للمرة الرابعة يسحب عينيه بصعوبة بالغة ليتفادى نظراتها الثابتة الموجهة بدقة إلى عينيه تحديداً ، كان يحس ببركان يمور في داخله لا طاقة له به ، هرب من نظراتها الحادة الماكرة إلى ساعة الحائط وتشاغل بمصاحبة عقرب الثواني في رحلته الظافرة من دقيقة إلى دقيقة ، إنها الساعة التاسعة ودقيقتان ، حاول ضبط حركة عقرب الثواني مع هدبه حين يطرف فأخفق !!
اكتشف بسهولة أن الثانية طويلة جداً بالقياس إلى سرعة التفكير البشري ، فها هو ذا ينتقل من موضوع إلى موضوع ، ومن فكرة إلى أخرى ، وعقرب الثواني يتقافز كالعفريت الخائب البطيء . أحس بامتنان كبير إزاء أحمد زويل الذي استطاع تجزئة الثانية إلى ملايين الثواني . هذا العصر الذي نعيشه مسرف في البطء !. ولو وضع كل إنسان أمامه ساعة حائط ، ووازن بين إنجازات تفكيره وبين دقات عقارب الثواني لأحس بأنه يبيع عمره بأبخس الأثمان .
مدير الإدارة التي يعمل لها نموذج مثالي للإنسان حين يكون حماراً ، فهو يدقق في كل ورقة ، ويتخيل تحت كل توقيع ثعباناً شجاعاً أقرع يُخرج له لسانه فيوسع التوقيعات فحصاً وتدقيقاً وتشككاً وتمر عليه الثواني والدقائق والساعات وهو غارق في ثلاث ورقات أو أربع يُعيد قراءتها ، ويتأمل ما وراء السطور ، ويرى خلف كل جملة قضيةً إداريةً " ....تدمغ – بنص تعبيره !! - توقيعه بالبطلان ، وتعود على الإدارة بالتعويض وتصم القرار بالعوار والعيب ." !!
وما إن يتأكد من سلامة المستند [ على حد تعبيره ] ويمهره بتوقيعه الكريم ، وهو يتصبب عرقاً ، حتى تراه وقد انبسطت ملامحه ، وارتخى بمقعده إلى الوراء ، وقهقه وتجشأ ، وأعاد سرد النكات الثلاث الباليات اللواتي لا يحفظ سواهن ولا يمل من تكرارهن ، من باب التفكه ، فهو يؤمن إيماناً جازماً بأنه أخف المخلوقات ظلاً على وجه الإطلاق ، مع أننا جميعاً في الإدارة نضرب به المثل في ثقل الظل مقارنة بجميع مديري الإدارات الذين عاشرناهم أو سمعنا عنهم على ظهر الأرض .
قطعت عليه زوجته مسار تفكيره حين سمعها ترد على الهاتف بصوت لا يختلف وقعه عن وقع بيانات الوزراء حين يتحدثون عن الجماهير وهم يخاطبون سلطة أعلى منهم . فتندس الرحمة بين عباراتهم اندساس نشال محترف في زحام خانق !!
.... فاجأته عيناها مرة خامسة وكانت هذه المرة قد دست بين شفتيها بسمة خفيفة كأنها رسالة مشفرة موجهة إلى قلبه مباشرة ، انتفض جسده حين أحس بابتسامتها الخفيفة الرشيقة تتخلل شرايينه وتسري فيها بسرعة فائقة مع نبضات دمه ولكنه سرعان ما هرب من عينيها وعاد إلى ساعة الحائط : ثلاث دقائق بعد التاسعة !!.
فرك عينيه فجأة ليتأكد أن إحساسه خاطئ ، حين أحس أن مدير الإدارة رابض بين علامات الدقائق يتابع – بقلق مثله – حركة عقارب الثواني . . ويعد قفزاته ليتأكد أنه لم يترك علامة حتى يستوفي القفزات الستين لتكتمل الدقيقة . . ضاقت نفسه كثيراً . . هل يهرب من نظراتها إلى الساعة فيخرج له مدير الإدارة من بين عقاربها ؟
بدأ يدرك أنه مضطرب . . ولكنه لم يجد لهذا الاضطراب تفسيراً . . فلا عيناها تفارقانه ، ولا شبح مدير الإدارة يرحل عن ذاكرته . . توترت أعصابه قليلاً . . سأل نفسه : وماذا لو واجه نظراتها بنظرات مماثلة ليرى ما إذا كانت هي التي تهرب منه إلى ساعة الحائط أو غيرها ؟ هنالك سيتأكد من تلك النظرات : هل هي حب حقيقي أو مجرد تحدٍّ لقدراته ؟ ورغبة في استفزازه ؟
من المؤكد أن كل العبارات التي تصدر عنها تستفزه . . وتقصد أن تستفزه . . ولكن أسرار عينيها تبوح له بمشاعر ليس منها الاستفزاز وإن كانت لا تسفر عن حب حقيقي . نظر إليها وتعمد أن يبتسم ، ويبدو أن ابتسامته لم تختلف في طعمها عن مفاوضات الإصلاح الاقتصادي . فقد استشعر في رد فعلها شيئاً من البلاهة وسوء الظن . وبدأت نظراتها تجوس في عينيه كأنها صياد مناور يحاول الإيقاع بفريسته من أول هجمة . ازداد قلقه وتوترت أعصابه وهم بالهرب من أمامها ، ولكن هاجس الحب الموهوم داخله جعله ينتظر رضاها ومبادرة منها للحوار . . .!!
كان عقرب الثواني قد أنهى رحلته إلى الدقيقة التاسعة بعد الساعة التاسعة ، حين صرخت زوجته من خلفه فهب مذعوراً ، ليجد زوجته تنبهه إلى أن العينين اللتين يحدق فيهما ليستا لمذيعة نشرة التليفزيون التي يسرح دائماً في عينيها ، وإنما هما – منذ دقيقتين – لمذيع النشرة الجوية !!
اكتشف بسهولة أن الثانية طويلة جداً بالقياس إلى سرعة التفكير البشري ، فها هو ذا ينتقل من موضوع إلى موضوع ، ومن فكرة إلى أخرى ، وعقرب الثواني يتقافز كالعفريت الخائب البطيء . أحس بامتنان كبير إزاء أحمد زويل الذي استطاع تجزئة الثانية إلى ملايين الثواني . هذا العصر الذي نعيشه مسرف في البطء !. ولو وضع كل إنسان أمامه ساعة حائط ، ووازن بين إنجازات تفكيره وبين دقات عقارب الثواني لأحس بأنه يبيع عمره بأبخس الأثمان .
مدير الإدارة التي يعمل لها نموذج مثالي للإنسان حين يكون حماراً ، فهو يدقق في كل ورقة ، ويتخيل تحت كل توقيع ثعباناً شجاعاً أقرع يُخرج له لسانه فيوسع التوقيعات فحصاً وتدقيقاً وتشككاً وتمر عليه الثواني والدقائق والساعات وهو غارق في ثلاث ورقات أو أربع يُعيد قراءتها ، ويتأمل ما وراء السطور ، ويرى خلف كل جملة قضيةً إداريةً " ....تدمغ – بنص تعبيره !! - توقيعه بالبطلان ، وتعود على الإدارة بالتعويض وتصم القرار بالعوار والعيب ." !!
وما إن يتأكد من سلامة المستند [ على حد تعبيره ] ويمهره بتوقيعه الكريم ، وهو يتصبب عرقاً ، حتى تراه وقد انبسطت ملامحه ، وارتخى بمقعده إلى الوراء ، وقهقه وتجشأ ، وأعاد سرد النكات الثلاث الباليات اللواتي لا يحفظ سواهن ولا يمل من تكرارهن ، من باب التفكه ، فهو يؤمن إيماناً جازماً بأنه أخف المخلوقات ظلاً على وجه الإطلاق ، مع أننا جميعاً في الإدارة نضرب به المثل في ثقل الظل مقارنة بجميع مديري الإدارات الذين عاشرناهم أو سمعنا عنهم على ظهر الأرض .
قطعت عليه زوجته مسار تفكيره حين سمعها ترد على الهاتف بصوت لا يختلف وقعه عن وقع بيانات الوزراء حين يتحدثون عن الجماهير وهم يخاطبون سلطة أعلى منهم . فتندس الرحمة بين عباراتهم اندساس نشال محترف في زحام خانق !!
.... فاجأته عيناها مرة خامسة وكانت هذه المرة قد دست بين شفتيها بسمة خفيفة كأنها رسالة مشفرة موجهة إلى قلبه مباشرة ، انتفض جسده حين أحس بابتسامتها الخفيفة الرشيقة تتخلل شرايينه وتسري فيها بسرعة فائقة مع نبضات دمه ولكنه سرعان ما هرب من عينيها وعاد إلى ساعة الحائط : ثلاث دقائق بعد التاسعة !!.
فرك عينيه فجأة ليتأكد أن إحساسه خاطئ ، حين أحس أن مدير الإدارة رابض بين علامات الدقائق يتابع – بقلق مثله – حركة عقارب الثواني . . ويعد قفزاته ليتأكد أنه لم يترك علامة حتى يستوفي القفزات الستين لتكتمل الدقيقة . . ضاقت نفسه كثيراً . . هل يهرب من نظراتها إلى الساعة فيخرج له مدير الإدارة من بين عقاربها ؟
بدأ يدرك أنه مضطرب . . ولكنه لم يجد لهذا الاضطراب تفسيراً . . فلا عيناها تفارقانه ، ولا شبح مدير الإدارة يرحل عن ذاكرته . . توترت أعصابه قليلاً . . سأل نفسه : وماذا لو واجه نظراتها بنظرات مماثلة ليرى ما إذا كانت هي التي تهرب منه إلى ساعة الحائط أو غيرها ؟ هنالك سيتأكد من تلك النظرات : هل هي حب حقيقي أو مجرد تحدٍّ لقدراته ؟ ورغبة في استفزازه ؟
من المؤكد أن كل العبارات التي تصدر عنها تستفزه . . وتقصد أن تستفزه . . ولكن أسرار عينيها تبوح له بمشاعر ليس منها الاستفزاز وإن كانت لا تسفر عن حب حقيقي . نظر إليها وتعمد أن يبتسم ، ويبدو أن ابتسامته لم تختلف في طعمها عن مفاوضات الإصلاح الاقتصادي . فقد استشعر في رد فعلها شيئاً من البلاهة وسوء الظن . وبدأت نظراتها تجوس في عينيه كأنها صياد مناور يحاول الإيقاع بفريسته من أول هجمة . ازداد قلقه وتوترت أعصابه وهم بالهرب من أمامها ، ولكن هاجس الحب الموهوم داخله جعله ينتظر رضاها ومبادرة منها للحوار . . .!!
كان عقرب الثواني قد أنهى رحلته إلى الدقيقة التاسعة بعد الساعة التاسعة ، حين صرخت زوجته من خلفه فهب مذعوراً ، ليجد زوجته تنبهه إلى أن العينين اللتين يحدق فيهما ليستا لمذيعة نشرة التليفزيون التي يسرح دائماً في عينيها ، وإنما هما – منذ دقيقتين – لمذيع النشرة الجوية !!