نبحث عن إستلهام القيم الفاضلة ممن حققوا ملامح رائعة منها على الأرض خلال زمن التوهج بالإلتزام الديني عند مطلع رسالة الإسلام، لذلك تجذبنا الكتب التي تتناول سيرة الخلفاء الراشدين.
لا أشبع من معاودة القراءة في سيرتهم، خاصة ما كتبه الكاتب الكبير "عباس محمود العقاد" في العبقريات الشهيرة.
صحيح أن الكثيرين من جيلي كانوا يهابون قراءة العبقريات عندما كنا ندرسها بالمرحلة الثانوية خلال فترة السبعينات من القرن الماضي. ربما كانت هذه الهيبة هي هيبة الكتاب المقررالذي يحرص التلميذ عبره على الوصول إلى أعلى درجات إعتاد أن يصل إليها بواسطة التلقين وليس الفهم.
ولقد كنت أعلن أمام زميلاتي في المدرسة عن إستمتاعي بعبقريات العقاد وتلهفي على إلتهام ما تتضمنه صفحاتها، فتنظر زميلاتي لبعضهن البعض ويضحكن وهن يعقبن بأن أحدا لم يفهم شيئا من العبقريات.
وبالفعل فإن من يقرأ في العبقريات من على السطح فإنه لن يفهم شيئا، بل من الوارد أن يشعر بالملل بسبب ما يبدو كأنه إصرار من العقاد على الإنتصار لعبقرية فرد هو "عمر" مرة، و"أبو بكر" مرة، والإمام "علي" أخرى.
إنما من يقرأ بين السطور فسيجد إنبعاث أمة ممثلة في قادة وأفراد. وهو معنى إقترب منه بشدة "أحمد أمين" عندما كتب عن العبقريات خلال فترة بداية صدورها قائلا أن الأوروبيين قد وجدوا من علمائهم من يشيد بعظمائهم ويستقصي نواحي مجدهم تحميسا للنفس، وإثارة لطلب الكمال. أما نحن فقد كان بيننا وبين عظمائنا سدود وحواجزحالت بين شبابنا وجمهورنا والاستفادة منهم.
وأستطيع أن أضيف اليوم إلى هذا القول لأحمد أمين أن من يقرأ بين سطور العبقريات سيجد فيها الصراع الأبدي بين طرفي الخير والشر. حيث في الحياة هناك باستمرار مجتمعان، أحدهما ينتصر للخير، والثاني ينتصر للشر. وأن المجتمع الإسلامي حتى في عز طزاجة إنتشار الإسلام قد تسللت إليه غواية الحرص على ملذات الدنيا، كما فعل عدد من بني أمية. فظهر الصراع بين الدنيا وملذاتها المحسوسة، وبين الإلتزام بالقيم. أو الصراع بين الملك والخلافة في "عبقرية الإمام"ن وهي قضايا لا أحاول تلخيصها، وإنما أقدم منها ما يبدو كـ "شخبطة" في كتبي عقب إنتهائي من قراءتها.
فطريقتي في القراءة تتمثل في ان أمسك بقلم في يدي وأتركه يتحرك واضعا خطوطا تحت كلمات جذابة، ودوائر حول نقاط مهمة، وأسهما أو علامات مع كتابة تعليقات وتأملات أحيانا.
أنقل من بين التعليقات التي كتبتها حول بعض الوقائع المذكورة في العبقريات ما يلي:
لم يعزل "عمر" نفسه في قصر مكتفيا بحسن النوايا وبأنه سوف يتعرف على هموم الناس عبر بطانته والعاملين معه، فكم من بطانة سوء أساءت لحاكم حسن النية، بل كان يتعرف بنفسه على أحوال الناس، والقصة الشهيرة لإحدى السيدات وأبنائها الجياع خير دليل على هذا. وقبل أن يروي "العقاد" تلك القصة في "عبقرية عمر" برر ذكره لها قائلا بعنفوان: "هي قصة مشهورة، لكنها تعاد لأنها أحق قصة أن تُعاد".
القصة هي أن "عمر" كان يسير في منطقة بالقرب من المدينة عندما رأى نارا موقدة، فاقترب، فوجد امرأة معها صبيان يتصايحون، وعرف من المرأة أنها قد وضعت ماء في القدر الذي على النار لكي يتصور أبناؤها أنها تعد لهم الطعام إلى أن يغلبهم النوم، لأنها لا تملك ما تطعمهم به، وأضافت المرأة قائلة وهي لا تعرف حقيقة شخصيته: "الله بيننا وبين عمر"، فرد عليها: "ومن يدري عمر بكم؟" فقالت: "أيتولى أمرنا ثم يغفل عنا".
ياه، كم هو بليغ قولها، فلا يجوز للحاكم بعد أن يتولى أمر الناس أن يغفل عنهم.
فماذا كان رد فعل عمر بن الخطاب، لقد خرج يهرول حتى وصل إلى دار الدقيق، طالبا من أحد رجاله أن يحمل عليه ـ هو الخليفة ـ دقيقا ومقدارا من السمن. وعندما اقترح الرجل أن يحمل هو الدقيق عن أمير المؤمنين قائلا: "أنا أحمله عنك". رد عمر: "وهل تحمل وزري يوم القيامة"، وانطلق عمر حاملا الدقيق، وما أن وصل إلى السيدة حتى أخرج الدقيق وقام بنفسه بإعداد الحساء من الدقيق وهو ينفخ تحت القدر. وكانت لحيته عظيمة فأخذ الدخان يخرج من خلالها حتى طبخ لهم. ثم أفرغ الحريرة أو الحساء وهو يقول للمرأة أطعميهم، وأنا أبرده لهم. ولم يزل حتى شبعوا. فقالت المرأة وهي ما زالت لم تعرف شخصيته: جزال الله خيرا، كنت بهذا الأمر أولى من أمير المؤمنين.
واستمرارا لمواقف "عمر" في تفقد أحوال الرعية بنفسه وعدم الترفع عن مراجعة قرارات كان قد سبق أن اتخذها هو بنفسه يروي العقاد كيف أن مجموعة من التجار كانوا قد أقاموا ذات ليلة في مصلى، فاقترح عمر أمير المؤمنين على "عبد الرحمن بن عوف" أن يرافقه في حراسة المجموعة من السرقة، فسمع بكاء لصبي، فقال لأم الصبي: إتقي الله وأحسني إلى صبيك، إلا أن أنه قد سمع بعد قليل أن بكاء الطفل ما زال مستمرا. فقال للمرأة: إني لأراك امرأة سوء (باعتبارها تاركة الطفل في حالة البكاء)، فدافعت عن نفسها دون أن تعلم أنه أمير المؤمنين موضحة له سبب بكاء الطفل بأنها قد قررت أن تفطمه عن الرضاعة على الرغم من صغر سنه، وأن سبب إستعجالها للفطام هو أن عمر بن الخطاب لا يفرض إلا لفطيم، فاكتشف بذلك خطأ قراره وقام بتعديله، وأمر مناديا فنادى ألا تعجلوا صبيانكم عن الرضاع، فإننا نفرض لكل مولود بمجرد الولادة.
المعنى الذي خلف الموقف لا يمكن إغفاله، فمراجعة القرارات ينقل الناس إلى حياة أفضل.
وتحت عنوان مراجعة القرارات ومراجعة النفس من الممكن التعامل مع قصة إسلام عمر بن الخطاب باعتبارها نموذجا لمراجعة النفس، حيث صفع اخته عندما اكتشف أنها قد أسلمت حين دخل بيتها فوجدها هي وزوجها ومعهما صحيفة بها بعض من آيات القرآن الكريم، ثم عندما قرأ في هذه الآيات لم يفعل ما فعله "الوليد بن المغيرة" الذي فكر وقدّر كما جاء في سورة "المدثر": "ثُمَّ قُتِلَ كَیۡفَ قَدَّرَ. ثُمَّ نَظَرَ. ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ. ثُمَّ أَدۡبَرَ وَٱسۡتَكۡبَرَ. فَقَالَ إِنۡ هَـٰذَاۤ إِلَّا سِحۡرࣱ یُؤۡثَرُ".
بل ما فعله عمر مختلف تماما. فلقد سمع " طه. مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ". فتوقف لحظة، ثم استمر يقرأ: " إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَىٰ". فسرت فيه خشية تسري في معظم من يقرأ ما بعدها: " تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى". ثم فكر وتدبر الآية التالية " الرَّحْمَٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ"، ثم تأمل ما بعدها " لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَىٰ"، ثم "وإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى". فأسلم عمر، وجهر بإسلامه وسط أهوال ما يلقاه المسلمون على يد المشركين.
وصف العقاد مشهد إسلام عمر قائلا أنه من اللحظة الأولى قد أبى إلا أن يواجه الخطر الأكبر في سبيل دينه، وإلا أن يقبض على الثور من قرنيه كما يقول الغربيون في أمثالهم، وأن يتحدى قريشا، فسأل: أي أهل مكة أنقل للحديث، فقيل له: "جميل بن معمر"، فذهب عمر إليه مصرحا بإسلامه.
ولم يكذب الرجل الظن به، فقد خرج إلى أندية قريش حول الكعبة يصرخ بأعلى صوته أن عمر بن الخطاب قد "صبأ"، أي خرج من الدين. بينما عمر بن الخطاب من خلفه يقول: كذب، ولكنني أسلمت وشهدت أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده وسوله. فنشبت المعارك بينه وبين أعداد كبيرة من الكفار.
كذلك عند الهجرة. فبينما كان المهاجرون يهاجرون في الخفاء، فإن عمر بن الخطاب عندما قرر أن يهاجر تقلد سيفه ومضى إلى الكعبة بينما الملأ من قريش بفنائها، فطاف في البيت سبعا متمكنا، ثم أتى المقام فصلى. ثم صاح قائلا: "من أراد أن يثكل أمه، أو يرمل زوجته فليلقني وراء هذا الوادي".
وعلى الرغم من كل الإبهار في قصص شجاعة عمر بن الخطاب وعدله اللذين هما من مفاتيح شخصيته مثلما ذكر العقاد في عبقريته، إلا أن اليقين المطبوع به إيمان "الصديق أبو بكر"هو المفتاح الذي يفسر الفرق بين رد فعل كل منهما تجاه الموقف الواحد. مع تأكيد العقاد على احتياج الأمة لمثل الصديق مثلما تحتاج لمثل عمر. والتأكيد أيضا على عظمة تلك الأمة التي يتولاها الصديق، ثم يتولاها عمر.
ومن تلك المواقف التي ذكرها العقاد رد فعل عمر بن الخطاب عند إعلان خبر وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم حيث صاح: "والله إني لارجو أن تُقطع أيدي رجال وأرجلهم يزعمون أن محمدا قد مات".
بينما ما فعله أبو بكر هو أن دخل فكشف عن وجه الرسول عليه الصلاة والسلام، ثم قبله وبكى. ثم خرج إلى الناس وفيهم عمر فقال له: إجلس ياعمر. ثم كلم الناس بكلام السماء قائلا قولته المشهورة: من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، "وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ".
وكأن المسلمين ما علموا أن أنزلت هذه الآية حتى تلاها عليهم أبو بكر تلك الساعة.
إنه رد الفعل المناسب للصاحب الذي سبق أن وصفه الرسول عليه الصلاة والسلام بالصديق يوم أن سمع بقصة الإسراء والمعراج، فما كان منه إلا أن وصف ما سمعه قائلا: "إن كان محمد قال فقد صدق".
هذا الصديق وهذا العمر هما الخلافة في صورتها الجلية. ثم يأتي "عثمان" والفتنة المعبرة عن الصراع بين الحكم كمسئولية، والحكم كرفاهية، ومحاولة "عثمان بن عفان" التعامل بدهاء بني أمية في الشام بأن يمسك العصا من المنتصف، إلى أن جاء "الإمام علي" ليقطع في سلوكه بأنه إما المسئولية والخلافة، وإما الملك والرفاهية. ويواجه دنيا الحكام من بني أمية في وجوههم لتتضح بمواقفه ثم برحيله مقتولا وهو يصلي صلاة العشاء الفواصل بين كل من الخلافة والدولة، وإذا بخيبة الأمل التي تعود في بعض أسبابها إلى ان الناس قد خذلوا من كان يسعى للدفاع عن الناس. فكيف حدث هذا مع الإمام علي.
يحدد العقاد في البداية أن "الإمام" تُطلق على كل الخلفاء الذين سبقوا الخليفة الرابع "علي بن أبي طالب"، لكن صفة "الإمام" عند ذكرها بإطلاقها بدون الإسم الذي يليها تؤدي بالأذهان إلى أن تذهب إلى الإمام علي، باعتبار أن الخلفاء الذين سبقوه كانوا أئمة حيث الإمامة وحدها في ميدان الحكم. ولم يُكتب لأحد منهم أن يحمل علم الإمامة ليناضل به علم الدولة الدنيوية إلا "علي".
فـ "معاوية" يريد الملك ويسعى له بكل الأدوات، أما "علي" فهو لا يريد ملكا، وإنما هو يعمل من أجل الخلافة. وفرق كبير بين الملك والخلافة.
وقديما قال أبوه "أبو سفيان" عندما رأى جيش المسلمين في فتح مكة أن ملك محمد قد أصبح عظيما. فالحكم عند بني أمية هو "الملك"، بمعنى "جاه الدنيا". ومن أجل هذا الجاه وقف أصحاب المنافع الراغبين في دوام المنفعة مع "معاوية". أما "علي" فقد وقف على رأس أصحاب المبادئ الراغبين في الإصلاح.
ولأن الإمام كان يحارب على رأس أصحاب المبادئ، فقد كان يحارب بفروسيته، والتي هي مفتاح شخصية الإمام علي كما يحددها العقاد، بما تعنيه الفروسية من النخوة. فهو لم ينس أبدا الشرف من أجل أن يغتنم فرصا. وقد سبق أن وصف الإيمان بأنه أن تؤثر الصدق على الكذب حتى لو كان ينفعك.
ولذلك وصف العقاد الإمام عليا بأنه رجل يعرف من الحرب شجاعتها، ولكنه لا يعرف خدعتها.
وإن كان الإمام علي قد جاء على لسانه في موضع آخرمن الكتاب قوله: "والله ما معاوية بأدهى مني، ولكنه يغدر ويفجر. ولولا كراهية الغدر لكنت أدهى الناس".
لذلك فقد قال العقاد في خاتمة عبقرية الإمام أنه عندما يقال "علي" قد أخفق، فقد أخفق حيث يشرفه إخفاقه.
ولذلك فمما كتبته أنا في أوراق تجاور الكتب التي أقرأها ما يلي تعليقا على كتاب عبقرية الإمام:
"رائعة جدا المثل العليا، إنما لكي تمشي على الأرض فإن من الضروري لحمايتها عينا بعين، وسنا بسن، وعدم إمهال الذي سيصير هو البادئ إلى أن يبدأ مادام واضحا من المقدمات أنه ينتظر فقط إلى أن يتمكن، والذي لا يهمه تضنيفه تبعا لذلك بأنه البادئ، وأن البادئ أظلم".
كان هذا هو تعليقي على المواجهة غير المتكافئة بين أخلاق آخر أئمة الخلافة الإسلامية الإمام علي، وبين الحرص على الحكم باعتباره السلطة والدنيا عند أول حكام الدولة الأموية "معاوية".
أما تعليقا على كتاب "عبقرية عمر" فقد كتبت: "يحتاج الحق للقوة، وتتجلى حلاوة القوة عندما تعمل لصالح الحق، وهذا هو عمر بن الخطاب. قوي. تعمل قوته في خدمة الحق"
كما كتبت أيضا تعليقا على عبقرية عمر: "ما أروع العدل عندما ينصره الزهد في إغراءات الدنيا، وكم كانت حياة المسلمين مطمئنة مع عدل عمر بن ا لخطاب".
وإذا كان عمر بن الخطاب قد اشتهر بالعدل، فقد استوقفني عدل أبو بكر الذي وصفه العقاد بانه يوضع في مرتبة سامية عندما كاد عمر أن يجور، حيث تخاصم عمر بن الخطاب عند الخليفة أبو بكر الصديق لرغبة عمر في أن يأخذ إبنه "عاصم" من أمه التي طلقها. فقضى أبو بكر بالطفل للأم وليس لعمر قائلا لابن الخطاب: "ريحها وشمها ولطفها خير له منك". فكان الصديق بذلك غاية في الرحمة وغاية في العدل".
كما كتبت باختصار عميق: "ما أروع طعم الإيمان عند الذي لا يرتاب". تعليقا على مضمون عبقرية الصديق.
ومن الكلمات التي وضعت تحتها خطا في كتب العبقريات:
ــ وصية من وصايا أبو بكر الصديق لبعض عماله هي: "إذا وعظت فأوجز، فإن كثير الكلام يُنسي بعضه بعضا".
ــ كما وضعت خطا تحت جملة عظيمة لم أكن أعرف أن قائلها هو أبو بكر الصديق كجزء من وصيته لخالد بن الوليد عند خروجه للحرب: "إحرص على الموت توهب لك الحياة".
ــ ومن أقوال أبو بكر الصديق التي استوقفت قلمي أيضا فوضع تحتها خطا قوله: "الصبر نصف الإيمان، واليقين الإيمان كله".
ــ ومن أقوال الإمام علي وضعت خطا تحت قوله: "إذا كثرت القدرة قلت الشهوة".
ــ وكذلك قوله: "الصبر صبران: صبر على ما تكره، وصبر على ما تحب".
ثم ذيلت كل ما سبق أن قرأته في العبقريات وكل ما سجلته منها بجملة كتبتها من عندي، إنما لها روح لغة العقاد هي: "ما أشد غربة الجهاد عندما يتحول النهيق إلى المزاحم للصهيل في حضور الجياد".
لا أشبع من معاودة القراءة في سيرتهم، خاصة ما كتبه الكاتب الكبير "عباس محمود العقاد" في العبقريات الشهيرة.
صحيح أن الكثيرين من جيلي كانوا يهابون قراءة العبقريات عندما كنا ندرسها بالمرحلة الثانوية خلال فترة السبعينات من القرن الماضي. ربما كانت هذه الهيبة هي هيبة الكتاب المقررالذي يحرص التلميذ عبره على الوصول إلى أعلى درجات إعتاد أن يصل إليها بواسطة التلقين وليس الفهم.
ولقد كنت أعلن أمام زميلاتي في المدرسة عن إستمتاعي بعبقريات العقاد وتلهفي على إلتهام ما تتضمنه صفحاتها، فتنظر زميلاتي لبعضهن البعض ويضحكن وهن يعقبن بأن أحدا لم يفهم شيئا من العبقريات.
وبالفعل فإن من يقرأ في العبقريات من على السطح فإنه لن يفهم شيئا، بل من الوارد أن يشعر بالملل بسبب ما يبدو كأنه إصرار من العقاد على الإنتصار لعبقرية فرد هو "عمر" مرة، و"أبو بكر" مرة، والإمام "علي" أخرى.
إنما من يقرأ بين السطور فسيجد إنبعاث أمة ممثلة في قادة وأفراد. وهو معنى إقترب منه بشدة "أحمد أمين" عندما كتب عن العبقريات خلال فترة بداية صدورها قائلا أن الأوروبيين قد وجدوا من علمائهم من يشيد بعظمائهم ويستقصي نواحي مجدهم تحميسا للنفس، وإثارة لطلب الكمال. أما نحن فقد كان بيننا وبين عظمائنا سدود وحواجزحالت بين شبابنا وجمهورنا والاستفادة منهم.
وأستطيع أن أضيف اليوم إلى هذا القول لأحمد أمين أن من يقرأ بين سطور العبقريات سيجد فيها الصراع الأبدي بين طرفي الخير والشر. حيث في الحياة هناك باستمرار مجتمعان، أحدهما ينتصر للخير، والثاني ينتصر للشر. وأن المجتمع الإسلامي حتى في عز طزاجة إنتشار الإسلام قد تسللت إليه غواية الحرص على ملذات الدنيا، كما فعل عدد من بني أمية. فظهر الصراع بين الدنيا وملذاتها المحسوسة، وبين الإلتزام بالقيم. أو الصراع بين الملك والخلافة في "عبقرية الإمام"ن وهي قضايا لا أحاول تلخيصها، وإنما أقدم منها ما يبدو كـ "شخبطة" في كتبي عقب إنتهائي من قراءتها.
القراءة بالقلم
فطريقتي في القراءة تتمثل في ان أمسك بقلم في يدي وأتركه يتحرك واضعا خطوطا تحت كلمات جذابة، ودوائر حول نقاط مهمة، وأسهما أو علامات مع كتابة تعليقات وتأملات أحيانا.
أنقل من بين التعليقات التي كتبتها حول بعض الوقائع المذكورة في العبقريات ما يلي:
لم يعزل "عمر" نفسه في قصر مكتفيا بحسن النوايا وبأنه سوف يتعرف على هموم الناس عبر بطانته والعاملين معه، فكم من بطانة سوء أساءت لحاكم حسن النية، بل كان يتعرف بنفسه على أحوال الناس، والقصة الشهيرة لإحدى السيدات وأبنائها الجياع خير دليل على هذا. وقبل أن يروي "العقاد" تلك القصة في "عبقرية عمر" برر ذكره لها قائلا بعنفوان: "هي قصة مشهورة، لكنها تعاد لأنها أحق قصة أن تُعاد".
القصة هي أن "عمر" كان يسير في منطقة بالقرب من المدينة عندما رأى نارا موقدة، فاقترب، فوجد امرأة معها صبيان يتصايحون، وعرف من المرأة أنها قد وضعت ماء في القدر الذي على النار لكي يتصور أبناؤها أنها تعد لهم الطعام إلى أن يغلبهم النوم، لأنها لا تملك ما تطعمهم به، وأضافت المرأة قائلة وهي لا تعرف حقيقة شخصيته: "الله بيننا وبين عمر"، فرد عليها: "ومن يدري عمر بكم؟" فقالت: "أيتولى أمرنا ثم يغفل عنا".
ياه، كم هو بليغ قولها، فلا يجوز للحاكم بعد أن يتولى أمر الناس أن يغفل عنهم.
فماذا كان رد فعل عمر بن الخطاب، لقد خرج يهرول حتى وصل إلى دار الدقيق، طالبا من أحد رجاله أن يحمل عليه ـ هو الخليفة ـ دقيقا ومقدارا من السمن. وعندما اقترح الرجل أن يحمل هو الدقيق عن أمير المؤمنين قائلا: "أنا أحمله عنك". رد عمر: "وهل تحمل وزري يوم القيامة"، وانطلق عمر حاملا الدقيق، وما أن وصل إلى السيدة حتى أخرج الدقيق وقام بنفسه بإعداد الحساء من الدقيق وهو ينفخ تحت القدر. وكانت لحيته عظيمة فأخذ الدخان يخرج من خلالها حتى طبخ لهم. ثم أفرغ الحريرة أو الحساء وهو يقول للمرأة أطعميهم، وأنا أبرده لهم. ولم يزل حتى شبعوا. فقالت المرأة وهي ما زالت لم تعرف شخصيته: جزال الله خيرا، كنت بهذا الأمر أولى من أمير المؤمنين.
واستمرارا لمواقف "عمر" في تفقد أحوال الرعية بنفسه وعدم الترفع عن مراجعة قرارات كان قد سبق أن اتخذها هو بنفسه يروي العقاد كيف أن مجموعة من التجار كانوا قد أقاموا ذات ليلة في مصلى، فاقترح عمر أمير المؤمنين على "عبد الرحمن بن عوف" أن يرافقه في حراسة المجموعة من السرقة، فسمع بكاء لصبي، فقال لأم الصبي: إتقي الله وأحسني إلى صبيك، إلا أن أنه قد سمع بعد قليل أن بكاء الطفل ما زال مستمرا. فقال للمرأة: إني لأراك امرأة سوء (باعتبارها تاركة الطفل في حالة البكاء)، فدافعت عن نفسها دون أن تعلم أنه أمير المؤمنين موضحة له سبب بكاء الطفل بأنها قد قررت أن تفطمه عن الرضاعة على الرغم من صغر سنه، وأن سبب إستعجالها للفطام هو أن عمر بن الخطاب لا يفرض إلا لفطيم، فاكتشف بذلك خطأ قراره وقام بتعديله، وأمر مناديا فنادى ألا تعجلوا صبيانكم عن الرضاع، فإننا نفرض لكل مولود بمجرد الولادة.
المعنى الذي خلف الموقف لا يمكن إغفاله، فمراجعة القرارات ينقل الناس إلى حياة أفضل.
وتحت عنوان مراجعة القرارات ومراجعة النفس من الممكن التعامل مع قصة إسلام عمر بن الخطاب باعتبارها نموذجا لمراجعة النفس، حيث صفع اخته عندما اكتشف أنها قد أسلمت حين دخل بيتها فوجدها هي وزوجها ومعهما صحيفة بها بعض من آيات القرآن الكريم، ثم عندما قرأ في هذه الآيات لم يفعل ما فعله "الوليد بن المغيرة" الذي فكر وقدّر كما جاء في سورة "المدثر": "ثُمَّ قُتِلَ كَیۡفَ قَدَّرَ. ثُمَّ نَظَرَ. ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ. ثُمَّ أَدۡبَرَ وَٱسۡتَكۡبَرَ. فَقَالَ إِنۡ هَـٰذَاۤ إِلَّا سِحۡرࣱ یُؤۡثَرُ".
بل ما فعله عمر مختلف تماما. فلقد سمع " طه. مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ". فتوقف لحظة، ثم استمر يقرأ: " إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَىٰ". فسرت فيه خشية تسري في معظم من يقرأ ما بعدها: " تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى". ثم فكر وتدبر الآية التالية " الرَّحْمَٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ"، ثم تأمل ما بعدها " لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَىٰ"، ثم "وإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى". فأسلم عمر، وجهر بإسلامه وسط أهوال ما يلقاه المسلمون على يد المشركين.
وصف العقاد مشهد إسلام عمر قائلا أنه من اللحظة الأولى قد أبى إلا أن يواجه الخطر الأكبر في سبيل دينه، وإلا أن يقبض على الثور من قرنيه كما يقول الغربيون في أمثالهم، وأن يتحدى قريشا، فسأل: أي أهل مكة أنقل للحديث، فقيل له: "جميل بن معمر"، فذهب عمر إليه مصرحا بإسلامه.
ولم يكذب الرجل الظن به، فقد خرج إلى أندية قريش حول الكعبة يصرخ بأعلى صوته أن عمر بن الخطاب قد "صبأ"، أي خرج من الدين. بينما عمر بن الخطاب من خلفه يقول: كذب، ولكنني أسلمت وشهدت أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده وسوله. فنشبت المعارك بينه وبين أعداد كبيرة من الكفار.
كذلك عند الهجرة. فبينما كان المهاجرون يهاجرون في الخفاء، فإن عمر بن الخطاب عندما قرر أن يهاجر تقلد سيفه ومضى إلى الكعبة بينما الملأ من قريش بفنائها، فطاف في البيت سبعا متمكنا، ثم أتى المقام فصلى. ثم صاح قائلا: "من أراد أن يثكل أمه، أو يرمل زوجته فليلقني وراء هذا الوادي".
عبقرية الصديق
وعلى الرغم من كل الإبهار في قصص شجاعة عمر بن الخطاب وعدله اللذين هما من مفاتيح شخصيته مثلما ذكر العقاد في عبقريته، إلا أن اليقين المطبوع به إيمان "الصديق أبو بكر"هو المفتاح الذي يفسر الفرق بين رد فعل كل منهما تجاه الموقف الواحد. مع تأكيد العقاد على احتياج الأمة لمثل الصديق مثلما تحتاج لمثل عمر. والتأكيد أيضا على عظمة تلك الأمة التي يتولاها الصديق، ثم يتولاها عمر.
ومن تلك المواقف التي ذكرها العقاد رد فعل عمر بن الخطاب عند إعلان خبر وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم حيث صاح: "والله إني لارجو أن تُقطع أيدي رجال وأرجلهم يزعمون أن محمدا قد مات".
بينما ما فعله أبو بكر هو أن دخل فكشف عن وجه الرسول عليه الصلاة والسلام، ثم قبله وبكى. ثم خرج إلى الناس وفيهم عمر فقال له: إجلس ياعمر. ثم كلم الناس بكلام السماء قائلا قولته المشهورة: من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، "وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ".
وكأن المسلمين ما علموا أن أنزلت هذه الآية حتى تلاها عليهم أبو بكر تلك الساعة.
إنه رد الفعل المناسب للصاحب الذي سبق أن وصفه الرسول عليه الصلاة والسلام بالصديق يوم أن سمع بقصة الإسراء والمعراج، فما كان منه إلا أن وصف ما سمعه قائلا: "إن كان محمد قال فقد صدق".
عبقرية الإمام
هذا الصديق وهذا العمر هما الخلافة في صورتها الجلية. ثم يأتي "عثمان" والفتنة المعبرة عن الصراع بين الحكم كمسئولية، والحكم كرفاهية، ومحاولة "عثمان بن عفان" التعامل بدهاء بني أمية في الشام بأن يمسك العصا من المنتصف، إلى أن جاء "الإمام علي" ليقطع في سلوكه بأنه إما المسئولية والخلافة، وإما الملك والرفاهية. ويواجه دنيا الحكام من بني أمية في وجوههم لتتضح بمواقفه ثم برحيله مقتولا وهو يصلي صلاة العشاء الفواصل بين كل من الخلافة والدولة، وإذا بخيبة الأمل التي تعود في بعض أسبابها إلى ان الناس قد خذلوا من كان يسعى للدفاع عن الناس. فكيف حدث هذا مع الإمام علي.
يحدد العقاد في البداية أن "الإمام" تُطلق على كل الخلفاء الذين سبقوا الخليفة الرابع "علي بن أبي طالب"، لكن صفة "الإمام" عند ذكرها بإطلاقها بدون الإسم الذي يليها تؤدي بالأذهان إلى أن تذهب إلى الإمام علي، باعتبار أن الخلفاء الذين سبقوه كانوا أئمة حيث الإمامة وحدها في ميدان الحكم. ولم يُكتب لأحد منهم أن يحمل علم الإمامة ليناضل به علم الدولة الدنيوية إلا "علي".
فـ "معاوية" يريد الملك ويسعى له بكل الأدوات، أما "علي" فهو لا يريد ملكا، وإنما هو يعمل من أجل الخلافة. وفرق كبير بين الملك والخلافة.
وقديما قال أبوه "أبو سفيان" عندما رأى جيش المسلمين في فتح مكة أن ملك محمد قد أصبح عظيما. فالحكم عند بني أمية هو "الملك"، بمعنى "جاه الدنيا". ومن أجل هذا الجاه وقف أصحاب المنافع الراغبين في دوام المنفعة مع "معاوية". أما "علي" فقد وقف على رأس أصحاب المبادئ الراغبين في الإصلاح.
ولأن الإمام كان يحارب على رأس أصحاب المبادئ، فقد كان يحارب بفروسيته، والتي هي مفتاح شخصية الإمام علي كما يحددها العقاد، بما تعنيه الفروسية من النخوة. فهو لم ينس أبدا الشرف من أجل أن يغتنم فرصا. وقد سبق أن وصف الإيمان بأنه أن تؤثر الصدق على الكذب حتى لو كان ينفعك.
ولذلك وصف العقاد الإمام عليا بأنه رجل يعرف من الحرب شجاعتها، ولكنه لا يعرف خدعتها.
وإن كان الإمام علي قد جاء على لسانه في موضع آخرمن الكتاب قوله: "والله ما معاوية بأدهى مني، ولكنه يغدر ويفجر. ولولا كراهية الغدر لكنت أدهى الناس".
لذلك فقد قال العقاد في خاتمة عبقرية الإمام أنه عندما يقال "علي" قد أخفق، فقد أخفق حيث يشرفه إخفاقه.
أفكار وتعليقات
ولذلك فمما كتبته أنا في أوراق تجاور الكتب التي أقرأها ما يلي تعليقا على كتاب عبقرية الإمام:
"رائعة جدا المثل العليا، إنما لكي تمشي على الأرض فإن من الضروري لحمايتها عينا بعين، وسنا بسن، وعدم إمهال الذي سيصير هو البادئ إلى أن يبدأ مادام واضحا من المقدمات أنه ينتظر فقط إلى أن يتمكن، والذي لا يهمه تضنيفه تبعا لذلك بأنه البادئ، وأن البادئ أظلم".
كان هذا هو تعليقي على المواجهة غير المتكافئة بين أخلاق آخر أئمة الخلافة الإسلامية الإمام علي، وبين الحرص على الحكم باعتباره السلطة والدنيا عند أول حكام الدولة الأموية "معاوية".
أما تعليقا على كتاب "عبقرية عمر" فقد كتبت: "يحتاج الحق للقوة، وتتجلى حلاوة القوة عندما تعمل لصالح الحق، وهذا هو عمر بن الخطاب. قوي. تعمل قوته في خدمة الحق"
كما كتبت أيضا تعليقا على عبقرية عمر: "ما أروع العدل عندما ينصره الزهد في إغراءات الدنيا، وكم كانت حياة المسلمين مطمئنة مع عدل عمر بن ا لخطاب".
وإذا كان عمر بن الخطاب قد اشتهر بالعدل، فقد استوقفني عدل أبو بكر الذي وصفه العقاد بانه يوضع في مرتبة سامية عندما كاد عمر أن يجور، حيث تخاصم عمر بن الخطاب عند الخليفة أبو بكر الصديق لرغبة عمر في أن يأخذ إبنه "عاصم" من أمه التي طلقها. فقضى أبو بكر بالطفل للأم وليس لعمر قائلا لابن الخطاب: "ريحها وشمها ولطفها خير له منك". فكان الصديق بذلك غاية في الرحمة وغاية في العدل".
كما كتبت باختصار عميق: "ما أروع طعم الإيمان عند الذي لا يرتاب". تعليقا على مضمون عبقرية الصديق.
تحتها خط
ومن الكلمات التي وضعت تحتها خطا في كتب العبقريات:
ــ وصية من وصايا أبو بكر الصديق لبعض عماله هي: "إذا وعظت فأوجز، فإن كثير الكلام يُنسي بعضه بعضا".
ــ كما وضعت خطا تحت جملة عظيمة لم أكن أعرف أن قائلها هو أبو بكر الصديق كجزء من وصيته لخالد بن الوليد عند خروجه للحرب: "إحرص على الموت توهب لك الحياة".
ــ ومن أقوال أبو بكر الصديق التي استوقفت قلمي أيضا فوضع تحتها خطا قوله: "الصبر نصف الإيمان، واليقين الإيمان كله".
ــ ومن أقوال الإمام علي وضعت خطا تحت قوله: "إذا كثرت القدرة قلت الشهوة".
ــ وكذلك قوله: "الصبر صبران: صبر على ما تكره، وصبر على ما تحب".
ثم ذيلت كل ما سبق أن قرأته في العبقريات وكل ما سجلته منها بجملة كتبتها من عندي، إنما لها روح لغة العقاد هي: "ما أشد غربة الجهاد عندما يتحول النهيق إلى المزاحم للصهيل في حضور الجياد".