العقيد محمد الصالح يحياوي و تزاحم "الأقنعة"
لقد كان العقيد محمد الصالح يحياوي ضحية انضباطه في حزب جيهة التحرير الوطني منذ أيام الثورة إلى غاية الإنقلاب عليه، فقد اتسم الصراع من أجل الزعامة بتزاحم "الأقنعة" بحيث تجد شخصا بعشرين شخصية و عشرين قناعا و كل تلك الأقنعة جاهزة لممارسة دورها متى ما تطلب الموقف و استدعت الحالة ، لدرجة أنه يخيل إليك أنك تتعامل مع شخصيات في شخصية واحدة، يقومون بادوار مصطنعة يصعب إصدار أحكام حولها، حسب شهادات من عايشوه لم يكن الفقيد بهذه الأوصاف لأنه تربى على الإنضباط داخل الجيش الوطني الشعبي الذي لم يكن جيش ثكنات و رتب و آلقاب بل كان مدرسة لتكوين الأجيال الصاعدة و تأطيرها و تغذيتها بإيديولوجية الثورة
رغم وجود اتفاق بين القادة المدنيين والعسكريين على مفهوم القيادة ، إلا أن مفهوم القيادة في المؤسسة العسكرية يختلف عن مفهومها في الأحزاب السياسية بحيث تتميز القيادة داخل المؤسسة العسكرية بعناصر أساسية أهمها الإضباط و التخطيط و هذان العنصران مبنيان على التعاون والتكامل، ، التنظيم ، التوجيه ، الرقابة والاستفادة المتبادلة بين القيادات التي اكتسبة تجربة في الميدان و تقلدوا مناصب عليا في الخدمة العسكرية و المدنية و هذا يعني أن الخدمة المدنية و العسكرية وجهان لعملة واحدة، و الإدارة ماهي إلا عبارة عن مؤسسة يديرها اشخاص سواء كانوا مدنيين أو عسكريين ، و هي بالتالي تعد قوة من قوى الدولة في مختلف مجالاتها ، فمن الصعوبة بمكان أن يدير شخص واحد مهام عديدة مدنية و عسكرية إلا إذا كان يتمتع بقدرات و كفاءة عالية المستوى، و لعل العقيد محمد الصالح يحياوي واحد من هاته الشخصيات القيادية التي لعبت دورا جليا في بناء الرجال سواء داخل اتحاد الشبيبة الجزائرية و أكاديمية الأسلحة بشرشال، هو ذاك إذا الرجل الذي وضع استراتيجية طويلة المدى خاض فيها معركة بناء الرجال و دافع بقوة وقناعة وعزيمة عن مشروعه، هذا يعني ان محمد الصالح يحياوي أدرك أن مفهوم القيادة يحتاج إلى توفر تلك الشروط و العناصر التي سبق ذكرها ، فبكون الإنضباط و التخطيط ، و بدون هذين العنصرين لا يمكن تحقيق أي هدف من الأهداف المرجوة.
الإنضباط قاعدة اساسية لنجاح كل مشروع
إن مفهوم الإنضباط كما يعرفه الخبراء العسكريون يعني مسك الأمر أو الشيء والمحاولة في السيطرة عليه، وإخضاعه ضمن القوانين الملزمة و الالتزام بها، أما المقصود بكلمة الانضباط تربويًا فهي تعني التزام الفئات والأشخاص بالقواعد والقوانين والقرارات والضوابط التي يضعها المسؤول وهو مجموعة من الأحكام والقواعد والقوانين التي يُلزم على الفرد التحلي بها، تجنبا للمشاكل التي يمكن حدوثها ، ف لأشخاص الملتزمون هم أشخاص تربوا على ذلك منذ الصغر، حتى أصبح عادة لهم و لا يختلف غثنان أن العقيد محمد الصالح يحياوي واحد منهم و لذلك كان يسعى إلى تنشئة جيل منضبط ، فثقافته العسكرية كونت عنده خميرة من الفكر العسكري و ما يحمله من ثوابت عسكرية التيس تمتاز بالديمومة، لقد اختلف المفكرون حول دور الفرد في التاريخ فمنهم من قال بأن المناخ و الأجواء و اللحظات التاريخية هي التي تخلق الفرد التاريخي و منهم من قال بأن الفرد هو الذي يخلق الظروف و منهم من رأى أن الزعيم يجب أن ينبري ليكون زعيما و لا زعامة تخلقها الظروف و الأحداث، لقدد أعطى العقيد محمد الصالح يحياوي أهمية للمؤسسة العسكرية و هو يشرف على تدريب الشباب، كما أعطى أهمية للتنظيمات الشبانية و النسوية لتكوينهما فكان له فكر عسكري و سياسي في آنٍ واحدٍ، استخدم أساليبهما بشكل عقلاني، إلا أن الفكر البيروقراطي الذي زرعه عملاء فرنسا كان الأغلب، حينما اندسوا داخل الأحزاب السياسية، وكانوا سببا في تغير المفاهيم و الأحداث و القرارات و الأفعال أيضا.
كانت هناك جهات خارجية تخطط و تفرض تعليمات و توجيهات تنفذها أطراف من الداخل لإفشال المشروع النهضوي للمجتمع الجزائري، لكن و كما يقول المثل: " تجري الرياح بما لا تشتهيه السفن" ، هل كان العقيد محمد الصالح يحياوي على دراية بما يخطط من وراء ظهره و ما يجري ؟ فعندما تكون حبة فاكهة فاسدة داخل صندوق فيه كمية كبيرة من الفواكه الصالحة تتعرض كلها للفساد و التلف و المؤسسة العسكرية أو الحزب السياسي صندوق به عناصر صالحة لكنها كانت ضحية غفلة ثقة، لأنه لم يكن لها أدنى شك بأن الرفاق قد يخونوا الأمانة و ينقلبوا على إخوانهم ، لقد آمن العقيد محمد الصالح يحياوي و هر رجل العسكر قبل أن يكون رجل السياسة بالتفاوض و الحوار الذي قد يفتح صفحة جديدة بين الخصوم، لاشك أن الذين اطلعوا على خطبه وقفوا على أنها كانت تهدف إلى تربية الفرد و تطويره، باعتبار أن التطوير سمة من سمات النجاح و التقدم خاصة إذا كان هذا التطوير مبني على أسس علمية و معادلات تحليلية قائمة على النظرة الشمولبة، لقد عمل العقيد محمد الصالح يحياوي كل ما في وسعه لكي يبني جيلا متماسكا ، يحمل كل الصفات التي تمكنه من تحقيق الهدف كالمرونة و النزاهة و التنظيم و العمل الجماعي، أي امتلاك مهارات القيادة.
"المراجعة لا التراجع" عند يحياوي مبدأ مقدس
هكذا كان العقيد محمد الصالح يحياوي الذي استطاع أن يمتلك مهارات القائد المحترف في الكلية العسكرية و يطبق مناهج علمية في بناء الأفراد، و ينمي فيهم حس الانضباط و الاستقامة، هي نفس المناهج التي طبقها و هو على رأس حزب جبهة التحرير الوطني، لكن كانت هناك كثير من العقبات التي كانت حجرة عثرة في تحقيق الهدف الذي تعهد به أمام المناضلين عندما أوكله بومدين مهمة تسيير شؤون الحزب، ربما و كما يقول محللون أن الحياة السياسية قائمة على التناقض و التطاحن بين الأيديولوجيات المختلفة و قائمة أيضا على المكر و الخداع لا مجال فيها للإنضباط و لا حتى للأخلاق، فالصراع على الزعامة داخل الحزب العتيد قاد إلى الفشل، لأن هناك أطرافا عملت على تلويث بيئته وتعكير صفوها فكانت النتيجة حدوث الإنسداد بين القاعدة و القمة مما أدّى إلى إجهاض كل مشروع، من هنا ندرك أن محمد الصالح يحياوي كان معارضا لسياسة الحزب و لما يحدث، و قد بلغت معارضته درجة أنه في الدورة الأخيرة للمجلس الوطني وصف الحزب بأنه أصبح بندقية خاوية بعد تبني بلخادم للمشاريع التي طرحها بوتفليقة المتماشية مع أطروحات أحمد أويحي .
و لذا كان كثيرا ما يردد عبارة "المراجعة لا التراجع"، لأنه كان أمام مسألة تتعلق بالقيادة يكون فيها ضبط للأفكار و السلوكات قبل اتخاذ أي قرار يتعلق بمصير الدولة و شعبها و هذه كانت مسؤولية وضعها الفقيد على عاتقه لكي يحقق التحول الديمقراطي المستدام ، يلاحظ أن محمد الصالح يحياوي كان يحرص اشد الحرص على العمل الديمقراطي و هو يحخاطب الشباب في المجلس الوطني لإتحد الشبيبة الجزائرية المنعقد في نوفمبر 1978 و بلغة المناضل الثوري يقول محمد الصالح يحياوي: " كثر هم الذين يتحدثون عن الثورة و هم لا يعرفونها لأنهم لا يمارسونها مع أنفسهم و كثيرا هم الذين يتكلمون عن الوطن و الوطنية و لكن الرابطة الوحدة لهم بهذا الوطن هي البطاقة الشخصية" ، ثم يضيف بالقول: " إن الحرية الديمقراطية ليست أهدافا في حدّ ذاتها و إنما هي وسيلة و سلاح فقي خدمة الثورة و أهدافها و خدمة مطامح الجماهير.
لقد كان مسعاه يحتاج إلى تخطيط و وضع اسس التربية السياسية و التمرس بالنضال الميداني و طرح الموضوعات الحقيقة بجدية والخروج منها بأفكار جديدة و برامج تكون مرجعا شريطة أن يتم هذا وفق منهج عملي و بروح من المسؤولية وتجنب الحساسيات الشخصية، و ممارسة النقد و الحث على النقد الذاتي، بمعنى أنه لا يجب عليه أن يتغنى بالإيجابيات و بغض الطرف عن السلبيات لأنه بهذه الطريقة يغلط الأجيال بل يخدعها، فنحن هنا أمام قضية تتعلق ببناء الأفراد أو بناء الإنسان كما قال في ذلك مالك بن نبي، لأن الأمم و الشعوب تصب كل اهتمامها على بناء الأفراد و الإستثمار فيهم، و هذا هو رأس الرمح لكل نجاح، نلمس ذلك في الرؤية التي عرضها خلال انعقاد المؤتمر الرابع للحزب و مؤتمر هواري بومدبن في 06 جانفي 1979 ، عندما قدم تقريرا مفصلا، وضع فيه تصورا واضحا لإعطاء دور الحزب في قيادة مسيرة الثورة و يثري مفهوم اللامركزية و تلبية احتياجات الجماهير و النهوض بالمسؤوليات في إطار التماسك الجماعي والثقة المتبادلة من أجل إرساء أسس متينة لحزب طلائعي يستمد قوته من قوة و انضباط مناضليه.
ويمكن أن نلاحظ أن العقيد محمد الصالح يحياوي في كل خطبه كان يستخدم مفاهيم و مصطلحات مثل: التطوير، التشاركية، التقدمية، الثورة، الديمقراطية، الحوار الديمقراطي، الوحدةـ التعبئة، الطاقة الثورية، البناء المنظماتي، الجماهير الشعبية، كلاهذه المفاهيم و المصطلحات نجدها اليوم قد اختفت من القاموس السياسي لحزب جبهة التحرير الوطني ، كانت خطب العقيد في افتتاحياته التي كان يكتبها لمجلة الوحدة لسان حال اتحاد الشبيبة الجزارية تعبر عن الحيوية و النزاهة و الصدق النصالي، و هذا يؤكد أن للرجل تجربة نضالية عميقة حققت عامل الشمولية و الإستمرار في الإتصال المباشر مع الجماهير، و في الأخير ماذا يمكن نقول في هذا الرجل؟ فالكلمات وحدها لا تكفي في إعطاء الرجال حقهم ، لأن الرجال وحدهم فقط الذين يصنعون التاريخ، يبنون الأمم و يصعدون بها إلى القمم، الموت عندهم شرف لأنهم يدافعون عن قضية جوهرية، أما البقية فهم عاجزون عن تحرير عقولهم ، و عاجزون على الخروج من دائرة التبعية، إن الدولة التي لا تقدر قيمة رجالها لا تستطيع بناء حضارة، لأن الحضارة يصنعها الرجال.
علجية عيش
لقد كان العقيد محمد الصالح يحياوي ضحية انضباطه في حزب جيهة التحرير الوطني منذ أيام الثورة إلى غاية الإنقلاب عليه، فقد اتسم الصراع من أجل الزعامة بتزاحم "الأقنعة" بحيث تجد شخصا بعشرين شخصية و عشرين قناعا و كل تلك الأقنعة جاهزة لممارسة دورها متى ما تطلب الموقف و استدعت الحالة ، لدرجة أنه يخيل إليك أنك تتعامل مع شخصيات في شخصية واحدة، يقومون بادوار مصطنعة يصعب إصدار أحكام حولها، حسب شهادات من عايشوه لم يكن الفقيد بهذه الأوصاف لأنه تربى على الإنضباط داخل الجيش الوطني الشعبي الذي لم يكن جيش ثكنات و رتب و آلقاب بل كان مدرسة لتكوين الأجيال الصاعدة و تأطيرها و تغذيتها بإيديولوجية الثورة
رغم وجود اتفاق بين القادة المدنيين والعسكريين على مفهوم القيادة ، إلا أن مفهوم القيادة في المؤسسة العسكرية يختلف عن مفهومها في الأحزاب السياسية بحيث تتميز القيادة داخل المؤسسة العسكرية بعناصر أساسية أهمها الإضباط و التخطيط و هذان العنصران مبنيان على التعاون والتكامل، ، التنظيم ، التوجيه ، الرقابة والاستفادة المتبادلة بين القيادات التي اكتسبة تجربة في الميدان و تقلدوا مناصب عليا في الخدمة العسكرية و المدنية و هذا يعني أن الخدمة المدنية و العسكرية وجهان لعملة واحدة، و الإدارة ماهي إلا عبارة عن مؤسسة يديرها اشخاص سواء كانوا مدنيين أو عسكريين ، و هي بالتالي تعد قوة من قوى الدولة في مختلف مجالاتها ، فمن الصعوبة بمكان أن يدير شخص واحد مهام عديدة مدنية و عسكرية إلا إذا كان يتمتع بقدرات و كفاءة عالية المستوى، و لعل العقيد محمد الصالح يحياوي واحد من هاته الشخصيات القيادية التي لعبت دورا جليا في بناء الرجال سواء داخل اتحاد الشبيبة الجزائرية و أكاديمية الأسلحة بشرشال، هو ذاك إذا الرجل الذي وضع استراتيجية طويلة المدى خاض فيها معركة بناء الرجال و دافع بقوة وقناعة وعزيمة عن مشروعه، هذا يعني ان محمد الصالح يحياوي أدرك أن مفهوم القيادة يحتاج إلى توفر تلك الشروط و العناصر التي سبق ذكرها ، فبكون الإنضباط و التخطيط ، و بدون هذين العنصرين لا يمكن تحقيق أي هدف من الأهداف المرجوة.
الإنضباط قاعدة اساسية لنجاح كل مشروع
إن مفهوم الإنضباط كما يعرفه الخبراء العسكريون يعني مسك الأمر أو الشيء والمحاولة في السيطرة عليه، وإخضاعه ضمن القوانين الملزمة و الالتزام بها، أما المقصود بكلمة الانضباط تربويًا فهي تعني التزام الفئات والأشخاص بالقواعد والقوانين والقرارات والضوابط التي يضعها المسؤول وهو مجموعة من الأحكام والقواعد والقوانين التي يُلزم على الفرد التحلي بها، تجنبا للمشاكل التي يمكن حدوثها ، ف لأشخاص الملتزمون هم أشخاص تربوا على ذلك منذ الصغر، حتى أصبح عادة لهم و لا يختلف غثنان أن العقيد محمد الصالح يحياوي واحد منهم و لذلك كان يسعى إلى تنشئة جيل منضبط ، فثقافته العسكرية كونت عنده خميرة من الفكر العسكري و ما يحمله من ثوابت عسكرية التيس تمتاز بالديمومة، لقد اختلف المفكرون حول دور الفرد في التاريخ فمنهم من قال بأن المناخ و الأجواء و اللحظات التاريخية هي التي تخلق الفرد التاريخي و منهم من قال بأن الفرد هو الذي يخلق الظروف و منهم من رأى أن الزعيم يجب أن ينبري ليكون زعيما و لا زعامة تخلقها الظروف و الأحداث، لقدد أعطى العقيد محمد الصالح يحياوي أهمية للمؤسسة العسكرية و هو يشرف على تدريب الشباب، كما أعطى أهمية للتنظيمات الشبانية و النسوية لتكوينهما فكان له فكر عسكري و سياسي في آنٍ واحدٍ، استخدم أساليبهما بشكل عقلاني، إلا أن الفكر البيروقراطي الذي زرعه عملاء فرنسا كان الأغلب، حينما اندسوا داخل الأحزاب السياسية، وكانوا سببا في تغير المفاهيم و الأحداث و القرارات و الأفعال أيضا.
كانت هناك جهات خارجية تخطط و تفرض تعليمات و توجيهات تنفذها أطراف من الداخل لإفشال المشروع النهضوي للمجتمع الجزائري، لكن و كما يقول المثل: " تجري الرياح بما لا تشتهيه السفن" ، هل كان العقيد محمد الصالح يحياوي على دراية بما يخطط من وراء ظهره و ما يجري ؟ فعندما تكون حبة فاكهة فاسدة داخل صندوق فيه كمية كبيرة من الفواكه الصالحة تتعرض كلها للفساد و التلف و المؤسسة العسكرية أو الحزب السياسي صندوق به عناصر صالحة لكنها كانت ضحية غفلة ثقة، لأنه لم يكن لها أدنى شك بأن الرفاق قد يخونوا الأمانة و ينقلبوا على إخوانهم ، لقد آمن العقيد محمد الصالح يحياوي و هر رجل العسكر قبل أن يكون رجل السياسة بالتفاوض و الحوار الذي قد يفتح صفحة جديدة بين الخصوم، لاشك أن الذين اطلعوا على خطبه وقفوا على أنها كانت تهدف إلى تربية الفرد و تطويره، باعتبار أن التطوير سمة من سمات النجاح و التقدم خاصة إذا كان هذا التطوير مبني على أسس علمية و معادلات تحليلية قائمة على النظرة الشمولبة، لقد عمل العقيد محمد الصالح يحياوي كل ما في وسعه لكي يبني جيلا متماسكا ، يحمل كل الصفات التي تمكنه من تحقيق الهدف كالمرونة و النزاهة و التنظيم و العمل الجماعي، أي امتلاك مهارات القيادة.
"المراجعة لا التراجع" عند يحياوي مبدأ مقدس
هكذا كان العقيد محمد الصالح يحياوي الذي استطاع أن يمتلك مهارات القائد المحترف في الكلية العسكرية و يطبق مناهج علمية في بناء الأفراد، و ينمي فيهم حس الانضباط و الاستقامة، هي نفس المناهج التي طبقها و هو على رأس حزب جبهة التحرير الوطني، لكن كانت هناك كثير من العقبات التي كانت حجرة عثرة في تحقيق الهدف الذي تعهد به أمام المناضلين عندما أوكله بومدين مهمة تسيير شؤون الحزب، ربما و كما يقول محللون أن الحياة السياسية قائمة على التناقض و التطاحن بين الأيديولوجيات المختلفة و قائمة أيضا على المكر و الخداع لا مجال فيها للإنضباط و لا حتى للأخلاق، فالصراع على الزعامة داخل الحزب العتيد قاد إلى الفشل، لأن هناك أطرافا عملت على تلويث بيئته وتعكير صفوها فكانت النتيجة حدوث الإنسداد بين القاعدة و القمة مما أدّى إلى إجهاض كل مشروع، من هنا ندرك أن محمد الصالح يحياوي كان معارضا لسياسة الحزب و لما يحدث، و قد بلغت معارضته درجة أنه في الدورة الأخيرة للمجلس الوطني وصف الحزب بأنه أصبح بندقية خاوية بعد تبني بلخادم للمشاريع التي طرحها بوتفليقة المتماشية مع أطروحات أحمد أويحي .
و لذا كان كثيرا ما يردد عبارة "المراجعة لا التراجع"، لأنه كان أمام مسألة تتعلق بالقيادة يكون فيها ضبط للأفكار و السلوكات قبل اتخاذ أي قرار يتعلق بمصير الدولة و شعبها و هذه كانت مسؤولية وضعها الفقيد على عاتقه لكي يحقق التحول الديمقراطي المستدام ، يلاحظ أن محمد الصالح يحياوي كان يحرص اشد الحرص على العمل الديمقراطي و هو يحخاطب الشباب في المجلس الوطني لإتحد الشبيبة الجزائرية المنعقد في نوفمبر 1978 و بلغة المناضل الثوري يقول محمد الصالح يحياوي: " كثر هم الذين يتحدثون عن الثورة و هم لا يعرفونها لأنهم لا يمارسونها مع أنفسهم و كثيرا هم الذين يتكلمون عن الوطن و الوطنية و لكن الرابطة الوحدة لهم بهذا الوطن هي البطاقة الشخصية" ، ثم يضيف بالقول: " إن الحرية الديمقراطية ليست أهدافا في حدّ ذاتها و إنما هي وسيلة و سلاح فقي خدمة الثورة و أهدافها و خدمة مطامح الجماهير.
لقد كان مسعاه يحتاج إلى تخطيط و وضع اسس التربية السياسية و التمرس بالنضال الميداني و طرح الموضوعات الحقيقة بجدية والخروج منها بأفكار جديدة و برامج تكون مرجعا شريطة أن يتم هذا وفق منهج عملي و بروح من المسؤولية وتجنب الحساسيات الشخصية، و ممارسة النقد و الحث على النقد الذاتي، بمعنى أنه لا يجب عليه أن يتغنى بالإيجابيات و بغض الطرف عن السلبيات لأنه بهذه الطريقة يغلط الأجيال بل يخدعها، فنحن هنا أمام قضية تتعلق ببناء الأفراد أو بناء الإنسان كما قال في ذلك مالك بن نبي، لأن الأمم و الشعوب تصب كل اهتمامها على بناء الأفراد و الإستثمار فيهم، و هذا هو رأس الرمح لكل نجاح، نلمس ذلك في الرؤية التي عرضها خلال انعقاد المؤتمر الرابع للحزب و مؤتمر هواري بومدبن في 06 جانفي 1979 ، عندما قدم تقريرا مفصلا، وضع فيه تصورا واضحا لإعطاء دور الحزب في قيادة مسيرة الثورة و يثري مفهوم اللامركزية و تلبية احتياجات الجماهير و النهوض بالمسؤوليات في إطار التماسك الجماعي والثقة المتبادلة من أجل إرساء أسس متينة لحزب طلائعي يستمد قوته من قوة و انضباط مناضليه.
ويمكن أن نلاحظ أن العقيد محمد الصالح يحياوي في كل خطبه كان يستخدم مفاهيم و مصطلحات مثل: التطوير، التشاركية، التقدمية، الثورة، الديمقراطية، الحوار الديمقراطي، الوحدةـ التعبئة، الطاقة الثورية، البناء المنظماتي، الجماهير الشعبية، كلاهذه المفاهيم و المصطلحات نجدها اليوم قد اختفت من القاموس السياسي لحزب جبهة التحرير الوطني ، كانت خطب العقيد في افتتاحياته التي كان يكتبها لمجلة الوحدة لسان حال اتحاد الشبيبة الجزارية تعبر عن الحيوية و النزاهة و الصدق النصالي، و هذا يؤكد أن للرجل تجربة نضالية عميقة حققت عامل الشمولية و الإستمرار في الإتصال المباشر مع الجماهير، و في الأخير ماذا يمكن نقول في هذا الرجل؟ فالكلمات وحدها لا تكفي في إعطاء الرجال حقهم ، لأن الرجال وحدهم فقط الذين يصنعون التاريخ، يبنون الأمم و يصعدون بها إلى القمم، الموت عندهم شرف لأنهم يدافعون عن قضية جوهرية، أما البقية فهم عاجزون عن تحرير عقولهم ، و عاجزون على الخروج من دائرة التبعية، إن الدولة التي لا تقدر قيمة رجالها لا تستطيع بناء حضارة، لأن الحضارة يصنعها الرجال.
علجية عيش
