منذ "الصبار" مروراً بـ "عباد الشمس" و"باب الساحة" و"الميراث" تعبر عن واقع الفلسطينيين المعيش تحت الاحتلال، أخذت، وهي في عمّان، تجتر الماضي لتكتب عن فترات زمنية لم تكن شاهدة عليها "اصل وفصل" وعن شخوص تاريخيين لم يكن لها بهم صلة أو تجربة، وغدت تكتب عن وقائع وشخصيات وأحداث تقرأ عنها في الكتب، لا عن الواقع الذي تعيش، وكتابتها عن الواقع المعيش وعن تجارب الناس تحت الاحتلال، هو ما حقق لها شهرة واسعة وجعل رواياتها تنقل إلى العديد العديد من اللغات العالمية، بل هو ما جعل أعمالها تتلقى نقدياً تلقياً واسعا. فهل استقبلت أعمالها اللافتة "أصل وفصل" و"حبي الأول" كما استقبلت "الصبار" و"عباد الشمس" و"باب الساحة"؟ وهل نقلت إلى اللغات الأوروبية كما نقلت رواياتها الأولى؟ بل وهل أعيدت طباعتها في الأرض المحتلة؟
الشيء نفسه يمكن قوله عن عزمي بشارة، مع اختلاف سببه أنه لم يبدأ أديباً قدر ما بدأ مفكراًَ سياسياً. وظلت سمة المفكر تغلب عليه أكثر من سمة الاديب، على الرغم من أنه أصدر روايتين "الحاجز: شظايا رواية" و"حب في منطقة الظل"، وفي الخارج، في المنفى الذي اختاره طوعاً، مثل درويش وسحر، أخذ يكتب أشعاراً لم تحقق له من الشهرة المزيد. وأعتقد أن ما كتبه من نصوص أدبية لم يحظ بعناية لافتة، كما حظيت كتبه الفكرية والتنظيرية، بل ولم تتلق أعماله الأدبية باهتمام لافت، كما تتلقى طروحاته الفكرية والسياسية.
وأنا أزور عمان، في 2008 و2010، اشتريت لعزمي كتابين هما "نشيد الإنشاد الذي لنا" (2008) و"فصول" (2009)، ولم ألحظ أية مراجعة لأي منهما في صحفنا المحلية التي أطالعها ولم أعثر لهما على طبعة محلية خاصة، كما هي العادة في حال نشر محمود درويش ديوانا شعريا أو كتابا نثريا، إذ سرعان ما تتلاقف دور النشر نتاجه وتعيد نشرها، وسرعان ما تحتفل أقلام النقاد بنتاج درويش الجديد.
في الأسبوع الماضي زارت سحر خليفة رام الله لتحيي أمسية في متحف محمود درويش، فكيف احتفل بها وكم كان عدد الحضور؟ وهل وقعت نسخاً من رواياتها؟
يقيم عزمي بشارة الآن في قطر، حيث القواعد الأميركية، وتقيم سحر خليفة في عمّان. لم يكتب عزمي أي شيء عن قطر، ولم تكتب سحر أي شيء عن عمّان، ولا أعرف إن كانا يأكلان الطعام في المطاعم الشعبية ويمشيان هناك في الأسواق.
ما يهمني أنني منذ فترة أتساءل إن أرادا تكرار تجربة درويش!!

عادل الأسطة
2013-09-08

***

7- سحر خليفة وراويتها وروايتها: حبي الأول

السؤال الذي يثيره قارئ رواية سحر خليفة الأخيرة "حبي الأول" (2010) هو: كم من سحر في راويتها نضال؟ ويليه سؤال آخر: كم من روايات سحر خليفة السابقة في روايتها هذه: المكان والزمان والثنائيات والشخوص؟
الرواية التي تقع في 391 صفحة، وتتكون من ستين مقطعاً ترويها نضال الفنانة التشكيلية التي ولدت في نابلس في نهاية عشرينيات ق20 تقريباً، إذ إنها أنهت الصف الخامس مع نهاية ثورة 1936- 1939، وتترك السرد، وهي تقرأ في أوراق خالها أمين، ليتحول السارد إلى قارئ مذكرات، وليغدو كاتب المذكرات راوياً من خلال مذكراته، وهو ما يبدو في ص231، وإن كانت نضال تترك القراءة أحياناً لتروي هي بعض ما تمر به.
كانت نضال ابنة لوداد التي طلقت، ووقعت فيما بعد في حب الشهيد عبد القادر الحسيني، كانت نضال وقعت في حب الثوري ربيع، فكان حبها الأول أيام نهاية ثورة 1939، ولكن هذا الحب في حينه لم يكلل بالزواج. ستدرس نضال في دير راهبات في القدس، ثم ستسافر في بعثة إلى روما، وستغترب وتغترب وتحمل جواز سفر غربياً، وستتزوج وتتطلق وتتزوج وتتطلق، ولكنها في النهاية ستخلص لفنها وللوحاتها ولمعارضها. ترى كم من سحر خليفة في نضال، بطلتها وراوية روايتها؟ سأثير السؤال هذا وأنا أقرأ في ص216 المقطع التالي:
"سألني عن حالي فوصفت باختصار شديد ما آلت إليه أحوالي بعد ستي. ستي ماتت وأمي اختفت فألحقني خالي بمدرسة الراهبات حيث عولج بالمستوصف. الراهبات كشفن موهبتي فدبرن لي بعثة فنية إلى روما، ومن هناك بدأت حياتي كفنانة وعشت حياتي بالطول وبالعرض، تزوجت وطلقت ثم تزوجت ثم تمردت ثم أحببت ثاني مرة وثالث مرة وعاشر مرة، ثم قررت ألا شيء يستحق انشغال القلب إلا فني ورسوماتي، وها أنا أعود إلى داري حتى أرسم ما آل إليّ من آل قحطان".
من المؤكد أننا لو طابقنا حرفياً بين ما تقوله الراوية نضال عن نفسها، وما مرّت به سحر خليفة، من المؤكد أننا لن نجد هناك تطابقاً كلياً. لكننا لا نجد كبير فرق في جوهر مسيرة كل من الراوية والكاتبة، ذلك أن سحر تلجأ أحياناً إلى التبديل والتغيير، ليس فقط في سيرتها، إن كانت هي نضال، وإنما في المعلومات والحقائق، فقارئ "حبي الأول" إن كان ملماً بتاريخ نابلس وقراها، سيلحظ أن هناك خطأ في المعلومات في غير صفحة من صفحات الرواية. في الرواية إشارة إلى مستوطنات أقيمت، قبل العام 1948، قرب نابلس، قرب قرية زواتا وقرية صانور، وهذا ما لا نعرفه (ص84، ص172) وفي الرواية أيضاً إشارة إلى قرى لا تقع قرب نابلس (روبين، ص80 ولعلها روجيب).
لكن التطابق الأكبر ما بين سحر ونضال يكمن في أن الثانية / الراوية لا تختلف نظرتها للرجل و"أوسلو" عن نظرة سحر نفسها، وعن نظرة بطلات سحر في رواياتها بعامة، وباب الساحة بخاصة، ما يجعل إثارة السؤال الثاني: كم من روايات سحر السابقة في روايتها هذه؟ إثارة مشروعة، والسؤال سؤالاً مشروعاً.
لا يكمن هذا التطابق في ذكر أسماء وردت في باب الساحة ووردت ثانية في "حبي الأول"، ولا في المكان "البلدة القديمة" من نابلس، ولا في الزمان –وإن جزئياً: الانتفاضة وما نجم عنها من حصار ومطاردات، وإنما يكمن التطابق أيضاً في الأفكار وفي الموقف من الرجل: كأن المقطع 20 – من ص132-143 تكرار لما ورد في باب الساحة: المكان الأجواء والشباب المطاردين وملاحقة جنود الاحتلال.

زمن السرد والزمن الروائي:
زمن السرد هو العام 2005 أو ما بعده بقليل، وهناك إشارات عديدة توضح هذا. في ص63 إشارة واضحة إلى هذا: "وإذا كنت أرغب، ستحكي لي عما كان يدور في هذه الدار أثناء غيابي، منذ الانتفاضة الأولى ثم الثانية وحتى الآن"، وهذا يعني أن زمن السرد بدأ بعد اقتراب انتفاضة الأقصى، وهي الثانية، من الانتهاء، وأحدد هذا بالعام 2007 أو 2008.
الراوية نضال التي جابت العالم تقص عن طفولتها في المدينة. تقص عن حبها الأول. عن تجوالها مع جدتها في تلك الأيام. عن ربيع – حبها الأول - الذي عادت والتقت به بعد ستين عاماً، ويكاد الزمن الروائي المقصوص يتركز على الفترة بين 1939 والفترة 1948، عام استشهاد المناضل عبد القادر الحسيني. ولا تأتي الراوية على الفترة التي تلي العام 1948 إلا لماماً. إنها تقفز عنها وتختصرها بعبارات، عبارات تكاد تلامس فترة ما بعد عام عودتها إلى نابلس – أي في العام 2005 أو ما بعده، عام عودتها لترميم بيتها في البلدة القديمة لتقيم فيها. تبدأ الرواية بالفقرة التالية:
"أعود اليوم لدار العيلة لأقوم بإصلاح ما يتصدع ونخره السوس، وأجعل من الدار، دار العيلة، مكاناً يُسكن، شيئاً يذكر وله تاريخ. ما عدت أطيق جو الغربة والطيارات والمطارات والبدء من جديد في كل مكان أذهب إليه. هناك عمان، قبلها بيروت، ثم لندن، ثم باريس وواشنطن، ثم المغرب، وأخيراً جئت إلى الضفة" (ص9). ويتكرر الحديث عن سبب العودة في صفحات لاحقة (ص74) و(ص67 وما بعدها).
ولا يروق زمن السرد [2005 وما بعد] للساردة، إذ هي تشعر بالخيبة، الخيبة التي لاحظناها بوضوح في "الميراث" (1997)، وقد أتيت عليها في كتابي "أدب المقاومة: من تفاؤل البدايات.. إلى خيبة النهايات" (1998). تماماً كما لا يروق لها الزمن الذي عاشته بعد الافتراق عن ربيع / حبها الأول، وهو ما يبدو في المقطع 17 الذي يتكون من صفحتين تختزلان خمسين عاماً من حياتها، لا نعرف عنها الكثير، ولكنا نعرف خلاصتها:
"الآن، وأنا أتذكر تلك الأيام، وأتذكر ذلك الوداع وذاك الموقف أقول لنفسي: كم ضاع العمر بلا ثمرة! كم خفق القلب بلا إحساس! لو ظل ربيع، هل كنت أمر بتلك الخيبات؟ هل كنت أضيع بهذا العالم بحثاً عن بديل لربيعي؟ لكن ربيع لا يستبدل ولا يتجدد، مرة في العمر، فقط مرة. هو حب الصبا وربيع القلب وحلم التغيير. في ذاك الزمن، ذاك الماضي، كنت ما أزال أؤمن بالحب، وأؤمن بالثورة والتغيير، وكان الحلم يغطي المساحات كما الأحراش والوديان.." (ص110) (هل هذا الكلام الصادر عن نضال سوى كلام سحر خليفة نفسه في رواياتها السابقة، كلام بعض نسائها؟ ربما وجب اقتطاع مقطع تبدي فيه نضال رأيها في الرجال والرجولة لتعزيز ما أذهب إليه. في المقطع 34، المقطع الذي يأتي على لقائها، بعد ستين عاماً، بربيع، في بيتها، تقول:
"هو رجل غريب لا أكثر. الماضي انتهى، ولّى ورحل، ونحن الآن بعد الألفين. كنا مراهقين، وصرنا عجوزين على الحافة. عشنا الحب المراهق بضع سنوات، ثم انقطعنا عدة عقود، خمسين سنة، ستين سنة، ربما أكثر. وسؤال السنين كيف عشنا؟ ماذا فعلنا؟ ماذا أحببنا وماذا كرهنا؟ كيف تبلورنا كإنسانين؟ رجل وامرأة، شخصيتين منفردتين، كل شخصية لها شكلها وملامحها، عمقها، سطحها، وزواياها؟ كيف أعرف أنه صادق؟ كيف أعرف أنه موثوق؟ كيف أعرف أنه أمين؟ كيف أعرف إن كان تقليدياً ككل الرجال يخرج من عندي ويقول فعلت وقمت ونمت، ويتبجح باقتحاماته؟" (ص232)، مكان نضال هي سحر، أو مكان سحر هي نضال، وكأننا نقرأ في روايتها "مذكرات امرأة غير واقعية" الفقرة التي تتحدث فيها عن الثوريين الذين لا يكونون في موقفهم من المرأة ثوريين، فالمرأة في نظرهم زوج جرابات يبدلونه بلا اكتراث!!.

الراوية والكاتبة واللغة:
لعل النقطة الأخيرة التي أود تسجيلها في البحث عن التشابه والاختلاف بين الراوية والكاتبة هي لغة كل منهما.
حين فرغت من قراءة الرواية قلت إن هناك اختلافاً في لغة السرد بين رواية سحر هذه ورواياتها السابقة، فلغتها هنا أكثر متانة وأجود سبكاً، وإن كان المرء يلحظ أحياناً بعض ظلال لغتها السابقة. طبعاً نحن في الرواية أمام فنانة تروي وكاتب صحافي يكتب مذكراته – أي أننا أمام شخصين مثقفين من جيل الأربعينيات والخمسينيات من ق20، جيل امتلك متعلموه اللغة امتلاكاً جيداً. والسؤال هو: لماذا لم تكن لغة سارد روايات سحر الأخرى، وهو سارد يفترض أنه سحر الكاتبة، لغة فصيحة؟ هل التفتت سحر، وهي تكتب هذه الرواية تحديداً، إلى اللغة وأولتها عنايتها أم أن هناك يداً خفية قرأت الرواية قبل النشر ثم أعملت قلماً فيها؟ إن كانت لغة نضال هي لغة سحر، فإننا لأول مرة نقرأ لسحر خليفة لغة مختلفة!!.

عادل الأسطة
2011-11-13

***

8- سحر خليفة في أصل وفصل: سيف القارئ المسبق

"أصل وفصل" )2009( هو الجزء الأول من رواية سحر خليفة الجديدة التي لا ندري من كم جزء تتكون، صدر الجزء عن دار الآداب في بيروت، ويقع في "654" صفحة من الحجم المتوسط 5،31 في 5،91سم. وقد اختارت الكاتبة صورة بالأبيض والأسود لنسوة فلسطينيات حقيقيات تظاهرن في فلسطين في القدس أمام مبنى الحاكم الانجليزي أيام الانتداب صورة للغلاف، غلاف الرواية. والصورة التي انتزعت من كتاب الدكتور وليد الخالدي زBefore Their Daisporaس ترد أيضاً في ص751 من الرواية، لتقرن سحر ما اوردته في روايتها عن مشاركة المرأة الفلسطينية في المظاهرات بالصورة. وتري الصورة، نماذج نسوية فلسطينية مختلفة، فثمة نسوة متحررات، يرتدين التنانير والقمصان والبرنيطة، وثمة نسوة متلفعات بالسواد لا يبين من وجوههن شيء. وسحر لا تكتفي ببرهنة ما تذهب اليه، حين تكتب عن المرأة ونضالها، من خلال الصورة فقط، وإنما تلجأ، وهذا ما تفعله هي للمرة الأولى، الى توثيق كثير من الحقائق التي توردها، من خلال الاحالة الى كتب علمية وأشعار لأبرز شعراء فلسطين: ابراهيم طوقان. كأنما تريد ان تقول للقارئ ليس ما يرد في الرواية محض خيال، فلقد قاله، من قبل، أدباء ودارسون وأنا، هنا، إنما أعيد ما قالوه. نعم كأنما تريد سحر أن تقول هذا، فهي لأول مرة في تاريخها الكتابي، تكتب عن فترة زمنية لم تكن شاهدة عليها، إذ يرتد الزمن الروائي الى ما قبل ولادة سحر، يرتد الى بدايات الانتداب البريطاني على فلسطين، ويتوقف عند العام 1937، ولم تكن سحر ولدت بعد. إن استحضاراً للزمن الروائي لروايات سحر السابقة يقول لنا هذا، فلم نعد جواري لكم عالجت فترة الستينيات من القرن العشرين، و"الصبار" )976( عالجت فترة احتلال الضفة في العام 1967، و"عباد الشمس" )1979( كانت استكمالا للصبار، و"مذكرات امرأة غير واقعية" )1986( تأتي على حياة امرأة متحررة مطلقة عاشت في سبعينيات ق 20 وثمانينياته، و"باب الساحة" )1990( تتخذ من الانتفاضة الأولى مادة لها و"الميراث" )1997( تأتي على فترة أوسلو ومرحلة السلام، فيما تصور "ربيع حار" )2004( اجتياح نابلس في انتفاضة الأقصى، ولا تبتعد "صورة وأيقونة وعهد قديم" )2002( عن نهايات ق02.
يرتد الزمن الروائي إذن في "أصل وفصل" الى مرحلة لم تكن سحر شاهدة عليها، خلافاً لبقية رواياتها، ولكن المكان الذي تجري فيه أحداث الرواية (نابلس/حيفا/القدس) هو المكان الذي جرت فيه أكثر أحداث رواياتها السابقة، باستثناء حيفا، فهذه المدينة لم يكن لها حضور في روايات سحر السابقة، وسيكون لها-لحيفا-حضور لافت في "أصل وفصل".
ما يجدر، اعتمادا على ما سبق، الالتفات إليه في أثناء قراءة الرواية هو التصدير الذي صدرت به الكاتبة روايتها، لقد اقتبست سحر السطرين التاليين من (باسكال) وأدرجتهما في صفحات الرواية الأولى: "لا تقولوا لي لم أقل شيئاً جديداً، أسلوب ترتيب العناصر هو الجديد" ولهذا اخترت لمقالتي هذا العنوان "سيف القارئ المسبق".
في أثناء متابعتي لأعمال سحر السابقة والكتابة عنها كنت خلصت الى رأي يتمثل في أن روايات سحر تقول الثنائيات نفسها: المرأة/الرجل، والمستغِل/والمستغَل، والاسرائيلي/ والفلسطيني. وتتفرع هذه الثنائيات الى أخرى، حتى مكان روايات سحر كلها تكاد تكون نتاج مبنى ذهني واحد، بل هي كذلك. واعتمادا على هذا هل أبالغ إذا تساءلت: أمن الضروري أن يقرأ المرء روايات سحر كلها أم أن قراءة رواية واحدة تكفي للتعرف على هذه الكاتبة؟ ولا أريد أن أظلم سحر، فالقارئ مختلف، وقد يصل الى رأي مغاير لما أصل أنا إليه. وعلى الرغم من أنني، وأنا أقرأ سحر، أشعر أنني أقرأ رواية واحدة لها، فجديدها لا يختلف كثيراً عن قديمها، إذ لا أتوصل الى آراء جديدة لما كنت توصلت إليه بشأن سحر، إلا أنني أفضل ألا ألزم القراء برأيي هذا.
هل كان تصدير سحر روايتها بسطري (باسكال) ضربا من الدفاع عن نفسها؟ هل كانت آراء بعض النقاد حول ثنائيات رواياتها حاضرة في ذهنها؟ أكاد أجزم بهذا، وأكاد أجزم بأنها إنما اختارت سطري (باسكال) لأنها تدرك أن ما تقوله في "أصل وفصل"، في خطوطه العامة، اذا ما جردنا وبحثنا عن الأنساق، على رأي البنيويين إنما كانت قالته من قبل، ويستطيع الباحث والدارس، لروايات سحر، أن يمعن النظر في ثنائيات المرأة والرجل، والاسرائيلي/اليهودي والفلسطيني، ليرى أنها تكاد تكون متقاربة. هذا إذا غضضنا الطرف عن سارد سحر ولغته، وأكاد أجزم أنه واحد، وهو سحر خليفة، ما يجعلني حقا أتساءل إن كانت فكرة الكاتب الحقيقي والكاتب الضمني حقيقة، ويمكن أن يأخذ بها المرء دائما، فيميز ما بين كاتب حقيقي-أي مؤلف، وما بين كاتب ضمني داخل النص، وهي فكرة الناقد الروائي (واين بوث) التي اعتمد عليها أصحاب نظرية التلقي، فتكتبوا عن قارئ حقيقي وقارئ افتراضي. وإذا كنا نميز بين قارئ وقارئ، تبعاً للمستوى الثقافي، فهل حقاً يمكن أن نميز بين سحر خليفة مؤلفة رواياتها وبين راويها أو مؤلفها الضمن؟/
وأعود الى عبارة (باسكال): "لا تقولوا لم أقل شيئاً جديداً، أسلوب ترتيب العناصر هو الجديد". واذا ما افترضنا أن سحر تعتقد به اعتقاداً تاماً، أدركنا أنها تقر بأن ما قالته مقول من قبل-هذا يعني أنها لم تأت بجديد، ولكن ما تؤمن به سحر هو أنها أتت بجديد في الأسلوب: أسلوب ترتيب العناصر هو الجديد".
كما ذكرت آنفاً فقد اعتمدت سحر في بناء روايتها على كتب ودراسات وأشعار وكتب يوميات وصور و... و... وقارئ ما سبق، حين يقرأ رواية سحر هذه، يقول الجزء الأول من مقولة (باسكال): لم تقل سحر شيئاً جديداً فقد قرأناه من قبل، ويبقى الجزء الثاني: ولكنها رتبت ما قرأنا ترتيباً جديداً، فالجدة لا تكمن في المعلومات، بل في الأسلوب. وهنا نتذكر ما قاله الأديب الألماني (غوته) عن الأدباء الكبار: "ليس الأدباء الكبار أدباء كباراً لأنهم يأتون دائماً بأشياء جديدة، وإنما هم أدباء كبار لأنهم اظهروا الاشياء، كما لو أنها تظهر لأول مرة". ثمة تشابه بين ما قاله (باسكال) وما قاله (غوته)، وتؤمن سحر بهذا الذي قالاه، وهو عموماً ما قاله النقاد العرب القدامى، وما قاله أيضاً بعض الشعراء العرب: "ما أرانا نقول إلا معادا مكروراً" و"المعاني مطروحة على الطريق، يعرفها العربي والأعجمي" و... و.... هل كان محمود درويش بالغ في التواضع حين نعت قصائده بأنها فسيفساء من نصوص الآخرين؟ وهل تولدت فكرة التناص من فراغ؟ ونص سحر الأخير - أعني روايتها، فقد أوردت كلمة رواية على الغلاف - يتناص مع نصوص سابقة كثيرة، وعبارة (باسكال) التي أوردتها خير تلخيص لروايتها: الأفكار مقولة من قبل، وهي واردة في كتب المؤرخين، وفي اليوميات، وفي الأشعار، وهناك صور تدلل على العبارات وتعززها، ولكن هذه الأفكار لم تكتب في نص روائي، كما كتب هنا.
وإذا ما عاد المرء الى الروايات الفلسطينية التي أنجزت قبل العام 1948، ابتداء من رواية خليل بيدس "الوارث" )1920( ومروراً برواية اسحق موسى الحسيني "مذكرات دجاجة" )1943( وبغيرها وانتهاء برواية محمد العدناني "في السرير" (1946)، فإنه قد لا يجد تقاطعا معها، حين يقرأ المرء رواية سحر. قد يكون هناك تقاطع ضئيل جدا، فالروائيون لم يلتفتوا يومها الى التفاصيل، وكانت أشعار طوقان تلخص رؤيته، ورؤية سحر غالبا ما تنبني عليها، ولهذا نجدها تورد أشعار ابراهيم في الهامش، وليس هناك تعارض بين ما تفصل فيه سحر وبين ما اوجزه ابراهيم، والعكس هو الموجود، فثمة تطابق بين ما تكتب عنه وما كتب عنه ابراهيم، بل إنها تورد أشعار الشاعر لتعزز ما ذهبت إليه.
وإذا ما عاد المرء أيضاً الى روايات فلسطينية أنجزت بعد العام 1948، وارتد زمنها الروائي الى ما قبل العام 1937، مثل روايات أفنان القاسم "المسار" وناصر الدين النشاشيبي "حفنة رمال وحبات البرتقال"، فقد يعثر المرء على تقاطع ضئيل ايضاً، فالشخوص والمكان مختلفون اختلافا كبيرا. ولا أدري ان كانت سحر اطلعت على كتابات الكاتبين المذكورين، فقد أشارت الى فيصل حوراني واعتمدت على بعض نصوصه، ولم تشر إليهما.
واعتماداً على ما سبق، يمكن القول ايضاً ان سحر ليست أول كاتبة فلسطينية تكتب روايات يعود زمنها الروائي الى ما قبل العام 1948، أي إلى فترة لم تكن شاهدة عليها، فقد سبقها كثيرون.
وكان هذا الالتفات الى الماضي، بداية العقد الأول من القرن العشرين، لافتاً، وهنا يمكن الإشارة الى رواية ابراهيم نصرالله: "زمن الخيول البيضاء" ورواية فاروق وادي "عصفور الشمس". ولربما أثار المرء هنا العديد من الاسئلة: لماذا يستقي هؤلاء الكتاب رواياتهم الأخيرة من فترة زمنية لم يكونوا شهوداً عليها؟ هل كتبوا كل شيء عن زمنهم الذي عاشوه؟ هل يشعرون ان فترة ما قبل 1948 لم يكتب عنها روايات بما فيه الكفاية، والروايات التي عالجت تلك الفترة كانت الروايات العبرية؟
سأعود ثانية الى الجزء الأول من مقولة (باسكال): "لا تقولوا لي لم أقل شيئاً جديداَ". هل قالت سحر في روايتها هذه شيئا جديداً أم أنها لم تقل؟
كما ذكرت، فثمة إقرار، هكذا يفهم من العبارة، أنها لم تقل شيئاً جديداً وأن الجدةّ تكمن في الأسلوب. لقد خطر ببالي شخصياً أن أنظر في صورة الآخر، اليهودي والانجليزي في روايتها، وأقارن هذه الصورة بتلك التي برزت لهذين في الأدب الفلسطيني منذ بدايات إتيانه على صورة هذين وحتى اللحظة. أنا كنت أنجزت رسالة دكتوراة وعدة أبحاث عن صورة اليهودي في أدبنا، وبحثا عن صورة الانجليز في أدبنا أيضاً، وأستطيع أن أقول ان صورة هذين - أي اليهودي والانجليزي - في رواية سحر لم تختلف في خطوطها العامة عما كتبه أدباؤنا الذين أنجزوا نصوصهم قبل إنجاز سحر روايتها، وان لاحظت مثلاً أنها تبرز صورة اليهودية تروتسكية هي (روز ماير)، ولم أقرأ من قبل عن نموذج مشابه تماماً لها. ويمكن قول الشيء نفسه عن صورة الحاكم الانجليزي الذي يكره اليهود ويميل الى العرب، فهذا ما لم أعثر عليه أيضاً فيما قرأت من نصوص وكتبت عنها، إذ صورة الانجليزي تبدو دائماً كارهة للعرب، وتقف الى جانب اليهود، وقد تتشابه صورة هذا الحاكم مع نماذج انجليزية كتبها أدباء انجليز في فترة معاداة اليهود في بريطانيا. طبعاً قد تتشابه صورة (روز ماير) مع مثيلات لها في كتب اخرى غير النصوص الأدبية، وقد تكون شخصية حقيقية حقا، فثمة يهود كانوا يدعون الى التعايش مع العرب. و(روز) هذه تدعو الى التعايش او الى انتاج فيلم عن شاعرين وأديبين، عربي ويهودي، وتحديداً عن السكاكيني و(آلتر ليفين)، لم تحضر شخصية الاخير في الرواية، وإنما استحضرت على لسان آخرين، وبدت شخصية ايجابية، ويبدو ان سحر اعتمدت فيما كتبت عنه على يوميات السكاكيني، فقد لجأ (آلتر) هرباً من الأتراك، الى بيت السكاكيني، وآواه هذا، لقد تذكرت وأنا أقرأ الاسم (آلتر ليفين) رواية الكاتب السوري ممدوح عدوان "أعدائي" (2000)، وقد أنجزت عن صورة اليهودي فيها دراسة موسعة، ذلك أن ممدوح عدوان كتب عن (آلتر ليفي) الذي كان مطارداً من ضابط نابلسي هو عارف، وقد برزت صورة سلبية جداً لليهودي هذا فيها، فهل (آلتر ليفين) في رواية سحر خليفة هو (آلتر ليفي) في رواية ممدوح عدوان؟ اذا كانت الاجابة نعم، فيجدر معرفة المصادر والمراجع التي اعتمد عليها الروائيان سحر وممدوح في رسم صورة هذه الشخصية اليهودية، وتتبع التشابه والاختلاف فيما كتباه، وفي تصور العربي لها في الروايتين، وهذا، لا شك، أمر مثير ولافت، فرواية عدوان تكتب أيضاً عن زمن روائي لم يكن ممدوح عدوان شاهداً عليه، إذ تجري أحداث روائية ما بين العامين 1914 و1918، وهو زمن تكتب عنه سحر خليفة وتستحضر شخصيات يهودية عاشت فيه، ومنها (آلتر ليفين).
ولا أريد أن أنهي الكتابة دون الإشارة الى أمرين، الأول أن رواية سحر لا تخلو من عنصر التشويق، فالمرء ما إن يبدأ قراءتها حتى تستبد به الرغبة لإنهائها، وهي إن اختلفت عن روايات سحر السابقة فإنما يكمن الاختلاف في أن صاحبتها تلجأ لأول مرة الى التوثيق في كتابة النص الروائي، وقد يكون هذا هو الجديد في الأسلوب. والثاني ان سحر مثل كتّاب كثيرين، أخذوا ينعزلون عن واقعهم، وبالتالي ما عادت صلتهم به كما كانت، وأرجح أن هذا هو السبب الذي جعلهم يعودون الى الماضي والكتب ليستعينوا بها على إنجاز نصوص جديدة تخصهم، وقد أكون مخطئاً، قد.

2009-06-09
بقلم: عادل الأسطة

***

9- سحر خليفة : التحرر الاجتماعي مدخلاً للتحرر الوطني

في دراسته للشعر الفلسطيني في نكبة فلسطين يرى د. عبد الرحمن الكيالي، «أن الشعر الفلسطيني الثوري لم يُعْنَ كثيراً بمشكلات مهمة لها شأنها في المعركة؛ كالتخلف الحضاري والفقر والجهل والمرض، وكالاستغلال البشري، ولم يهتم كثيراً بالشؤون الاجتماعية، كقضايا المرأة والعمال والفلاحين ولا بالثقافة والتعليم...»، وقد لاحظ دارسون آخرون لهذا الشعر غلبة الموضوع الوطني على موضوعاته، وأن أبرز شعرائه تمحورت أشعارهم على جانب واحد من جوانب الحياة: التحرر الوطني، وهذا ما دفع الشاعر محمود درويش لأن يكتب في ديوانه «حالة حصار» (2002) التالي:
«بلاد على أهبة الفجر،/ صرنا أقل ذكاء،/ لأنا نحملق في ساعة النصر:/ لا ليل في ليلنا المتلألئ بالمدفعية/ أعداؤنا يسهرون،/ وأعداؤنا يشعلون لنا النور/ في حلكة الأقبية». (ص10).
وما يفهم مما سبق هو أن الفلسطينيين صاروا أقل ذكاء لأنهم حصروا تفكيرهم في جانب واحد هو ساعة النصر ـ أي التحرر من الاحتلال.
ما قاله درويش كان نقاد إسرائيليون لاحظوه على الأدب العبري الذي كتب بعد قيام دولة إسرائيل (1948)، فقد انحصرت موضوعات الأدباء الإسرائيليين، لفترة، في موضوع واحد هو الدولة الناشئة، ولهذا صرخوا أيضاً: صرنا أقل ذكاء.
تحاول سحر خليفة، وهي كاتبة روائية صدرت لها، حتى الآن، إحدى عشرة رواية أن تركز، بشكل لافت، على جانب آخر غير الجانب الوطني، هو الجانب الاجتماعي، ويشغل هذا الجانب حيزاً كبيراً من تفكير شخصياتها الروائية النسوية، خلافاً لشخصياتها الروائية الذكورية التي تبدو مهمومة بالهم الوطني، لدرجة أنها تنسى جوانب إنسانية أخرى لا يستطيع المرء أن يعيش دونها، وحين يتجاهل هؤلاء العواطف، وهم ثوريون، تتساءل امرأة متحررة: ثورة بدون عواطف؟
منذ روايتها الأولى نشدت سحر خليفة التحرر الاجتماعي للمرأة، وهذا ما بدا في عنوان روايتها الأولى «لم نعد جواري لكم».
إن سحر هنا تنطق باسم المرأة التي خضعت، وما زالت تخضع، منذ قرون لسيطرة الرجل وتبعيته، وكان هناك ما يبرر هذه التبعية دينياً، فالرجال قوّامون على النساء، وعلى المرأة أن تطيع الرجل كذلك. وهذا ما قامت به فدوى طوقان، فحين طلب منها أخوها الجلوس في البيت وعدم الذهاب إلى المدرسة لإكمال تعليمها نفذت الأمر والتزمت به. ولم تكن الوحيدة التي تفعل هذا، فحتى الفتيات المتعلمات اللاتي صرن معلمات كن يخضعن لأوامر الرجل في الأسرة، الأب والأخ، حتى لو كان الأخ «هاملاً». إن كونه ذكراً يعطيه حق السيادة.
اختلفت تجربة سحر خليفة عن تجربة فدوى، واختلف الزمن الذي عاش فيه كل منهما، ففدوى ولدت في 1917، ومنعت من الذهاب إلى المدرسة في 1927، وسحر ولدت في 1940، وشبت في فترة بدأ فيها المجتمع يتحرر، فترة بدأت المرأة فيها ترفع الحجاب، وبدأت النوادي الاجتماعية المختلطة تقام في مدينة نابلس.
ولما تزوجت سحر وأخفق زواجها وعانت في هذا الجانب، فإن تجربتها أمدّتها بقدر من الشجاعة والاستقلال. واصلت تعليمها وانخرطت في الحياة في فترة بدأت تظهر فيها تيارات يسارية تدعو إلى تحرر المرأة ومساواتها بالرجل.
تعد رواية «عباد الشمس» (1980) نموذجاً جيداً لقراءة أفكار سحر خليفة في هذا الجانب. والرواية هي الجزء الثاني الذي حمل جزؤه الأول عنوان «الصبّار» (1976)، ورصدت فيهما تجربة الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية إثر حرب حزيران 1967. وإذا كان الجزء الأول يركز على مقاومة الاحتلال، فإن الجزء الثاني يخوض بالتفصيل في جوانب أخرى أبرزها الجانب الاجتماعي، وما نجم عنه من طروحات حول أولوية الصراع: الصراع الاجتماعي أو الصراع الوطني.
تختفي سحر خليفة، في «عباد الشمس» وراء شخصية رفيف، وتعبر من خلالها عن تصوراتها للتحرر الوطني والخلاص من الاحتلال. والخلاص من الاحتلال يشغل بال شخصيات روائية ذكورية منخرطة في المقاومة بأشكالها: المسلحة وغير المسلحة. السجين صالح والسجين المحرر باسل، وعادل وسالم، وشباب في أول عمرهم يقاومون بالغريزة. وتعمل رفيف محررة في مجلة البلد التي يترأس تحريرها الأستاذ عطا الله، إلى جانب عادل وسالم وحافظ والأستاذ المحرر اللغوي بديع. وهؤلاء يمثلون أجيالاً مختلفة، وثقافات مختلفة، ورؤى مختلفة. منهم المحافظ ومنهم اليساري التقدمي، وبينهم رفيف التي تحرر زاوية المرأة.
يدعو عادل إلى الحل المرحلي للقضية الفلسطينية، ويسانده أخوه باسل، وهما منحدران من أسرة إقطاعية فقدت سلطتها وثروتها إثر الاحتلال، فيم يدعو سالم إلى حل جذري يقوم على تحرير فلسطين كلها من النهر إلى البحر، وهو يختلف مع عادل وأخيه في موقفه من اليسار الإسرائيلي، ففيم يدعوان إلى الحوار مع اليسار الإسرائيلي يعارض سالم هذا كلياً.
إن قضايا أخرى غير قضية التحرر الوطني لا تشغل بال هذه الشخصيات كثيراً، خلافاً لرفيف المرأة التي تعاني اجتماعياً من الذكور، ولهذا تطالب بالمساواة وبتحرر المرأة، وتنتقد الثوريين الذكور الذين لا يلتفتون إلى أن المرأة تشكل نصف المجتمع، وبالتالي فإن من حقها أن يكون لها نصف المجلة لا زاوية من زواياها.
وترى رفيف أنه لن يكون هناك تحرر وطني ما لم يكن هناك تحرر اجتماعي، وحين يحاورها الذكور ليقنعوها بأن هذا سيتم بعد التحرر الوطني تتذكر ما ألمّ بالمرأة في بلدان أخرى كتركيا والجزائر وإيران، فلقد شاركت المرأة في النضال ضد المستعمر المحتل، ولكنها لم تحظ بأية مكانة، في العلن، بعد التحرير، فقد همّشت ليكون البيت مكانها.
الحوار ما بين رفيف من جهة، وعادل الذي تحبه من جهة، وإلى جانبه الذكور، يشغل حيزاً كبيراً من صفحات الرواية. هل تلحّ عليه وهم يتجاهلونه. بل إنهم يرون أنها بما تنادي به تنطلق من عقدة المرأة لا من رؤية الواقع رؤية علمية: «انت يا رفيف تتعاملين مع العالم من خلال عقدتك كامرأة» (ص259) وهي، من وجهة نظر عادل، لم تقرأ ولم تتعلم، ولا تنظر إلى خريطة العالم وترى أصابع الاخطبوط ممتدة من القارات المسحوقة لتفهم، وهي ترى في موقف عادل والرجل العربي ضرباً من الانفصام، بخاصة الرجل التقدمي، فهذا يحب غضبة العامل والفلاح والشعوب المقهورة، وحين تغضب المرأة «تجأرون في وجهها: معقدة» (ص260).
تكره رفيف الرجال، وتكره أيضاً (عادل) الذي تحبه، لانشغاله عنها بالنضال، وتحاول الانسحاب من المجلة، فلا أحد يفهمها. والسؤال هو: إلامَ تنتهي الأمور؟ هل تنتهي لصالح رؤية عادل وسالم الذاهبة إلى أن الأولوية هي للتحرر الوطني، أم تنتهي لرؤية رفيف التي ترى أن لا تحرر وطنياً إلاّ إذ تحرر المجتمع أولا؟
أمام استمرار الاحتلال الإسرائيلي ومصادرته المزيد من الأراضي الفلسطينية يجد هؤلاء أنفسهم مطالبين بتغطية الصدامات التي وقعت ما بين الجيش الإسرائيلي قرب مدينة نابلس وبين أبناء الشعب الفلسطيني الذين هبوا لمقاومة إنشاء مستوطنة جديدة. وسيذهب الجميع معاً لمتابعة ما يجري والكتابة عنه. هل تقول نهاية الرواية ما قاله عادل وسالم وتنتصر لرؤيتهما؟ إن رفيف تذهب معهما إلى أرض الحدث، والاشتباكات مع الاحتلال هي ما أنهى، ولو مؤقتاً، الجدل الدائر بينهم.
في الرواية شخصية نسوية لافتة هي شخصية سعدية التي قتل الاحتلال زوجها زهدي، وكان عليها أن تكدّ وأن تربي أبناءها الخمسة، فتعرضت للقال والقيل من نساء الحارة، وغدا همها أن تشتري قطعة أرض لتقيم عليها بيتاً، فتتخلص من ألسنة جاراتها، وحين تتمكن من شراء الأرض يصادرها الاحتلال، ويقضي على حلمها، والنهاية لها مدلولها الواضح.


عادل الأسطة
2015-11-01

***

10- سحر خليفة : التحرر الاجتماعي مدخلاً للتحرر الوطني (2)

في كتاب "مدخل إلى مناهج النقد الأدبي" (سلسلة عالم المعرفة، الكويت، أيار 1997، عدد 221) منهج عنوانه "النقد التحليلي ـ النفسي" كتبه الناقد الفرنسي (مارسيل ماريني Marcelle Marini) أورد فيه آراء نقاد عالميين حول علاقة النص الأدبي بصاحبه، ومن هذه الآراء:
"قبل أن يكتب يافيز سطراً واحداً كانت بدايات شبابه تحوي كتبه" (ص92) "العمل الأدبي ينجب أباه" و"العمل الأدبي سرّ طفولة مبدعة" وإن "تدخل اللاوعي في النصوص هو المبدأ الأساسي لنقد تحليلي حقيقي" (ص95) ويأتي الناقد أيضاً على القراءة البنيوية للنصوص، ويورد مقولات نقدية بنيوية أساسية مثل "فقد ننتقل من قراءة نص ما إلى ربط نصوص مختلفة للمؤلف ذاته للكشف عن بنية نفسية محددة" (ص95) و"قد نربط بين نصوص ذات أصول مختلفة للخروج ببنية شاملة وعامة" (ص96)، ويورد رأياً لناقد اسمه (مورون) درس الشاعر (مالارميه) وفك رموز قصائده التي كان يعتقد أنها عصية تماماً على التأويل "عن طريق توضيح النصوص ببعضها البعض" (ص97) المقولات السابقة تصلح مدخلاً لدراسة نصوص سحر خليفة، وعموماً فقد عرفها النقد الأدبي العربي حديثاً، وإن متفرقة.
في تقديمه لسيرته الذاتية كتب جبرا إبراهيم جبرا مؤيداً مقولة الشاعر الإنجليزي (وردزورث): "الطفل والد الرجل"، كأنه يقول إن طفولته أنجبت كتبه، وكانت أعماله الأدبية سرّ طفولة جبرا.
وفي كتابه "جدلية الخفاء والتجلي: نحو دراسات بنيوية في نقد الشعر" درس كمال أبو ديب ثلاث قصائد لأبي نواس، ولاحظ أنها تعكس البنية نفسها.
وأنا حاولت أن أفهم أشعار محمود درويش بربطها ببعضها البعض، وهذا ما أنجزته في كتابي "جدارية محمود درويش وصلتها بأشعاره" وكنت أفدت فيه من مناهج عديدة منها المنهج البنيوي.
ولما درست روايات سحر في كتابي "أدب المقاومة.. من تفاؤل البدايات إلى خيبة النهايات" أتيت على نهايات رواياتها ولاحظت أنها متشابهة، كأنها تكشف عن بنية نفسية محددة، وكأن بدايات شبابها ـ على حد قول ناقد في روايات يافيز تحوي كتبها، وكأن أعمال سحر سر طفولتها أيضاً.
فهل يشط الدارس حين يربط بين روايات سحر، وبين سحر وبعض بطلات رواياتها، بخاصة المثقفات منهن، وهل يخطئ حين يذهب إلى أن الكاتبة تقف وراء هذه الشخصية أو تلك؟
كنت ذهبت إلى أن سحر تختفي في رواية "عباد الشمس" (1980) وراء رفيف، ولسوف أعود إلى مقابلة أجريتها مع الكاتبة، ونشرتها في مجلة الكاتب، في العدد الثامن في آب 1980، لأقرأ اعترافاً واضحاً ومديحاً للكاتبة بأنها تقف وراء رفيف: "أنا النموذج الذي يمارس عليه عادل تطبيق النظرية" و"أو ليست الطبقة التي خرجت منها رفيف هي التي أفرزت فتياتنا المناضلات؟".
وإذا كانت رفيف في "عباد الشمس" طالبت بالتحرر الاجتماعي وبمساواة المرأة في الرجل مساواة تامة، وأرادت أن يكون لها نصف المجلة بالتمام والكمال، ولكنها، في نهاية الرواية، وجدت نفسها تشارك في مقاومة الاحتلال، ولئن كانت سعدية، كما لاحظنا، تندفع، بعد أن صودرت أرضها، لمقاومة الاحتلال، فإن شخصيات رواية "باب الساحة" تعاني ما عانته الشخصيات النسوية في "عباد الشمس"، وإذا ما أجرى المرء موازاة ما بين شخصيات هذه وشخصيات تلك، فسيلحظ أن الروايتين تعكسان بنية نفسية محددة، وأنهما سر طفولة مبدعتهما وسر شبابها أيضاً.
لا تختلف معاناة الحاجة زكية في "باب الساحة" عن معاناة سعدية في "عباد الشمس"، ولا تختلف معاناة نزهة عن معاناة خضرة، وتكاد سمر الفتاة الجامعية المثقفة لا تختلف كلياً عن رفيف. إنها تسعى لأن تنخرط في الحياة العامة ولكنها لا تستطيع، فهناك رجل/ أخ يقمعها. وتندفع سعدية لمقاومة الاحتلال حين تصادر أرضها، وتندفع نزهة لمقاومته حين يستشهد أخوها، وتنتهي الروايتان بمقاومة المحتل.
كيف يمكن أن تشارك المرأة في مقاومة الاحتلال والتحرر منه وهي غير متحررة اجتماعياً؟ إن ما حدث مع سمر الفتاة الجامعية المثقفة التي غابت عن البيت أياماً، بسبب منع التجول، فضربها أخوها وشدد عليها، يقول إن مشاركة المرأة في التحرر الوطني ستكون ضعيفة جداً.
في 1990 يحدث مع سمر ما حدث مع فدوى طوقان في 1928. ولن تشارك المرأة في التحرر الوطني إلاّ إذا تحررت من سيطرة الرجل، وهذا ما فعلته كل من سعدية التي توفي زوجها وغدت سيدة نفسها، ونزهة التي لم يعد هناك رجل مسؤولاً عنها.
تحفل رواية "باب الساحة" بمقولات ذكورية تقلل من أهمية دور المرأة في مقاومة الاحتلال، وتحفل بعبارات ذكورية ساخرة من الفتيات اللاتي يشاركن في النضال الوطني.
"هؤلاء الفتيات الـ..... مش لاقيين حدا يهديهم. وبعتوهم عندي ورا الدكة علي الحرام لأداويهم". (ص134). غير أن الرواية تنتهي بمقاومة نزهة، وما تقوم به لم يقم به الرجال. والنهاية خلاصة النص وزبدته، وهو فيما أرى يمثل موقف الكاتبة نفسها.
هكذا ترى سحر أنه لا بد من تحرر اجتماعي.

عادل الأسطة
2015-11-08

***

11- سحر خليفة وخسارة الفلسطيني الدائمة

في رواية سحر "الميراث" (1997) تورد الساردة ما قصته عليها فتنة ابنة القدس عن البيك ابن القدس الذي جاب العالم بحثا عن المجد والتجارب ليجد، في نهاية الأمر، أن القدس هي الأروع. ولا تترك الساردة المحكي له يتساءل عن سبب ذلك، فهي توضح سر تعلقه بالمدينة، فتقول:

"فالقدس حبيبته الأولى وهي الأخيرة وبدونها لا معنى للمجد او التاريخ. فهنا التاريخ قام ونام، هنا التاريخ والدنيا، كل الدنيا، سر الدنيا، لهذا نقتتل وأبناء العم حتى نرقى ونرث الأسرار، فهذا هو السر في حركتنا او حركتهم، قوميتان تقتتلان على التاريخ والكرامة وصنوف المجد والأصالة. نحن أم هم؟ من يرث المجد، من يرث القيامة والأقصى؟ من يرث المبكى وكنيسة المهد؟ من يرث ساحة سالومي حيث رقصت وجيء برأس يوحنا على طبق صنع من الفضة؟" (ص 81).

ورواية سحر هذه تأتي في أكثر صفحاتها على وصف حياة فلسطينيي الضفة بعد (أوسلو)، ويمتد زمنها الروائي الى فترة ما بعد دخول القوات الفلسطينية الى المدن العربية في الضفة والقطاع، واذا ما عاد المرء بذاكرته الى روايات الكاتبة التي تصف حياة الناس تحت الاحتلال، فسيجد أن ترتيبها بناء على الزمن الروائي يتطابق وتاريخ نشرها بالتوالي. أرخت الصبار” (1976) لحياة أهل الضفة بعد حرب 1967، وواصلت "عباد الشمس" (1980) هذا، وتناولت “باب الساحة” (1990) فترة الانتفاضة، وتواصل “الميراث” التأريخ حتى ما بعد (أوسلو).

وترى سحر في (أوسلو) جنينا بندوقا أمه عربية ووالده اسرائيلي، وتقول ان روايتها الأخيرة تتابع تناول خيبة الأمل والاعتراف بالهزيمة، وأن شخصياتها تفضح الواقع الفلسطيني المصاب بالعقم وتعريه، ومن هنا كان اللجوء الى الاستعانةب (هداسا) الاسرائيلي من اجل اخصاب المرأة لتلد المولود الهجين ابن (أوسلو). (انظر: دفاتر ثقافية، رام الله، تموز، 1997، ع 11، ص 8).

وكما أشرت في دراستي للميراث، فإن سحر التي تنقد القيادة الفلسطينية و (أوسلو) تكتفي بهذا دون أن تقترح البديل. (انظر الأيام، رام الله، 19/6/1997). وتبدو المفارقة في حضور صوت سحر النقدي هذا، في أكثر رواياتها، فلم تخل منه "باب الساحة"، وفي هذه نرى الانتفاضة في مأزق تبين، حتى لتصبح عبئا على الفلسطينيين اكثر مما هي في صالحهم، ولا يقرأ المرء اقتراحا لحل ممكن. وتيساءل المرء، وهو يقرأ سحر خليفة، إن كان نقدها نتاج مبنى عقلي لا يعرف سوى النقد أم أنه عائد الى حيرة الفلسطينيين وارتباكهم وعجزهم عن انجاز حل يرضون عنه؟

وليس أسلوب سحر في النقد بالجديد في الأدب الفلسطيني، فثمة روائيون آخرون نقدوا الواقع والثورة معا، ويلحظ هذا في نصوص غسان كنفاني ورشاد ابو شاور ويحيى يخلف وأفنان القاسم. ولكن بعض هؤلاء فيما أنجزوه كانوا يقدمون نصوصا تختلف فيما بينها، نصوصا لا تخلو تارة من نقد، وطورا من اعجاب ومديح وتمجيد. كتب كنفاني "رجال في الشمس" (1963) وأورد على لسان سائق الخزان أبي الخيرزان سؤالا مهما، يوم مات الفلسطينيون دون أن يحتجوا: "لماذا لم يدقوا جدران الخزان؟" ولما قويت الثورة واشتد عودها ودق الفلسطينيون الثورة كتب “أم سعد” (1969)، وفيها تبرز شخصية سعد الفدائي، وتنتهي الرواية نهاية لا تخلو من حس تفاؤلي.

– برعمت الدالية يا ابن العم برعمت !

وخطوت نحو الباب حيث كانت أم سعد مكبة فوق التراب، حيث غرست - منذ زمن بدا لي في تلك اللحظة سحيق البعد - تلك العودة البنية اليابسة التي حملتها الي ذات صباح، تنظر الى رأس أخضر كان يشق التراب بعنفوان له صوت” (كنفاني، أ. ك، 1986، ط3، ص 336).

واذا ما قارنا هذه النهاية بنهايات روايات سحر، ومنها "الميراث" فسنجد الفرق واضحا: تبدو نهايات سحر دموية مليئة بالمرارة ولا تبعث علىالتفاؤل ابدا. وقد تعزو الكاتبة السبب في ذلك الى اختلاف الزمان والمكان.
سوف أعالج نهايات سحر الروائية لأبرز ان نصوص مرحلة السلام لم تختلف عن نصوص مرحلة الحرب وعدم الاعتراف بالاخر. وأود قبل ذلك ان أشير الى نقطة مهمة فيما يخص كتابات الكاتبة، وهي عدم خلوها من (موتيفات) متشابهة، ولعل هذا كان وراء اختياري عنوان "سحر خليفة والدوران في الدائرة نفسها" عنوانا لدراستي رواية "الميراث". وأرى أن هذه الاشارة مهمة في فهم نصوص سحر خليفة ومرمى الكاتبة. حقا إن (أوسلو) لم تنجز ما يمكن أن يفتخر به، وعليه فان لشعور الفلسطينيين بالخيبة ما يبرره، إلا أن ما هو غير مبرر- أو هكذا يرى الفلسطينيون- هو نهاية " باب الساحة"، وبخاصة في الفترة التي أنجزت الرواية فيها، فقد اعتز الفلسطينيون حتى ذلك التاريخ - أي 1990 - بما أنجزوه، ولم تبدأ الأمور تتخذ مجرى اخر، كما يرى الكثيرون، الا بعد عام 1991.

يتكرر في روايات سحر (موتيف) الثوري الانتهازي الذي يستغل المرأة ويغويها بارائه التحررية، ولكنه ينظر اليها، في نهاية الأمر، على انها امرأة وحسب.

تقع نوال في "مذكرات امرأة غير واقعية" في حب رجل ثوري يتزوج من غيرها، وتحديدا من ابنة عمه الفتاة الصغيرة التي لا تفقه شيئا. وتشعر نوال، لذلك، بالخيبة من الثوريين، فيما تعقب صديقتها : "رجل ثوري يفعل هذا ؟! لماذا؟" (ط بيروت، 1986، ص 117)

وتقص سحاب في "باب الساحة"، ذات نهار، على حسام المطارد قصتها مع قيادي كبير في الثورة :

"كان بلبنان قبل الضربة، أحيته اكثر من عمري، بس يا خسارة! المرأة عنده زوج جرابات. كل زوج من لون، كل لون في درج، وكل درج برقم، وخزانة مسكرة بالمفتاح، يمد يده يلوي الخزانة بالمفتاح، يفتح الخزانة، يفتح الدرج، ويغلق الدرج، يغلق الخزانة، يلوي المفتاح، ويمشي وكأنه مش لابس. هذا القيادي يا شاطر. وجاي انت لتحكي عن الحب" (ط بيروت، 1990، ص 174).

وترى فيوليت في “الميراث” ان الرجال جنس واحد، جنس ميئوس منه، وأن مازن، وهو الثوري هنا، مثل الباقين. تتذكر ما حل بالفتيات ايام القدس في صلاح الدين، وتشير الى انها "لم تكن هبلة مثلهن بدليل انها ما انزلقت بين الأيدي تتلقفها "أيدي سياسيين كانوا القادة وكانت أصداء مقالاتهم وتلك الاشعار تثير الضجيج في كل مكان: في حرم الجامعة وفي المسرح وقاعات الناشونال وال ـ YMCA". " فهو اذن قائد امة...أسمعت بروزا لوكسمبرغ ؟ فتقول : لا..! تعالي معي أعلمك فنون الحياة. ويأخذ بيدها ويدخل بها قائمة اخرى وأخرى ثم دكانا وتكية، وآخر يدخل، وآخر يدخل، وهي الأخر ى مجرد أخرى. ثم السقوط. تسع فتيات تعرفهن مررن بهذا وسقطن سقوط البغايا " (ط بيروت، 1997، ص 225).

ويجعلنا تكرار هذا (الموتيف)، وتكرار (موتيفات) أخرى غيره، نتساءل إن كانت نهايات سحر الروائية، بالأساس، نتاجا لمبنى عقلي أكثر مما هي تعبير عن نهايات مراحل النضال الفلسطيني!!.

سوف أعالج، اذن، نهايات الروايات، وتحديدا "عباد الشمس"و "باب الساحة" و "الميراث"، وهي نهايات تبعث على التشاؤم وتعبر عن خسارة مستمرة، وان كانت النهايات ليست وحدها هي التي تخلق هذا الشعور عند القاريء، فالميراث مثلا تحفل بعبارات تمتليء، مرارة وخيبة مما يجري، وان كانت صادرة عن اشخاص يمثلون ذاتهم الفردية او تياراتهم السياسية، ونحن نعرف ان من الفلسطينيين من يرفض (أوسلو)، وان كان منهم من يدافع عنه. وبما أن النص الروائي يعكس أصواتا متعددة فليس غريبا ان نصغي الى أصوات تعبر عن رؤى مختلفة. ومن هنا تبدو الوقفة عند النهايات مهمة، لأنها تعبر، في نهاية الأمر، عن مقصد الكاتب ورؤيته، حتى لو اختفى كليا عن المشهد الروائي، فمجرد اختياره لنهاية معينة هو انحياز لها، وهو تعبير عما يعتمل في داخله، والا لكان اختار نهاية مغايرة.

يقف الزمن الروائي في "عباد الشمس" عند عام 1979 تقريبا، فالرواية لا تخلو من اشارة الى زيارة السادات، وتظهر ايضا رفض الفلسطينيين اقتراح الحكم الذاتي، وتبين شكل العلاقات الفلسطينية - الفلسطينية في الضفة الغربية، وتأتي على طريقة تعامل سلطات الاحتلال مع سكان الضفة. وهي فوق ذلك كله تبرز مواقف الفصائل من الحوار مع اليسار الاسرائيلي. تظهر في الرواية شخصية خضرون اليهودي الشرقي الاسرائيلي المنتمي الى حركة الفهود السود. ويمثل خضرون ذاته من حيث أصله ويمثل في الوقت نفسه حركة سياسية كان لها في السبعينيات حضورها. ونعرف، من خلال الرواية، عن فكرة السياسي اكثر مما نعرف عن حياته الشخصية الفردية. انه يمثل شريحة اجتماعية أكثر مما يمثل ذاتا فردية. ولا نكاد نعثر، عدا خضرون، في روايات سحر كلها على شخصيات يهودية غير الجندي والسجان، وان عثرنا، كما هو الحال في "الصبار"، فانما نحن أمام شخصية عابرة وظفت من أجل الحدث الروائي، أكثر مما أتي بها قصد اضاءة الشخصية اليهودية والتركيز عليها.

ويختلف موقف ممثلي الفصائل من الحوار مع خضرون، فبينما يرفض سالم الحوار رفضا تاما، نجد عادلا وأخاه أبا العز يحاورانه، وكان لوحق هذا منالسلطات الحاكمة في اسرائيل، في منزله في نابلس. ولا يستمر الحوار الفلسطيني الاسرائيلي في حينه، اذ يكتشف خضرون وأبو العز ان الظرف يتطلب ان ينشط كل واحد منهما بين شعبه، وأنهما قد يلتقيان في فترة لاحقة.

تنتهي "عباد الشمس" برفض الفلسطينيين مشروع الحكم الذاتي، وبمصادرة سلطات الاحتلال المزيد من الأراضي، فيم يقاوم السكان، ومن هنا يحدث الاشتباك بين الطرفين. ومع ان المقاومة تبدو جماعية وبدافع وطني، الا ان ما يلفت النظر هو ان سعدية تشترك في مقاومة الاحتلال لسبب واحد فقط هو مصادره ارضها التي اشترتها بعد كد وتعب. وهنا تبرز سحر نموذج المرأة المقاومة، ولهذا - كما سنرى- دلالته. تنتهي الرواية بالمقطع الحالي :

"اختبأ بعض الجند، حوصر آخرون، وهم فوق الاسوار. حجر أصاب احدهم فهوى. رصاص. حجارة. صياح. هتافات بعيدة. والنسوة يضربن ويتلقين الضرب. شباب خارج الاسوار. حجارة فوق الاسوار. اضرب اضرب. صاح ابو العز. اضرب. واندلع حريق.

جموع، أصوات، رصاص، أفواه مفتوحة، فتيان، فتيات تقفز كالجن. اشتعل الدم في الجبهة. اجتاح النسوة حماس عنيد.

صاح المختار: “عيب يا ولايا”. ارتمى على الارض، تعثرت الاقدام. وقفت سعدية، لمحت رشاد،يضرب من فتحة مقليعة، من اعمق الاعماق صاحت :

– عليهم يا رشاد، عليم يا ولدي. عليهم يا حبيبي يا زهدي” (القدس، 1980، ص 353).

ثمة غير طف، اذن، كان في نهياة السبعينيات يقاوم، ومع ذلك فقد صودرت الارض. ثمة خسارة بينة، وثمة مقاومة لم تؤد الى شيء، ولكن روح الكفاح لم تنطفيء، ولم يسلم الفلسطيني.

وتنتهي "باب الساحة" النهاية السابقة تقريبا. يشتبك الطرفان ويقاوم الفلسطينيون وتشترك نزهة التي عانت من ظلم مجتمعها لها معهم. تهاجم هذه جنود الاحتلال، وتنتهي الرواية بالمقطع التالي :

"ومشت تترنح نحو الفتاة، وكانت النسوة حواليها والحجة وشنطتها المفتوحة. كانت الزجاجة ملقاة بجوار الجدار تحت العلم. حملت الزجاجة وفتحتها ببطء شديد، ورشت السائل على اللونين، ومدت يدها، وحملقت في وجه سمر. همست سمر: “اخيرا عملتيها يا نزهة؟” هزن رأسها بدون تأثر وهمست بفحيح :

“- مش عشان الغولة - (أي فلسطين ع. أ) عشان احمد”

وتناولت عود الكبريت " (ص 222)

وكما هو واضح فان مشاركة نزهة في مقاومة المحتل لا يعود الى قناعة وطنية، قدر ما يعود الى الثأر لمقتل اخيها، فنزهة هذه تلعن فلسطين وأبا فلسطين، وقد كانت تفكر في الهجرة منها، وبخاصة بعد ان قتلت امها التي اتهمت بالعمالة والسقوط الاخلاقي. وما يلفت النظر هنا هو ان مقاومة نزهة يتشابه ومقاومة سعدية. كلتاهما قاومت لانها خسرت خسارة ذاتية : الارض او الاخ. ولنلاحظ هنا ان سحر خليفة تنهي روايتها بالتركيز على دور المرأة في مقاومة المحتل(!). وهنا نتساءل : كيف بدت نهاية " الميارث" التي كتبت في مرحلة مختلفة ؟

يتذكر قاريء القسم الثالث من “الميراث” الجزء الاخير من “عباد الشمس”، وتحديدا الفصول (31، 32، 33، 34، 35). ويخيل للمرء ان الكاتبة التي أنجزت "عباد الشمس" لم تتطور فيما يمس البناء الفني، ويبدوأو قضية الشكل الروائي لا تقلق سحر البتة، فما هو أهم من هذا المضمون ! ثمة مأزق يعاني منه الفلسطينيون، وكلما حاولوا اجتيازه اصطدموا بحاجز سلطات الاحتلال.

في "الميراث" يحتفل الفلسطينيون الذين سيطروا على المدن في الضفة بهذه المناسبة، وتشارك فتنة الحامل في الاحتفال على الرغم من انها على وشك الولادة. ولا ينجز الاحتفال بهدوء، وسرعان ما تبدأ الاشتباكات بين الطرفين :” الفلسطيني والاسرائيلي، وتلد نزهة، ويحاول مازن وأمها والمحافظ نقلها الى المستشفى، ولكن هؤلاء يصدمون بحاجز اسرائيلي، وتظل فتنة تنزف حتىتموت، ليعيش ابنها الوحيد عله يرث ما خلفه له ابوه المتوفي. وهكذا تتنتهي الرواية بالموت، تماما كما انتهت رواية "باب الساحة"، واذا كان هناك من خلاف، فان مازنا الذي وافق على الحل، لا يشارك في فعل المقاومة، كما ان والدة فتنة لا تقاوم المحتلين، كما قاومتهم سعدية، وانما تكتفي بمخاطبة الجندي الاسرائيلي قائلة :

“Thank you very much, this is your share “

أو كما ترجمتها سحر : "شكرا جزيلا، هذا نصيبكم".

ويشعر قاريء هذا الجزء بخيبات الفلسطينيين العديدة: خيبة كمال الذي درس في المانيا وعاد ليخدم في بلاده، دون ان يتمكن، وسرعان ما يعود من حيث اتى، وخيبة مازن الثوري من النهاية التي آل اليها، وقد عبر، في لحظة سكر، لاخيه كمال عما يشعر به حقيقة حين قال : "انا اللي حاطط روحي بكف والوطن بكف. وهلقيت لا باقي روح ولا كف ولا حتى وطن. راحت الشعلة من ايدي وصرت الضايع في سوق مسروق كله عتمة" (ص 275)، وخيبة الفلسطينيين من الحل المنجز، ففي اوج الاحتفالات تعقب الساردة:

"وهكذا استمر العرض وفرق الرقص وصياح الجمهور والفوضى، وما انتبه احد في الداخل، او في الخارج، ان الحصار قد تضاعف وقوات الامن زادت عددا، وان الرياح تحمل معها غزو الجرذان” (ص 287)، ولا يخلو هذا الجزء من عبارات كثيرة تحمل في ثناياها نقد الحل، وأخرى تصور المصير الذي آلت اليه الثورة. وهذا ما يرد على لسان المحافظ الذي كان واحدا من أفرادها :

"باتت الارض غريبة. أرض الوطن باتت غربة. أرض الاحلام بلا أحلام. حلم التحرر بات شعارا لا يصل الارض. بل كابوسا" (ص 300)
وتتجاوز المصاردة هنا أجزاء من الاراضي ليصبح الوطن كله مصادرا. وهكذا نلحظ نهايات سحر تنزف دما، وكأن ما ورد في "باب الساحة" عن النساء :

"كلهن بنزفوا، كل النسوان الله وكيلك. بنات وستات. بحوز وبلا جوز، كلهن، كلهن الله وكيلك" (ص 113)

كأن هذا هو قدر اهل فلسطين: أن يظلوا ينزفون حربا وسلما، بزوج تركي او بريطاني او اردني او اسرائيلي او فلسطينين غير متحرر كليا. ولكن سحر تقول ان نزيف هؤلاء لا يترك الاخرين يحيون بامان، فشعورهم بأنهم مظلومون يدفعهم، باستمرار، الى الرفض والمقاومة، والخيرة قدتهدأ حينا وقد تشتد أحيانا، وهذا ما تتوصل اليه الساردة حين

تقول ساعة ترى ما آل اليه الاحتفال :

"أما الان، وبعد ثلاثين عاما من الاحتلال ومصادرة التل واقامة مستوطنة كريات راحيل فوق الهضبة والاحاطة بالمستوطنة بسياج كثيف ونقطة تفتيش وحراسة، فقد اعتاد الناس النقطة والتفتيش والنظر بعيدا خلف الافق كيما ينسوا انه فوق الهضبة وذاك التل يعيش أغراب بسوالف يحملون السلاح ويقسمون ان الوادي وتل الريحان هما بالاصل وادي راحيل وتل سليمان، وان هم استعادوا تل الريحان في السبعينات فعلى امل بقية السهل والوادي في الثمانينات. لكن السمين مرت خلوا من أي تحرير من الجانبين.... ولهذا حوت تلك السنوات حوادث عنف وقتل ونهب من الجانبين... وفي هذا اليوم، يوم القلعة، وبسبب الفوضى والاصوات وحماس الناس، زاد الحصار... لحفظ الامن". (ص 289).

وهكذا لم تنجز الحرب حلا، ولم ينجز الاتفاق سلما قدر ما انجز، حتى الان، المزيد من المضايقات التي يعاني منها الفلسطينيون بين فترة وفترة، وتقول الرواية هذا بقدر من التفصيل، وهو ما تورده الساردة زينب، وتختفي سحر خليفة نفسها وراء معظم أقوال هذه ورؤاها، وبخاصة في الفصلين الثاني والثالث اللذين يشكلان اكثر الرواية، وهذه الاقوال والرؤى، وما يرد ايضا منها على لسان الشخوص، هو ما يقال في الشارع الفلسطيني في السر وفي العلن.

---------------------------
(1) يبدو أن كتابة سحر عن المرأة ودورها كان السبب الرئيسي في ترجمة نصوصها الى اللغات الاوروبية، عدا كون سحر نفسها امرأة. وعلى سبيل المثال فقد نقلت اعمالها كلها، وباستثناء رواية “لم نعد جواري لكم” الى الألمانية، وأسهمت المرأة نفسها في نقلها، وان ترجم بعضها (هارتموت فيندرش) السويسري المهتم بادب العربية. واذكر ان ما لفت انتباه دارسة المانية الى رواية “باب الساحة” كونها - أي الرواية- نقدا نسويا للانتفاضة، والدارسة الالمانية هي (فيرينا كليم) حيث نشرت دراسة تحت عنوان "باب الساحة لسحر خليفة: نقد نسوي للانتفاضة”، في مجلة (عالم الاسلام)، وذلك في عام 1993/ عدد 33.

***

12- الروائي ناقداً لأعماله الروائية: سحر خليفة مثالاً

لطالما اعترض أدباء على ما وجه إلى نصوصهم من نقد، ويمكن هنا أن أقتبس من إميل حبيبي ومحمود درويش وسميح القاسم - من نصوصهم ومن المقابلات التي أجريت معهم. وعموما فإن متابع هذه الأسماء يتذكر رد حبيبي على مقالة فيصل دراج «إميل حبيبي الوجه المفقود في الأقنعة المتعددة» (مجلة إبداع آذار ١٩٩٥) وما كتبه القاسم عن غالي شكري في مقدمة الجزء الأول من ديوان الحماسة (منشورات الأسوار ١٩٧٨) وطلب درويش من النقاد ألا يفسروا شعره بملعقة الشاي.
يبدو أن سحر خليفة لا تختلف، وسيرتها «روايتي لروايتي» بجزأيها مثال واضح. تمدح سحر نقادا فسروا أعمالها كما تريد وتهجو آخرين لم ترق لها كتاباتهم. تذكر الأولين بأسمائهم وتتغاضى عن الآخرين، ولا تكتفي بما كتبه الأولون، كما لو أنه لم يشف غليلها، فلم يقل كل ما أرادت قوله، وعليه تقوم هي بتعبئة الفراغات الناقصة وأكثر.
في الجزء الثاني من سيرتها الأدبية الذاتية «روايتي لروايتي» (دار الآداب ٢٠٢٣) تتابع ما بدأته في جزئها الأول (٢٠١٨) الذي قالت فيه، «أنا ككاتبة، وكناقدة مدققة لأعمالي ولكامل مسيرتي الأدبية والفكرية ولاهتمام بعض النقاد وبعض القراء...» وتواصل كتابتها عن رواياتها، وإن اقتبست من نقاد آخرين بعض ما كتبوه عن بعض أعمالها، فتكتب:
«وقبل أن أغوص في تفاصيل أحداث الرواية وملامح الشخصيات، أنوه هنا بأني استعنت ببعض المقاطع من دراستين هامتين لهذه الرواية المثيرة للجدل (أصل وفصل ع. أ) لناقدين أراهما الأقرب إلى فهمي لأبعاد الرواية ومراميها، وهما: الأستاذة الدكتورة رزان إبراهيم، والأستاذ الدكتور نبيه القاسم...»(١٥٦) وتسبغ على الأخير صفة «الناقد الذكي الحصيف» وتمنحه لقب الأستاذية وأنه «الأقدر على فهم مضامين الرواية والتماهي مع أحداثها، بعكس الكثيرين من سياسيينا ومثقفينا خارج حدود إسرائيل (؟) ...» (ص ١٧٤) وتنسى أو تتناسى أن رزان إبراهيم التي مدحت نقدها واقتبست منه تقيم في الأردن.
وسحر، اعتمادا على ما سبق، تلغي مقولات نقدية حديثة رأى أصحابها أن النقد ما عاد يركز على العلاقة بين المؤلف والنص «المعنى في بطن الشاعر»، فقد أصبح يركز على العلاقة بين النص والقارئ، عدا إلغائها ما شاع في النقد النفسي الذي يرى أن الكاتب لا يكتب دائما بوعي كامل، فقد ترشح منه إلى نصه عبارات ومقولات لا ينتبه إليها تكشف عما يكمن في لاوعيه. كانت روايات بلزاك، بخلاف مواقفه السياسية، تفضح طبقته البرجوازية.
إن كل ما لا يروق لسحر تلغيه بجرة قلم اعتمادا على رؤيتها المتمثلة في «أن غالبية القراء والمثقفين وحتى السياسيين أنفسهم - أصحاب القرار، لا يعرفون عن حقائق تاريخنا القريب وتفاصيل أسباب هزيمتنا العام ١٩٤٨ إلا ما توارثوه من خطاب إعلاميين وسياسيين يفتقرون للمعرفة الدقيقة والصدق والتحليلات الموضوعية المبنية على البحوث ودراسات علمية ووثائق» (ج٢ صفحة ١٤٩) وهكذا ترى نفسها العارفة بالتفاصيل والملمة بالحقائق والقادرة على التحليل الصائب، بعكس أغلبية المثقفين والسياسيين، فما نصيب هذا في سيرتها وبعض رواياتها؟
لطالما كررت سحر في جزئها الثاني من سيرتها نعت نفسها بأنها باحثة «أما أنا ككاتبة وباحثة وروائية.. «(ص ٢٢٨) و»وبفضل ما بدأته من بحث عن الأبطال والثورات والانتكاسات وتكرار الهزائم، قررت البحث عن ملحمة سعادة. فمن هو في الحقيقة أنطون سعادة؟ ... بدأت بحثا استمر عدة سنوات أنهيتها (هكذا؟) برواية صدرتها بمقولة رائعة من مقولاته...» (ص ٢٣٣ و ٢٣٤)، وكانت في صفحات أسبق كتبت «وحتى لا أتهم بالتخيل والاختلاق والتلفيق، راعيت أن أوثق سردي ومشاهدي وأقوال شخصياتي بهوامش مدرجة في نهايات الصفحات، وهو ما لم نعتده في كتابة الروايات..»(ص ١٥٢) (هل حقا لم نعتد هذا في كتابة الروايات؟ ماذا عن روايات فلسطينية سابقة لكنفاني وحبيبي؟).
ولأنها تنعت نفسها بالباحثة وتسبغ الصفات وتمنح الألقاب على من يوافق في رؤيته رؤيتها، لا بد من فحص بعض هذا والنظر في سيرتها وبعض رواياتها.
الروائية التي أنفقت من عمرها بضع سنوات تبحث عن حياة أنطون سعادة، لتكتب عنه رواية، تكتب:
«ألم يقولوا عنه الحالم المغامر المقامر المناوئ لحركتنا القومية بقيادة البعث وعبد الناصر» (٢٣٣) وتنسى أنه أعدم في ٨ / ٧ / ١٩٤٩ يوم لم يكن أحد يسمع بعبد الناصر، وهي نفسها التي تكتب إنها زارت غزة في العام ١٩٨٨ فأصغت إلى حيدر عبد الشافي يقول، «إن على القيادة الفلسطينية أن تكون حذرة، فلا تنجر لأخذ موقف مساند لأي طرف في حرب الكويت - العراق ١٩٩٠، حتى لا يحل بالفلسطينيين ما حل بنا في الأردن عام ١٩٧٠ وفي لبنان عام ١٩٨٢»، وهي نفسها التي تكتب «بعد اتفاقية أوسلو ودخول السلطة، أقيمت الحواجز حولنا، وما عاد بإمكاننا الوصول إلى غزة، ولا حيفا ويافا والجليل، وأيضا القدس، إلا بتصاريح، وعبر بوابات حديدية وأسيجة يحرسها جنود برشاشات وبنادق»، وزيارة هذه الأماكن بتصاريح بدأ في العام ١٩٩٢ قبل مجيء السلطة.
هل اقتصرت هذه الأخطاء، وغيرها لم أذكرها، على سيرتها؟
لعلني أقدم قريبا قراءة لروايتها الأخيرة «الجسر» الصادرة في ٢٠٢١.

عادل الأسطة
2023-10-01

***

13- الروائية التي تتمتع بالمصداقية :

دوشتني سحر خليفة في سيرتها الأدبية الذاتية وهي تنعت نفسها بالباحثة والمدققة والكاتبة الملتزمة وبأنها باتت تتمتع ببعض المصداقية والشعبية ككاتبة ملتزمة ، سواء في فلسطين أو في أنحاء مختلفة من العالم العربي ، وبأنها راعت أن توثق سردها ومشاهدها وأقوال شخصياتها بهوامش مدرجة في نهايات الصفحات ، " وهو ما لم نعتده في كتابة الروايات " ( صفحة ١٥٣ )
وأنا قررت أن أتعلم منها ، ولكني فضلت أولا أن أعود إلى بعض الهوامش في سيرتها لأتأكد مما سبق . خذوا الهامشين الآتيين :
- " اغتيال قيادتنا الفكرية التنويرية كان وما زال هدفا نصت عليه مباديء نخشون التأسيسية في الحركة الصهيونية . أبرز من فقدنا من قادتنا المستنيرين على يد الموساد والشاباك مازن زعيتر ، كمال ناصر ، حنا ميخائيل ، السرطاوي ، قلق ، ماجد أبو شرار ، أبو إياد وغيرهم العشرات .( صفحة ٦١ ) وهناك من يعزو قتل أكثر الأسماء التي أوردتها إلى جماعة صبري البنا أبو نضال .
- الانتفاضة الفلسطينية الثانية أو انتفاضة الأقصى . اندلعت في ٢٨ سبتمبر ٢٠٠٠ وتوقفت فعليا في ٨ فبراير ٢٠٠٥ ... مرت مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة خلالها بعدة اجتياحات إسرائيلية ، منها الدرع الواقي وأمطار الصيف والرصاص المصبوب . ( صفحة ١٢٠ ) .
ولا أعرف كم من القراء اكتشف الأخطاء في الهامشين . شخصيا عدت أتأكد قبل أن أدلي بدلوي ، ولاحظت :
- أخطأت سحر في اسم ابن بلدها وائل زعيتر وكتبته مازن زعيتر ، ولفدوى طوقان قصيدة عنوانها " إلى الشهيد وائل زعيتر " في ديوانها " على قمة الدنيا وحيدا " .
- أخطأت سحر في التواريخ وهي تكتب عن انتفاضة الأقصى ، فهي التي حددت نهايتها ب ٨ فبراير ٢٠٠٥ ، تكتب أنه خلال الانتفاضة حدثت عدة اجتياحات منها عملية الدرع الواقي وأمطار الصيف والرصاص المصبوب . وأمطار الصيف حدثت في العام ٢٠٠٦ والرصاص المصبوب حدثت في نهاية ٢٠٠٨ وبداية ٢٠٠٩ .
شو رأيكم يا سادة ويا سيدات ؟
يبدو أنني زدتها على سحر وحرقت بنها ، ولو كان أبو عمار على قيد الحياة لذهبت عقولكم إلى أنني أدافع عنه بأجر ، وربما اتهمتني سحر بأنني أجرت قلمي له ، بخاصة أنها تخيلت أن " أبو عمار " يريدها أن تكتب عنه وهي لن تفعل ، ولعلني أخربش عن هذا لاحقا !!
مساء الخير
خربشات عادل الاسطة

****

14- الأفكار حين تلعب في رأس الروائي: التكرار في روايات سحر خليفة

لم يصدقني الألمان فيما حدث معي في العام الأخير من دراستي وإقامتي في ألمانيا ، وأحدهم قال لي :
- إنها أشياء تلعب في رأسك !
Etwas in deinem Kopf spielen .
تذكرت العبارة وأنا أقرأ رواية سحر خليفة الأخيرة " الجسر " ( ٢٠٢١ ) وقلت :
- إنها أفكار تلعب في رأسها ، مع أن بعض الأحداث لها نصيب من الواقع .
ويخيل إلي أن رواياتها التي عادت فيها إلى زمن لم تكن شاهدة عليه ، واختارت لها شخصيات تاريخية قرأت عنها مثل عبد القادر الحسيني وانطون سعادة ، وخلقت معها شخصيات متخيلة لم تصغ إليها ولم تراقبها عن قرب ، يخيل إلي أن رواياتها التي قاربت فيها ما سبق كانت نتاج مبنى ذهني فأسقطت الكاتبة ما في ذهنها ، ما أدى إلى اختلاط الزمنين الكتابي والروائي وبالتالي الحاضر بالماضي . ببساطة لم تتمكن سحر من تمثل الماضي تمثلا تاما فكتبت عنه وعن زمنها ، مسقطة رؤاها على رؤى شخوصها . وهذه الروايات ثلاثة هي " أصل وفصل " و " حبي الأول " و " أرض وسماء " وقد كتبتها وهي تقيم في عمان بعيدا عن مدينتها نابلس .
في " الجسر " التي كتبتها أيضا في عمان تعود إلى ٦٠ و ٧٠ و ٨٠ القرن ٢٠ ، وهي فترة كانت شاهدة عليها :
" هذه الرواية ، بفكرتها ، ومضمونها ، وبعض مشاهدها ، وشخصياتها المستعارة ، مستعارة من عمليات وتجارب حقيقية قام بها في فترة الستينيات والسبعينيات ، وحتى الثمانينيات ، شابات وشباب آمنوا بالوطن ... هذه الرواية مزيج من خيال ووقائع ، وبصدقها الفني والنفسي ككل الأدب ، بعضا منه أو أكثره ، هي الواقع " . فهل أتت سحر في روايتها بأفكار جديدة ؟
في كتابة سابقة لي عن رواية " الميراث " قلت :
" فالثنائيات التي تعقد عليها " الميراث " ، في خطها العام ، لا تختلف كثيرا عن تلك التي تبرز في نصوصها الأخرى ، ويمكن أن نذكرها هنا في خطوطها العريضة ، وإن كانت كلها تندرج تحت ثنائية واحدة هي ثنائية المضطهد والمضطهد :
- ثنائية الرجل المستبد والمرأة الضحية
- ثنائية محتل الأرض والمحتلة أرضه
- ثنائية المناضل والمتخاذل ( الجاسوس والسمسار )
- ثنائية الغني والمسحوق " .
هذه الثنائيات ستحضر في " الجسر " ، بشكل أو بآخر . كما لو أن سحر تكتب عن الواقع كما هو في تصورها ، بل وأكثر من ذلك يبدو أنها تتعجل في نشر رواياتها فلا تتأكد من المعلومات التي توردها ، وأحيانا تورد مفردات وأوصافا على لسان الشخصيات تبدو في سياق استخدامها غير مقنعة ولا تخدم المشهد الروائي .
ويمكن الاتيان بأدلة من " حبي الأول " و " الجسر " تعزز ما أذهب إليه .
في المقطع ٥١ من " حبي الأول " حوار بين أمين وشقيقته وداد عن عبد القادر الحسيني الذي أحبته ، حين صارت ممرضة له في أثناء إصابته ، تشدد فيه وداد على دور عبد القادر وأهميته للفلسطينيين وضياعهم إذا ضاع فيجيبها أخوها :
" - هو رجل واحد ، إن ذهب هو يأتي غيره
فتقول له :
- أنت تقول هذا ؟ أنت ؟ .... أنت الأخلاقي المتعلم وابن الأصول ، أنت يا أمين ؟ أنت ؟ "
ويتساءل أمين :
" أما وداد ، أختي ، كيف تحبه ؟ تحب رجلا كبيرا ، أكبر منها ، أكبر بكثير ، من طينة ليست طينتها... "
ولم يكن عبد القادر الذي توفي في الأربعين من عمره يكبر وداد كثيرا ، إذ كانت تزوجت من قبل وأنجبت ابنتها نضال التي بلغت من العمر اثني عشر عاما ، ثم كيف يكون عبد القادر " من طينة ليست طينتها " وكانت خاطبت أخاها " أنت ابن الأصول " ، هذا عدا أن الرواية في رسمها صورة لعبد القادر ، ابن عائلة الحسيني ، تصفه بالمتواضع في حياته الميال إلى الصعلكة وأن سلوكه هذا لم يرق لعائلته كما لو أنه انخلع عنها .
وفي " الجسر " نقرأ عن علاقة حب بين وفاء ابنة المحامي الارستقراطي ونبيل ابن البقال ، وعن الطبقية والمرأة المظلومة والزوج المستبد والعميل والمقاوم و .. و .. .
الأهم هو عدم تمثل سحر الزمن الروائي تمثلا صحيحا وإسقاط ما في ذهنها عليه وهو ما يوقعها في أخطاء تاريخية .
في " الجسر " نقرأ معلومات تتناسب والزمن الكتابي ولم تكن معروفة في الزمن الروائي ومنها ما يرد في صفحة ١٦٤ حيث تشبه اليهودي دافيد الكاتب المشهور بإيلان بابيه وتنعت الثاني بأنه مفكر إنساني معروف ، ومنها ما يرد في صفحة ١٧٤ فتذكر أن إسرائيل طردت العمال العرب وجاءت بعمال من تايلاند وفيتنام . كل هذا في العام ١٩٦٩ يوم لم يكن بابيه معروفا ولم تكن إسرائيل استحضرت عمالا أجانب بعد وكانت تبحث عن عمال فلسطينيين من الضفة ، فقد عرف بابيه في ٩٠ القرن ٢٠ واستحضرت إسرائيل العمال الأجانب ، لأول مرة ، في ١٩٩٦ .
ومثل ما سبق كتابتها عن حاجز حوارة ونعتها كلية بير زيت بأنها جامعة . لقد أقيم حاجز حوارة بعد العام ٢٠٠٠ وتحولت الكلية إلى جامعة في ١٩٧٢ .
وكما ذكرت فإن سحر لا تتمثل الفترة التي تكتب عنها تمثلا تاما ، ما جعل رواياتها إسقاطا لأفكار تلعب في رأسها .
في كتابه " معنى الواقعية المعاصرة " أتى ( جورج لوكاتش ) على ما يؤخذ على أدب الواقعية الاشتراكية . إنه نتاج مبنى ذهني وهو بذلك تصور لعالم قد لا يوجد ، فماذا بقي من أدب الواقعية الاشتراكية ؟ لقد كان احتمالا لم يصبح واقعا ، وهذا أضعفه ولم يمنحه المصداقية .
في سيرتها تتساءل سحر خليفة ماذا سيبقى من أدبها لا للسبب السابق ، بل لأنه أدب قضية قد تحل يوما . " أنت يا سحر ... من سيذكرك ويقرأ أدبك حين تنحل القضية ؟ ..." وهذا موضوع آخر .
الأحد والأثنين والثلاثاء ١ و ٢ و٣ / ١٠ / ٢٠٢٣
( مقال الأحد لدفاتر الأيام الفلسطينية ٨ / ١٠ / ٢٠٢٣ ).


***

15- سحر خليفة "روايتي لروايتي ج١ " 6 :

ما إن تنتهي من قراءة الجزء الأول من سيرتها حتى تتذكر رأي الطاهر وطار في سيرة محمد شكري "الخبز الحافي " .
عدت سيرة شكري من أجرأ السير الأدبية العربية ولم يختلف اثنان في هذا ، ولكن ما كان موضع خلاف بين اثنين هو البعد الجمالي فيها ، وقد كان رأي وطار لافتا وجريئا وإن كان فيه نظر .
رأى وطار أن سيرة شكري عادية جدا من ناحية الاسلوب . ورأيه عموما رأي يصغى إليه ، فهو كاتب متمكن لغويا وتعلم العربية منذ طفولته وهو من أسس "الجاحظية " ، ويختلف شكري عنه في أنه تعلم العربية على كبر - بعد العشرين ، وبالتالي لم يمتلكها امتلاك وطار لها . وإذا ما كنا كلاسيكيين فسوف نأخذ بالتأكيد بما يذهب إليه وطار .
يبدو أنني شخصيا صرت وطاريا إلى حد ما ، ويبدو أن لغة سحر خليفة العربية هي لغة كلام أكثر منها لغة كتابة . إنني أتخيل سحر وأنا أقرأ لها تتكلم - أي إنني أصغي إلى شخص يتحدث ولا أقرأ لكاتب يكتب . هل في هذا ما يعيب؟
تبدو سحر حتى اليوم كاتبة لا أديبة ، فهي لا تلتفت إلى الصياغة كثيرا أو لا توليها جل عنايتها ، وسيجد المرء بعض ركاكة فيما تكتب ، وهذا ما توقفت أمامه من قبل مرارا .
كما لو أنني أكرر نفسي . هل تكرر سحر نفسها ، علما بأن لغتها في " حبي الأول "وفي " أرض وسماء " أفضل بكثير من لغتها في رواياتها الأولى .
ما أخشاه هو أنني قد أكون أبالغ في هذا الشأن . وربما أكون مثل د.عبد الملك مرتاض في كتابه " في نظرية الرواية " 1998.
مساء الخير
خربشات عادل الاسطة
16/ 5/2018

***



==============
1- سحر خليفة تروي، من جديد، روايتها..
2- شخصيات روايتي سحر خليفة "الصبار" و"عباد الشمس" وحوار عابر على رصيف مقهى البرلمان معهم
3- سحر خليفة و " أم الياسمين " : التخلف الاجتماعي
4- في تحليل الخطاب :
5- شوفوا تخبيصات سحر خليفة في روايتها الأخيرة " الجسر " ٢٠٢١ :
6- سحر خليفة وعزمي بشارة .. السير على خطا درويش
7- سحر خليفة وراويتها وروايتها: حبي الأول
8- سحر خليفة في أصل وفصل: سيف القارئ المسبق
9-سحر خليفة : التحرر الاجتماعي مدخلاً للتحرر الوطني
10- سحر خليفة : التحرر الاجتماعي مدخلاً للتحرر الوطني (2)
11- سحر خليفة وخسارة الفلسطيني الدائمة
12- الروائي ناقداً لأعماله الروائية: سحر خليفة مثالاً
13- الروائية التي تتمتع بالمصداقية :
14- الأفكار حين تلعب في رأس الروائي: التكرار في روايات سحر خليفة
15- سحر خليفة "روايتي لروايتي ج١ " 6 :

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...