الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين ازدهار ام انحدار؟
الغرب يدعو إلى علمنة التعليم والأسرة لضرب الأمّة من جذورها
يؤكد مفكرون أن انحدار الأمة الإسلامية وراء عدم التزام أهلها و خاصة العلماء و الفقهاء بالخطاب الديني في مواجهة "الفكر الغربي" و "العولمة" التي عمقت جذورها حتى دخلت الأسرة ثم المدرسة و هذا راجع لإنقسام المسلمين و صراعاتهم من أجل التموقع و الوصول إلى الحكم، حيث أهملوا جانبا مهما من القضايا التي لا تنهض الأمة بدونهما فكانوا سببا في عزل روح الأمة و شرفها و كيانها، حتى أصبحت هذه القضايا تشكل خطورة على حياة المجتمع الإسلامي، و قد سمحت للفكر الغربي أن يتسلل داخل المجتمع عن طريق علمنة المنظومة الأسرية و التربوية و ضربهما في العمق و بواسطة الإنفتاح المفرط، هي دعوات الإصلاح المسمومة الوافدة على منطقة الشرق لإخراج الإنسان المسلم عن نهجه الربّاني فتجده يبحث عن ملذات الحياة باسم الخصوصية
لم يكن التناقض الرئيسي في الإسلام قائما بين إيمان و إلحاد، بل بين إسلام روحي و إسلام زمني ( مرحلي) و بين تيار عقلاني و آخر إشراقي، الأول ينطلق من مفهوم خاص للإسلام يجد في ابن رشد ذروته الفكرية مارا بالمعتزلة و الفرابي و الغزالي و التيار الثاني ينطلق من مفهوم آخر للإسلام و يمر بالحلاج و السهروردي، لكن من نعم الله على البشرية في العصر الحديث تلك النهضة العلمية و التكنولوجيا التي طالت كل مظاهر الحياة و التي منها هذا التقدم الهائل في وسائل الإتصالات الحديثة المتمثلة في الفضائيات و الإنترنت، إلا أن هذه الوسائل سلاح ذو حدين، فكما نجد المواقع الهادفة، هناك مواقع هدامة، فالعولمة عن طريق الإنترنت جعلت المجتمع المسلم أكثر ابتعادا عن المنهج الرباني لأن الخطاب الديني في البلدان الإسلامية ابتعد عن جوهره ، فكم من الخطباء أصبحوا موالون للسلطة، و أهملوا الرسالة التي أوكلت إليهم في تنوير المجتمع و تهذيب النفس البشرية و إصلاحها، فبعضهم فرطوا في الإلتزام بقواعد الخطاب الديني و آخرون أفرطوا فيه إلى درجة التعصب و المغالاة و إطلاق فتاوى لا يقبلها عاقل، لذا كان من الضروري المطالبة بإعادة النظر في الخطاب الديني و تجديده.
ومن الذين دعوا إلى مراجعة الخطاب الديني ما ذهب إليه الدكتور محمد نعيم محمد هاني ساعي أستاذ الفقه و أصوله بالجامعة الأمريكية المفتوحة الذي دعا إلى ضرورة تجديد الخطاب الديني داخل المساجد و التركيز على قضايا الأسرة و ما يهددها من مخاطر فيجد لها من الخطاب ما يناسبها و يتفاعل معها، ففي كتابه بعنوان: "الخطاب الديني بين تحديث الدخلاء و تجديد العلماء" الصادر عن دار السلام للطباعة و النشر و التوزيع و الترجمة ينتقد الدكتور محمد نعيم محمد هاني ساعي الخطاب الديني المعاصر، كون هذا الخطاب مرتبط بالمرجعية الدينية للمجتمع الإسلامي، و هذه المرجعية كما يُلاحظ منقسمة و غير موحدة و مختلفة من مجتمع لآخر، فالخطاب الديني كما جاء في الكتاب له صفات و هي الشمولية و الواقعية، معايشة الأمة و قضايا الساعة و من صفاته كذلك الأمانة و الصدق و النزاهة و الحكمة، و قال أن الخطاب الديني له ثوابت و أصول، و قد خص الكاتب لهذه الصفات بالشرح و التفصيل (من الصفحة 72 حتى الصفحة 76 )، ليوضح أنه لابد للخطاب الديني أن يرتب أولويات خطابه و الأولويات في نظره هي تلك القضايا التي تشد حاجة الجمهور من الناس سماعها او معرفة حكم الشرع فيها، و لا يقف عند حدود شرح طريقة الوضوء و نواقضه في خطبة الجمعة.
و قال أن الخطاب الديني يشترط مراعاة الأحداث و الأزمان و الظروف لكي يعطي لكل ذي حق حقه، كما على الخطاب الديني أن يراعي نوع الجمهور و وجهته و زمان خطابه، لأن الجمهور يختلف من حيث المستوى و الطبقة، حتى أن البشر انواع و أمزجة و طبائع و استعدادات مختلفة، فهناك الروحاني و العقلاني و العاطفي و العصبيّ ( من العصبية) و هناك حادُّ الطبع، إذ لا يجوز لكل من هبّ و دبّ أن يلقي خطابا دينيا أو يصدر فتوى أو يناظر و يباحث في مسألة دينية، فالمفتي و الفقيه والعالم و الداعية والإمام و الخطيب يجب عليه أن يكون حاملا لرسالة الأنبياء و شرف نقلها إلى الناس و أن يلتزم بأخلاق الأنبياء و سندهم، والسند هو التلقي عن العلماء الراسخين في حلقاتهم العلمية في كل موقع ( المساجد، النوادي، المدرسة و الجامعة )، وقد أشار الكاتب في العنوان الفرعي ( ص 87) الذي جاء بالصيغة التالية: عالِمٌ رَخِيصٌ و قارئٌ سفيهٌ يشترون بآيات الله ثمنا قليلا، لخطورة الوضع ، كما قدم الدكتور محمد نعيم محمد هاني ساعي عينة من المشكلات التي يغرق فيها المجتمع المسلم عندما تحدث في الصفحات ( 215،216، 217، 218) عن العلاقات بين الناس و بالأخص مسألة الزواج و تعدد الزوجات و مشروعيته و ما جاءت به أحكام الإسلام و مقاصده، نعرض هنا بعض الملاحظات حول الخطاب الديني الحالي و ما يحدث في الحياة اليومية للمجتمع المسلم.
الملاحظة الأولى: تتعلق بما يحدث في المؤتمرات التي تنظمها الأحزاب السياسية، حيث عادة ما تفتح مؤتمرها بآيات من ذكر الله الحكيم، و النشيد الوطني ثم فجأة يتحول المؤتمر إلى حلبة صراعات من أجل التموقع ، هذه الصراعات ترافقها بعض السلوكات اللاأخلاقية تصل إلى حد سب الله و الطعن في الدين فضلا عن سماع الكلمات البذيئة التي يخجل الإنسان من سماعها أمام رفيقه في النضال أو امرأة تقف في مكان قريبا منه ، فلا هم احترموا القرآن الذي كان يتلى على مسامعهم، و لا هم احترموا النشيد الوطني، ألا يمكن القول أن هذا الإمام الذي افتتح المؤتمر أساء للخطاب الديني، لأنه حضر مَجْمَعِ لا تراع فيه الحرمات.
الملاحظة الثانية: الجدل القائم حول الحديث الشريف في قوله صلعم: "خيركم.. خيركم لأهله" أخرجها الترمذي عن عائشة بسند صحيح، أريد بها أنه إذا كان المتحدث باسم الدين خارج بيته كريما فميزان الرسول يقتضي أن يكون لأهل بيته أكرم، و إذ كان خارج بيته متأدبا لبقا فالواجب ان يكون داخل بيته أكثر لباقة و أدبا، إذا كان مع الناس حليما صبورا فالميزان النبوي يقتضي أن يكون مع أهله أكثر حلما و اشد صبرا و هكذا، فهذا الحديث أعطيت له عدة تفسيرات، منهم من قال أن كل من يستعمل خطابا مزدوجا و مختلفا أي ان ما يقوله خارج بيته لا ينبغي ان يقوله داخل بيته، اي أنه حر يقول ما يشاء و يفعل ما يشاء خارج بيته و كأن الشارع ليس له حرمة، فهناك من انتقد الدعاة و وضعوهم فوق المشرحة و وقفوا على مظاهر الإزدواجية و الإنفصام لدى الدعاة و العاملين في مجالات الدعوة إلى الله ، فهو أمام الناس شيئ و بينه و بين نفسه شيئ مناقض ، يعيش صراعا بين متطلبات الدعوة و خصائص و احتياجات المرحلة العمرية كون البعض يعاني من مشكلات العلاقة مع الجنس الآخر و غيرها من الأمثلة، المشكلة أن هناك من فهم الحديث خطأ، بحيث فسره بأن خيركم لأهله أي أنه يصون أهل بيته و يحافظ على كرامتهم و شرفهم أما باقي الناس خارج البيت فهو غير ملزم بذلك وغير مسؤول عنهم.
الملاحظة الثالثة: وهي تتعلق بالممارسات السياسية التي تقوم بها بعض الجماعات الإسلامية إذ يلاحظ أن بعض المتطرفين استغلوا الجهاد في سبيل الله من أجل إغراء النساء و الإيقاع بهن ، ففي الجزائر مثلا و على غرار البلدان التي عاشت الحروب الأهلية ، فقد حوّل هؤلاء المرأة المسلمة إلى "انتحارية"، و أخريات تحوّلن إلى "جواري"، الطامة أن الفئة الثانية أنجبن أطفالا، فيما أطلق عليهم اسم: " أبناء الجبل" و السلطات العمومية الآن تبحث لهم عن حلول لإدماجهم وسط المجتمع، في حين نجد بعض الأزواج الراغب في ربط علاقة بامرأة أخرى باسم الخصوصية، و لتحقيق هدفه يلجأ إلى الطرق اليسيرة و هو الزواج "العرفي" أو كما يسمونه بزواج المسيار عند أهل الجماعة و السنة ، و زواج المتعة عند فرق الشيعة.
و كما يقول المنظرون في حقل الأسرة و التربية:" لكل شيئ أصل يُبْنَى عليه و لكل بناءِ قواعدٌ و أسسٌ، و لئن ذهب أصل الشيئ و أساسه فقد ذهب الشيئ كله"، و بالرغم من أن الزواج العرفي شرعيٌّ فالسؤال الذي يمكن أن يطرح هنا: هل يرضى رجل عاقل أن تتزوج ابنته أو أخته زواجا عرفيا؟ ثم إن كان هذا الرجل يكن و لو بشيئ قليل لهذه المرأة/الفتاة من المودة و الإحترام ألا يحق له أن يمنحها لقبه ويصبح زواجهما كاملا و هذا من باب صون كرامتها و كبريائها، كانت السلطات الجزائرية ( كعينة) في فترة ما ، قد اتخذت بعض الإجراءات القانونية فيما يخص الأحوال الشخصية، حيث اشترطت على من يرغب في الزواج بثانية موافقة الزوجة الأولى و تكون حاضرة أمام القاضي لتوقع على زواجه بأخرى ثم ألغيت هذه الإجراءات، ثم أنه من يخفي زواجه عن زوجته الأولى وأهله فكيف يكون خيرا لأهله؟ و كيف له أن يقتدي بالرسول الصادق الأمين الذي امر بالصدق و الأمانة و العدل و الإحسان قبل نزول عليه الوحي؟.
الخطاب الديني و ظاهرة التطرف و الإرهاب
كان هذا عنوان فرعي ضمنه صاحب الكتاب في الصفحة 155 من كتابه، ففقدان المرجعية الدينية أو تغييبها عمدا تفتقت عنها عقليات بعض من كانوا محسوبين على الحركات الإسلامية أو ممن تأثروا بها و بعض من لا صلة لهم بحركة أو جماعة ، حيث تبنوا كما يقول المؤلف فكرا ساذجا غريبا أو فهما شاذا و تولدت عن هذا الفكر الساذج تيارات متطرفة و اتجاهات حديثة مغالية، فالتعددية الفكرية الدينية و الإنقسامات جعلت الأصوات مشتتة و المواقف متناقضة ، حيث لم يجد هؤلاء من وسيلة التعبير عن فكرهم و رأيهم أقوى من القتل و التفجير و إرهاق الأرواح و سفك الدماء و العبث بالمصالح و المرافق العامة و الخاصة لأن ساحة الخطاب الديني المعتدل غائبة فكان الخطاب الديني المتطرف هو البديل، لدرجة أن أصبح لكل جماعة مرجعيتها الدينية، فنقرأ عن شيعة ابن تيمية والألباني و شيعة البنّا و قطب في مصر، و شيعة محمد عبد الوهاب في السعودية وبعض الأقطار العربية، و الشنقيطي في السودان، أما في الجزائر فهم متعددوا المرجعيات ، فمنهم من جعل الشيخ محمد الغزالي و البوطي مرجعيته الدينية، و هناك شيعة علي بن أبي طالب و ابنه الحسين، وتقابلها الوهابية و بدأنا نسمع عن شيعة علي بن حاج و هم أنصار الفيس الذين لا زالوا يحلمون بالعودة، الغريب أن علي بن حاج له مؤيدوه و مناصروه و هم كثر يضعون فيه ثقتهم، دون الحديث عن المذاهب الحديثة الظهور التي كانت تنشط في الخفاء كالمدخلية و الأحمدية وغيرها..
لم يكن الغرب غافلا عما يحدث في الشارع الشرقي و المشكلات التي يغرق فيها المجتمع الإسلامي و تغيير الخطاب الديني الذي امتد إلى حد التحريض فتعامل معه على أنه حقيقة و لاعب أساسي لا يمكن الإستخفاف به أو تجاهله لأن بعض الذين انزووا على المنابر يفتقرون إلى لغة الخطاب الديني المعتدل، إن أولئك كما قال عنهم صاحب الكتاب لا يصلحون أن يكلمون أنفسهم فكيف يصلحون لخطابة الجمهور و عظته إذ يقول: " إنما يرتقي المنبر من يمثل أعلى مراكز البيان ( الخطاب الديني) أما الهواة فلا يجوز لهم ذلك، فكم نقل هؤلاء و أشباههم معلومة خاطئة أو حديثا ضعيفا لا يصح لحال و كم أحدث بعضهم فتنة أو قلاقل..الخ"، لدرجة أنهم كانوا لعبة بين ايدي الغرب الذي استغل الأحداث و جعلها سلاحا يضرب به الأسرة المسلمة هذا عن طريق علمنة التعليم، أي عزل التاريخ و التربية الإسلامية من قاعات الدرس فلا يجوز أن يفهم الطالب المسلم (الشرقي) أن الحصانة الأخلاقية و الحماية الإجتماعية لا تأتي عن طريق الدين و الأعراف و المبادئ و الأخلاق و إنما تأتي عن طريق الإنفتاح، هي دعوة الإصلاح المسمومة لإخراج المسلم عن نهجه الرباني.
الإتحاد العالمي للعلماء المسلمين ازدهار أم انحدار؟
و لذا نجد المؤلف يُحَمِّلُ المجتمع المسلم المسؤولية في إفراز هذه الظواهر الخطيرة مثلما جاء في الصفحة 156 من الكتاب عندما قال: إن أبواق الباطل مسموعة مشروعة و أصوات الحق متهمة ممنوعة، و لعل هذا ينطبق على الإخوان في مصر و النهضة في تونس، و الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر التي منعت من حقها في المشاركة السياسية رغم تدابير المصالحة الوطنية و القوانين التي صدرت في هذا الشأن، إنها كما يقول دوّامة من المتناقضات و أمواج متلاطمة من الأضداد و المتعارضات و هذا هو التطرف و الإرهاب بعينه، و للفصل في هذه المشكلات وما يواجه المسلمين من مظاهر العنف و التطرف و المغالاة في إطلاق الفتاوى اضطر علماء الأمة و فقهائها إنشاء هيئة عامة أو مجمع ينظم أمورهم و هو اتحاد رابطة العلماء المسلمين فلا يحق لأيّ كان أن يفتي في مسألة من المسائل سواء كان عالما أو فقيها إلا بموافقة تلك الهيئة، بحيث يخرج العلماء و الفقهاء الموثوق فيهم على الجمهور من المسلمين و عامتهم برأي موحد و لو وجد من يعارض من داخل تلك الهيئة، لكن أين هي رابطة العلماء المسلمين اليوم؟؟، فهي تتأرجح بين الازدهار و الانحدار، و الدليل الصراع القائم حاليا بين علماء متخصصين نشأوا في احضان العالم الإسلامي ( قضية أحمد الريسوني رئيس الاتحاد و تهجمه على الجزائر بسبب الصراع الدائر بينها و بين المغرب و هذا ما يؤكد على الغياب الكلي للخطاب الديني و ثقافة الحوار حتى بين العلماء الذين كان من المفروض أن يكونوا وسطاء بين الحكام و الحكومات لفض النزاعات القديمة و التي لم يتم الفصل فيها إلى الآن، فالصراع بين حكومات لها قاسم مشترك في اللغة و الدين و الثقافة.
الملاحظة الرابعة: و هنا تجدر بنا لأن نفتح قوسا صغيرا بالرجوع إلى المرجعية الدينية التي تمت إليها الإشارة للوقوف فيما يحدث الآن و الحال الذي وصلت إليه الأمة بسبب تعدد الفتاوى و كثرة المفتين، بحيث أصبح كل من هب و دب يقول أنا مفتي و سمحت لهم أنفسهم إطلاق فتاوى دون سند شرعي أو دون حوار و نقاش في المسائل المنازع فيها، إن غياب ملتقيات الفكر الإسلامي و حوار الأديان و الثقافات و توقف المناظرات العلمية الدينية أخلطت كل الأوراق، بعد غلق باب الإجتهاد ، فكل واحد يُكَفِّرُ الآخر لمجرد أن هذا الأخير اجتهد و أبدى رأيه في مسألة تتعلق بالفكر الديني في ظل الصراع بين الأصوليين و الحداثيين، و كأن هؤلاء أرادوا أن يكونوا شركاء مع الله في الحكم أو نواب عنه و خلفاء، و قد كانوا بسبب تعصبهم و تشددهم سببا في تنفير المسلمين من دينهم، لأنه لم يكن لديهم كما يقول الكاتب تصورٌ للقضايا الكبرى في الإسلام، يقول الدكتور محمد نعيم محمد هاني ساعي في الصفحة 169 من الكتاب: "إن دور العلماء هو تفنيد الأفكار الباطلة و النحل الفاسدة و الآراء الشاذة في حالة قيام شبهة من الشبهات و ذلك بدافع من الغيرة الدينية و الشعور بالمسؤولية.
فما أحوج الأمة اليوم إلى إحياء دينها و معالم عزها و مجدها و تجديد خطابها الديني عن طريق علمائها و حكامها لا عن طريق مراهقين اطلعوا على بعض الكتيبات أو المطويات و ادّعوا أنها فقها و فتوى يغسلون بها عقول الجهلة و السذج، و كم من المتعصبين من جعلوا من الشباب انتحاريين باسم الجهاد في سبيل الله ( و لتكن منكم أمة يدعون إلى الخير و يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر - الآية 104 من سورة آل عمران)، الحقيقة فقد أثارت في نفسي جرأة المؤلف و هو ينتقد بعض العلماء و الفقهاء، إذ نقرأ قوله في الصفحة 174: " سقى الله أياما كانت لفتوى العالم فيها هيبة تهزّ لها عروشٌ و ممالكٌ، ثم استدار الزمان و انقلبت الأيام فإذا بفتوى العلماء تتخذ من دور الإفتاء سكنا لا تغادره أو قبرا لا تفارقه قد أكل عليها الدهر و شرب، لا نرى نورا و لا هواءً و لا شمسا و لا ضياء"، فمنصب الإفتاء كما يقول لا يأتي من خلال تحزب يتحزبه أو جماعة أو حركة سياسية يتعلق باسمها، فهيبة المفتي تأتي من خلال قلبه و لسانه، فلا يبقى الدين حبيس المنابر في المساجد ،بل عليهم أن ينزلوا إلى الساحة و معانقة الجماهير.
ما جاء في كتاب الدكتور محمد نعيم محمد هاني ساعي كان تشخيصا دقيقا لواقع الخطاب الديني الإسلامي و شخصية الدعاة و الفقهاء، و قد تعرض باحثون آخرون إلى هذه الإشكالية و من بينهم رمضان فوزي محرر بالنطاق الدعوي بشبكة إسلام أون لاين عندما نقل اعترافات بعض الخطباء في كتاب له بعنوان سكيزوفرينيا الدعاة و مظاهر الإزدواجية و الإنفصام لدى الدعاة و العاملين في مجالات الدعوة إلى الله، من أجل الوقوف على الحقيقة ، حيث اشار إلى وجود مشاكل في التطبيق و أن افتقاد القدوة هو سبب التدين المغشوش، يقول رمضان فوزي: هناك داعية يريد الدنيا و هناك داعية عصبيّ و هناك داعية عنيف حتى في خطابه مع الآخر و هناك دعاة ضيقي الأفق، و قد اعتمد رمضان فوزي في تشخيص شخصية الدعاة على الأسئلة و الإستشارات التي يطرحها العامة و طريقة معاملة الدعاة للجمهور، خاصة و أن هناك دعاة يعانون من انفصام في الشخصية حاول رمضان فوزي تبسيطها و وضع لها بعض الحلول، فالدعاة و العلماء و الفقهاء قبل كل شيئ بشر و معرضون للخطأ و النسيان، و قد دعا المهتمون بالخطاب الديني في الإسلام و ضرورة تجديده الجماعات الإسلامية أن تعيد النظر في افكارها و فلسفتها و برامجها و أن تنتقد ذاتها و قبولها مبدأ الإعتراف بالآخر ( المعارض) و الإستماع إليه، أي أن لا تكون جماعة ضغط و تهديد و وعيد، تُكَفِّرُ و تقتلُ و تنفر الناس من الدين بتعصبها، فالإسلام كما يقال كلما تزمنن كلما انحاز إلى الطبقات المسيطرة، و إذا تزمنن فهو قد تمأسس و خرج عن دوره الريادي .
علجية عيش مع ملاحظات
صحفية و مؤلفة في رصيدي خمس كتب
و أعمال منتهية تنتظر الطبع، من بينها رواية
و مشروع كتاب جديد
الغرب يدعو إلى علمنة التعليم والأسرة لضرب الأمّة من جذورها
يؤكد مفكرون أن انحدار الأمة الإسلامية وراء عدم التزام أهلها و خاصة العلماء و الفقهاء بالخطاب الديني في مواجهة "الفكر الغربي" و "العولمة" التي عمقت جذورها حتى دخلت الأسرة ثم المدرسة و هذا راجع لإنقسام المسلمين و صراعاتهم من أجل التموقع و الوصول إلى الحكم، حيث أهملوا جانبا مهما من القضايا التي لا تنهض الأمة بدونهما فكانوا سببا في عزل روح الأمة و شرفها و كيانها، حتى أصبحت هذه القضايا تشكل خطورة على حياة المجتمع الإسلامي، و قد سمحت للفكر الغربي أن يتسلل داخل المجتمع عن طريق علمنة المنظومة الأسرية و التربوية و ضربهما في العمق و بواسطة الإنفتاح المفرط، هي دعوات الإصلاح المسمومة الوافدة على منطقة الشرق لإخراج الإنسان المسلم عن نهجه الربّاني فتجده يبحث عن ملذات الحياة باسم الخصوصية
لم يكن التناقض الرئيسي في الإسلام قائما بين إيمان و إلحاد، بل بين إسلام روحي و إسلام زمني ( مرحلي) و بين تيار عقلاني و آخر إشراقي، الأول ينطلق من مفهوم خاص للإسلام يجد في ابن رشد ذروته الفكرية مارا بالمعتزلة و الفرابي و الغزالي و التيار الثاني ينطلق من مفهوم آخر للإسلام و يمر بالحلاج و السهروردي، لكن من نعم الله على البشرية في العصر الحديث تلك النهضة العلمية و التكنولوجيا التي طالت كل مظاهر الحياة و التي منها هذا التقدم الهائل في وسائل الإتصالات الحديثة المتمثلة في الفضائيات و الإنترنت، إلا أن هذه الوسائل سلاح ذو حدين، فكما نجد المواقع الهادفة، هناك مواقع هدامة، فالعولمة عن طريق الإنترنت جعلت المجتمع المسلم أكثر ابتعادا عن المنهج الرباني لأن الخطاب الديني في البلدان الإسلامية ابتعد عن جوهره ، فكم من الخطباء أصبحوا موالون للسلطة، و أهملوا الرسالة التي أوكلت إليهم في تنوير المجتمع و تهذيب النفس البشرية و إصلاحها، فبعضهم فرطوا في الإلتزام بقواعد الخطاب الديني و آخرون أفرطوا فيه إلى درجة التعصب و المغالاة و إطلاق فتاوى لا يقبلها عاقل، لذا كان من الضروري المطالبة بإعادة النظر في الخطاب الديني و تجديده.
ومن الذين دعوا إلى مراجعة الخطاب الديني ما ذهب إليه الدكتور محمد نعيم محمد هاني ساعي أستاذ الفقه و أصوله بالجامعة الأمريكية المفتوحة الذي دعا إلى ضرورة تجديد الخطاب الديني داخل المساجد و التركيز على قضايا الأسرة و ما يهددها من مخاطر فيجد لها من الخطاب ما يناسبها و يتفاعل معها، ففي كتابه بعنوان: "الخطاب الديني بين تحديث الدخلاء و تجديد العلماء" الصادر عن دار السلام للطباعة و النشر و التوزيع و الترجمة ينتقد الدكتور محمد نعيم محمد هاني ساعي الخطاب الديني المعاصر، كون هذا الخطاب مرتبط بالمرجعية الدينية للمجتمع الإسلامي، و هذه المرجعية كما يُلاحظ منقسمة و غير موحدة و مختلفة من مجتمع لآخر، فالخطاب الديني كما جاء في الكتاب له صفات و هي الشمولية و الواقعية، معايشة الأمة و قضايا الساعة و من صفاته كذلك الأمانة و الصدق و النزاهة و الحكمة، و قال أن الخطاب الديني له ثوابت و أصول، و قد خص الكاتب لهذه الصفات بالشرح و التفصيل (من الصفحة 72 حتى الصفحة 76 )، ليوضح أنه لابد للخطاب الديني أن يرتب أولويات خطابه و الأولويات في نظره هي تلك القضايا التي تشد حاجة الجمهور من الناس سماعها او معرفة حكم الشرع فيها، و لا يقف عند حدود شرح طريقة الوضوء و نواقضه في خطبة الجمعة.
و قال أن الخطاب الديني يشترط مراعاة الأحداث و الأزمان و الظروف لكي يعطي لكل ذي حق حقه، كما على الخطاب الديني أن يراعي نوع الجمهور و وجهته و زمان خطابه، لأن الجمهور يختلف من حيث المستوى و الطبقة، حتى أن البشر انواع و أمزجة و طبائع و استعدادات مختلفة، فهناك الروحاني و العقلاني و العاطفي و العصبيّ ( من العصبية) و هناك حادُّ الطبع، إذ لا يجوز لكل من هبّ و دبّ أن يلقي خطابا دينيا أو يصدر فتوى أو يناظر و يباحث في مسألة دينية، فالمفتي و الفقيه والعالم و الداعية والإمام و الخطيب يجب عليه أن يكون حاملا لرسالة الأنبياء و شرف نقلها إلى الناس و أن يلتزم بأخلاق الأنبياء و سندهم، والسند هو التلقي عن العلماء الراسخين في حلقاتهم العلمية في كل موقع ( المساجد، النوادي، المدرسة و الجامعة )، وقد أشار الكاتب في العنوان الفرعي ( ص 87) الذي جاء بالصيغة التالية: عالِمٌ رَخِيصٌ و قارئٌ سفيهٌ يشترون بآيات الله ثمنا قليلا، لخطورة الوضع ، كما قدم الدكتور محمد نعيم محمد هاني ساعي عينة من المشكلات التي يغرق فيها المجتمع المسلم عندما تحدث في الصفحات ( 215،216، 217، 218) عن العلاقات بين الناس و بالأخص مسألة الزواج و تعدد الزوجات و مشروعيته و ما جاءت به أحكام الإسلام و مقاصده، نعرض هنا بعض الملاحظات حول الخطاب الديني الحالي و ما يحدث في الحياة اليومية للمجتمع المسلم.
الملاحظة الأولى: تتعلق بما يحدث في المؤتمرات التي تنظمها الأحزاب السياسية، حيث عادة ما تفتح مؤتمرها بآيات من ذكر الله الحكيم، و النشيد الوطني ثم فجأة يتحول المؤتمر إلى حلبة صراعات من أجل التموقع ، هذه الصراعات ترافقها بعض السلوكات اللاأخلاقية تصل إلى حد سب الله و الطعن في الدين فضلا عن سماع الكلمات البذيئة التي يخجل الإنسان من سماعها أمام رفيقه في النضال أو امرأة تقف في مكان قريبا منه ، فلا هم احترموا القرآن الذي كان يتلى على مسامعهم، و لا هم احترموا النشيد الوطني، ألا يمكن القول أن هذا الإمام الذي افتتح المؤتمر أساء للخطاب الديني، لأنه حضر مَجْمَعِ لا تراع فيه الحرمات.
الملاحظة الثانية: الجدل القائم حول الحديث الشريف في قوله صلعم: "خيركم.. خيركم لأهله" أخرجها الترمذي عن عائشة بسند صحيح، أريد بها أنه إذا كان المتحدث باسم الدين خارج بيته كريما فميزان الرسول يقتضي أن يكون لأهل بيته أكرم، و إذ كان خارج بيته متأدبا لبقا فالواجب ان يكون داخل بيته أكثر لباقة و أدبا، إذا كان مع الناس حليما صبورا فالميزان النبوي يقتضي أن يكون مع أهله أكثر حلما و اشد صبرا و هكذا، فهذا الحديث أعطيت له عدة تفسيرات، منهم من قال أن كل من يستعمل خطابا مزدوجا و مختلفا أي ان ما يقوله خارج بيته لا ينبغي ان يقوله داخل بيته، اي أنه حر يقول ما يشاء و يفعل ما يشاء خارج بيته و كأن الشارع ليس له حرمة، فهناك من انتقد الدعاة و وضعوهم فوق المشرحة و وقفوا على مظاهر الإزدواجية و الإنفصام لدى الدعاة و العاملين في مجالات الدعوة إلى الله ، فهو أمام الناس شيئ و بينه و بين نفسه شيئ مناقض ، يعيش صراعا بين متطلبات الدعوة و خصائص و احتياجات المرحلة العمرية كون البعض يعاني من مشكلات العلاقة مع الجنس الآخر و غيرها من الأمثلة، المشكلة أن هناك من فهم الحديث خطأ، بحيث فسره بأن خيركم لأهله أي أنه يصون أهل بيته و يحافظ على كرامتهم و شرفهم أما باقي الناس خارج البيت فهو غير ملزم بذلك وغير مسؤول عنهم.
الملاحظة الثالثة: وهي تتعلق بالممارسات السياسية التي تقوم بها بعض الجماعات الإسلامية إذ يلاحظ أن بعض المتطرفين استغلوا الجهاد في سبيل الله من أجل إغراء النساء و الإيقاع بهن ، ففي الجزائر مثلا و على غرار البلدان التي عاشت الحروب الأهلية ، فقد حوّل هؤلاء المرأة المسلمة إلى "انتحارية"، و أخريات تحوّلن إلى "جواري"، الطامة أن الفئة الثانية أنجبن أطفالا، فيما أطلق عليهم اسم: " أبناء الجبل" و السلطات العمومية الآن تبحث لهم عن حلول لإدماجهم وسط المجتمع، في حين نجد بعض الأزواج الراغب في ربط علاقة بامرأة أخرى باسم الخصوصية، و لتحقيق هدفه يلجأ إلى الطرق اليسيرة و هو الزواج "العرفي" أو كما يسمونه بزواج المسيار عند أهل الجماعة و السنة ، و زواج المتعة عند فرق الشيعة.
و كما يقول المنظرون في حقل الأسرة و التربية:" لكل شيئ أصل يُبْنَى عليه و لكل بناءِ قواعدٌ و أسسٌ، و لئن ذهب أصل الشيئ و أساسه فقد ذهب الشيئ كله"، و بالرغم من أن الزواج العرفي شرعيٌّ فالسؤال الذي يمكن أن يطرح هنا: هل يرضى رجل عاقل أن تتزوج ابنته أو أخته زواجا عرفيا؟ ثم إن كان هذا الرجل يكن و لو بشيئ قليل لهذه المرأة/الفتاة من المودة و الإحترام ألا يحق له أن يمنحها لقبه ويصبح زواجهما كاملا و هذا من باب صون كرامتها و كبريائها، كانت السلطات الجزائرية ( كعينة) في فترة ما ، قد اتخذت بعض الإجراءات القانونية فيما يخص الأحوال الشخصية، حيث اشترطت على من يرغب في الزواج بثانية موافقة الزوجة الأولى و تكون حاضرة أمام القاضي لتوقع على زواجه بأخرى ثم ألغيت هذه الإجراءات، ثم أنه من يخفي زواجه عن زوجته الأولى وأهله فكيف يكون خيرا لأهله؟ و كيف له أن يقتدي بالرسول الصادق الأمين الذي امر بالصدق و الأمانة و العدل و الإحسان قبل نزول عليه الوحي؟.
الخطاب الديني و ظاهرة التطرف و الإرهاب
كان هذا عنوان فرعي ضمنه صاحب الكتاب في الصفحة 155 من كتابه، ففقدان المرجعية الدينية أو تغييبها عمدا تفتقت عنها عقليات بعض من كانوا محسوبين على الحركات الإسلامية أو ممن تأثروا بها و بعض من لا صلة لهم بحركة أو جماعة ، حيث تبنوا كما يقول المؤلف فكرا ساذجا غريبا أو فهما شاذا و تولدت عن هذا الفكر الساذج تيارات متطرفة و اتجاهات حديثة مغالية، فالتعددية الفكرية الدينية و الإنقسامات جعلت الأصوات مشتتة و المواقف متناقضة ، حيث لم يجد هؤلاء من وسيلة التعبير عن فكرهم و رأيهم أقوى من القتل و التفجير و إرهاق الأرواح و سفك الدماء و العبث بالمصالح و المرافق العامة و الخاصة لأن ساحة الخطاب الديني المعتدل غائبة فكان الخطاب الديني المتطرف هو البديل، لدرجة أن أصبح لكل جماعة مرجعيتها الدينية، فنقرأ عن شيعة ابن تيمية والألباني و شيعة البنّا و قطب في مصر، و شيعة محمد عبد الوهاب في السعودية وبعض الأقطار العربية، و الشنقيطي في السودان، أما في الجزائر فهم متعددوا المرجعيات ، فمنهم من جعل الشيخ محمد الغزالي و البوطي مرجعيته الدينية، و هناك شيعة علي بن أبي طالب و ابنه الحسين، وتقابلها الوهابية و بدأنا نسمع عن شيعة علي بن حاج و هم أنصار الفيس الذين لا زالوا يحلمون بالعودة، الغريب أن علي بن حاج له مؤيدوه و مناصروه و هم كثر يضعون فيه ثقتهم، دون الحديث عن المذاهب الحديثة الظهور التي كانت تنشط في الخفاء كالمدخلية و الأحمدية وغيرها..
لم يكن الغرب غافلا عما يحدث في الشارع الشرقي و المشكلات التي يغرق فيها المجتمع الإسلامي و تغيير الخطاب الديني الذي امتد إلى حد التحريض فتعامل معه على أنه حقيقة و لاعب أساسي لا يمكن الإستخفاف به أو تجاهله لأن بعض الذين انزووا على المنابر يفتقرون إلى لغة الخطاب الديني المعتدل، إن أولئك كما قال عنهم صاحب الكتاب لا يصلحون أن يكلمون أنفسهم فكيف يصلحون لخطابة الجمهور و عظته إذ يقول: " إنما يرتقي المنبر من يمثل أعلى مراكز البيان ( الخطاب الديني) أما الهواة فلا يجوز لهم ذلك، فكم نقل هؤلاء و أشباههم معلومة خاطئة أو حديثا ضعيفا لا يصح لحال و كم أحدث بعضهم فتنة أو قلاقل..الخ"، لدرجة أنهم كانوا لعبة بين ايدي الغرب الذي استغل الأحداث و جعلها سلاحا يضرب به الأسرة المسلمة هذا عن طريق علمنة التعليم، أي عزل التاريخ و التربية الإسلامية من قاعات الدرس فلا يجوز أن يفهم الطالب المسلم (الشرقي) أن الحصانة الأخلاقية و الحماية الإجتماعية لا تأتي عن طريق الدين و الأعراف و المبادئ و الأخلاق و إنما تأتي عن طريق الإنفتاح، هي دعوة الإصلاح المسمومة لإخراج المسلم عن نهجه الرباني.
الإتحاد العالمي للعلماء المسلمين ازدهار أم انحدار؟
و لذا نجد المؤلف يُحَمِّلُ المجتمع المسلم المسؤولية في إفراز هذه الظواهر الخطيرة مثلما جاء في الصفحة 156 من الكتاب عندما قال: إن أبواق الباطل مسموعة مشروعة و أصوات الحق متهمة ممنوعة، و لعل هذا ينطبق على الإخوان في مصر و النهضة في تونس، و الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر التي منعت من حقها في المشاركة السياسية رغم تدابير المصالحة الوطنية و القوانين التي صدرت في هذا الشأن، إنها كما يقول دوّامة من المتناقضات و أمواج متلاطمة من الأضداد و المتعارضات و هذا هو التطرف و الإرهاب بعينه، و للفصل في هذه المشكلات وما يواجه المسلمين من مظاهر العنف و التطرف و المغالاة في إطلاق الفتاوى اضطر علماء الأمة و فقهائها إنشاء هيئة عامة أو مجمع ينظم أمورهم و هو اتحاد رابطة العلماء المسلمين فلا يحق لأيّ كان أن يفتي في مسألة من المسائل سواء كان عالما أو فقيها إلا بموافقة تلك الهيئة، بحيث يخرج العلماء و الفقهاء الموثوق فيهم على الجمهور من المسلمين و عامتهم برأي موحد و لو وجد من يعارض من داخل تلك الهيئة، لكن أين هي رابطة العلماء المسلمين اليوم؟؟، فهي تتأرجح بين الازدهار و الانحدار، و الدليل الصراع القائم حاليا بين علماء متخصصين نشأوا في احضان العالم الإسلامي ( قضية أحمد الريسوني رئيس الاتحاد و تهجمه على الجزائر بسبب الصراع الدائر بينها و بين المغرب و هذا ما يؤكد على الغياب الكلي للخطاب الديني و ثقافة الحوار حتى بين العلماء الذين كان من المفروض أن يكونوا وسطاء بين الحكام و الحكومات لفض النزاعات القديمة و التي لم يتم الفصل فيها إلى الآن، فالصراع بين حكومات لها قاسم مشترك في اللغة و الدين و الثقافة.
الملاحظة الرابعة: و هنا تجدر بنا لأن نفتح قوسا صغيرا بالرجوع إلى المرجعية الدينية التي تمت إليها الإشارة للوقوف فيما يحدث الآن و الحال الذي وصلت إليه الأمة بسبب تعدد الفتاوى و كثرة المفتين، بحيث أصبح كل من هب و دب يقول أنا مفتي و سمحت لهم أنفسهم إطلاق فتاوى دون سند شرعي أو دون حوار و نقاش في المسائل المنازع فيها، إن غياب ملتقيات الفكر الإسلامي و حوار الأديان و الثقافات و توقف المناظرات العلمية الدينية أخلطت كل الأوراق، بعد غلق باب الإجتهاد ، فكل واحد يُكَفِّرُ الآخر لمجرد أن هذا الأخير اجتهد و أبدى رأيه في مسألة تتعلق بالفكر الديني في ظل الصراع بين الأصوليين و الحداثيين، و كأن هؤلاء أرادوا أن يكونوا شركاء مع الله في الحكم أو نواب عنه و خلفاء، و قد كانوا بسبب تعصبهم و تشددهم سببا في تنفير المسلمين من دينهم، لأنه لم يكن لديهم كما يقول الكاتب تصورٌ للقضايا الكبرى في الإسلام، يقول الدكتور محمد نعيم محمد هاني ساعي في الصفحة 169 من الكتاب: "إن دور العلماء هو تفنيد الأفكار الباطلة و النحل الفاسدة و الآراء الشاذة في حالة قيام شبهة من الشبهات و ذلك بدافع من الغيرة الدينية و الشعور بالمسؤولية.
فما أحوج الأمة اليوم إلى إحياء دينها و معالم عزها و مجدها و تجديد خطابها الديني عن طريق علمائها و حكامها لا عن طريق مراهقين اطلعوا على بعض الكتيبات أو المطويات و ادّعوا أنها فقها و فتوى يغسلون بها عقول الجهلة و السذج، و كم من المتعصبين من جعلوا من الشباب انتحاريين باسم الجهاد في سبيل الله ( و لتكن منكم أمة يدعون إلى الخير و يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر - الآية 104 من سورة آل عمران)، الحقيقة فقد أثارت في نفسي جرأة المؤلف و هو ينتقد بعض العلماء و الفقهاء، إذ نقرأ قوله في الصفحة 174: " سقى الله أياما كانت لفتوى العالم فيها هيبة تهزّ لها عروشٌ و ممالكٌ، ثم استدار الزمان و انقلبت الأيام فإذا بفتوى العلماء تتخذ من دور الإفتاء سكنا لا تغادره أو قبرا لا تفارقه قد أكل عليها الدهر و شرب، لا نرى نورا و لا هواءً و لا شمسا و لا ضياء"، فمنصب الإفتاء كما يقول لا يأتي من خلال تحزب يتحزبه أو جماعة أو حركة سياسية يتعلق باسمها، فهيبة المفتي تأتي من خلال قلبه و لسانه، فلا يبقى الدين حبيس المنابر في المساجد ،بل عليهم أن ينزلوا إلى الساحة و معانقة الجماهير.
ما جاء في كتاب الدكتور محمد نعيم محمد هاني ساعي كان تشخيصا دقيقا لواقع الخطاب الديني الإسلامي و شخصية الدعاة و الفقهاء، و قد تعرض باحثون آخرون إلى هذه الإشكالية و من بينهم رمضان فوزي محرر بالنطاق الدعوي بشبكة إسلام أون لاين عندما نقل اعترافات بعض الخطباء في كتاب له بعنوان سكيزوفرينيا الدعاة و مظاهر الإزدواجية و الإنفصام لدى الدعاة و العاملين في مجالات الدعوة إلى الله، من أجل الوقوف على الحقيقة ، حيث اشار إلى وجود مشاكل في التطبيق و أن افتقاد القدوة هو سبب التدين المغشوش، يقول رمضان فوزي: هناك داعية يريد الدنيا و هناك داعية عصبيّ و هناك داعية عنيف حتى في خطابه مع الآخر و هناك دعاة ضيقي الأفق، و قد اعتمد رمضان فوزي في تشخيص شخصية الدعاة على الأسئلة و الإستشارات التي يطرحها العامة و طريقة معاملة الدعاة للجمهور، خاصة و أن هناك دعاة يعانون من انفصام في الشخصية حاول رمضان فوزي تبسيطها و وضع لها بعض الحلول، فالدعاة و العلماء و الفقهاء قبل كل شيئ بشر و معرضون للخطأ و النسيان، و قد دعا المهتمون بالخطاب الديني في الإسلام و ضرورة تجديده الجماعات الإسلامية أن تعيد النظر في افكارها و فلسفتها و برامجها و أن تنتقد ذاتها و قبولها مبدأ الإعتراف بالآخر ( المعارض) و الإستماع إليه، أي أن لا تكون جماعة ضغط و تهديد و وعيد، تُكَفِّرُ و تقتلُ و تنفر الناس من الدين بتعصبها، فالإسلام كما يقال كلما تزمنن كلما انحاز إلى الطبقات المسيطرة، و إذا تزمنن فهو قد تمأسس و خرج عن دوره الريادي .
علجية عيش مع ملاحظات
صحفية و مؤلفة في رصيدي خمس كتب
و أعمال منتهية تنتظر الطبع، من بينها رواية
و مشروع كتاب جديد