الإنسان بإنسانيته وحده القادر على تغيير السلب إلى إيجاب، و الأسود إلى أبيض، و الكراهية إلى محبة، الباطل إلى حق، و تحويل الشرّ إلى خير، و القبح إلى جمال و التحول من الانغلاق إلى الانفتاح، و الانفصال إلى تواصل و ما إلى ذلك، و قد تكلم العديد من المفكرين و الفلاسفة عن آدمية الإنسان، أي "الثنائية الذكرية و الأنثوية"، فإذا حدث انفصال بين الزوجين مثلا، فهذا يدل على أنهما غير متكاملان من ناحية الوعي، أو أن ثنائية الوظيفة الجسدية و النفسية لكل منهما غير متكاملة حتى لو أنجبا أطفالا..، فوجود الإنسان في هذا الكون ليس من أجل تحقيق رغباته البيولوجية ، لأن الحيوان يقوم بها أيضا و يحقق دوافعه البيولوجية و إنما إحداث السكينة
يعرف بعض المفكرين و الفلاسفة "الآدمية" بأنها "ثنائية المرأة و الرجل والعلاقة القائمة بينهما، و تقوم هذه العلاقة على مبدأ أو قاعدة تحقق إنسانيتهما، لأن كل علاقة تقوم على بُعْدٍ واحد أو مستوى واحد تكون ناقصة، و فعلى سبيل المثال أشار المفكرون إلى رؤية الرجل لجسد المرأة دون روحها النقية، وعدم رؤيته لهذه الروح قد تقوده إلى الانحراف، عكس المرأة، فهي عندما تتعلق بالرجل فهي تنظر إليه شيئا كاملا متكاملا ( جسدا و روحا) و إذا فكر الإنسان بهذه الطريقة، و جعلها مقياسا أو قاعدة في حياته، فهو لا محالة سيعجز عن تحقيق آدميته، فقد يكتشف الطرف الأول أنه لا يستطيع تحقيق الاستمرارية مع الطرف الآخر، و لذا يبحث عن الشيء الذي يفتقده، و هذه حالات نفسية، يسميها علماء النفس بـ: ــ le retour d’âge، قد يكون السبب في عجز الطرف الثاني (المرأة) في الاحتفاظ بهذه العلاقة، لأن الأسرة في المجتمعات المحافظة ( حتى لا نقول الجاهلة) لا تلقن أبناءها مبادئ العلاقة بين المرأة و الرجل، أو ما يمكن اصطلاحها بـ: "التربية الجنسية" و تعتبرها من "الطابوهات"، و يبقى الرجل أو المرأة أسيرا العائلة و يتقيدان بأوامرهما حتى في فترة الزواج، و يعجزان عن مواجهة الحياة و حل مشاكلهما الزوجية دون تدخل الأسرة، لأن الأسرة لم ترب أبناءها على مواجهة الحياة و قساوتها، طبعا لا يعني هذا الكلام معالجة هذه المشكلات بشيئ من الوقاحة، فالأم مكلفة بتنوير ابنتها و تثقيفها و الأب كذلك ، حيث تتم الأمورفي الأطر الأخلاقية و النظامية دون خروج عن الخطوط الحمراء.
يحدث هذا في المجتمعات العربية و الإسلامية ( الجزائر نموذجا) قبل ظهور الإنترنت و انتشار مواقع التواصل الاجتماعي، حيث جعلت من "السياط" الأداة في عملبة التربية ، و لم تفتح لهم مجالا للحوار، فجعلت منهم شخصية معقدة و منطوية على نفسها، لدرجة أن الفتاة لا تستطيع أن تعبر عن مشاعرها تجاه الرجل، و تخجل من أن ترفض رجل اختارته لها العائلة كزوج، و تخبرهم بأنها تحب شخصا آخر، حتى بعض الزوجات تجد نفسها عاجزة عن الدفاع عن نفسها أمام زوجها، هذا الزوج الذي يرى أن زوجته هي مجرد آلة لإنجاب الأطفال ، و لم تجبهم له يعتقد أن مدة صلاحياتها انتهت، لأنها كرست وقتها لتربية أبنائها و لم تعد تهتم به و تمنحه حقوقه ، فتجده يبحث عن أخرى قد تكون زوجة ثانية، أو "خليلة/ عشيقة" يربط معها علاقة في السرّ، لدرجة أن اصواتا ارتفعت لإجبار الزوج و الزوجة على الإختيار بين تعدد الزوجات أم تعدد العشيقات؟ و على كل من الزوج و الزوجة أن يختار، و بخاصة الزوجة التي أحيانا تجد نفسها لها قابلية القبول بأن تقاسمها ضرّة زوجها على أن يسلك زوجها طريق الحرام و العياذ بالله، طالم هي عاجزة عن أداء واجباتها كزوجة، سؤال طرحه علماء النفس التربوي و هو: هل تسهم التربية في تكامل الرجل و المرأة؟ وكان الجواب أن الوعي الإنساني وحده هو الذي يحقق هذا التكامل.
و الحق أن كلمة "آدم" لا تتضمن معنى الرجل دون المرأة أو الذكر دون الأنثى، لأنها ثم فرق بين الرجولة و الذكورة، بقدر ما تعني الجنس البشري، أي الإنسان الواحد في الزمكان و لما كان الجنس البشري منذ نشأته ذكرا و أنثى، فيمكن القول أن الرجل آدم و المرأة آدم ، الرجل إنسان و المرأة إنسان، و ليست إنسانة، و لذا تضفي صفة الآدمية على الرجل و المرأة معا، و هو ما أشار إليه الأديب السوري ندرة اليازجي في دراساته عن حضارة البؤس تطرق فيها إلى"الظاهرة الإنسانية"، و قال أن صفة "الآدمية ليست صفة ذكرية، إنما الرجل و المرأة بقطبيه ، من هنا أصبح الحديث عن "الذكورة" غير مجدي في عصرنا الحالي، طالما المجتمع مركب من رجل و امرأة، و لم يعد للعقلية البدائية وجود، تلك العقلية التي تتشاءم من ولادة الأنثى، ففي أحوال كثيرة نجد الرجل عندما تلد زوجته بنتا يقال عنه "زوجته أنجبت له قنبلة" و هذه حالات تحدث في المجتمع الجزائري، و وصلت إلى حد الطلاق عند بعض الأسر التي عجزت عن رسم صورة للإنسان المتكامل، و ظنت أن إنجاب البنات من مهام المرأة، و المرأة التي لا تلد ذكرا مغضوب عليها، فهذه الأسر لا تعي أن المرأة و الرجل يشتركان في "الآدمية " و في "الإنسانية"، لأن صفة آدم ليست صفة ذكرية بل إنسانية، لكن أن تخرج الآدمية عن خطها الأحمر مثلما ما نقرأ عنه اليوم في ( جمعية فيمن) فتلك هي الطامّة .
علجية عيش