من غير الأسوار، هل للمدن القديمة وجود طبيعي وتاريخي، أثرٌ باقٍ في صُحف الأولين والآخرين، انتسابٌ أخير لعصر ما؟
للبيوت ضمن سور المدينة أسوار تحيطها. فالبيت جزء من صورة المدينة المسوَّرة، وركن لقسم من سكانها الذين يختارون التحصّن والاستقلال عنها. (تشذّ بيوت الصحراء والأهوار عن هذا التصنيف إلا قليلاً منها).
أفكر أولاً بالمسافرين، الداخلين والخارجين من البوّابات المشرعة على الفيافي والخنادق المائية، على المسافات البعيدة. أفكر بالشتات الأبدي، التوزيع العشوائي للحيَوات الضالة والملعونة، الظلال الثابتة على حجارة نزف الدم عليها وراء الأسوار.
أفكر بالمهاجرين، بالمنفيين، تلفظهم البوّابات، بتأشيرات سفر أو بغيرها، بالرحالة والسفراء والجواسيس. أولاءِ سببٌ رئيس في بناء الأسوار، تتشكل حياتهم بتشكلها ويُعمَّرون بسنوات عُمرها.
أفكر بمكتشفي المدن ذات الأسوار، أولئك من طراز جلجامش الأول وابن بطوطة وثيسيجر، حتى ج. كوتزي، صاحب رواية (بانتظار البرابرة).
لن ننسى البرابرة والغزاة، يدخلون من البوابات الصحراوية والمائية، منذ عهود غابرة وأزمان قريبة. إنهم مقوّضو السلام وفاضحو عري المدن الآمنة.
أفكر بالمسافر الذي تلوح له أسوار مدينةٍ كعقبة كأداء يساوم العسَسَ وحرّاسَ الأبراج على اتفاق لدخولها والاستقرار في بيت أو نُزل فيها. أفكر بأوّل مسافر على الأرض، وأوّل فضائيّ يحلق فوق الأسوار بسفينته. أفكر بغاغارين قرين باسترناك صاحب (الطرق الهوائية) التي سافرت عليها الأفكارُ المحظورة.
وعلى طريقة فوكو في استبدال الأمكنة والتحقيق في وثائق الدخول والخروج، فقد تكون مطارات المدن بديلاً تاريخياً للأسوار؛ والطائرات وسفن الفضاء بديلاً تقويضياً لعقلية التجارة والسفر على الإبل والسفن في القرون الماضية. الأسوار تتقوّض طبيعياً واستبدالياً بالحصارات العسكرية والتوسّعات الاستيطانية واتساع مسافات السفر.
الحصار والحرب والتجارة ذات ارتباط ببنيوية أسوار المدن الاستعمارية والأوتوقراطية، كما أن التمدّن والاستيطان العشوائي والمنظّم وسيلتان لتقويض الأسرار العائلية للأسر الأصلية في تلك المدن. للسجون والمصحّات والمتاحف والمكاتب الخاصة أسوارها أيضاً، حيث أنها استبدالات بنيوية وصُوريّة للمدن وسكانها.
لا وثائق من دون أسوار، ولا سطر في كتاب من غير صفوف الحجارة، وغبار التقويض الأساسي لمخططات المدن التي دافعت عن أسوارها ضد أشكال الاستبدال القسري؛ بل لا وجود أدبياً لثيمات الرعب والاستحواذ في قصص الأولين والآخرين، إلا بنسخ البناء الدائري أو المستطيل لخرائب الأسوار، ومتاحف الآثار.
أتخيّل المدن الحديثة بأسوار مبتناة بطريقة ما، فعلية أو افتراضية. الكاميرات ووسائل التحسّس الإلكترونية والشبكات الحديدية (الدفاعية) جميعها أشكال لأسوار تحوط المتروبولات العظمى في عالم اليوم.
السُّور شكل من أشكال الإحاطة الكونية لكوكب الأرض، ورمز لهيمنة قوى عليا على سكانه. السماء_ سُور مراقَبة وحدّ حراسة عليا. ثمة غموض كبير وسلطة متوارية عن أنظار البشر في عمق المدى الكوني غير المنظور. التلسكوبات الكبرى وسيلة استطلاع/ تسلّط على الأسرار الكونية؛ ورحلات الفضاء تعادل رحلات الأرض منذ بناء أولى المستوطنات البشرية على الأرض.
تحمل سفن الفضاء رسائل تعرُّف للمجهول. المسافرون الفضائيّون ظلالٌ مسافرة معكوسة عن مسافري المدن المسورة، نَفيٌ عدميّ خارج نطاق الأسوار الأرضية حتى أمد غير معلوم.
السُّور: سُلطة، نصّ هيرمنيوطيقي، متعدّد الطبعات، بأنظمة قراءة لا حصر لصورها ولغاتها.
السُّور: هوية. شَتات. عدَم.
السُّور: أفكار تُحال الإباحة عنها.
(الصور: الأولى لبيت ذي سور في الأنبار، من صفحة الصديق الدكتور عبد العظيم فليح حسن. والصورة الثانية لسور سامراء مستعارة من الفيس بوك، والثالثة للباب المعظم في سور بغداد، والرابعة لبيت ريفي، والخامسة لجزء من سور البصرة، والسادسة سور قلعة أربيل)
للبيوت ضمن سور المدينة أسوار تحيطها. فالبيت جزء من صورة المدينة المسوَّرة، وركن لقسم من سكانها الذين يختارون التحصّن والاستقلال عنها. (تشذّ بيوت الصحراء والأهوار عن هذا التصنيف إلا قليلاً منها).
أفكر أولاً بالمسافرين، الداخلين والخارجين من البوّابات المشرعة على الفيافي والخنادق المائية، على المسافات البعيدة. أفكر بالشتات الأبدي، التوزيع العشوائي للحيَوات الضالة والملعونة، الظلال الثابتة على حجارة نزف الدم عليها وراء الأسوار.
أفكر بالمهاجرين، بالمنفيين، تلفظهم البوّابات، بتأشيرات سفر أو بغيرها، بالرحالة والسفراء والجواسيس. أولاءِ سببٌ رئيس في بناء الأسوار، تتشكل حياتهم بتشكلها ويُعمَّرون بسنوات عُمرها.
أفكر بمكتشفي المدن ذات الأسوار، أولئك من طراز جلجامش الأول وابن بطوطة وثيسيجر، حتى ج. كوتزي، صاحب رواية (بانتظار البرابرة).
لن ننسى البرابرة والغزاة، يدخلون من البوابات الصحراوية والمائية، منذ عهود غابرة وأزمان قريبة. إنهم مقوّضو السلام وفاضحو عري المدن الآمنة.
أفكر بالمسافر الذي تلوح له أسوار مدينةٍ كعقبة كأداء يساوم العسَسَ وحرّاسَ الأبراج على اتفاق لدخولها والاستقرار في بيت أو نُزل فيها. أفكر بأوّل مسافر على الأرض، وأوّل فضائيّ يحلق فوق الأسوار بسفينته. أفكر بغاغارين قرين باسترناك صاحب (الطرق الهوائية) التي سافرت عليها الأفكارُ المحظورة.
وعلى طريقة فوكو في استبدال الأمكنة والتحقيق في وثائق الدخول والخروج، فقد تكون مطارات المدن بديلاً تاريخياً للأسوار؛ والطائرات وسفن الفضاء بديلاً تقويضياً لعقلية التجارة والسفر على الإبل والسفن في القرون الماضية. الأسوار تتقوّض طبيعياً واستبدالياً بالحصارات العسكرية والتوسّعات الاستيطانية واتساع مسافات السفر.
الحصار والحرب والتجارة ذات ارتباط ببنيوية أسوار المدن الاستعمارية والأوتوقراطية، كما أن التمدّن والاستيطان العشوائي والمنظّم وسيلتان لتقويض الأسرار العائلية للأسر الأصلية في تلك المدن. للسجون والمصحّات والمتاحف والمكاتب الخاصة أسوارها أيضاً، حيث أنها استبدالات بنيوية وصُوريّة للمدن وسكانها.
لا وثائق من دون أسوار، ولا سطر في كتاب من غير صفوف الحجارة، وغبار التقويض الأساسي لمخططات المدن التي دافعت عن أسوارها ضد أشكال الاستبدال القسري؛ بل لا وجود أدبياً لثيمات الرعب والاستحواذ في قصص الأولين والآخرين، إلا بنسخ البناء الدائري أو المستطيل لخرائب الأسوار، ومتاحف الآثار.
أتخيّل المدن الحديثة بأسوار مبتناة بطريقة ما، فعلية أو افتراضية. الكاميرات ووسائل التحسّس الإلكترونية والشبكات الحديدية (الدفاعية) جميعها أشكال لأسوار تحوط المتروبولات العظمى في عالم اليوم.
السُّور شكل من أشكال الإحاطة الكونية لكوكب الأرض، ورمز لهيمنة قوى عليا على سكانه. السماء_ سُور مراقَبة وحدّ حراسة عليا. ثمة غموض كبير وسلطة متوارية عن أنظار البشر في عمق المدى الكوني غير المنظور. التلسكوبات الكبرى وسيلة استطلاع/ تسلّط على الأسرار الكونية؛ ورحلات الفضاء تعادل رحلات الأرض منذ بناء أولى المستوطنات البشرية على الأرض.
تحمل سفن الفضاء رسائل تعرُّف للمجهول. المسافرون الفضائيّون ظلالٌ مسافرة معكوسة عن مسافري المدن المسورة، نَفيٌ عدميّ خارج نطاق الأسوار الأرضية حتى أمد غير معلوم.
السُّور: سُلطة، نصّ هيرمنيوطيقي، متعدّد الطبعات، بأنظمة قراءة لا حصر لصورها ولغاتها.
السُّور: هوية. شَتات. عدَم.
السُّور: أفكار تُحال الإباحة عنها.
(الصور: الأولى لبيت ذي سور في الأنبار، من صفحة الصديق الدكتور عبد العظيم فليح حسن. والصورة الثانية لسور سامراء مستعارة من الفيس بوك، والثالثة للباب المعظم في سور بغداد، والرابعة لبيت ريفي، والخامسة لجزء من سور البصرة، والسادسة سور قلعة أربيل)