عندما نمسك كتاباً ، نصمت ونحن نتأمل عنوانه ولوحة غلافه قبل الولوج إليه ؛ وفي حضرة هذا الصمت تتداعى رسائل العقل ، نستنشق رائحة الأحداث من خلف الجدران ، والحكاية تتأرجح على حبال التخمين والتوقعات والذكريات وصدى أحداث تصافح الفضول والشوق للمضي .
__ العنوان :" السيبراني " ، وصورة الغلاف شاب يقف على كومة من أجهزة إلكترونية ممسكاً بأسلاكها وحوله رموز وشيفرات ودلالات ؛ ليكشف لنا عن معنى العنوان :
" السيبراني "( cyber ) : وتعني الإلكترونية .. والفضاء السيبراني ( الإلكتروني ) هو كل مايتعلق بالشبكات الإلكترونية الحاسوبية وشبكة الانترنت , شبكات الحاسوب والتطبيقات المختلفة كالوتسأب والفيس بوك ....الخ ) .. والخدمات التي يتم تنفيذها من خلال تلك الإلكترونيات( كتحويل الأموال والشراء ومعظم الحالات الخدمية عبر العالم ) . أما عن استخدام طرق غير مشروعة لاختراق الخصوصيات العامة والخاصة بهدف الابتزاز وإلحاق الأذى بالآخرين أو عمليات التجسس وسرقة الإبتكارات وغيرها ، تسمّى ب ( الهجمات السيبرانية) .
والأمن السيبراني(cybersecurity ) : هو العمل على حماية الفضاء السيبراني من الهجمات السيبرانية، والحفاظ على استمرارية الأنظمة والمعلومات المتوفرة فيه وحمايتها بخصوصية وسرية تامة( أمن المعلومات ) واتباع التدابير والإجراءات اللازمة لذلك .
ثم بالنظر إلى الوجه الخلفي للغلاف ، نجد نصاً مكتوباً بصيغة الأنا ، العقل الباحث عن الحقيقة والذي يدور كالإلكترون في مداراته وفضاءاته ... فهل هو ذاك الواقف على الجدار الأول للغلاف ؟ أم هو الكاتب نفسه الملحقة سيرته الذاتية أو شيئا منها نهاية النص ؟ أم هو عالم التكنولوجيا وأسراره وهيئاته وتطوراته وما خفي منها ؟
__ نلج إلى الرواية لنبدأ مع مقدمة تعيدنا إلى حادثة الطائرة المصرية ( الرحلة 804 ) القادمة من مطار "شارل ديغول "في فرنسا والتي تحطمت بعد دخولها المجال الجوي المصري ب 10 أميال بعد اختفاء الطائرة من الرادار يوم 19 مايو 2016 ، و تم العثور على حطامها بالقرب من جزيرة كارباثوس اليونانية ، وكُشف عن جسم غريب ربما التصق بجسم الطائرة ، كان يعتقد أنه عطّل عمل الرادارات وأنظمة التحكم . وقد تضاربت الأنباء عن سبب تحطمها والمسؤولين عنه . فهل سنقرأ عنها بين دفتي هذا الكتاب ؟ وهل يريد الكاتب أن يكشف لنا تفاصيل أكثر عن السيبراني والهجمات السيبرانية ودور الأمن السيبراني في تلك الحادثة فقط ؟ أم سيأخذنا إلى أبعد من هذا بكثير يتجول بنا في مدارات هذا الفضاء الإلكتروني ؟
__حدثٌ يشدنا للمتابعة في خضم تساؤلات كثيرة وتشوّق لمعرفة تفاصيل أكثر عن عالم يحيط بنا ويفرض نفسه بالقوة عبر أجهزة إلكترونية باتت في يد الصغير والكبير ، وفضاء نغرق به كلما هبّ نسيم أو فُتحت نافذة .
وأول نافذة في هذه الرواية عنوان آخر " ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة " ....
إذا هي الثورة ، العنف ، الحرب ، الدمار ، الوجع ، الصراع والإنسان والحقوق ثم الغايات والنتائج وبدايات النهايات من جديد . حروب مدمرة وجراح مفتوحة دون أن تطلق من سلاح رصاصة واحدة . حقوق تغتصب وأخرى تُسترد ، عنف وقتل وتدمير والساحات بعيدة شاسعة ، وفضاء الحرب محصور في آلة قد لاتتجاوز راحة اليد أحيانا ، أو سطح مرآة يعكس هذا الكون بأسره .
__☆ إثنان وعشرون فصلا في مئة واثنتين وعشرين صفحة سطرها كاتبها بمشاعر عابرة لجسور الحقيقة والواقع واليقين ، تتوسد أجساداً احترقت جمراً تحت أكوام الرماد ، لكنها تعلمت ألا تموت ، بل علمت الموت كيف ينسحب عندما تُشهر أسلحة الضمير والوعي والثقافة والثورة .
حكاية "عمر": ذاك الغصن العاري الذي عشق تراب الوطن واستنشق هواءه فأزهر قبل أن يصل الربيع وبقي خاشعاً لأجله خشوع الظل للشجر . ذاك االذي رمته الأقدار في فضاء مخنوق ، يسامر الأجهزة الإلكترونية ، يبحث على الجدران عن رائحة وطن ، عن ذاكرة تغفو بلا وجع ، عن صدى أنين الصامتين ، عن تمرد المقهورين ، عن الكذب والخوف والخداع في عالم أسطوريّ الحكايات ؛ وهو من كتب بلسانه الكاتب ( مستخدما ضمير الأنا ) تلك الكلمات التي وردت على الغلاف وكانت بداية الفصل الثامن في الرواية :
☆☆ص40 ....الفصل الثامن
" أنا الباحث عن الحقيقة التائهة في رحم المستحيلات .. لا أهدأ حتى ينام هذا المتكور في أعلى رأسي الذي يأخذ بزمام اندفاعي وتهوري .. كالإلكترون غير مستقر ، يسعى للهروب من مصيره الأبدي في سجن مداره اللانهائي.. دائما ما تلازمني هذه الكلمة اللعينة منذ الصغر بل كان يضج منها كل من حولي لإصراري على معرفة الإجابة، وهذه الكلمة هي التي كونت تشكيلي ووعيي ..لماذا .. لماذا .. لماذا نحيا ولماذا نموت ..لماذا تقوم الحروب ولماذا تخمد .. لماذا نضحك ولماذا نبكي .. إذا علمت الجواب .. فأنت حقا واهم. " .
ا============================
__" السيبراني " ليست رواية خيالية تحاكي الخيال العلمي مثلا ، وليست تاريخية تؤرخ لحدث أو لحقبة معينة أو تاريخ جيل ما ، رغم أنها تروي أحداثا وقعت كحادثة الطائرة المصرية ، أو ثورات الربيع العربي والتغيرات والتحولات التي طرأت سياسيا واجتماعيا وثقافيا وغيرها ، وتأثرها بالتطور التكنولوجي عبر الفضاء السيبراني ، ومن ثم مفهوم الهجوم السيبراني والأمن السيبراني .
فنقرأ منها ...
☆☆ص 20 .....الفصل الرابع
"الثورة
في نهار يوم الثلاثاء الموافق الخامس والعشرين من شهر يناير لعام 2011 توجه الآلاف من المصريين إلى الميادين العامة في كل المحافظات احتجاجا على الأوضاع المعيشية والسياسية والاقتصادية السيئة والفسادالذي استشرى في الحكومة في ظل نظام الرئيس حسني مبارك..................."
☆☆ص 36...." عندما أجلس إلى اجهزتي أشعر بشيء غريب .. وكأن اوردتي وشراييني اتصلت مباشرة بكل جزء صغير في الجهاز بل امتدت لتتحد بالعالم الخارجي عن طريق الانترنت........"
" .. تسللت إلى الصحيفة التي نشرت الخبر واستطعت أن اكسر جدار الحماية وأستولي على السيرفر الخاص بها حتى أصبح يسيرا لكل مخترق أن يدخل بسهولة ....."
☆☆ص42....
"...هناك أمن آخر لايقل أهمية عن دور كل من الجيش والشرطة ولكن السلاح فيها ليس البندقية أو الرصاص ولكن السلاح هو المعلومة ويسمى أمن المعلومات أو( الأمن السيبراني ) الذي يهدف إلى حماية وتأمين الفضاء الإلكتروني للبلاد وحماية الأنظمة والشبكات والبرامج في المنشآت الحيوية التي هي مفصل الحياة من الهجمات الرقمية ............."
☆☆ص49...." ألا تعرف .... الحقيقة أن العدو تغلب علينا بقدراته العقلية والتكنولوجية.. وهذا الذي لانريد أن نصدقه.. ستكون مصيبة لو أن غطاءنا قد انكشف وضعفت قدراتنا . سوف يتحكمون بنا كيفما يشاؤون ...."
☆☆ص69....الفصل الرابع عشر
" هل نحن على أبواب حرب تكنولوجيا جديدة ؟ لقد جربت أمريكا هذا النوع من الحروب من خلال الفيس بوك وتويتر والنت في ثورات الربيع العربي ويبدو انها حققت في ذلك نجاحات كبيرة، ولكن روسيا استطاعت أن تقلب الموازين وتحشد جيشا من لغة العصر وتضرب أمريكا في واحد من أهم واخطر أحداثها وهو اختيار رئيس الدولة الذي وصل إلى البيت الأبيض على أجنحة التكنولوجيا الروسية التي يبدو أنها تفوقت على تكنولوجيا العم سام ........"
☆☆ص 119__120....
" قاطعت هايدي الحديث وكأنها تتذكر شيئا مهما..
_ اتقول فرنسا ؟ متى كان ذلك بالضبط
فرك عمر جبهته حين تذكر هذا التاريخ الحزين ثم قال :
إنه بعد حادثة الطائرة المصرية مباشرة
__تقصد التي كانت قادمة من فرنسا ؟ ....."
__☆ إذا .. هو الكاتب والفنان التشكيلي المبدع " عطا عفيفي " الذي يغوص في عمق أعماق الواقع لينقله على السطور حكايا وكلمات ، أو ليرسمه لوحة فنية بريشة وألوان من كل أطياف الحياة ، محاولا التوفيق بين مايقدمه وما يقتضيه تطور العلم والتكنولوجيا وواقع المجتمعات وحياة الإنسان فيها والصراعات القائمة مع هذا الواقع والنتائج السلبية والإيجابية التي تتمخض عنها .
يهتم بالأحاسيس الداخلية للشخصيات والأحداث الخارجية المؤثرة ، يعرضها بكل موضوعية بعيدا عن الزخرف والتكلف والغموض أو تجميل وتحسين للواقع أو العالم الاجتماعي بكل دعائمه ومقوماته .
اعتمد الكاتب في سرده للأحداث الاتجاه الواقعي في الكتابة ، مايذكرنا بواقعية " نجيب محفوظ " في سرده لروايته " بين القصرين " ، حيث تفاصيل الأحداث تمثلت في أشكال السرد والوصف والقول ، في رؤية موضوعية شاملة ودقيقة ذات صلة بالواقع والمحيط . ففي هذه الرواية " السيبراني " ، رسم كاتبها " عطا عفيفي " للقارئ سلّماً للصعود به درجة درجة ، والتنقل بين حدث وآخر ، يزيح من أمامه أرتال الغيم ويمسح الضباب لتتضح معالم الطريق ، يمرر رسائله بين ذاته وشخصياته والآخر المنتظر على آخر درجات السلم ..يحطم كل قوالب التفكير الجاهزة والتوقعات التقليدية لنهايات محمولة على أكف الراحة إلى شواطئ الأمان ؛ معتمدا كذلك لغة سردية تنوعت بين حوارات خارجية وأخرى داخلية ( المنولوج ) ووصف وتقرير واقتباسات علمية وحقائق باقية مع الزمن ، كلما لفظت الأماكن ذكرياتها .
__في النهاية ، " السيبراني " رواية تضج بالأصوات ؛ أصوات جيل عاش القهر والذل والحرمان ، تمرد وثار فانقلبت الثورة ضده ليحيا الفقر والحرمان وسط تفشي الجريمة والنصب والاحتيال والكسب غير المشروع في ظل انحلال الأخلاق وضياع القيم ، وأصوات جيل التكنولوجيا والثورة التكنولوجية، صوت عمر ومجموعته التي تصل الليل بالنهار بحثا عن الحقيقة وماقد يحمله هذا الفضاء الإلكتروني والمتخفين في مداراته لبلادهم ، وفي النهاية صوت القلوب التي تنبض بالحب وهي تلتقي العقول فتتشابك وتصنع النجاح والسعادة والغد الجميل
* رواية " السيبراني " للكاتب المصري ( عطا عفيفي ) الصادرة عن دار " يافي " للنشر والتوزيع / مصر ....عام 2020
.
__ العنوان :" السيبراني " ، وصورة الغلاف شاب يقف على كومة من أجهزة إلكترونية ممسكاً بأسلاكها وحوله رموز وشيفرات ودلالات ؛ ليكشف لنا عن معنى العنوان :
" السيبراني "( cyber ) : وتعني الإلكترونية .. والفضاء السيبراني ( الإلكتروني ) هو كل مايتعلق بالشبكات الإلكترونية الحاسوبية وشبكة الانترنت , شبكات الحاسوب والتطبيقات المختلفة كالوتسأب والفيس بوك ....الخ ) .. والخدمات التي يتم تنفيذها من خلال تلك الإلكترونيات( كتحويل الأموال والشراء ومعظم الحالات الخدمية عبر العالم ) . أما عن استخدام طرق غير مشروعة لاختراق الخصوصيات العامة والخاصة بهدف الابتزاز وإلحاق الأذى بالآخرين أو عمليات التجسس وسرقة الإبتكارات وغيرها ، تسمّى ب ( الهجمات السيبرانية) .
والأمن السيبراني(cybersecurity ) : هو العمل على حماية الفضاء السيبراني من الهجمات السيبرانية، والحفاظ على استمرارية الأنظمة والمعلومات المتوفرة فيه وحمايتها بخصوصية وسرية تامة( أمن المعلومات ) واتباع التدابير والإجراءات اللازمة لذلك .
ثم بالنظر إلى الوجه الخلفي للغلاف ، نجد نصاً مكتوباً بصيغة الأنا ، العقل الباحث عن الحقيقة والذي يدور كالإلكترون في مداراته وفضاءاته ... فهل هو ذاك الواقف على الجدار الأول للغلاف ؟ أم هو الكاتب نفسه الملحقة سيرته الذاتية أو شيئا منها نهاية النص ؟ أم هو عالم التكنولوجيا وأسراره وهيئاته وتطوراته وما خفي منها ؟
__ نلج إلى الرواية لنبدأ مع مقدمة تعيدنا إلى حادثة الطائرة المصرية ( الرحلة 804 ) القادمة من مطار "شارل ديغول "في فرنسا والتي تحطمت بعد دخولها المجال الجوي المصري ب 10 أميال بعد اختفاء الطائرة من الرادار يوم 19 مايو 2016 ، و تم العثور على حطامها بالقرب من جزيرة كارباثوس اليونانية ، وكُشف عن جسم غريب ربما التصق بجسم الطائرة ، كان يعتقد أنه عطّل عمل الرادارات وأنظمة التحكم . وقد تضاربت الأنباء عن سبب تحطمها والمسؤولين عنه . فهل سنقرأ عنها بين دفتي هذا الكتاب ؟ وهل يريد الكاتب أن يكشف لنا تفاصيل أكثر عن السيبراني والهجمات السيبرانية ودور الأمن السيبراني في تلك الحادثة فقط ؟ أم سيأخذنا إلى أبعد من هذا بكثير يتجول بنا في مدارات هذا الفضاء الإلكتروني ؟
__حدثٌ يشدنا للمتابعة في خضم تساؤلات كثيرة وتشوّق لمعرفة تفاصيل أكثر عن عالم يحيط بنا ويفرض نفسه بالقوة عبر أجهزة إلكترونية باتت في يد الصغير والكبير ، وفضاء نغرق به كلما هبّ نسيم أو فُتحت نافذة .
وأول نافذة في هذه الرواية عنوان آخر " ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة " ....
إذا هي الثورة ، العنف ، الحرب ، الدمار ، الوجع ، الصراع والإنسان والحقوق ثم الغايات والنتائج وبدايات النهايات من جديد . حروب مدمرة وجراح مفتوحة دون أن تطلق من سلاح رصاصة واحدة . حقوق تغتصب وأخرى تُسترد ، عنف وقتل وتدمير والساحات بعيدة شاسعة ، وفضاء الحرب محصور في آلة قد لاتتجاوز راحة اليد أحيانا ، أو سطح مرآة يعكس هذا الكون بأسره .
__☆ إثنان وعشرون فصلا في مئة واثنتين وعشرين صفحة سطرها كاتبها بمشاعر عابرة لجسور الحقيقة والواقع واليقين ، تتوسد أجساداً احترقت جمراً تحت أكوام الرماد ، لكنها تعلمت ألا تموت ، بل علمت الموت كيف ينسحب عندما تُشهر أسلحة الضمير والوعي والثقافة والثورة .
حكاية "عمر": ذاك الغصن العاري الذي عشق تراب الوطن واستنشق هواءه فأزهر قبل أن يصل الربيع وبقي خاشعاً لأجله خشوع الظل للشجر . ذاك االذي رمته الأقدار في فضاء مخنوق ، يسامر الأجهزة الإلكترونية ، يبحث على الجدران عن رائحة وطن ، عن ذاكرة تغفو بلا وجع ، عن صدى أنين الصامتين ، عن تمرد المقهورين ، عن الكذب والخوف والخداع في عالم أسطوريّ الحكايات ؛ وهو من كتب بلسانه الكاتب ( مستخدما ضمير الأنا ) تلك الكلمات التي وردت على الغلاف وكانت بداية الفصل الثامن في الرواية :
☆☆ص40 ....الفصل الثامن
" أنا الباحث عن الحقيقة التائهة في رحم المستحيلات .. لا أهدأ حتى ينام هذا المتكور في أعلى رأسي الذي يأخذ بزمام اندفاعي وتهوري .. كالإلكترون غير مستقر ، يسعى للهروب من مصيره الأبدي في سجن مداره اللانهائي.. دائما ما تلازمني هذه الكلمة اللعينة منذ الصغر بل كان يضج منها كل من حولي لإصراري على معرفة الإجابة، وهذه الكلمة هي التي كونت تشكيلي ووعيي ..لماذا .. لماذا .. لماذا نحيا ولماذا نموت ..لماذا تقوم الحروب ولماذا تخمد .. لماذا نضحك ولماذا نبكي .. إذا علمت الجواب .. فأنت حقا واهم. " .
ا============================
__" السيبراني " ليست رواية خيالية تحاكي الخيال العلمي مثلا ، وليست تاريخية تؤرخ لحدث أو لحقبة معينة أو تاريخ جيل ما ، رغم أنها تروي أحداثا وقعت كحادثة الطائرة المصرية ، أو ثورات الربيع العربي والتغيرات والتحولات التي طرأت سياسيا واجتماعيا وثقافيا وغيرها ، وتأثرها بالتطور التكنولوجي عبر الفضاء السيبراني ، ومن ثم مفهوم الهجوم السيبراني والأمن السيبراني .
فنقرأ منها ...
☆☆ص 20 .....الفصل الرابع
"الثورة
في نهار يوم الثلاثاء الموافق الخامس والعشرين من شهر يناير لعام 2011 توجه الآلاف من المصريين إلى الميادين العامة في كل المحافظات احتجاجا على الأوضاع المعيشية والسياسية والاقتصادية السيئة والفسادالذي استشرى في الحكومة في ظل نظام الرئيس حسني مبارك..................."
☆☆ص 36...." عندما أجلس إلى اجهزتي أشعر بشيء غريب .. وكأن اوردتي وشراييني اتصلت مباشرة بكل جزء صغير في الجهاز بل امتدت لتتحد بالعالم الخارجي عن طريق الانترنت........"
" .. تسللت إلى الصحيفة التي نشرت الخبر واستطعت أن اكسر جدار الحماية وأستولي على السيرفر الخاص بها حتى أصبح يسيرا لكل مخترق أن يدخل بسهولة ....."
☆☆ص42....
"...هناك أمن آخر لايقل أهمية عن دور كل من الجيش والشرطة ولكن السلاح فيها ليس البندقية أو الرصاص ولكن السلاح هو المعلومة ويسمى أمن المعلومات أو( الأمن السيبراني ) الذي يهدف إلى حماية وتأمين الفضاء الإلكتروني للبلاد وحماية الأنظمة والشبكات والبرامج في المنشآت الحيوية التي هي مفصل الحياة من الهجمات الرقمية ............."
☆☆ص49...." ألا تعرف .... الحقيقة أن العدو تغلب علينا بقدراته العقلية والتكنولوجية.. وهذا الذي لانريد أن نصدقه.. ستكون مصيبة لو أن غطاءنا قد انكشف وضعفت قدراتنا . سوف يتحكمون بنا كيفما يشاؤون ...."
☆☆ص69....الفصل الرابع عشر
" هل نحن على أبواب حرب تكنولوجيا جديدة ؟ لقد جربت أمريكا هذا النوع من الحروب من خلال الفيس بوك وتويتر والنت في ثورات الربيع العربي ويبدو انها حققت في ذلك نجاحات كبيرة، ولكن روسيا استطاعت أن تقلب الموازين وتحشد جيشا من لغة العصر وتضرب أمريكا في واحد من أهم واخطر أحداثها وهو اختيار رئيس الدولة الذي وصل إلى البيت الأبيض على أجنحة التكنولوجيا الروسية التي يبدو أنها تفوقت على تكنولوجيا العم سام ........"
☆☆ص 119__120....
" قاطعت هايدي الحديث وكأنها تتذكر شيئا مهما..
_ اتقول فرنسا ؟ متى كان ذلك بالضبط
فرك عمر جبهته حين تذكر هذا التاريخ الحزين ثم قال :
إنه بعد حادثة الطائرة المصرية مباشرة
__تقصد التي كانت قادمة من فرنسا ؟ ....."
__☆ إذا .. هو الكاتب والفنان التشكيلي المبدع " عطا عفيفي " الذي يغوص في عمق أعماق الواقع لينقله على السطور حكايا وكلمات ، أو ليرسمه لوحة فنية بريشة وألوان من كل أطياف الحياة ، محاولا التوفيق بين مايقدمه وما يقتضيه تطور العلم والتكنولوجيا وواقع المجتمعات وحياة الإنسان فيها والصراعات القائمة مع هذا الواقع والنتائج السلبية والإيجابية التي تتمخض عنها .
يهتم بالأحاسيس الداخلية للشخصيات والأحداث الخارجية المؤثرة ، يعرضها بكل موضوعية بعيدا عن الزخرف والتكلف والغموض أو تجميل وتحسين للواقع أو العالم الاجتماعي بكل دعائمه ومقوماته .
اعتمد الكاتب في سرده للأحداث الاتجاه الواقعي في الكتابة ، مايذكرنا بواقعية " نجيب محفوظ " في سرده لروايته " بين القصرين " ، حيث تفاصيل الأحداث تمثلت في أشكال السرد والوصف والقول ، في رؤية موضوعية شاملة ودقيقة ذات صلة بالواقع والمحيط . ففي هذه الرواية " السيبراني " ، رسم كاتبها " عطا عفيفي " للقارئ سلّماً للصعود به درجة درجة ، والتنقل بين حدث وآخر ، يزيح من أمامه أرتال الغيم ويمسح الضباب لتتضح معالم الطريق ، يمرر رسائله بين ذاته وشخصياته والآخر المنتظر على آخر درجات السلم ..يحطم كل قوالب التفكير الجاهزة والتوقعات التقليدية لنهايات محمولة على أكف الراحة إلى شواطئ الأمان ؛ معتمدا كذلك لغة سردية تنوعت بين حوارات خارجية وأخرى داخلية ( المنولوج ) ووصف وتقرير واقتباسات علمية وحقائق باقية مع الزمن ، كلما لفظت الأماكن ذكرياتها .
__في النهاية ، " السيبراني " رواية تضج بالأصوات ؛ أصوات جيل عاش القهر والذل والحرمان ، تمرد وثار فانقلبت الثورة ضده ليحيا الفقر والحرمان وسط تفشي الجريمة والنصب والاحتيال والكسب غير المشروع في ظل انحلال الأخلاق وضياع القيم ، وأصوات جيل التكنولوجيا والثورة التكنولوجية، صوت عمر ومجموعته التي تصل الليل بالنهار بحثا عن الحقيقة وماقد يحمله هذا الفضاء الإلكتروني والمتخفين في مداراته لبلادهم ، وفي النهاية صوت القلوب التي تنبض بالحب وهي تلتقي العقول فتتشابك وتصنع النجاح والسعادة والغد الجميل
* رواية " السيبراني " للكاتب المصري ( عطا عفيفي ) الصادرة عن دار " يافي " للنشر والتوزيع / مصر ....عام 2020