١٩٩٤: قصيدة حب
أريد شخصاً ينظرُ إليَّ
كما ينظرُ البيضُ إلى مانديلا.
ويتمسّك بذكراي
كما يتمسّكُ البيض بميراث مانديلا.
أريد عاشقاً يبني جزيرة روبن في فنائي الخلفي
يقنعني أن لديّ حديقةً وهواء عذباً،
وقوس قزح حرية.
أريد عاشقاً من نوع أعضاء "لجنة الحقيقة والمصالحة".
لا تعرفُ الحبّ
إلا إذا أُحببت كمانديلا.
لا تعرف الخيانة
إلا إذا أُحببت كمانديلا
لا تعرف أكل الخراء
إلا إذا أُحببت كمانديلا
لا تعرف ثقب المؤخرة
إلا إذا أُحببت مثله.
إن أحد الرواسب الكثيرة للعبودية:
هو أن تُحبَّ كمانديلا.
متعة سوداء
تعرّضْنا للضرب من أجل ذنوب بعضنا البعض
صفعتْنا مقاطعُ الكلمات وكلمة الله
قبل أن يعني الظلام
وقت العودة إلى المنزل.
كانت فرشةُ جدتي تعرف جميع
أخوتي
وأبناء عمي
وأطفال الجيران
وأنفاسَ الصباح بالاسم.
فرشةٌ وحيدة
مفروشة على الأرض
كانت تكفينا جميعاً.
كنا نضع الأيراما على قطع خبزٍ
تُلَفُّ على شكل سجق
نأكلها مع شاي الروبيوس الأحمر
دون أن نسأل عن الجبنة
وكنا نشبع.
كنت أنا وأبناء عمي
نجلس حول إناء كبير من الفاصولياء المحلاة
كل بملعقته
وكان ماء السكر يكمل الوجبة
كنا نعيش في المنزل
ولم ينقصنا أي شيء.
لكن أليس من سخريات القدر،
أنهم حين يسألون عن الطفولة السوداء
فإن كل ما يهمهم هو الألم،
كما لو أن أوقات المتعة لا قيمة لها.
أكتبُ قصائد حبٍّ أيضاً،
لكن كلّ ما تريدونه هو أن تروا فمي
يتمزّق مفتوحاً من الاحتجاج،
كما لو أنه جرحٌ
يعبّر عن فرحه
بالصديد والغرغرينا.
كل ثلاث ساعات
قبل أن نُولد تدفننا هذه البلاد
تنادينا بأسماء أوراق نعْينا
قبل أن تُنادينا بأسمائنا.
تدفع النساء
إلى العيش في توتّر وعصبية،
إلى رفع حراستهنّ إلى الدرجة القصوى.
ثمة أجهزة أمنية تحرس نظاماً منهاراً
ثمة نظام منهار يمتلك قوة مفرطة
تُترجم إلى سلطة ببنادق
لقتل الأزواج.
مكالماتٌ هاتفية
تقدم تفاصيل
ومعلومات عن مفقودين
لا يتابعها أحد.
مرآبات فيها أطفال رضّع
يجب أن يكونوا في المدارس.
سيارات تحتوي على أدلة،
أدلة من دون سلطة
تستخدمها للمقاضاة.
مكاتب بريد بأسلحة،
مراكز تسوّق بخاطفين،
مراحيض بأشلاء،
أشلاء ليس عليها تاريخ انتهاء الصلاحية.
نوادي بتجار مخدرات،
أزقة ليس فيها إضاءة كافية،
وحتى إذا كانت الأضواء كلها منارة لن تشعر بالأمان.
تستقلُّ سيارات الأوبر مذعوراً
وتركب سيارات التاكسي بجنون ارتياب
تمشي حاملاً مسدس الصعق الكهربائي
وضمن مجموعة في وضح النهار
في أمكنة تظن أن الأمر لن يحدث فيها.
قبورٌ دُفنت فيها فتيات
في ريعان الصبا،
بوحشية رهيبة
من المروع جداً الحديث عن ذلك،
أو توثيقه أو العثور عليهنّ،
أو تحديد منطقة خطر
ذلك أن مناطق الخطر
تتنكر كمناطق أمان
وتعجّ مناطق الأمان بالقتلة،
قتلة هم رجالٌ مكتملون للزواج.
مدارس يعمل فيها مشتهو أطفال
مشتهو أطفال يحملون شهادات
للعمل مع الأطفال
قاعات محاضرات بمتحرشين
محطات بحيوانات مفترسة
مواقع بناء برجال كبار في السن بما يكفي كي يفهموا "كلا!"
كنائس برجال يستخدمون صلواتك
من أجل الأمان لإركاعك على ركبتيك
وذراعاك مرفوعتان.
(كل ثلاث ساعات لا يصل أحدنا إلى البيت)
هذه البلاد تشنقُ كرامتنا في منتصف الطريق
تلوّح بأجسادنا كدروس يجب تعلمها،
كلحظات يجب أن تعلمنا شيئاً ما
كمقياسات، واختبارات، وتجارب.
لستُ هنا كي أعلمكم
كيف تستأصلون حنجرة أمي وهي مدفونة
كي تعوضوها عن عذابها وحزنها بمنح وسياسات تم إصلاحها،
يتجمع عليها الغبار حتى قبل أن تُنسخ.
هذه البلاد تدفننا قبل أن نولد،
تنادينا بأوراق نعينا
قبل أن تنادينا بأسمائنا.
ماء
إن ذكرى ذهابي إلى الشاطئ مساء كل يوم رأس سنة
ذكرى مشتركة بيني وبين أبناء عمي ومعظم الأطفال السود.
كان العجائز يمنعوننا من الدخول عميقاً،
من أن نقهقه، ونطرطش في جواربنا
وحقائبنا البلاستيكية التي من شوبرايت
المربوطة حول ملابسنا الجديدة.
كانوا يمنعوننا من ركوب الموج
خوفاً من أن نصبح كتلة سواد يسحبها المد
ولا تعود أبداً كالنفايات.
يمنعوننا كما لو أن المحيط مصاب
بتسمم غذائي.
غالباً ما تساءلتُ لماذا ينتابني شعور
بأنني أغرق كلما نظرتُ إلى البحر؟
يترافق هذا مع شعور آخر
بأنني صغيرة على نحو لا يصدق
وغالباً ما كنتُ أسمع هذه النكتة
عن السود بأنهم غير قادرين على السباحة
أو يخافون من الماء.
كانوا يسخرون منا
وغالباً ما كنا نسخر من أنفسنا
بسبب الطريقة
التي نمسح بها وجوهنا
كما نفعل حين نخرج من الماء
نقارن الأمر بكيف يفعلون كل هذا في مسلسل "مراقبة الشاطئ"
وكيف نبدو كالسقاطة بوضعياتنا وعدم توازننا.
مع ذلك وفي كل مرة يدخل جلدنا تحت الماء
يبدو الأمر كما لو أن القصب
يتذكر أنه كان مرة سلاسل
والماء المضطرب يتمنى لو أنه قادر
على أن يتقيأ جميع العبيد والسفن
على الشاطئ كاملين كما صعدوا، وأبحروا وغرقوا.
إن دموعهم هي التي جعلت المحيط مالحاً
لهذا تحترقُ حدقاتُ أعيننا كلما غصنا
في كل سادس عشر من كانون الأول، و٢٤ كانون الأول و٣١ كانون الأول
جلدنا يصدم البحر من جديد.
يسخرون منا،
لعجزنا عن رمي أنفسنا
على شيء ما يؤدي إلى انقراضنا.
إن المحيط بالنسبة لكم
هو لألواح ركوب الأمواج،
للزوارق، وتسمير البشرة
لكل الأشياء الجيدة التي تفعلونها
بمايوهات سباحتكم، ونظاراتكم المائية
لكننا جئنا كي نتعمّد في البحر
جئنا كي نثير العالم الآخر هنا
جئنا كي نطهّر أنفسنا هنا
جئنا كي نصلَ بين أحيائنا وأمواتنا هنا.
دعوتم احترامنا للماء خوفاً
تاجرتم بنا بكل وقاحة
وقمتم بقتلنا على الماء
ثم سخرتم منا لأننا نخاف منه
عبرتم الماء بكل وقاحة وشرعتم بغزونا
إذا كانت هذه الأرض حقاً لكم،
إذاً ابعثوا عظام المستعمرين
واستخدموها كبوصلة
ثم توقفوا عن استخدام الأجساد السوداء
كأدلة سياحية أو موقع
لتجربتكم الأفريقية الأصلية.
ألم نتعب من الرقص لكم؟
من الدوران والغناء في صف
ألم نتعب من التجمع ككتلة سواد؟
كي نكفر عن كوننا هنا فقط
كي نتوسل لله
كي ينقذنا من حرب لم نبدأها
كي نتظاهر من أجل قضية سببها الظلم الذي تعرضنا له
نرفع أيدينا كي لا تُطلق علينا النار
نرفع أيدينا في الكنيسة
كي نصلي من أجل الحماية
وما زالت النار تُطلق علينا فيها أيضاً
وأيدينا مرفوعة.
إن الغزو من عادات شعبكم
ولهذا جئتم كي تسرقونا
من أمكنة عبادتنا أيضاً
جئتم كي تقتلونا في السجون أيضاً
وهذا ليس جديداً.
يتصرف كثير من الرجال البيض هنا
كأنهم الله،
يقوم كثير من الرجال البيض هنا
بعمل الله.
إن إلههم هذا يسبّب لي المغص،
كانت بيني وبينه دوماً علاقة معقدة.
هذا اليسوع بعينيه الزرقاوين وشعره الأشقر
تبعته في مدرسة الأحد
فجعل نوعي
ينحني لسماء بيضاء وبطركية
ينحني ليسوع،
وابنه،
وحوارييه الاثني عشر
ذلك أن كل ما نعرفه
هو أن الحواريين ربما كانوا لواطيين،
وأن الثالوث المقدس
مثلث حب ملتوي وغريب
والروح القدس متحول جنسياً،
لكنك ستختار فقط
أن تفهم النصوص المقدسة التي تناسب أجندتك.
لقد منحتم أنفسكم حرية استعمار مفهوم الله
منحتم الله جنساً، لون جلد، واسماً
في لغة كان علينا أن نلوي فمنا حين ننطقها.
إن التجديف يغلف العبودية في الإنجيل ويسميها حرية
إن التجديف هو أن أراقب أفراد نوعي
يستخدمون الإنجيل نفسه كي يستعبدوا بعضهم البعض
منذ أيام إيليا هُندسنا كي نركع للبياض
ولسنا حتى متأكدين
إن كانت أيام إيليا قد وجدت
لأنه مهما كان من كتب الإنجيل
فهو لم يشملنا فيه
لكنني أفضل الوجود في ذلك الكتاب المقدس الذي لا إله له
على الوجود في كتب التاريخ التي لا تقول الحقيقة
عنا
ولنا
أو لصالحنا.
إذا كان عليكم فعلاً أن تكتبوا قصصنا
يجب أن تفعلوا هذا إذاً بألسنة أمهاتنا
تلك التي قمتم بقطعها
كي تعلموهن بلغة جديدة.
لا نوافق أبداً
بيد أنه طُلب منا أن نتعشى مع المعتدين
وأن نقدم لهم الصفح
لكن كيف نفعل ذلك،
حين المكونات الوحيدة الموجودة هي الأسى والغضب؟
شخص آخر (يبدو مثلي) مات اليوم
شخص آخر (يبدو مثلي) قُتل اليوم
أرجو أن تجري هذه المحادثة حول الطاولة
ويمكننا بعد ذلك أن نغسل هذه الوجبة المرّة بفقدان الذاكرة
ونذهب كي نسبح بعد ذلك
كي نستمتع فحسب
كي نستمتع فحسب.
[ترجمة: أسامة إسبر، المصدر: ديوان فقدان ذاكرة جماعي].
====================
كوليكا بوتوما شاعرةٌ ومؤدية ومخرجة مسرحية من جنوب أفريقيا. صدر لها في ٢٠١٧ مجموعة شعرية بعنوان "فقدان ذاكرة جماعي"، عصفت بالمشهد الأدبي في جنوب أفريقيا وحظيت بشهرة واسعة، وصدرت طبعتها العاشرة مؤخراً. صارت المجموعة مقرراً دراسياً في الجامعات في جنوب أفريقيا وفي أوروبا، وحصلت على جائزة "جلين لوستشي" للشعر الأفريقي في ٢٠١٨، وتُرجمت إلى لغات عالمية كثيرة.
تستلهم كوليكا بوتوما في شعرها التقاليد الشفهية في جنوب أفريقيا وتركز على إيصال شعرها عن طريق الأداء أمام الجمهور أو من خلال الفيديو والإعلام الاجتماعي، حيث تتميز بطريقة خاصة بالإلقاء وبأداء الشعر تستند إلى تقاليد وتجارب عريقة في هذا المجال في جنوب أفريقيا مع بعض التأثيرات من ما يدعى بشعراء السلام (Slam) في أمريكا وهم الشعراء الذين يتنافسون في أدائهم وإلقائهم للشعر أمام الجمهور.
تتعاون بوتوما مع فنان الفيديو جاريد كلينهاس والمصورة أنديساوا مكوسي لتقدير أداءات وتمثيلات بصرية لقصائدها من خلال مواقع مشاركة الفيديوهات، ما يولد تأثيرات فورية وتفاعلية تحوّل الشعر من مونولوج إلى حوار تفاعلي.
اعتبرت كوليكا بوتوما صوت النسوة المهمشات في جنوب أفريقيا وضحايا العنف والإجرام والسيطرة الذكورية والسلطوية والإتجار بأجساد النساء وتحويلهن إلى سلع، الصوت الكاشف والمضيء والفاضح لكل الممارسات التي أدت إلى تهميش النساء والتضييق على حرية الجسد الإنساني.
أريد شخصاً ينظرُ إليَّ
كما ينظرُ البيضُ إلى مانديلا.
ويتمسّك بذكراي
كما يتمسّكُ البيض بميراث مانديلا.
أريد عاشقاً يبني جزيرة روبن في فنائي الخلفي
يقنعني أن لديّ حديقةً وهواء عذباً،
وقوس قزح حرية.
أريد عاشقاً من نوع أعضاء "لجنة الحقيقة والمصالحة".
لا تعرفُ الحبّ
إلا إذا أُحببت كمانديلا.
لا تعرف الخيانة
إلا إذا أُحببت كمانديلا
لا تعرف أكل الخراء
إلا إذا أُحببت كمانديلا
لا تعرف ثقب المؤخرة
إلا إذا أُحببت مثله.
إن أحد الرواسب الكثيرة للعبودية:
هو أن تُحبَّ كمانديلا.
متعة سوداء
تعرّضْنا للضرب من أجل ذنوب بعضنا البعض
صفعتْنا مقاطعُ الكلمات وكلمة الله
قبل أن يعني الظلام
وقت العودة إلى المنزل.
كانت فرشةُ جدتي تعرف جميع
أخوتي
وأبناء عمي
وأطفال الجيران
وأنفاسَ الصباح بالاسم.
فرشةٌ وحيدة
مفروشة على الأرض
كانت تكفينا جميعاً.
كنا نضع الأيراما على قطع خبزٍ
تُلَفُّ على شكل سجق
نأكلها مع شاي الروبيوس الأحمر
دون أن نسأل عن الجبنة
وكنا نشبع.
كنت أنا وأبناء عمي
نجلس حول إناء كبير من الفاصولياء المحلاة
كل بملعقته
وكان ماء السكر يكمل الوجبة
كنا نعيش في المنزل
ولم ينقصنا أي شيء.
لكن أليس من سخريات القدر،
أنهم حين يسألون عن الطفولة السوداء
فإن كل ما يهمهم هو الألم،
كما لو أن أوقات المتعة لا قيمة لها.
أكتبُ قصائد حبٍّ أيضاً،
لكن كلّ ما تريدونه هو أن تروا فمي
يتمزّق مفتوحاً من الاحتجاج،
كما لو أنه جرحٌ
يعبّر عن فرحه
بالصديد والغرغرينا.
كل ثلاث ساعات
قبل أن نُولد تدفننا هذه البلاد
تنادينا بأسماء أوراق نعْينا
قبل أن تُنادينا بأسمائنا.
تدفع النساء
إلى العيش في توتّر وعصبية،
إلى رفع حراستهنّ إلى الدرجة القصوى.
ثمة أجهزة أمنية تحرس نظاماً منهاراً
ثمة نظام منهار يمتلك قوة مفرطة
تُترجم إلى سلطة ببنادق
لقتل الأزواج.
مكالماتٌ هاتفية
تقدم تفاصيل
ومعلومات عن مفقودين
لا يتابعها أحد.
مرآبات فيها أطفال رضّع
يجب أن يكونوا في المدارس.
سيارات تحتوي على أدلة،
أدلة من دون سلطة
تستخدمها للمقاضاة.
مكاتب بريد بأسلحة،
مراكز تسوّق بخاطفين،
مراحيض بأشلاء،
أشلاء ليس عليها تاريخ انتهاء الصلاحية.
نوادي بتجار مخدرات،
أزقة ليس فيها إضاءة كافية،
وحتى إذا كانت الأضواء كلها منارة لن تشعر بالأمان.
تستقلُّ سيارات الأوبر مذعوراً
وتركب سيارات التاكسي بجنون ارتياب
تمشي حاملاً مسدس الصعق الكهربائي
وضمن مجموعة في وضح النهار
في أمكنة تظن أن الأمر لن يحدث فيها.
قبورٌ دُفنت فيها فتيات
في ريعان الصبا،
بوحشية رهيبة
من المروع جداً الحديث عن ذلك،
أو توثيقه أو العثور عليهنّ،
أو تحديد منطقة خطر
ذلك أن مناطق الخطر
تتنكر كمناطق أمان
وتعجّ مناطق الأمان بالقتلة،
قتلة هم رجالٌ مكتملون للزواج.
مدارس يعمل فيها مشتهو أطفال
مشتهو أطفال يحملون شهادات
للعمل مع الأطفال
قاعات محاضرات بمتحرشين
محطات بحيوانات مفترسة
مواقع بناء برجال كبار في السن بما يكفي كي يفهموا "كلا!"
كنائس برجال يستخدمون صلواتك
من أجل الأمان لإركاعك على ركبتيك
وذراعاك مرفوعتان.
(كل ثلاث ساعات لا يصل أحدنا إلى البيت)
هذه البلاد تشنقُ كرامتنا في منتصف الطريق
تلوّح بأجسادنا كدروس يجب تعلمها،
كلحظات يجب أن تعلمنا شيئاً ما
كمقياسات، واختبارات، وتجارب.
لستُ هنا كي أعلمكم
كيف تستأصلون حنجرة أمي وهي مدفونة
كي تعوضوها عن عذابها وحزنها بمنح وسياسات تم إصلاحها،
يتجمع عليها الغبار حتى قبل أن تُنسخ.
هذه البلاد تدفننا قبل أن نولد،
تنادينا بأوراق نعينا
قبل أن تنادينا بأسمائنا.
ماء
إن ذكرى ذهابي إلى الشاطئ مساء كل يوم رأس سنة
ذكرى مشتركة بيني وبين أبناء عمي ومعظم الأطفال السود.
كان العجائز يمنعوننا من الدخول عميقاً،
من أن نقهقه، ونطرطش في جواربنا
وحقائبنا البلاستيكية التي من شوبرايت
المربوطة حول ملابسنا الجديدة.
كانوا يمنعوننا من ركوب الموج
خوفاً من أن نصبح كتلة سواد يسحبها المد
ولا تعود أبداً كالنفايات.
يمنعوننا كما لو أن المحيط مصاب
بتسمم غذائي.
غالباً ما تساءلتُ لماذا ينتابني شعور
بأنني أغرق كلما نظرتُ إلى البحر؟
يترافق هذا مع شعور آخر
بأنني صغيرة على نحو لا يصدق
وغالباً ما كنتُ أسمع هذه النكتة
عن السود بأنهم غير قادرين على السباحة
أو يخافون من الماء.
كانوا يسخرون منا
وغالباً ما كنا نسخر من أنفسنا
بسبب الطريقة
التي نمسح بها وجوهنا
كما نفعل حين نخرج من الماء
نقارن الأمر بكيف يفعلون كل هذا في مسلسل "مراقبة الشاطئ"
وكيف نبدو كالسقاطة بوضعياتنا وعدم توازننا.
مع ذلك وفي كل مرة يدخل جلدنا تحت الماء
يبدو الأمر كما لو أن القصب
يتذكر أنه كان مرة سلاسل
والماء المضطرب يتمنى لو أنه قادر
على أن يتقيأ جميع العبيد والسفن
على الشاطئ كاملين كما صعدوا، وأبحروا وغرقوا.
إن دموعهم هي التي جعلت المحيط مالحاً
لهذا تحترقُ حدقاتُ أعيننا كلما غصنا
في كل سادس عشر من كانون الأول، و٢٤ كانون الأول و٣١ كانون الأول
جلدنا يصدم البحر من جديد.
يسخرون منا،
لعجزنا عن رمي أنفسنا
على شيء ما يؤدي إلى انقراضنا.
إن المحيط بالنسبة لكم
هو لألواح ركوب الأمواج،
للزوارق، وتسمير البشرة
لكل الأشياء الجيدة التي تفعلونها
بمايوهات سباحتكم، ونظاراتكم المائية
لكننا جئنا كي نتعمّد في البحر
جئنا كي نثير العالم الآخر هنا
جئنا كي نطهّر أنفسنا هنا
جئنا كي نصلَ بين أحيائنا وأمواتنا هنا.
دعوتم احترامنا للماء خوفاً
تاجرتم بنا بكل وقاحة
وقمتم بقتلنا على الماء
ثم سخرتم منا لأننا نخاف منه
عبرتم الماء بكل وقاحة وشرعتم بغزونا
إذا كانت هذه الأرض حقاً لكم،
إذاً ابعثوا عظام المستعمرين
واستخدموها كبوصلة
ثم توقفوا عن استخدام الأجساد السوداء
كأدلة سياحية أو موقع
لتجربتكم الأفريقية الأصلية.
ألم نتعب من الرقص لكم؟
من الدوران والغناء في صف
ألم نتعب من التجمع ككتلة سواد؟
كي نكفر عن كوننا هنا فقط
كي نتوسل لله
كي ينقذنا من حرب لم نبدأها
كي نتظاهر من أجل قضية سببها الظلم الذي تعرضنا له
نرفع أيدينا كي لا تُطلق علينا النار
نرفع أيدينا في الكنيسة
كي نصلي من أجل الحماية
وما زالت النار تُطلق علينا فيها أيضاً
وأيدينا مرفوعة.
إن الغزو من عادات شعبكم
ولهذا جئتم كي تسرقونا
من أمكنة عبادتنا أيضاً
جئتم كي تقتلونا في السجون أيضاً
وهذا ليس جديداً.
يتصرف كثير من الرجال البيض هنا
كأنهم الله،
يقوم كثير من الرجال البيض هنا
بعمل الله.
إن إلههم هذا يسبّب لي المغص،
كانت بيني وبينه دوماً علاقة معقدة.
هذا اليسوع بعينيه الزرقاوين وشعره الأشقر
تبعته في مدرسة الأحد
فجعل نوعي
ينحني لسماء بيضاء وبطركية
ينحني ليسوع،
وابنه،
وحوارييه الاثني عشر
ذلك أن كل ما نعرفه
هو أن الحواريين ربما كانوا لواطيين،
وأن الثالوث المقدس
مثلث حب ملتوي وغريب
والروح القدس متحول جنسياً،
لكنك ستختار فقط
أن تفهم النصوص المقدسة التي تناسب أجندتك.
لقد منحتم أنفسكم حرية استعمار مفهوم الله
منحتم الله جنساً، لون جلد، واسماً
في لغة كان علينا أن نلوي فمنا حين ننطقها.
إن التجديف يغلف العبودية في الإنجيل ويسميها حرية
إن التجديف هو أن أراقب أفراد نوعي
يستخدمون الإنجيل نفسه كي يستعبدوا بعضهم البعض
منذ أيام إيليا هُندسنا كي نركع للبياض
ولسنا حتى متأكدين
إن كانت أيام إيليا قد وجدت
لأنه مهما كان من كتب الإنجيل
فهو لم يشملنا فيه
لكنني أفضل الوجود في ذلك الكتاب المقدس الذي لا إله له
على الوجود في كتب التاريخ التي لا تقول الحقيقة
عنا
ولنا
أو لصالحنا.
إذا كان عليكم فعلاً أن تكتبوا قصصنا
يجب أن تفعلوا هذا إذاً بألسنة أمهاتنا
تلك التي قمتم بقطعها
كي تعلموهن بلغة جديدة.
لا نوافق أبداً
بيد أنه طُلب منا أن نتعشى مع المعتدين
وأن نقدم لهم الصفح
لكن كيف نفعل ذلك،
حين المكونات الوحيدة الموجودة هي الأسى والغضب؟
شخص آخر (يبدو مثلي) مات اليوم
شخص آخر (يبدو مثلي) قُتل اليوم
أرجو أن تجري هذه المحادثة حول الطاولة
ويمكننا بعد ذلك أن نغسل هذه الوجبة المرّة بفقدان الذاكرة
ونذهب كي نسبح بعد ذلك
كي نستمتع فحسب
كي نستمتع فحسب.
[ترجمة: أسامة إسبر، المصدر: ديوان فقدان ذاكرة جماعي].
====================
كوليكا بوتوما شاعرةٌ ومؤدية ومخرجة مسرحية من جنوب أفريقيا. صدر لها في ٢٠١٧ مجموعة شعرية بعنوان "فقدان ذاكرة جماعي"، عصفت بالمشهد الأدبي في جنوب أفريقيا وحظيت بشهرة واسعة، وصدرت طبعتها العاشرة مؤخراً. صارت المجموعة مقرراً دراسياً في الجامعات في جنوب أفريقيا وفي أوروبا، وحصلت على جائزة "جلين لوستشي" للشعر الأفريقي في ٢٠١٨، وتُرجمت إلى لغات عالمية كثيرة.
تستلهم كوليكا بوتوما في شعرها التقاليد الشفهية في جنوب أفريقيا وتركز على إيصال شعرها عن طريق الأداء أمام الجمهور أو من خلال الفيديو والإعلام الاجتماعي، حيث تتميز بطريقة خاصة بالإلقاء وبأداء الشعر تستند إلى تقاليد وتجارب عريقة في هذا المجال في جنوب أفريقيا مع بعض التأثيرات من ما يدعى بشعراء السلام (Slam) في أمريكا وهم الشعراء الذين يتنافسون في أدائهم وإلقائهم للشعر أمام الجمهور.
تتعاون بوتوما مع فنان الفيديو جاريد كلينهاس والمصورة أنديساوا مكوسي لتقدير أداءات وتمثيلات بصرية لقصائدها من خلال مواقع مشاركة الفيديوهات، ما يولد تأثيرات فورية وتفاعلية تحوّل الشعر من مونولوج إلى حوار تفاعلي.
اعتبرت كوليكا بوتوما صوت النسوة المهمشات في جنوب أفريقيا وضحايا العنف والإجرام والسيطرة الذكورية والسلطوية والإتجار بأجساد النساء وتحويلهن إلى سلع، الصوت الكاشف والمضيء والفاضح لكل الممارسات التي أدت إلى تهميش النساء والتضييق على حرية الجسد الإنساني.