تعريب فريق دار الأكاديمية للطباعة والنشر والتوزيع لملخص محاضرة قدمها الطبيب مصعب قاسم عزاوي باللغة الإنجليزية في مركز دار الأكاديمية الثقافي في لندن.
مما لا شك فيه أن ارتفاع ضغط الدم (HBP) يُعد أحد عوامل الخطر الرئيسية التي تؤدي إلى الإصابة بأمراض القلب والسكتة الدماغية والفشل الكلوي أو حتى فقدان البصر؛ كما يُعرف أيضاً باسم فرط التوتر الشرياني. ويُشار إلى ارتفاع ضغط الدم على أنه «القاتل الصامت»؛ ويرجع السبب وراء هذه التسمية إلى أن الغالبية من البشر قد لا يدركون أنهم مصابين بارتفاع ضغط الدم. لذلك، في هذه المحاضرة سنناقش العديد من الأساليب الطبيعية لعلاج ارتفاع ضغط الدم من خلال تناول أربعة مكونات رئيسية للإصابة بهذا المرض، وتتمثل في: التغذية السليمة، وممارسة التمارين الرياضية، وتناول المكملات الغذائية، ومدى الاستجابة للتوتر والضغط النفسي.
ويُقصد بضغط الدم قوة اندفاع الدم داخل الشرايين في جسم الإنسان. ويُقاس بوحدة الملليمتر باستخدام جهاز الضغط الزئبقي على أن تُسجل قراءتيْن لضغط الدم في هذا الجهاز: حيث تشير القراءة العليا إلى قياس ضغط الدم الانقباضي؛ وهذه القراءة هي التي تُقيم ضغط الدم أثناء انقباض عضلة القلب. في حين توضح القراءة السفلى قياس ضغط الدم أثناء انبساط عضلة القلب، وهي القراءة أو القياس المعني بتقييم ضغط الدم عند استرخاء عضلة القلب بين الضربة والأخرى. وجدير بالملاحظة أن كلا الرقميْن أو القياسيْن على نفس القدر من الأهمية لجسم الإنسان.
وتشير الأبحاث التي أُجريت حول هذا الموضوع، إلى أن الفئات العمرية فيما قبل سن 55 عاماً، يظهر لديها أن ضغط الدم الانبساطي (القراءة السفلى للضغط) يُعد مؤشر أكبر يوضح المخاطر المستقبلية المتعلقة باحتمالية الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية. في حين أنه بالنسبة للفئة العمرية للأشخاص بعد سن 55 عاماً، تمثل القراءة العليا لقياس ضغط الدم أو قياس ضغط الدم الانقباضي المؤشر الأساسي بشكل أكبر لتوقعات المخاطر المستقبلية للإصابة بالأمراض القلبية الوعائية.
وجدير بالملاحظة أن قياس ضغط الدم يُعتبر طبيعياً إذا كان القراءتان (العليا والسفلى) قد سجلتا 120/80؛ وهو ما يعني أنه إذا ما تراوح قياس ضغط الدم ما بين 120 إلى 139 لقياس ضغط الدم الانقباضي (القراءة العليا لضغط الدم) هذا من جانب، بينما من الجانب الآخر تراوح قياس ضغط الدم الانبساطي (القراءة السفلى لقياس ضغط الدم) ما بين 80 إلى 89، فإن هذا يعني أن الشخص في مرحلة ما قبل الإصابة بارتفاع ضغط الدم. في حين إذا كان قياس ضغط الدم لدى الشخص يشير إلى 140/90 أو أعلى من ذلك، فهذا يعني أن هذا الشخص مصاب فعلياً بمرض ارتفاع ضغط الدم.
ومن المهم أن نعرف أن أفضل طريقة لخفض معدلات ضغط الدم بشكل طبيعي في جسم الإنسان تتمثل في إنقاص الوزن؛ حيث قد أظهرت إحدى عشرة تجربة سريرية، أن فقدان كل كيلوغرام واحد من وزن الشخص قد نتج عنه تقليل قياس ضغط الدم الانقباضي وانخفاضه بنسبة 1.6 مليمتر في قراءات العداد الزئبقي، كما انخفض قياس ضغط الدم الانبساطي أيضاً بمقدار 1.1 مليمتر من الزئبق.
ومن ناحية أخرى، يمكن القول أن تكوين الجسم بشكل عام يوضح مقدار الدهون الموجودة في جسم الإنسان كما يوضح مقدار العضلات به. لذلك، فمن الناحية المثالية، يجب أن يحتوى جسم النساء على تركيبة دهون لا تتعدى مستوى 22، بينما عند الرجال يتعيَّن ألا تزيد تركيبة الدهون في أجسامهم عن 16.
ومن ذلك يتضح لنا أن أفضل الطرق لتقليل الوزن تتمثل في الحرص على التغذية السليمة وممارسة الرياضة؛ حيث أثبتت الدراسات أن الجمع بين التمارين الرياضية الخفيفة (الأيروبيك) بشكل يومي (من 40 دقيقة إلى ساعة واحدة يومياً) هذا من جانب، مع أداء تمارين القوة مثل رفع الأثقال الخفيفة (ثلاث مرات في الأسبوع) على الجانب الآخر، فإن ذلك من شأنه أن يقلل معدلات ضغط الدم في جسم الإنسان بمقدار 10 إلى 15 ملم من الزئبق في مؤشر ضغط الدم الأعلى (ضغط الدم الانقباضي) وكذلك يخفض من 5 إلى 10 ملم من الزئبق في مؤشر قياس ضغط الدم السفلي (ضغط الدم الانبساطي).
ومن الأهمية بمكان الإلمام بفوائد ممارسة التمارين الرياضية؛ حيث أنها تزيد من كتلة العضلات الضعيفة وتحرق السعرات الحرارية وتقلل من وزن الإنسان، وهو الأمر الذي يؤدي بدوره إلى التقليل من معدلات ضغط الدم. بل علاوة على ما تقدم، فإن ممارسة التمارين الرياضية يعمل أيضاً على خفض نسب الدهون الثلاثية وسكر الدم والكوليسترول الضار أو كوليسترول البروتين الدهني منخفض الكثافة(LDL) . ومنْ ثَمَّ، فهي تعود بفوائد صحية جمة لا حصر لها على جسم الإنسان. وعلاوة على ذلك، فإن ممارسة الرياضة البدنية لها تأثير هائل على المستوى العقلي للشخص؛ حيث أنها تعمل بشكل كبير على الحد من شكاوى الشعور بالاكتئاب أو القلق.
ويجب مراعاة أن تناول فنجان واحد من القهوة في اليوم – حيث يحتوى فنجان القوة على ما يقرب من 100 مللي جرام من الكافيين – وهو ما يُعد الحد الأقصى الذي يمكن أن يتناوله الشخص حال إذا ما كان يرغب في خفض معدلات ضغط دمه. ومن ناحية أخرى، يُشكل الشاي الأخضر العضوي خياراً أفضل بكثير؛ وذلك لأن الكوب الواحد من الشاي الأخضر يحتوي على 20 مللي جرام فقط من الكافيين .
في حين أنه من ناحية أخرى يُشكل الصوديوم أو الملح إحدى المشكلات الجوهرية فيما يتعلق بالمعيار العالمي للنظام الغذائي في العديد من الدول حول العالم؛ حيث يسجل معدلات الاستهلاك الطبيعية للفرد في دول العالم الغربي ما يقرب من 5000 مللي جرام من الصوديوم في اليوم الواحد، بينما لا يحتاج جسم الإنسان إلا إلى 500 مللي جرام فقط من الملح يومياً. كما أنه توجد علاقة مباشرة وواضحة بين زيادة استهلاك الفرد من الصوديوم وبين وارتفاع ضغط الدم.
لذلك، من المهم الإحاطة بأن الملح في عادة الأمر يُضاف بشكل مفرط في الأطعمة المعلبة أو الجاهزة المغلفة؛ حيث أنه من المعروف أن الملح يُستخدم كمادة حافظة مثالية لهذه الأطعمة. ومثال آخر، يجب الأخذ بعين الاعتبار أن كل صنف تقريباً في قائمة الطعام المعروضة بأي مطعم قد تذهب إليه تحتوي أيضاً على نسبة «مخفية»، أو قد لا تنتبه لها من الملح. وهكذا، عليك التحقق من محتوى الصوديوم على الملصق الخاص بأي أطعمة معلبة أو مغلفة قبل أن تشتريها، وحاول جاهداً أن تحرص على ألا يزيد محتوى الصوديوم أو الملح الذي تستهلكه يومياً عن 1500 مللي جرام.
ومن العناصر الطبيعية التي تساعد الإنسان على المحافظة على المعدل الطبيعي لضغط الدم، نجد أن الثوم يعمل على خفض ضغط الدم في الجسم؛ حيث حال إذا ما تناول الشخص أربع فصوص من الثوم الطازج كل يوم، فإن ذلك من شأنه أن يقلل قياس ضغط الدم الانقباضي بمقدار 10 نقاط، أو يمكن الحصول على نفس فائدة أربعة فصوص من الثوم الطازج يومياً في حالة تناول 900 مللي جرام من مستخلص الثوم المعتق.
كما أنه من المفيد استهلاك حوالي ثلاثة جرامات في اليوم من عشب الواكامي المجفف عالي الجودة (عشب الواكامي عبارة عن نوع من أنواع الأعشاب البحرية التي يجرى جمعها من سواحل اليابان والصين وكوريا)؛ حيث أن هذه الأعشاب البحرية تعمل على تقليل معدل ضغط الدم بمقدار 14 ملم من الزئبق لقياس القراءة العليا لضغط الدم (ضغط الدم الانقباضي).
ومثال آخر على العناصر الطبيعية المساعدة، من الممكن حال أن شرب الشخص ما يعادل 30 غراماً من بروتين مصل اللبن القابل للتحلل في الماء في شكل عصير بصفة يومية (بروتين مصل اللبن أوWhey protein هو خليط من البروتينات الكروية المفصولة عن مصل اللبن)، فإن ذلك من شأنه أن يقلل معدل ضغط الدم الانقباضي بمقدار 11 نقطة.
كما أثبتت الدراسات في نفس السياق أن مادة الليكوپين وهي العنصر النشط في ثمرة الطماطم والتي تُعد مادة مضادة للأكسدة أيضاً من شأنها أن تخفض من ضغط الدم في جسم الإنسان، لذلك عليك أن تستمتع بتناول بعض من الطماطم الطازجة أو الاستعانة بمكمل غذائي لمادة الليكوپين.
بالإضافة إلى أن عنصر المغنيسيوم - الذي يحتاجه الإنسان من أجل وظائف العظام والقلب والأمعاء – يُعتبر معدن من السهل الحصول عليه عن طريق الحرص على تناول الخضروات الورقية ذات اللون الأخضر، إلا أنه في واقع الأمر تشير الأبحاث إلى أن غالبية البالغين في دول العالم الغربي لا يستهلكون إلا كميات أقل من المقدار اليومي الموصى به من أجل صحة الإنسان.
وثمة علاقة بين عنصر المغنيسيوم وضغط الدم؛ حيث أن الأبحاث في هذا المجال قد توصلت إلى أن انخفاض مستوى المغنيسيوم داخل خلايا جسم الإنسان أو نقص عنصر المغنيسيوم في خلايا الدم الحمراء من شأنه أن يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم. لذلك، فإن تزويد نظامك الغذائي اليومي بعنصر المغنيسيوم الذي يحتاجه جسمك، من شأنه أن يؤدي إلى تقليل قياس ضغط الدم خمسة ملليمترات من الزئبق في مؤشر قراءة ضغط الدم الأعلى (ضغط الدم الانقباضي) وكذلك ما يقرب من 3 ملليمترات من الزئبق في مؤشر قراءة ضغط الدم السفلي (ضغط الدم الانبساطي).
لذلك، إذا ما قررت الاستعانة بالمكملات الغذائية من أجل تزويد جسمك بعنصر المغنيسيوم، فيوجد ثلاثة مستحضرات مفيدة: المغنيسيوم المخلّب أو المخلبي (chelated magnesium)، و أسبرتات المغنيسيوم (magnesium aspartate)، وجليسينات المغنيسيوم (magnesium glycinete). حيث يمكن للشخص أن يتناول ما يقدر بحوالي 500 مللي جرام كل يوم من أيٍ من هذه المستحضرات. ولكن من ناحية أخرى، يرجى أن تتذكر جيداً أن الأشخاص الذين يعانون من مشاكل صحية في الكلى يتعين عليهم ألا يأخذوا عنصر المغنيسيوم من دون استشارة الطبيب بشكل مسبق.
وتوجد ثمة علاقة أخرى بين انخفاض مستويات فيتامين (د) وبين ارتفاع ضغط الدم؛ حيث يرتفع ضغط الدم لدى الأشخاص الذين يعانون من نقص في فيتامين (د). كما أثبتت الدراسات أن تناول المكملات الغذائية الغنية بفيتامين (د) - وذلك سواء كان الشخص يعاني فعلياً من نقص هذا الفيتامين أم لا – من شأنه أن يقلل من مستويات ضغط الدم في الجسم، وأجريت هذه الدراسة على كل من الحيوانات ثم تلى ذلك البشر (سواء الرجال أو النساء على حد سواء) وأثبتت فاعليتها.
ولقد أظهرت الأبحاث في هذا المجال أن حال تناول المرضى الذين يعانون من نقصٍ في فيتامين (د) للمكملات الغذائية الغنية بفيتامين (د)، فإن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى انخفاض قياس ضغط الدم لدى هؤلاء الأشخاص بما يعادل 13 نقطة في المؤشر الأعلى الخاص بضغط الدم الانقباضي. وإضافة لما تقدم، من المهم الإشارة إلى أنه عندما يصل مستوى فيتامين (د) في الدم إلى ما هو فوق 55 نانو جرام لكل ملليلتر من الدم، فإن ذلك يمثل المقدار الأمثل للمحافظة على صحة القلب والأوعية الدموية، بل أن له كذلك فائدة إضافية تتمثل في أنه من الممكن أن يحمي ضد الإصابة بسرطان الثدي. وجدير بالذكر أن فيتامين (د) يتوافر في الصيدليات بسهولة ويمكن شراؤه من دون وصفة طبية، ويمكنك الاستعانة باستخدام تلك الأنواع التي تحتوي على 4000 وحدة دولية بشكل يومي. أما حال إذا ما كان قد شُخص لدى أحدهم معاناته من نقص فيتامين (د) في جسمه، فيمكنه أن يتناول جرعات أعلى من هذه المكملات الغذائية لتجديد مخزون فيتامين (د) في الكبد.
بالإضافة إلى ما سبق، فثمة نقص آخر يرتبط ارتباطاً وثيقاً بحدوث ارتفاع ضغط الدم في جسم الإنسان؛ حيث كلما حدث نقص في نسبة مساعد الإنزيم (CoQ10)، سيزداد معدل ضغط الدم في الجسم. لذلك، فلقد أظهرت الأبحاث أن تناول ما بين 200 إلى 400 مللي جرام من مساعد الإنزيم (CoQ10) كل يوم، من الممكن أن يقلل قياس ضغط الدم الانقباضي بمقدار 11 نقطة.
وجدير بالذكر أيضاً، بأن إضافة المزيد من الأطعمة التي تُعتبر غنية بالأوميجا 3، ومن ذلك على سبيل المثال: الأسماك - مع مراعاة استهلاكها بشكل معتدل - وكذلك استخدام زيت السمك الذي جرى تنقيته من المعادن الثقيلة التي قد تكون قد لوثت أعضاء تلك الأسماك هذا من جانب؛ بالإضافة إلى ضرورة أن تتخلص من الدهون المشبعة وتجنبها في غذائك تماماً وذلك على الجانب الآخر؛ فأن ذلك من شأنه أن يساعد أيضاً على خفض معدل ضغط الدم في الجسم. فلقد أظهرت الأبحاث المتعلقة بهذا الشأن أن تناول أربعة جرامات من الأوميجا 3 كل يوم، يمكن أن يؤدي إلى تقليل قياس قراءة ضغط الدم حوالي 4.5 نقطة بالنسبة لمؤشر قياس ضغط الدم الانقباضي وكذلك خفض 3.1 نقطة بالنسبة لقياس ضغط الدم الانبساطي .
وأخيراً، من الأهمية بمكان مراعاة أنه بالإضافة إلى اللجوء إلى المغذيات الدقيقة والمكملات الغذائية، يجب التعامل مع الضغوط التي تتعرض لها في حياتك بهدوء وعقلانية؛ وبهذه الطريقة من الممكن أن تجدي نفعاً في خفض معدلات ضغط الدم. حيث ما من شك أن الإجهاد والضغط يتسببا في ارتفاع ضغط الدم في جسم الإنسان. لذلك، في المرة القادمة التي تعاني فيها من التوتر أو الوقوع تحت ضغط، عليك أن تسارع باستنشاق نفس عميق وتتعامل مع الأمر بهدوء وعقلانية قدر الإمكان.