3/2
تمتاز انثيالات الدكتور عادل الأسطة في كتابه عن حزيران الذي لا ينتهي بالسخرية المرة، أو السخرية التي تستحق الرثاء مع احتوائها الأمثال الدارجة، والألفاظ الشعبية المتداولة، والنكات المضحكة المبكية، من باب أن شر البلية ما يضحك؛ مما يذكرنا بأسلوب إميل حبيبي في كتابه" سداسية الأيام الستة"؛
من مواقف السخرية يذكر الأسطة أنه كان لوالده صديق يهودي قبل نكبة 48 يسمى صموئيل، فوالده كان يعرف العبرية، وكان له وهو مراهق صداقات مع النساء اليهوديات. قال له صديقه: "شوف يا مصطفى إن انتصرت ألمانيا صرنا حميركم وركبتمونا وإن انتصرت بريطانيا صرتم حميرنا وركبناكم"(ص116)
ومن مواقف السخرية يذكر كاتبنا أنه في اليوم الأول لحرب حزيران حين كانت تظهر طائرة في الجو، تزعق زوامير الخطر، ويستعد حملة البنادق القديمة في مخيم عسكر لإسقاطها، ومن بينهم والده ورجل آخر كنيته أبو العزم، كان أبو العزم يطلق طلقة عليها، وهو يردد عبارته التي ذهبت مثلًا:" طلقة لعيون الشباب".
وفي حديثه عن المخيم، وعن الاستعدادات للحرب يتذكر عادل الأسطة أنه شاهد مع رفاقه الصغار في الشارع، حين كان الناس في بيوتهم ملتزمين بتعليمات الجيش جنديًا يوقف دبابته، ويترجل منها ليبحث عن برغي أو شيء ما عطل دبابته. وفي موقف آخر يخبرنا عن جندي كان في اليوم الأول من الحرب يتلصص على بيت أم محمد في أثناء تجواله ليطلب من الناس في المخيم عدم مغادرة بيوتهم. وقيل إن المرأة ضربته وهي تصرخ، فاجتمع عليهما الناس، وشاعت الحكاية في المخيم، ومازال الناس يتذكرونها.
ويبدو الأسلوب الساخر للمؤلف حين يكتب عن زيارة الشاعرة فدوى طوقان بعد حزيران مدن فلسطين ولقائها شعراء الأرض المحتلة. لقد التقوا وقرأوا قصائد عن الحرب. قرأ درويش "يوميات جرح فلسطيني"، وقرأت فدوى على" أطلال يافا". ورحب بها الشعراء الذين رأوا في الهزيمة كبوة، وكم يحدث أن يكبو الهمام، هي خطوة للخلف من أجل عشر خطوات للأمام، كما رأى توفيق زياد. أما درويش فقد خسر حلمًا جميلًا، وخسر لسع الزنابق، وما خسر السبيلا. إنها سخرية مرة لا تتوقف عند هذا اللقاء بل تتعداه إلى الحديث عن فدوى بأنها كانت متقوقعة على ذاتها قبل النكسة، وهي بعد ذلك تنضم إلى شعراء المقاومة، وتبتعد عن كونها لاجئة؛ فقد تحولت مثل هؤلاء الشعراء اليساريين الذين التقتهم إلى شاعرة مقاومة.
وفي حديثه عما كان يدور في المخيم من شجار بين الناس رأى الأسطة حتى الأقارب كانوا يتقاتلون عند توزيع المؤن والبقج، وفي الفرن، وعلى عين الماء، ويُعلّق على ذلك: " كما لو أن روح قابيل حلت فينا، وكما لو أن الأقارب إخوة يوسف أيضًا، وأتذكر معارك بين أقارب، كان الدم فيها يسيل، وكنا نتفرج على فريد شوقي ومحمود المليجي متجسدين في بعض الأهالي الذين يستخدمون أسياخ الحديد وأواني يستخدمها الفوالون لتحريك جرة الفول" (ص153)
وكان يلوم أبناء جلدته ولا يلوم أبناء العمومة(اليهود)، كما يسميهم على سبيل السخرية. بدا هذا اللوم عندما رفض بعض زعماء المدن أن تقام مخيمات للاجئين في مدنهم؛ لهذا كان مخيما العروب والفوار بعيدين عن مدينة الخليل مسافة لا تقل عن عشرين كيلومترًا. حرصًا كما يقول ساخرًا على "نقاء الدم الآري"(ص145)
ويعجب كاتبنا من أن النكسة تطول ولا يحدث ما أخبره به راكب كان بجواره في حافلة بأن الاحتلال سينتهي بعد سبعة أسابيع، أو سبعة أشهر، أو سبع سنوات. لقد طال حتى جاء عام 1982 لتبدأ حرب جديدة في الرابع من حزيران هذه المرة، وتصل القوات الإسرائيلية إلى بيروت. يتساءل بسخرية: لماذا لم تبدأ الحرب أبكر هذه المرة، كأن تبدأ في الأول من حزيران؟
كان كاتبنا وقتها ينهي رسالة الماجستير التي أعدها بإشراف الدكتور محمود السمرة بعنوان "القصة القصيرة في الضفة والقطاع من 1967-1981"، وكان يتردد على مقر رابطة الكتاب الأردنيين ليراقب مع المثقفين باسترخاء نتائج الحرب. يصور حاله وحال المثقفين بقوله: "وتغدو أخبار المعارك خبزنا وملحنا وفاكهتنا اليومية، ومن جديد سنعود ثانية خبراء عسكريين نحلل المعارك ونتحدث عن الحرب باسترخاء، فالجبهة مشتعلة ونحن على شرفات مبنى الرابطة أو في ساحات الجامعة نمارس حياتنا وترف الكلام"(ص185)
وهو بهذا القول بقدر ما يعبر عن عجز المثقفين إزاء ما يجري في ميدان المعركة، فـإنه يعبر عن نقد ذاتي بعدم الرضا عن هذه الحالة التي وصلوا إليها.
تمتاز انثيالات الدكتور عادل الأسطة في كتابه عن حزيران الذي لا ينتهي بالسخرية المرة، أو السخرية التي تستحق الرثاء مع احتوائها الأمثال الدارجة، والألفاظ الشعبية المتداولة، والنكات المضحكة المبكية، من باب أن شر البلية ما يضحك؛ مما يذكرنا بأسلوب إميل حبيبي في كتابه" سداسية الأيام الستة"؛
من مواقف السخرية يذكر الأسطة أنه كان لوالده صديق يهودي قبل نكبة 48 يسمى صموئيل، فوالده كان يعرف العبرية، وكان له وهو مراهق صداقات مع النساء اليهوديات. قال له صديقه: "شوف يا مصطفى إن انتصرت ألمانيا صرنا حميركم وركبتمونا وإن انتصرت بريطانيا صرتم حميرنا وركبناكم"(ص116)
ومن مواقف السخرية يذكر كاتبنا أنه في اليوم الأول لحرب حزيران حين كانت تظهر طائرة في الجو، تزعق زوامير الخطر، ويستعد حملة البنادق القديمة في مخيم عسكر لإسقاطها، ومن بينهم والده ورجل آخر كنيته أبو العزم، كان أبو العزم يطلق طلقة عليها، وهو يردد عبارته التي ذهبت مثلًا:" طلقة لعيون الشباب".
وفي حديثه عن المخيم، وعن الاستعدادات للحرب يتذكر عادل الأسطة أنه شاهد مع رفاقه الصغار في الشارع، حين كان الناس في بيوتهم ملتزمين بتعليمات الجيش جنديًا يوقف دبابته، ويترجل منها ليبحث عن برغي أو شيء ما عطل دبابته. وفي موقف آخر يخبرنا عن جندي كان في اليوم الأول من الحرب يتلصص على بيت أم محمد في أثناء تجواله ليطلب من الناس في المخيم عدم مغادرة بيوتهم. وقيل إن المرأة ضربته وهي تصرخ، فاجتمع عليهما الناس، وشاعت الحكاية في المخيم، ومازال الناس يتذكرونها.
ويبدو الأسلوب الساخر للمؤلف حين يكتب عن زيارة الشاعرة فدوى طوقان بعد حزيران مدن فلسطين ولقائها شعراء الأرض المحتلة. لقد التقوا وقرأوا قصائد عن الحرب. قرأ درويش "يوميات جرح فلسطيني"، وقرأت فدوى على" أطلال يافا". ورحب بها الشعراء الذين رأوا في الهزيمة كبوة، وكم يحدث أن يكبو الهمام، هي خطوة للخلف من أجل عشر خطوات للأمام، كما رأى توفيق زياد. أما درويش فقد خسر حلمًا جميلًا، وخسر لسع الزنابق، وما خسر السبيلا. إنها سخرية مرة لا تتوقف عند هذا اللقاء بل تتعداه إلى الحديث عن فدوى بأنها كانت متقوقعة على ذاتها قبل النكسة، وهي بعد ذلك تنضم إلى شعراء المقاومة، وتبتعد عن كونها لاجئة؛ فقد تحولت مثل هؤلاء الشعراء اليساريين الذين التقتهم إلى شاعرة مقاومة.
وفي حديثه عما كان يدور في المخيم من شجار بين الناس رأى الأسطة حتى الأقارب كانوا يتقاتلون عند توزيع المؤن والبقج، وفي الفرن، وعلى عين الماء، ويُعلّق على ذلك: " كما لو أن روح قابيل حلت فينا، وكما لو أن الأقارب إخوة يوسف أيضًا، وأتذكر معارك بين أقارب، كان الدم فيها يسيل، وكنا نتفرج على فريد شوقي ومحمود المليجي متجسدين في بعض الأهالي الذين يستخدمون أسياخ الحديد وأواني يستخدمها الفوالون لتحريك جرة الفول" (ص153)
وكان يلوم أبناء جلدته ولا يلوم أبناء العمومة(اليهود)، كما يسميهم على سبيل السخرية. بدا هذا اللوم عندما رفض بعض زعماء المدن أن تقام مخيمات للاجئين في مدنهم؛ لهذا كان مخيما العروب والفوار بعيدين عن مدينة الخليل مسافة لا تقل عن عشرين كيلومترًا. حرصًا كما يقول ساخرًا على "نقاء الدم الآري"(ص145)
ويعجب كاتبنا من أن النكسة تطول ولا يحدث ما أخبره به راكب كان بجواره في حافلة بأن الاحتلال سينتهي بعد سبعة أسابيع، أو سبعة أشهر، أو سبع سنوات. لقد طال حتى جاء عام 1982 لتبدأ حرب جديدة في الرابع من حزيران هذه المرة، وتصل القوات الإسرائيلية إلى بيروت. يتساءل بسخرية: لماذا لم تبدأ الحرب أبكر هذه المرة، كأن تبدأ في الأول من حزيران؟
كان كاتبنا وقتها ينهي رسالة الماجستير التي أعدها بإشراف الدكتور محمود السمرة بعنوان "القصة القصيرة في الضفة والقطاع من 1967-1981"، وكان يتردد على مقر رابطة الكتاب الأردنيين ليراقب مع المثقفين باسترخاء نتائج الحرب. يصور حاله وحال المثقفين بقوله: "وتغدو أخبار المعارك خبزنا وملحنا وفاكهتنا اليومية، ومن جديد سنعود ثانية خبراء عسكريين نحلل المعارك ونتحدث عن الحرب باسترخاء، فالجبهة مشتعلة ونحن على شرفات مبنى الرابطة أو في ساحات الجامعة نمارس حياتنا وترف الكلام"(ص185)
وهو بهذا القول بقدر ما يعبر عن عجز المثقفين إزاء ما يجري في ميدان المعركة، فـإنه يعبر عن نقد ذاتي بعدم الرضا عن هذه الحالة التي وصلوا إليها.