هل صحيح أن السياسة هي فن الوصول وأن الأمة لا تنهض إلا بالسياسة؟
هل كل المشكلات التي يغرق فيها المجتمع هي من صنع الإنسان؟ أن أن الظروف التي أوجدتها؟ فكل المشكلات تحولت إلى قضية و أعطيت لها صبغة سياسية، أصبحنا ننهض على قضية و نبيت على أخرى بسبب التناقضات و الإختلاف في الأفكار، ننهض باكرا نشعل التلفزيون لسماع الأخبار و معرفة الأحداث، فالناس مختلفون في كل شيئ حتى في تركيبتهم البيولوجية وهذه سُنَّة الله في خلقه، كما أن كل فرد تعزيه أفكار يأخذها من تجربته في الحياة و هذه الأفكار قد يتخذ منها موقفا، يتحول هذا الموقف إلى قيمة يرتكز عليها في حياته اليومية، هناك قواعد في الحياة و مبادئ نؤمن بها نحن قد لا يؤمن بها الآخر و العكس، إلا أن هناك مشكلات يبتدعها الإنسان، أردت القو أن هناك مشكلات تبتكرها سخافة المرء التي نحتت تمثالا تعبده ،صنعت له حضارة المظاهر السخيفة فتعلق بالقشور الخارجية و أهمل كل ما عزيز في جوهره.
حياتنا تحولت إلى مفاهيم نقرأ عنها هنا و هناك، و تجدنا نتساءل من وَضَعَ هذه المفاهيم؟ ( النجاح و الفشل، السعادة و الألم، الحبُّ و الكراهية، السلم و الحرب، التخلف و الحضارة، الجهل و المعرف، التكبر و التواضع، الظلم و العدل، العنف و التطرف، الحرية و العبودية، التغيير و التجديد، النور و الظلامية و غيرها من الألفاظ و المعاني) فكل كلمة لها نقيضها، و كل كلمة قد تفسر من جوانب مختلفة حسب السياق التي تكون فيه، من أجل تحديد هدف ما، هدف تغييري لِوَضْعٍ ما، في كل هذا و ذاك تجدنا نبحث عن المفاهيم التي تحمل قيما إنسانية، و نترك القيم الغير إنسانية ( الوحشية) جانبا، بل نسعى إلى إزالتها قبل أن تتحول إلى قضية دولية ( الإرهاب مثلا).
فكل النشاط الذي يقوم به الإنسان هو من أجل هدف اي من أجل بناء المستقبل، هذا المستقبل الذي تحول إلى هاجس يؤرق حياة الأفراد، فنجدهم يلهثون وراءه لتحقيقه، ألا يجدر بنا هنا أن نتساءل ماهو المستقبل؟ هل المستقبل أن يكون لنا مسكن و وظيفة و سيارة و مبلغ مالي في حساب بنكي؟ هل المستقبل يعني الزواج، أي أن تكون لك زوجة و أولاد؟، هل المستقبل هو الوصول إلى مستوى علمي عالي والحصول شهادات جامعية؟ و هل المستقبل هو أن تكون شخصية مرموقة ( فنان مشهورا تصفق لها الجماهير، أو كاتبا معروفا يكون لك قراء، أو وزيرا أو زعيما سياسيا يهابك الجميع، أو حاكما لك سلطة القرار و التحكم في مصير الآخر، تتكلم عنك الصحف و تنشر صورك في الصفحات الأولى و يظل اسمك تردده الألسن حتى بعد مماتك؟ هناك عظماء منسيون طواهم النسيان و لم يعد أحد يذكر اسمهم أو يطلع على سيرتهم.
كل فرد يستطيع تحقيق الأشياء التي يطمح إلي تحقيقها و إن يوجد الملايين من الناس من لا يتمكنون من تحقيق أمر كهذا، فهل نجردهم من حقهم في الحياة و نجعلهم منبوذون؟ لا نتحدث هنا عن الكسالى الفاشلين، و إنما عن الذين خانهم الحظ في تحقيق ذاتهم، نتحدث عن ذلك الذي كافح و لكنه لم يجن ثمار كفاحه ، لأن جهده سُرِقَ منه و حقه انتزع منه غصبا لأنه يعيش في مجتمع فاسد، حوّله من سيد إلى مسود، يراه الناس صغيرا و يعتقدون أنه سيظل صغيرا و لن يكبر، هم وحدهم الكبار ، ففقد القيمة التي كان يؤمن بها، تلك القيمة التي كانت نبراسا في حياته، بل كفر بها، لأن الأنانية و الإنتهازية و اللامساواة سادت بين الناس و أصبح المال هو الذي يحدد قيمة الإنسان كإنسان، بل المال هو من يصنع الإنسان في زمن اتسم بالرداءة، لا ننكر ان المال ضروري لكنه وسيلة للعيش وليس غاية.
يقال أن السياسة هي فنّ الوصول ، و لذا نجد الكثير من الناس تؤسس أحزابا و آخرون ينخرطون فيها ، كما يقال أنّ الأمّة لا تنهض إلا على السياسة، أما الحضارة فهي عكس ذلك، الحضارة تقوم على اساس الخدمة و أداء الواجب، بدءًا من الحاكم إلى المحكوم، والحاكم من الحكمة و الإنسان الحكيم هو الذي يتجاوز شهوته و يحولها إلى فضائل، لا نقصد بالشهوة تلك التي تخص الجنس البشري، بل شهوة الكذب و شهوة التسلط و شهوة التكفير والتقتيل و...و...والخ ، و الإنسان الحكيم وحده يحول هذه الشهوات إلى فضائل، فيترفع عن أنانيته و حبه لذاته و يجعل مصلحته لا تتعارض مع مصلحة الآخر، و بذلك نكون قد حققتنا قيمتنا الإنسانية و وصلنا إلى مستوى الحضارة التي حلم بها الفلاسفة عبر كل العصور.
علجية عيش